الفصل السابع والعشرون
(٦٠) موضوع هذا الفصل هو رجل اﻟ «تي» الذي اتحدت مَلَكاته العقلية والجسدية في كلٍّ لا ينفصم، والذي ينشط مستمدًّا مبادراته من منبع التلقائية الكونية، إنه يباشر عمله دون أن يراقب نفسه خلال أدائه، فعقله مُوحَّد وغير منفصم إلى شطرٍ يفكِّر وآخَر يراقب، كما أن جسده مُوحَّد وغير منقسم إلى شطر يعمل وشطر يطلب المَدَد من الذهن الذي يحلِّل ويُجزِّئ. من هنا فإن أفعاله تأتي في تناسق وتناغم مع ما هو تلقائي وطبيعي.
ولعل أبلغ مثال عن رجل اﻟ «تي» في لحظة الفعل والاستجابة المباشرة، هو رجل السيف الذي يتلقى ضربة مفاجئة من خصمه، إن أي تفكير هنا سوف يقوده إلى هلاك مُحقَّق، وأي حساب للربح أو الخسارة سوف يجعله في عِداد الخاسرين، وما عليه في هذه اللحظة، التي يكون فيها الأجزاء الثانية الواحدة أهمية بالغة، إلا أن يترك استجاباته التلقائية حرَّة من أيِّ قيد ذهني. وهذا معنى قول المعلم في هذه الفقرة بأن المحنك في الأسفار لا تترك عجلاته وراءها أثرًا، وفي هذا القول أبلغ مجاز عن الفعل الذي يُنجز بتلقائية وبدون قسر أو جهد فلا يترك وراءه أثرًا يدل عليه، ومثل المحنك في الأسفار أيضًا البارع في الكلام، الذي يترك لسانه على سجيته دون أن يفكر في كل كلمة يقولها.
(٦١) من هنا فإن رجل الدولة الذي تماثل مع التاو واكتسب اﻟ «تي» يحكم رعيته باتباع بصيرته لا ذهنه، وحكمته في إدارة الدولة لا تأتي بالدرجة الأولى من معرفة علوم السياسة، بقَدْر ما تأتي من معرفته لنفسه واستمداد مَلَكاته الطبيعية، فهو مثل التاو لا يفعل ولكنه لا يترك شيئًا بحاجة إلى إتمام.
(٦٢) تتجلَّى في هذه الفقرة النزعة الاجتماعية الإيجابية في النظر إلى علاقات الناس، والتوكيد على الغيرية في موقف الفرد من الجماعة.