الفصل الثامن والعشرون
(٦٣) يمزج لاو تسو هنا بين فلسفته في اللِّين وفلسفة اليانغ-ين. فالرجل يعرف أنه مزيج من «يانغ» صلب و«ین» ليِّن، ورغم أن عناصر اﻟ «يانغ» هي التي تصنع منه ذكرًا، إلا أنه في سلوكه يجب أن يفيد من عناصر اﻟ «ین» أيضًا، ونموذجه في ذلك الماء، مرَّة أخرى. فإذا جنح إلى اللِّين صار مثل مسيل الماء الجاري الذي يحقِّق هدفه دون جهد، واكتسب اﻟ «تي» التي هي سِمة التاو في تجلِّيه وتخلله الموجودات جميعًا، وهذا معنى قوله:
ثم إنه يعيد توكيد فكرته باستخدام مجاز الأبيض والأسود للدلالة على قوتَي اليانغ-ين، فيقول:
وهنا إشارة إلى الحاكم الذي يسلك في طريق التاو ويجعل من نفسه نموذجًا للرعية، فإذا كان الإباء من سمات اﻟ «يانغ» والتواضع من سمات اﻟ «ین»، فإن معرفة الحاكم للإباء وفي الوقت نفسه التزامه للتواضع في سلوكه، من شأنها أن تجعله مثل الماء الذي يعكس صورة اﻟ «تي» الخالدة.
(٦٤) في قوله هنا إن الجلمود الخام عندما يُنحَت ويُجزَّأ يصير آنية، إشارة إلى الوزراء والنوَّاب الذين يعتمد عليهم الحاكم في إدارة الدولة، فكما أن الجلمود الخام لا وظيفة له، كذلك الحاكم الذي ينبغي ألَّا يمارس عملًا مُحدَّدًا، بل أن يكتفي بالإشراف على مَن لهم أعمال مُحدَّدة، مثل هؤلاء مثل الجلمود الخام بعد أن يُنحَت ويُجزَّأ إلى قطع ذات شكل مُعيَّن ووظيفة مُعيَّنة.
(٦٥) يبدو هذا المقطع أشبه بالأمثال الدارجة، فالخياط الماهر في التفصيل والخياطة لا يتكئ كثيرًا على المقص، فإذا استخدمه حقَّق غايته بسهولة ويُسر، ومن غير أن يهدر الكثير من الزوائد والقصاصات، عند ذلك يخرج الثوب من بين يدَيه وكأنه القطعة القماشية وقد صارت ثوبًا من دون تدخُّل المهارة البشرية، ومثل الخياط في ذلك الحاكم الذي يُدير شئون رعيته بأبرع السُّبل وأسرعها، ودون أن يشعر بوطأته أحد:
على ما أفادنا به المعلم في الفصل ١٧ الفقرة ٤١.