الفصل الثاني والثلاثون
(٧٢) للتاو حالان، حال البطون وحال الظهور، في حال البطون ليس للتاو اسم، لأن الأسماء تلحق الأجزاء والأشكال، أمَّا الكل فلا يلحقه الاسم لأنه بلا أجزاء وبلا شکل وبلا حدود. قبل ظهور الموجودات عن التاو لا مجال لتصوُّر الاسم، وبعد ظهور الموجودات عن التاو صارت الأسماء ضرورة لحصول الأجزاء ووضوح الأشكال وتمایُز الحدود، فإذا تطلبت الأجزاء أسماء اتخذ المطلق تجاهها اسمًا، فكانت أسماؤها على ما هي عليه، وكان اسمه التاو، به تعرفه الآلاف المؤلَّفة، ومن خلال اسمه ينظرون بعين بصيرتهم إلى ذاتويته التي لا تلحقها الأسماء ولا الصفات.
ويعبِّر لاو تسو عن حال البطون وحال الظهور، من خلال مجاز الجلمود الخام؛ فالجلمود الخام في حالته الطبيعية بدون اسم، وعندما يُجزَّأ الجلمود إلى قِطَع ذات شكل ووظيفة مُحدَّدة تظهر الأسماء، ولكن التاوي أمام هذه الكثرة من مظاهر الطبيعة يرى إلى الكثرة في الوحدة، وينظر من خلال الأشياء إلى مصدرها، من الحركة إلى المركز الساكن الذي تئول إليه كل حركة، التاوي يثبت في الواحد الذي تلتقي عنده الثنائيات وتذوب الأقطاب.
التاو هو المنبع الخلَّاق لكلِّ شيء، والأشياء طرًّا هي ظهوراته، من هنا فإن الآلاف المؤلَّفة هي أشكال مُتمايِزة ظاهرًا، ومتحدة باطنًا، كلٌّ منها يعكس الكل الذي صدر عنه ويتطابق معه، إذا أدركت الأجزاء استقلاليتها في كليتها، وكليتها في استقلاليتها الْتَقت السماء بالأرض، على حدِّ تعبير النص، وسلك الكل في نظام دون حاجة إلى نظام مُصطنَع مفروض.
(٧٣) يستخدم لاو تسو هنا مجاز البحر والنهر لوصف التاو، وقد شرحنا مُؤدَّى هذا المجاز في مواضع سابقة.