الفصل الثامن والثلاثون
(٨٢) عندما تؤدي عمل الخير وأنت شاعر به، وعن سابق تصميم وتدبير، ثم تشعر بعد ذلك بالرضى عن نفسك وبالسعادة لأنك إنسان خيِّر، فأنت إنسان غير فاضل بالمعيار التاوي، لأن الخير في هذه الحالة لا ينبع من ذاتك الطبيعية بل من الأنا المشغولة بنفسها وبالرضى عن أعمالها. أمَّا عندما يتصف عملك بالخير في كل خطوة تخطوها، ومن دون أن تشعر بأنك تؤدِّي عملًا خيِّرًا، أو يتملكك إحساس بالرضى عن نفسك واعتزاز بعملك، فأنت إنسان فاضل حقًّا.
(٨٢-أ) إن القيام بعمل الخير دون قصد أو تصميم على إتيان الخير هو شكل من أشكال اللافعل، أمَّا القيام بعمل الخير عن قصد وترقُّب للنتائج، مادية كانت أو معنوية، فهو شكل من أشكال الفعل، الفضيلة الناجمة عن الفعل تبقى غير كاملة، أمَّا الفضيلة الناجمة عن اللافعل فهي الفضيلة الكاملة، لقد قال المعلم في الفصل السابق:
(٨٢-ب) من هنا يميِّز المعلم بين ثلاث درجات للعمل الصالح، هي الخير والاستقامة والشريعة، فرجل الخير يؤدي عمله دون دوافع، واعية كانت أم غير واعية، ورجل الاستقامة يؤدي عمله بدوافع خفية، وعلى رأسها إرضاء «الأنا» التي تحاول دومًا رسم صورة لنَفْسها تتمرأى بها وتعرضها أمام الآخَرين، ورجل الشريعة يؤدي عمله استنادًا إلى لوائح أخلاقية وسلوكية وضعَها وقرَّرها له الآخَرون، وهو إذ يجعل من هذه اللوائح مرجعيته الوحيدة بخصوص ما هو صالح وما هو طالح، فإنه يحاول أيضًا فرضها على الآخَرين ويعمد إلى إقناعهم بها بالقوة.
(٨٣) هذا التدرُّج في سلوك الناس من الخير إلى الاستقامة إلى الشريعة، مردُّه درجة ابتعاد المجتمع عن سبيل التاو أو اقترابهم منه، فعندما يُنسى التاو تظهر الفضيلة، وعندما تُنسى الفضيلة يظهر عمل الخير، وعندما يُنسى عمل الخير تظهر الاستقامة، وعندما تُنسى الاستقامة تظهر لوائح الأخلاق، والشرائع المفروضة من أجل إلزام الناس بجادة الصواب.
(٨٤) عندما تظهر الشرائع المفروضة من قِبَل أية سلطة، فإن في ذلك مؤشِّرًا على وجود خلل في المجتمع، لأن المجتمع السليم المتماشي مع سبيل التاو لا يتطلب شريعة أخلاقية تنظِّم علاقات أفراده، الشريعة هي قشرة خارجية للإيمان والإخلاص، ورجل الفضيلة الحقَّة لا يأبَه لها بل يصدر في سلوكه عن منبع الأخلاق الأصلي.