الفصل الثالث والأربعون
(٩٦) لا يهدف التاوي إلى إقامة علاقة معرفية مع العالَم، بل إلى إقامة علاقة اختبارية مباشرة، تهدف إلى تذوق جمالية الأشياء واكتشافها في ذاتويتها، من هنا فإن تكديس المعارف التقليدية واستخدامها في تحليل ما يقع تحت أبصارنا من أجل فهمه، يُبعدنا عن جوهر العلاقة الحقيقية مع الأشياء، وهذا معنى قوله:
وعلى عكس المعرفة التقليدية، فإن المعرفة الباطنية تضيف إليك باستمرار ومن دون أن تصل حدَّ الامتلاء بها، على ما قاله المعلم في الفصل ٢٠:
وفي الفصل ١٥:
ومن الممكن أن يكون لهذه الفقرة معنًى عملي يتعلق بجمع الثروة وتكديس الأموال واقتناء ما يزيد على حاجات الإنسان الاعتيادية، فبإضافة الممتلكات الزائدة إليك تنقص وتفقد الكثير من نكهة الحياة الحقيقية. وكلما نقصت رغباتك في هذه الممتلكات وقلَّ سعيك إليها تكسب، وفي هذا ما يُشبه قوله في الفصل ٢٢:
(٩٨-٩٩) يتعامل العقل التحليلي مع مسائل الحياة العملية ويسعى لإيجاد أفضل الوسائل من أجل حفظ البقاء والتمتع به، وهو يعمل من خلال ممارسة القسر على ما حوله من أجل الإفادة منه، أمَّا التفكير الحدسي، أو العقل الأسمى، فموضوعه الحقائق الكلية، وهو يفعل بدون قسر، فيرتفع من معاينة الظواهر إلى جوهرها، إنه فعالية الرُّوح التي لا مادة لها ولذا فإنها قادرة على النفاذ إلى الحقيقة التي لا مداخل مادية لها.
الكلمات هي أداة العقل التحليلي، إنها المعادل الذهني لعالم الظواهر المادية وصورتها في العقل، ولكن الكلمات تتساقط عندما يبدأ العقل الأسمى فعالياته، ونحن مهما حاولنا انتقاء الكلمات التي يمكن للفكر الحدسي من خلالها التعبير عن خبرته مع ما وراء عالم الظواهر المادية، فإننا نبقى كمَن يحاول ثقب الفراغ بإزميل، أو كمَن يحاول النفاذ إلى كتلة مُصمَتة لا فراغ في جوفها ولا منافذ لها، العقل الأسمى يقارب الحقيقة دون استعانة بالكلمات ودون استعانة بالأفكار والمفاهيم، وشيئًا فشيئًا تنفتح البصيرة على أن العارف وموضوع معرفته وعملية المعرفة هي شيء واحد.
من هنا يقول حکیم الزن تشانغ تشينغ بعد أن أعمل عقله التحليلي طويلًا من أجل النفاذ إلى الحقيقة: