الفصل الخامس وأربعون
(١٠١) لكي نفهم مقصد لاو تسو من إيراد ثنائيات: كمال-نقصان،
امتلاء-فراغ، استقامة-انحناء، فصاحة-تلعثم، وجميعًا أشكال
ثنائية: نفي-إثبات، نعود إلى قول تلميذه تشوانغ تزو:
«الإثبات ينشأ عن النفي، والنفي ينشأ عن الإثبات، من هنا فإن
الحكيم يصرف النظر عن الاختلافات ويستمد رأيه من السماء، اﻟ «هذا»
هو أيضًا «ذاك». واﻟ «ذاك» هو أيضًا «هذا». هل هنالك من فرق بين هذا
وذاك؟ هل ليس من فرق بينهما؟ ألَّا نكرس اﻟ «هذا» واﻟ «ذاك»
باعتبارهما نقيضين هو جوهر التاو … إن النفي والإثبات يتمازجان في
الواحد اللانهائي، من هنا يذهب القول إلى أنه لا شيء يعلو على رؤية
الأشياء من خلال الضوء.»
١
إن رؤية الأشياء من خلال الضوء ليست فقط رؤية الأقطاب في الواحد،
بل الولوج أيضًا إلى الوحدة الكلية.
(١٠٢) تعطف هذه الفقرة على سابقتها في التوكيد على مفهوم التغير
باعتباره تفاعلًا بين الأقطاب يقود إلى وحدتها، وما يعنيه لاو تسو
بقوله: التحرك يقهر البرد والسكون يقهر الحر، هو أن البرودة تتحول
إلى حرارة والحرارة تتحوَّل إلى برودة.
ولعلنا واجدين عند هرقليطس الإغريقي، صاحب فلسفة التغيرات والجدل
في الفكر اليوناني، ما يُلقي ضوءًا على مقصد لاو تسو هنا، يقول
هرقليطس: «الأشياء الباردة تَدْفأ والأشياء الدافئة تبترد، الرطب
يتجفَّف والجاف يترطَّب.»
ومن أقواله التي نكاد نظنها للاو تسو قوله: «كل الأشياء في حالِ
تغيُّر دائم، ونظام العالم أشبه بنار متوقِّدة.» وأيضًا: «الطريق
الذي يقود إلى أعلى هو نفسه الطريق الذي يقود إلى أسفل.»
٢
(١٠٣) في إدراكه لتداول الأقطاب وتفاعلها في داخله وفي الخارج،
فإن الحكيم يفضِّل السكون على الحركة، وعندما يصل حالة السكينة
الداخلية التامة يسيطر على نَفْسه وعلى محيطه، يقول تشوانغ تزو:
«عندما يكون الماء ساكنًا يبدو کمرآة، إنه يعكس أدق تفاصيل الوجه
المنعكس عليه، ويُعطي مؤشرًا على درجة امتلاء الحوض، من هنا فإن
الحكيم يتخذ نموذجًا … عندما يكون عقل الحكيم في سكون فإنه يغدو
مرآة للعالم ومرتسمًا للخليقة.»
٣