الفصل التاسع والأربعون
(١١٠) عقل الحكيم ليس عقل «أنا» تتعامل مع ما حولها على أنها وحدة مغلقة مستقلة مشغولة بما يعود عليها بالفائدة، وفي عقل الحكيم لا تتداول، فقط، الأفكار التي تصنعها مواجهاته الخاصة مع بقية الأفراد ومع الأشياء، عقل الحكيم شمولي يتخلَّل كل ما حوله، ويتداول فيه الأفكار التي تصنعها مواجهته الداخلية مع الحقائق الكبرى، عقل الحكيم هو «لا-عقل» بامتياز، لأنه فارغ من الأفكار الجزئية المحدودة البواعث والأهداف، وهو عقل بامتياز لأنه يشتمل على الكل ويجعل من نفسه مرآة للكل، وهو في ذلك يشبه التاو الذي يتخلَّل «عقله» كل شيء ولكنه لا يشعر بعقل خاص به، وتشمل حيطته كل شيء ولكنه لا يشعر بأناه. وهذا معنى قوله:
ومعنى الانشغال بما عداه هنا لا يُشير إلى الانشغال بالمسائل التفصيلية الخاصة بالآخرين، بل الانشغال بكل ما يتجاوز الأنا الضيِّقة وصلاتها المباشرة المحدودة.
(١١١) وبشكل خاص فإن الحكيم يتجاوز ثنائية الخير والشر كمفهومين مُطلقَين متعارضين، ولذا فإنه لا ينظر إلى الشر باعتباره صفة دائمة، بل باعتباره حالة مؤقتة يمكن أن تئول إلى عكسها، من هنا فإنه يعامل الصالح من الناس على أنه صالح، ويعامل الطالح منهم على أنه صالح أيضًا، وبذلك يعمل على تعميم الصلاح، كما أنه يثق بمَن هو أهلٌ للثقة مثلما يثق بمَن هو غير أهلٌ لها، وبذلك يعمل على تعميم الثقة في المجتمع. الحكيم في دوره كحاكم يساعد كل فرد على اكتشاف طبيعته الأصلية الخيرة.
(١١٢) يقول لاو تسو في هذه الفقرة:
والمقصود هنا الحفاظ على البراءة الأصلية التي يتصف بها الناس وعدم تعريضهم إلى ذلك النوع من المعارف الذي يثير الرغبات ويُفقدهم طبيعتهم النقية، وكما أن الطفل يتعامل بشكل مباشر مع كل ما حوله دون إخضاع سلوكه للتفكير والتدبير، كذلك يجب أن تكون حال الرعية.