الفصل الخمسون
(١١٣) لكي نستطيع فهم هذا الفصل علينا مراجعة موقف التاوية العام
من مسألة الحياة والموت، ولعل المقاطع الآتية التي انتخبتها من
أعمال تشوانغ تزو تفي بالغرض، يقول تلميذ المعلم:
«عندما يسقط رجل مخمور من عربة منطلقة، قد لا يموت ولكنه يشعر
ببعض الألم، ورغم أن عظامه مثل عظام بقية الناس، فإنه يواجه
الحادث بطريقة مختلفة، ذلك أن نفسه في حالة من الأمن والطمأنينة،
فهو لم يكن واعيًا لركوبه في العربة، ولم يكن واعيًا أيضًا لسقوطه
منها، والأفكار حول الموت والحياة والخوف لا تجد سبيلها إلى قلبه،
من هنا فإنه لا يعاني نتيجة لاصطدامه بالأشياء، فإذا كان للخمرة أن
تمد الإنسان بمثل هذا الإحساس بالطمأنينة، فما بالك بما يمكن
للتلقائية أن تمده به؟»
١
وأيضًا:
«كيف لي أن أعرف بأن حب الحياة ليس وهمًا؟ كيف لي أن أعرف بأن الخائف من الموت ليس
إلا كرجل ترك بيته صغيرًا ولذا لا ينوي العودة إليه؟ مَن يحلم بالمباهج خلال نومه قد
يستفيق على النواح والعويل، ومَن يحلم بالنواح والعويل في نومه قد يستفيق ويغدو إلى
الصيد واللهو، في أحلامهم لا يعرف الحالمون بأنهم يحلمون، وربما وصلوا إلى تفسير أحلام
ضمن أحلام وهم نائمون، فقط عندما يصحو الحالم يعرف أنه كان يحلم. ولكن عمَّا قريب سوف
تأتي الصحوة الكبرى، وعندها نكتشف أن الحياة لم تكُ إلَّا حلمًا طويلًا»
٢
وأيضًا:
«الناس في الأيام الخوالي لم يعرفوا حب الحياة ولا كُره الموت، الولوج إلى الحياة لم
يكُن بهجة لهم، والخروج منها لم يكُن يُثير فيهم جزعًا ومقاومة. بهدوءٍ كانوا يأتون
وبلا ضجيج كانوا يمضون، لا ينسون ما كانت عليه بدايتهم، ولا يتساءلون عمَّا ستئول إليه
نهايتهم، لقد قبلوا الحياة واغتبطوا بها، ثم نسوا وآلوا إلى حالةِ ما قبل الحياة، وبهذا
لم يكُن لديهم رغبة أو نية لمقاومة التاو، ولم يبذلوا أية وسيلة متاحة لمعارضة طريق السماء.»
٣
وأيضًا:
«العارفون بالتاو يقبضون على المبادئ الأساسية، مَن يقبض
على المبادئ الأساسية يعرف كيف يتعامل مع الظروف والأحوال، مَن
يعرف كيف يتعامل مع الظروف والأحوال لا يترك نفسه عُرْضة للأذى،
عندما يمتلك الإنسان اﻟ «تي» الكاملة، فإن النار لا تحرقه، والماء لا
يغرقه، والحر والبرد لا يوجعانه، والجوارح والكواسر لا تؤذيه، لا
أعني بذلك أن صاحب اﻟ «تي» يقلل من شأن هذه الأمور ويستخف بها، بل
أعني أنه يميز بين ما هو خطِر وما هو آمِن، ويرضى بحسن الحظ أو
بسوئه، ويلزم الحذر في غدوِّه ورواحه، ولهذا لا شيء يمكن أن يسبب له الأذى.»
٤
إن ما يمكن استنتاجه من هذه المقاطع لتلميذ المعلم، هو أن
التاوية الحکموية، وعلى عكس التاوية الطقسية اللاحقة لها، ترفض
أساليب اليوغا الهادفة إلى إطالة العمر بالوسائل الاصطناعية،
والسعي إلى تحقيق الخلود الشخصي بعد الممات، وبالمقابل فإنها تؤكد
على ضرورة أن يحيا الإنسان حياة طبيعية خلال الفترة المقدَّرة له في
هذه الدنيا، بدون خوف من الموت أو تعلُّق وشغف بالحياة. كما تؤكد على
ضرورة حفظ البقاء عن طريق السير مع تيار الطبيعة وعدم معارضة
التاو، إن فرص البقاء تكون أفضل عندما لا تؤرِّقنا فكرة الموت ولا
يتملكنا هاجس البقاء، وهذا ما عناه لاو تسو في آخِر الفصل عندما قال
بأنه لا موضع في الجسد التاوي لطعنة سلاح، لأنه لا يترك للموت
مكانًا ينفذ منه، فالتاوي معنيٌّ بالحياة ويعرف كيف يسير عبرها،
ولكنه غير هيَّاب من الموت ويعرف كيف يموت أيضًا.