الفصل السابع والخمسون
(١٣١) في السطر الأول من هذا المقطع ترد كلمة
chen الصينية والتي تعني
الاستقامة، وتعني في الوقت نفسه السكون، وقد استخدمها لاو تسو بهذا
المعنى الأخير في أكثر من موضع، لذلك فقد فضَّل بعض المترجمين
المعنى الأول فقالوا: «احكم البلاد بالاستقامة.» وفضَّل البعض
الآخَر المعنى الثاني فقالوا: «احكم البلاد بالسكينة.» ولكني أعتقد
أن لاو تسو قد قصد المعنيين معًا من هذه الكلمة، ولذا فضلت
استخدامهما على التتابع وقلت:
احكم البلاد باتباع السكينة، وتقويم ذاتك.
وقد وجدت سندًا لهذه الترجمة في أقوال كونفوشيوس في الحاكم
الصالح، فلقد قال كونفوشيوس لتلامذته: «ألَم يكن الإمبراطور شون هو
الحاكم الذي لم يلجأ إلى التدخل في شئون المملكة، ومع ذلك فقد حكم
المملكة بشكل ممتاز؟ ما الذي فعله الإمبراطور شون؟ لقد أصلح نفسه
واتخذ وضع الحاكم المؤهَّل، هذا كل ما فعله.»
١ أيْ إنَّ الإمبراطور قد قوَّم نفسه واتبع السكينة، على
حدِّ تعبير لاو تسو، وعزف عن التدخل في شئون الرعية.
ويُحكَى عن الوزير الأول للإمبراطور كينغ هوي (١٩٤–١٨٧ق.م.)
المدعو تسي آو، أنه قد جمع عددًا من الحكماء ليشيروا عليه بأفضل
طريقة لإدارة البلاد، ولكن نصائح الحكماء تضاربت ولم يستطع الوزير
استخلاص شيء مفيد منها، عند ذلك استدعى الحكيم التاوي كاي كونغ،
الذي قال له: إن البلاد تُدار بهدوء الحاكم واتباعه السكينة، عندها
ينتظم الناس وينقادون من تلقاء ذاتهم، وتقول الأخبار عن تلك
الفترة: إن شئون البلاد قد استقرت بعد أن أخذ الوزير بنصيحة الحكيم التاوي.
٢
(١٣٢) إن زيادة تدخل الحاكم في شئون الرعية من شأنها إحداث آثار
سلبية على المجتمع وعلى علاقة الحاكم بالمحكوم، وكلما عمدت السلطة
إلى مزيد من التنظيمات والتقييدات على حرية وحركة الناس، ازداد
الناس فقرًا، وعندما يزدادون فقرًا ينسون طيبتهم ويلجئون إلى الخبث
والحيلة في التعامل مع السلطة، كما يلجئون إلى المقاومة بشتى
الوسائل، وكلما زادت السلطة في سنِّ القوانين والعقوبات الرادعة،
انتشرت الجريمة وازداد عدد اللصوص وقُطَّاع الطُّرق.
(١٣٣) من هنا فإن الطريقة المُثلَى لحكم الناس هي التزام مبدأ
اللافعل، وعدم التدخل في شئون الرعية، لأن الناس إذا لم يشعروا
بوطأة السلطة عادوا إلى طبيعتهم الأصلية الطيبة، وانتظمت أحوالهم
من تلقاء ذاتها دونما حاجة إلى قوانين صارمة وعقوبات رادعة. ولدينا
من تاريخ الصين أمثلة مقنعة على نجاح مثل هذا الأسلوب.
في عام ٣٦٠ق.م. صعدت أسرة شانغ إلى السلطة في مملكة شي آن
الغربية في الصين، وأرسى أول ملوكها المبادئ الرئيسية التي قام
عليها حُكم هذه الأسرة حتى نهايتها في عام ٢١٠ق.م. فقد ألغى هذا
الملك ألقاب الشرف التقليدية وما يتمتع به حاملوها من مزايا مادية
ومعنوية، وأعاد توزيع الألقاب والمراتب وفقًا للمنجزات الحربية،
فكان على النبلاء القدماء استعادة مواقعهم السابقة من خلال الخدمة
العسكرية وإلا تم إنزالهم إلى مصافِّ العوام، وكان السبيل لتحقيق
الجاه والثروة هو خوض المعارك ضد الممالك الصينية الأخرى، الأمر
الذي جعل الناس في حالة نَهَم للحرب وترقُّب لها كما تترقب الذئاب
الجائعة قطعة من اللحم، وقد ترافق ذلك كله مع شيوع الفوضى في
البلاد وازدياد الجريمة وانتشار اللصوص وقطَّاع الطرق في كل مكان،
وكلما عمدت السلطة إلى زيادة القوانين والتشدد في العقوبات عمَّت
الجريمة أكثر فأكثر، ورغم أن الإبلاغ عن المجرم كان يُكافَأ كما
يُكافَأ الإقدام في المعارك، والتستُّر على المجرم كانت عقوبته كعقوبة
التخاذل أمام العدو.
وعندما أفلحت أسرة شانغ أخيرًا في توحيد الصين تحت لوائها، أعلن
آخِر أباطرتها المدعو شينغ هوانغ تي أنه قد أسس لأسرة حاكمة
جديدة سوف تستمر لألف عام، ولكن بعد وفاة هذا الإمبراطور عمَّ
التمرد في كل مكان من الإمبراطورية، وقام المدعو ليو بانغ بتنظيم
ثورة شاملة استطاعت أخيرًا إسقاط أسرة شانغ ورفعت ليو بانغ إلى
العرش، فكان أول أباطرة أسرة هان التي استمرت في الحكم قرابة أربعة
قرون، عقب دخول القوات المنتصرة إلى العاصمة، جمع ليو بانغ شيوخ
البلاد ووجهاءها وأعلن أمامهم بيانه السياسي، الذي ندَّد فيه بكل
وسائل القمع والاضطهاد السابقة، وأعلن إلغاءه لجميع القوانين
التعسُّفية الجائرة التي سَنَّها أباطرة أسرة شانغ، وإبقاءه على
ثلاثة قوانين بسيطة تتعلق بالقتل العمد والاعتداء والسرقة، وكان
على المحاكم والقضاة أن تتعامل مع كل جريمة واقعة تحت هذه القوانين
الثلاثة وفق ظروفها وملابساتها الخاصة، والامتناع عن التطبيق
الأعمى والعشوائي للقانون، ويقول مؤرِّخو تلك الفترة إن الأمن
والاستقرار قد سادا فترة طويلة من الزمن خلال عهد هذا الإمبراطور وخلفائه.
٣