الفصل السابع والستون
(١٦٣) إن الكِبَر أو الصغر، الضِّيق أو الاتساع، هي صفات نسبية تتخذ واحدتها خصيصتها من الأخرى، فالصغير صغیر مقارنة بما هو كبير، والكبير کبیر مقارنة بما هو صغير، لا يوجد في العالم النسبي كبير إلَّا وهنالك أكبر منه، ولا صغير وإلا وهنالك أصغر منه. أمَّا في مجال المطلق فإن هذه الصفات وأمثالها لا وجود لها، المطلق ليس كمثله شيء، على حدِّ تعبير لاو تسو في هذه الفقرة، وهذا يفسر قوله الآخر أيضًا: لو ماثله شيء لغدا صغيرًا منذ أمد طويل، لأن في المماثلة دخولًا في النسبي، المطلق في المفهوم التاوي يتخلل المظاهر ولكنه قائم في ذاته وفي غِنًى عنها. النسبي يئول إلى المطلق ولكن المطلق لا يئول إلى النسبي، النسبي عَرْض ومظهر، والمطلق كمون وجوهر.
(١٦٤) الكنز الأول من الكنوز الثلاثة التي يحرص لاو تسو عليها هو الرحمة، والكلمة هنا هي ترجمة لمصطلح تاوي يعني التعاطف والحب الشمولي الذي يعادل مفهوم المحبة في المسيحية، هذه المحبة ليست فعلًا يجري بين کائنین مُشخَّصين ومحدَّدين، بل هي المصدر الأصلي والبدئي للمحبة المزروع في صميم الكون والنفس الإنسانية، إنها لا تقوم على قرار وتمییزٍ عقلي ورجوع إلى مبادئ موضوعة، بل تفعل في داخل الإنسان إذا تُرك على سجيته وتلمس طبيعته الأصلية.
الكنز الثاني الذي يدعوه لاو تسو بنكران الذات، هو تحقيق ذات منفتحة تنطوي على الأنا وتتجاوزها، إن الذات المنفتحة هي هذه الحياة بالذات وهذه الأنا بالذات، ولكنها في الوقت نفسه حياة كونية وروح كونية، إن المعرفة الحقيقية بالأنا تقود إلى معرفة الذات، وعندما يتوصل التاوي إلى معرفة ذاته يعيش في اللاإنية التي توحده بالآخرين وبالعالم.
الكنز الثالث الذي يدعوه لاو تسو بالعزوف عن صدارة الآخرين، يتضمن فضيلة التواضع من جهة، وإدراك الحكيم أن موقع الصدارة والقيادة يتطلب حالة من الكمال لا يعتقد بقدرته على تحقيقها.