الفصل الثمانون
(١٩٣) يرسم لنا لاو تسو في هذا الفصل صورة متطرِّفة في تعبيرها عن الحالة المثالية التي يئول إليها المجتمع الإنساني، عندما تختفي الرغبات ويقنع الأفراد بالحد الأدنى الضروري لحياة الإنسان، وهذه الحالة تشبه يوتوبيا خيالية، المملكة فيها ليست أكثر من قبيلة صغيرة منعزلة، أهلها قانعون بما يستطيعون إنتاجه من غذاء وملبس ومسكن، راضون بطقوسهم وعاداتهم الموروثة، لا يتطلعون إلى ما وراء حدود أراضيهم، ولا يرغبون في التعدي على أحد، ورغم أن الجماعات الأخرى قريبة منهم ويستطيعون من أماكنهم سماع صياح دیکتها ونباح كلابها، إلا أنهم لا يحاولون التعرُّف على جيرانهم أو الاتصال بهم، إنهم سعداء بما لديهم وبما يعرفونه، غير راغبين في السفر والترحال، لأنهم يعيشون حالة من التناغم التام مع أنفسهم وبيئتهم.
هل كان لاو تسو يرى ببصيرته الثاقبة، قبل ألفين وخمسمائة سنة، ما آل إليه الناس في عصر المعلوماتية والاتصالات الراهن؟ هل أحسَّ بما يحسه الإنسان الحديث من عزلة وتعاسة رغم كل ما قدَّمه له عصر العلم والتكنولوجيا من معارف أوصلته إلى الفضاء الخارجي، وجنَّبته الأمراض القاتلة ومدَّت في عمره وزودته بأضعاف حاجاته الطبيعية؟