الفصل الخامس
(١٤) يقول عالم الفيزياء الكونية هوبرت ريفز في كتابه: الكون – البحث عن لحظة
الميلاد، ما يأتي:
«إن القوانين الطبيعية المنظِّمة للكون الفيزيائي لا تنطوي على أي
معنى أخلاقي، إن الخير والشر أشياء غريبة عنها تمامًا. فهذه القوانين، وبشكلٍ محددٍ،
غير أخلاقية».١ ويقول لاو تسو الشيء نفسه بخصوص المبدأ الكلي الظاهر في الطبيعة من خلال
قوتيه: اﻟ «يانغ» واﻟ «ین»، أو السماء والأرض. فالمبدأ الكلي حيادي لا شفقة عنده ولا
قسوة. يعامل الناس وكأنهم دمى حقول لا حياة فيها تُستخدم لإبعاد الطيور. وهو، على عكس
الإله المشخص، لا يفرض شرائع أخلاقية ولا يعاقب أو يثيب. ويتبع ذلك أن الحكيم أيضًا لا
يملك ما يقوله للناس بشأن الأخلاق، بل يقدم لهم العون على تحقيق ذات منفتحة. إن الأنا
المنغلقة على ذاتها هي التي تتطلب التعاليم الأخلاقية الناظمة لعلاقاتها مع غيرها،
أمَّا الذات المنفتحة فإن سلوكها هو عين أخلاقيتها، والحكيم التاوي ليس معلِّمًا
أخلاقيًّا كما هو شأن الحكيم الكونفوشي، بل هو معلم روحي، ذلك أن التاوية لا تأبه
للأخلاق المفروضة على الإنسان من الخارج، بل ترى أن السلوك التلقائي للأفراد، إذا
تُركوا على سَجِيتهم، سوف ينحو منحًى أخلاقيًّا بالضرورة.
يُضاف إلى ذلك أن العالم في المفهوم التاوي قائم على القطبية، حيث
لا قيام للصح بدون الخطأ ولا للخير بدون الشر. يقول تشوانغ تزو:
«إن مَن يقول بضرورة وضع اليد على الصح ونبذ الخطأ، أو تحقيق الحكم الصالح ونبذ الحكم
الطالح، لا يفقه المبادئ العظمى للكون ولا طبيعة الخليقة. إنه كمَن يتحدث عن سماءٍ بلا
أرض أو أرض بلا سماء. ومع ذلك فإن كثيرين يجادلون في هذا طويلًا، وأمثال هؤلاء إما حمقى
أو بسطاء.»٢
(١٥) يعود لاو تسو في هذه الفقرة إلى فكرة العَدم الخلَّاق التي شرحناها في الفصل السابق، فالمنفاخ فارغ بطبيعته، ولكنه لا ينضب مهما دفق من داخله الهواء، وكلما کدَّ کلما أنتج أكثر.
(١٦) الحكيم هو الذي يدرك أخيرًا لا جدوى الكلمات، ويثبت قلبه
على حقيقة الفراغ ومركز السر. يقدم لنا المقطع الآتي لتشوانغ تزو
وصفًا لما يُحدِثه في النفس تثبيت القلب على الفراغ، والحديث هنا
يجري على لسان حکيم تاوي اسمه نو يو:
«كان عند بو ليينغ مواصفات العبقري المتميز كلها، ولكن ينقصه التاو لكي يغدو إنسانًا
كاملًا، بدأت بتعليمه والأخذ بيده نحو التكامل الداخلي. بعد ثلاثة أيام صار بمقدوره
تحرير نفسه من العالم، بعد سبعة أيام أخرى حرَّر نفسه من المظاهر والأشياء الخارجية،
بعد تسعة أيام أخرى حرَّر نفسه من وجوده الخاص، عندما غدا حرًّا من وجوده الخاص حصلت
له
رؤيا الشمس الصاعدة، بعد ذلك صار بمقدوره اختبار الوحدة الداخلية، وعندها فقد الماضي
والحاضر تمایزهما عنده، بعد ذلك حقق حالة لا وجود فيها للحياة وللموت، وعرف أن هلاك
الحياة لا يعني الموت وأن الميلاد لا يعني الحياة، صار يتعامل مع الأشياء كلها ويقبل
الأشياء كلها، كل الأشياء تسير نحو الهلاك، وكل الأشياء تسير نحو البناء، وهذا ما يُدعى
بالسكينة ضمن الاضطراب.»٣
١
هوبرت ريفز: الكون – البحث عن لحظة الميلاد، دار المستقبل العربي، القاهرة
١٩٩٦، ص ٣٨.
٢
Chuang Tzu, Works ch. 17, cited in: Alan Watts, Tao: The
Watercourse Way, p. 26.
٣
Chuang Tzu, Works ch. 6, cited in: Ibid, pp.
91-92.