الفصل السادس
(١٧) يتصل هذا الفصل بالسطر الأخير من الفصل السابق حيث قال
المعلم: ثبِّت قلبك على جوهر الفراغ. يقول تشوانغ تزو في حديث يضعه
على لسان كونفوشيوس الذي يتوجه إلى متعبد يصوم بلا فائدة: «إذا كنت
حقًّا تريد تحقيق التكامل الذاتي عليك أن لا تنصت بأذنك بل بقلبك،
ثم عليك ألا تنصت بقلبك بل بروحك، دعِ الأذن تتوقف عن السماع
والعقل يتوقف عن تقليب الأفكار، عندها تصير الروح فراغًا يحتوي كل
شيء. التاو وحده محيط بالفراغ. هذا الفراغ هو صيام القلب.»١
إن تعبیر روح الوادي الذي يورده لاو تسو في مطلع الفصل يدل على
الفراغ، وتأتي المماثلة من كون الوادي مجوفًا وفارغًا، ونستطيع فهم
مدلولات هذا التعبير من متابعته في سياقات تاوية أخرى، نقرأ لكاو
بي فانغ من عصر أسرة هان (٢٠٠ق.م.–٢٠٠م): «عندما تنقص الفعالية
الذهنية وما يرافقها من تقليب الأفكار إلى نقطة الصفر، إلى العدم،
تقيم فيك روح الوادي.»٢ ونقرأ لكو هونغ من القرن الرابع الميلادي: «باستنشاق
أشعة الشمس تتطهر روح الوادي.»٣ والإشارة هنا إلى تمرين التنفس اليوغي الذي يساعد على
إفراغ الذهن من أفكاره، ونقرأ ليو هسین من القرن السادس الميلادي:
«بإفراغ العقل تأتي روح الوادي لتقيم فيك.»٤ من هنا يمكن القول بأن روح الوادي تعني جوهر الفراغ
الذي يمكن تحقيقه من خلال السكون وإفراغ الذهن من كل انشغال بالذات
الفردية، حتى إذا وصل الإنسان إلى حالة الإفراغ التام امتلأ بالعدم
الخلَّاق الذي هو جوهر التاو.
إن حالة الفراغ التام للذهن من مشاغل الأنا ومن الأفكار التي لا
طائل تحتها، هي شكل من أشكال اللافعل الذي تحدَّثنا عنه في فصل
سابق. وهذه الحالة التي يتطلع التاوي على تحقيقها لا تعني الوصول
إلى شكل من أشكال البلاهة، بل تهدف إلى إفساح المجال أمام العقل
لكي يستوعب الحقائق العُليا التي لا تتأتى بإجهاد العقل بل بتركه
يصل إلى أقصى مدى له في الاسترخاء، هذا الاسترخاء هو موقف سلبي
بالمعنى الخلَّاق للسلب، وكلما استسلم المُريد التاوي لحالة السلب
هذه اقترب من الحقيقة الروحية للفراغ، وهذا ما يدعوه لاو تسو ﺑ
“Hsuan P’I” التي تُترجم عادة
بالأنثى الغامضة حيث P’i تعني
الأنوثة أو السلب أو الانقياد.
إن الحقيقة الروحية للفراغ هي التي تفتح البصيرة على منشأ الأشياء كلها، أو الفارغ العظيم الذي يُعطي دون أن ينضب مَعِينه.
١
Chuang Tzu, Works ch. 4, cited in: A.
Watts, Op. Cit., p. 117.
٢
Chang Chung-yuan, Tao: A New Way of
Thinking, p. 16.
٣
Ibid, p. 16.
٤
Ibid, p. 16.