الفصل الحادي عشر
(٢٧) يقول لاو تسو في الفصل الثاني، الفقرة ٦: «الوجود واللاوجود
ينجم بعضهما عن بعض.» ويقول تشوانغ تزو: «النفي ينشأ عن الإثبات
والإثبات ينشأ عن النفي. من هنا فإن الحكيم يصرف نظره عن
الاختلافات والفوارق ويستمد رأيه من السماء. إن اﻟ «هذا» هو أيضًا
«ذاك»، واﻟ «ذاك» هو أيضًا «هذا». هذا له خطؤه وصوابه، وذلك له خطؤه
وصوابه أيضًا. هل هناك من فرق بين هذا وذاك؟ هل ليس من فرق بينهما؟
عندما لا تنظر إلى هذا وذاك باعتبارهما ضدين نكون في جوهر التاو …
إن النفي والإثبات يتمازجان في الواحد اللانهائي.»
١
لقد رأينا سابقًا كيف أنه في الجدلية التاوية لا وجود للمتناقضات
والتعارضات بل للأقطاب المتعاونة حيث لا قيام لقطب بدون مقابله.
وتتجلى هذه الجدلية القطبية بشكلٍ رئيسيٍّ في تعاون القطبين
الأساسيين وهما الوجود والعدم (النفي والإثبات، الشكل والفراغ).
ونحن إذا انتقلنا من الوعي المباشر بالأشياء إلى مستوى أعلى للوعي
يتجاوز الثنائيات، أدركنا بشكل حدسي أن العدم هو ذات الوجود
والوجود هو ذات العدم. يقول الحكيم تشي تشانغ، من القرن السادس
الميلادي: «يدرك عموم الناس الأشياء كلها على أنها وجود، ولا
يعرفون شيئًا عن اللاوجود، ولكن الحكمة البوذية تقول بأن كل
الأشياء هي في الواقع فراغ ولا وجود. من هنا فإن القول بأن كل
الأشياء وجود، هو الحقيقة في مستواها العام. والقول بأن كل الأشياء
لا وجود، هي الحقيقة في مستواها الأعلى.»
٢
في هذا الفصل يعطينا لاو تسو أمثلة عملية عن وظيفة اللاوجود، أو
الفراغ، وضرورته بالنسبة للوجود أو الشكل، وعن تعاون هذين القطبين
على المستوى الظاهري. فالدولاب لا يدور ويعطي حركة بدون الفراغ
الموجود عند المحور، والإناء لا يصلح للاستعمال بدون الفراغ الذي
يحتويه شكله الخارجي، والغرفة لا تصير مكانًا للسكن بدون الفراغ
المتسع بين جدرانها. كل ما حولنا شيء أي شكل ووجود، ولكن الشيء لا
يتخذ شكله ولا يكتسب وظيفته إلا بفضل اللاشيء، أو الفراغ أو العدم.
ويمكن أن نضيف هنا، اعتمادًا على فكر لاو تسو أيضًا، بأن الفراغ
أيضًا لا يوجد إلَّا حيث يوجد الشكل، وأنه لا معنى للاوجود إذا لم
يكن مقترنًا بالوجود. كل الأشكال تقع في حيِّز من الفراغ، ولكن
الفراغ يتوقف عن كونه فراغًا إذا زالت كل الأشياء التي
تشغله.