الفصل الثاني عشر
(٢٨) يقارن لاو تسو هنا بين عالم السكينة الداخلي وعالم الضجيج
الخارجي. فعندما يصل الإنسان إلى تحقيق التوازن الداخلي وهدوء
النفس، لا يغدو بحاجة إلى الموسيقى المصطنعة والألوان المبهرجة
ومذاقات الأطعمة الحادة والرياضات العنيفة. إن ما تتركه الموسيقى
من أحاسيس ومشاعر، والرسوم والأصباغ من انطباعات، والأطعمة من
مذاقات، والرياضة العنيفة من أثر جسدي ونفسي، كلها أمور آنية
عابرة. إذا كنت من أهل الظاهر استمتعت بها، وإذا كنت من أهل الباطن
لست بحاجةٍ إليها. ففي الصمت كل الأصوات الممكنة، وفي الأبيض كل
الألوان الممكنة، وكل الحركات تئول أخيرًا إلى السكون. يقول تشوانغ
تزو: «على المرء أن يتعلم كيف يرى وكل ما حوله ظلام، وأن يسمع وكل
ما حوله ساكن. في الظلمة يمكنك أن ترى النور، وفي السكون يمكنك أن
تستمع إلى الهارموني. بهذا تقدر على اختراق الأعماق وتتعرف إلى الروح.»
١
التاوية تعلِّم التحرُّر من إغواء الحواس، والبحث عن الحقيقة في
المركز الداخلي الساكن. غير أن هذا لا يعني قمع الحواس عن طريق
الزهد والتنسك، بل تركها حرة تنشط بتلقائية من خلال اللافعل، وعدم
التوقف عند الحدود السطحية لما تقدمه، بل الغوص نحو الهارموني
الكلي الذي تتلاشى عنده مؤثرات العالم الخارجي. التاوي لا يرفض
عالم الظاهر باعتباره وهمًا (= مایا) كما يفعل الهندوسي، بل يرى
فيه سبيلًا إلى عالم الباطن.
إن ما أراد لاو تسو قوله هنا تعبر عنه قصة تروى عن الرسام وو تاو
تزو، من القرن الثامن الميلادي:
«أنهى الرسام تحفته الفنية التي كان يعدها في عزلة وصمت لفترةٍ
طويلةٍ من الزمن. وعندما جاء بها إلى البلاط الملكي حضر الإمبراطور
لكي يشهد إزاحة الستار عن اللوحة. أزاح الفنان الغطاء عن رائعته
فأدهشت الإمبراطور وحاشيته. وبينما كان الجميع يحدقون بإعجاب في
التفاصيل الجميلة من غابات وسماء واسعة وسحب وأشخاص وطيور، أشار
الفنان إلى نقطة في مركز اللوحة، وقال: انظر هنا يا مولاي، في هذا
الكهف الجبلي تقيم الروح ثم صفَّق بيديه فانفتحت بوابة الكهف، وتابع
قائلًا: إن ما وراء هذه اللوحة أكثر جمالًا مما ترونه على سطحها،
دعني أقودك إلى هناك. وقبل أن يفيق الإمبراطور من دهشته لرؤية
البوابة المفتوحة في اللوحة، خطا الفنان نحو الكهف وتلاشى وراء
البوابة داخل الكهف. عند ذلك تلاشت البوابة وتلاشى الكهف، ثم تلاشت
اللوحة تدريجيًّا بكل تفاصيلها وتحوَّلت إلى مساحة بيضاء لا أثر
عليها لفرشاة.»
٢