الفصل الرابع عشر
(٣٢) التاو وراء الثنائيات وفيه تتلاشى الأقطاب. هو المتخلل في كل شيء، المحيط بكل شيء، الموجود في كل شيء، لا يمكن رؤيته، لا يمكن سماعه، لا يمكن لمسه. إنه وجودنا والطريقة التي يعمل بها عقلنا.
(٣٣) أكثر سطوعًا من أي نور، وأكثر عتمةً من أيِّ ظلام، جوهر النور وجوهر الظلام. عندما يلتقي أقصى النور وأقصى الظلام في واحد، ذلك هو الفراغ العظيم والعدم الخلَّاق الذي ينشأ عنه كل شيء. المركز الساكن الذي يدفع بكل حركة. متشكل في ظاهره فارغ في باطنه. متحرك عند محيطه ساكن عند مركزه. ليس له بداية أو نهاية، وأبده عينُ أزله. إذا قلنا إنه الصورة التي لا صورة لها، والشكل الذي لا شكل له، وقفنا أمام جدار الصمت وتساقطت الكلمات.
(٣٤) عندما تدرك هذا في أعماق ذاتك تعرف من أين أتيت وإلى أين تمضي. عندما تدرك جوهر التاو تدرك جوهر ذاتك، وعندما تدرك جوهر ذاتك تدرك جوهر التاو.
في وصفه للتاو يقول لاو تسو: «اسبقه لا ترَ له بداية، اتبعه لا ترَ له نهاية». ولكي أقرِّب هذه الصورة المبدعة التي تفتَّق عنها حدس المعلم، أستعين بنظرية أينشتاين النسبية بخصوص الضوء، وهو المطلق الوحيد في عالم الظواهر الفيزيائية. فلقد كشفت معادلات أينشتاين الرياضية والتجارب الفيزيائية العملية أن للضوء سرعة ثابتة مقدارها ٣٠٠٠٠٠كم/ثا. وما نعنيه بقولنا إن للضوء سرعة ثابتة هو التالي: إذا كنت تقود سيارة تنطلق بسرعة ١٠٠كم/سا وأمامك سيارة تسبقك بسرعة ١٥٠كم/سا، وقمت من مكانك بقياس سرعة السيارة الأمامية فإنها ستكون حتمًا ٥٠كم/سا. وهذا الرقم هو حاصل طرح السرعتين من بعضهما. أمَّا إذا كانت السيارتان تنطلقان نحو بعضهما في اتجاهين متعاكسين، فإن سرعة السيارة الأخرى مقاسة من مكانك ستكون ٣٥٠كم/سا، وهذا الرقم هو حاصل جمع السرعتين المتعاكستين. إلا أن الضوء، وعلى عكس كل ما يتحرك في الطبيعة، يسير بسرعة ثابتة وبصرف النظر عن الوضع الحركي للمراقب. فإذا عمدت إلى قياس سرعة شعاع قادم إليك من مصدر ساكن لوجدتها ٣٠٠٠٠٠كم/ثا، وإذا تحركت نحو مصدر الإشعاع بسرعة ١٠٠٠٠٠كم/ثا لوجدت أيضًا أن سرعته ثابتة وهي ٣٠٠٠٠٠كم/ثا. والأعجب من ذلك أنك لو لاحقت شعاعًا هاربًا وأنت تتحرك بسرعة تصل إلى ٢٥٠٠٠٠كم/ثا لوجدت أيضًا أن سرعة الضوء ثابتة ولما استطعت أبدًا أن تقصِّر المسافة بينك وبينه؛ أي أنك لن تستطيع قط رؤية ضوء ساكن لا يتحرك.