الفصل السابع عشر
(٣٩) تبدأ هنا آراء لاو تسو السياسية بالوضوح. فالحاكم التاوي يفعل من خلال اللافعل، ويترك الأمور تسير في المجتمع سيرها في حياة الطبيعة. فإذا اتخذ كل شخص في المجتمع مساره التلقائي الطبيعي دون تلقين أو قسر أو إكراه، ساد التناغم في المجتمع مثلما يسود التناغم في الكون. من هنا فإن أفضل الحكام من شابه الظل عند رعيته، فلا يشعرون بوجوده أو بوطأته. يليه الحاكم الذي يحبون ويمدحون. ولاو تسو هنا يقول لنا ضمنًا إن محبة الرعية للحاكم تعني شعورهم بوجوده وممارسته للفعل القصدي للحكم، في مقابل اللافعل الذي يجعله مثل الظل. يليه الحاكم الذي يخافون ويرهبون، لأن ممارسة الفعل سوف تقود الحاكم إلى ممارسة القمع سواء بنية سيئة أم بنية طيبة. يليه الحاكم الذي يكرهون ويحتقرون، وهو أسوأ نموذج للحاكم.
(٤٠) يتميز الفكر الصيني عمومًا بموقفه الإيجابي من الطبيعية البشرية وثقته الكاملة بها. ولا يوجد في الثقافة الصينية ما يُشبه مفهوم الخطيئة الأصلية، أو النظر إلى الطبيعة الإنسانية باعتبارها شريرة من حيث المبدأ، وتتطلب الصقل والتطهير. من هنا يؤكد لاو تسو في هذا المقطع على ضرورة ثقة الحاكم بالناس وطبيعتهم الأصلية، وإلى درجة تبلغ وضع الثقة فيمَن يستحقها ومَن لا يستحقها. لأننا إذا سحبنا ثقتنا ممَّن هو غير أَهْل لها ساعدناه على توكيد مواقفه وتوجهاته السلوكية، وإذا منحناه إيَّاها ساعدناه على تغيير نفسه. على الحاكم أن يثق بالناس أولًا لكي يكون جديرًا بثقتهم.
(٤١) عندما يكمل الحاكم مهامه على هذا الوجه، تأتي النتائج وكأنها تحصيل حاصل، دون أن يبدو أن للحاكم يدًا في ذلك. وهذا أقصى ما يمكن أن يطمح إليه الحاكم التاوي، الذي لا يبغي من وراء السلطة توكيد ذاته وتحقيق أمجاد شخصية له.