العائلة المالكة في عربستان
إن العائلة المالكة في عربستان هي من بني كعب، وهم من أشرف بيوتات العرب في العراق، ومن أعظم قبائله جاهًا ونُبلًا، ويرجعون بنسبهم إلى بني كعب المشهورين بالشرف والسؤدد في قبائل العرب العرباء، وقد هبط بنو كعبٍ العراق من صدر الإسلام وتسلَّطوا على مقاطعة «دورقستان» في ولاية خوزستان، ودخلت في منطقة نفوذ الدولة العَلِيَّة الإيرانية.
ومن المعلوم أن الدولة الإيرانية العَلِيَّة كانت ككلِّ الدول القديمة مؤلَّفةً من مجموعة حُكَّام مقاطعات، وكل حاكم كان مُستقِلًّا بداخليته وعلائقه مع الدولة إلى حدٍّ محدود، وكان مشائخ العشائر أقل ارتباطًا بالدولة من حُكَّام المقاطعات، ولا تزال هذه الدولة كذلك إلى الآن.
وكان مشايخ كعب ممتازين في الدولة الإيرانية بالخلال الفاضلة العربية، وأهمها المروءة والنجدة والكرم والشجاعة، ولهم خدمات طيبة في سبيل الدولة الإيرانية، وطالما نصروها بسيوفهم في حروبها المتوالية مع الأتراك على ما هو مشهور في التاريخ.
وحدث حوالي سنة ١٢٦٥ أن انقسم مشايخ بني كعب على أنفسهم، وقامت بينهم الحروب الأهلية، واتَّسعت الفتنة، وأعيى الدولة الفارسية أمرهم وأعجزها إخضاعهم لحكمها، ولم يظلَّ على ولائها منهم غير العائلة النبيلة الجاسبية، وهي فخذ من بني كعب، وكان على رأسها ساكن الجنان المرحوم المبرور الحاج جابر خان، فإن هذا النابغة العظيم أبى أن يشترك بالفتنة وظلَّ مُخلِصًا للدولة الإيرانية، فاستعان بحكمته ودرايته ساكن الجنان ناصر الدين خان، شاه إيران الأسبق، واعتمد عليه في إعادة الأمان إلى ربوع خوزستان، فشمَّر عن ساعد الهمة وتمكَّن بدهائه وحزمه وبسالة أبطال قبائله من إخماد نار الثورة وإعادة الأمن إلى نصابه، فعرفت الدولة الإيرانية لهذا البطل العظيم جمائله وأنعمت عليه برتبة أمير تومان ولقب نصرة الملك، وسمَّته أميرًا لعربستان، وجعلت مقرَّه المحمرة، وكان عند ظن الشاه ناصر الدين إذ تمكَّن من تقرير الأمان وإعادة النظام إلى عربستان، واستراحت الدولة من مشاغبات القبائل العربية الداخلية.
على أن اتِّصال دولة إيران بدولة الأتراك كان دائمًا أبدًا موجبًا لاتِّصال الاختلاف على الحدود بين الدولتين، ولا يزال هذا الخلاف مستمرًّا بينهما حتى الآن.
وكانت حكومة الأتراك تطمح ببصرها إلى إخضاع قبائل العرب في العراق، وما كفاها هذا حتى طمحت أيضًا بفتح عربستان أو العراق العجمي؛ ولهذا السبب كانت تتحكك بالمحمرة وما جاورها. وقد دخلتها غير مرة، وانجلت عنها. ورأى المرحوم ناصر الدين شاه بحكمته أن يقيم بينه وبين الأتراك حرمًا من هذه الجهة تفاديًا من الدخول معهم في حرب لم تكن في مصلحة دولته؛ ولهذا السبب أصدر فرمانًا شاهانيًّا في سنة ١٢٧٣ﻫ باستقلال الحاج جابر خان بإمارة عربستان استقلالًا داخليًّا، على أن تكون له ولأبنائه من بعده، وعلى أن تبقى الكمارك للدولة الإيرانية، وأن يكون في المحمرة مأمور يمثِّلُها، وأن يكون علم الدولة الإيرانية نفس العلم الإيراني، وأن يتعهَّد أمير عربستان بنجدة الدولة بجيوشه في الحروب، وأن تكون السكك المتداولة بين الأهلين هي نفس السكة الإيرانية، وأن تكون العلائق الخارجية منوطة بوزارة خارجية الدولة في طهران. وكان هذا الفرمان بدء استقلال إمارة عربستان المعروفة باسم إمارة المحمرة استقلالًا رسميًّا لا جدال فيه، وتمكَّن هذا البطل العظيم ببسالة قبائله وحزمه ودهائه من رد غارات الأتراك عن إمارته وإراحة الدولة الإيرانية عن محاربتهم، وفي الوقت نفسه انصرف إلى سياسة قبائله والتأليف بينهم ونزع الأحقاد من صدورهم، وهكذا دخلت الإمارة في طورٍ محمود من الارتقاء.
ولا جدال أن ساكن الجنان نصرة الملك الحاج جابر خان أمير تومان كان على جانب عظيم من السياسة والكياسة والدهاء والذكاء والشجاعة وقوة الإرادة؛ يدلُّك على ذلك فوزه بالاستقلال في داخلية إمارته، ورد غارات الأتراك عنها مع أنهم أهل دولة منظَّمة حربية كانت إلى أن انجلت عن العراق تصبو إلى إمارة المحمرة وتطمع بامتلاكها وتحسبها جزءًا متمِّمًا إلى الأملاك التي كانت تحكمها في العراق.
وفي سنة ١٢٩٩ استأثرت رحمة الله تعالى بهذا الرجل العظيم والملك الحكيم، مشبعًا من الأيام، محمودًا بكل شفة ولسان، مذكورًا بخيراته وأعماله الحِسان، ونُقِلَ جثمانه بالإجلال إلى كربلاء حيث دُفِنَ في تربتها المباركة بجوار سيد الشهداء الحسين عليه الصلاة والسلام.
وعلى أثر وفاته، رحمه الله، بويع بالإمارة المرحوم المبرور الشيخ مزعل خان، ثاني أنجال الحاج جابر خان، وظل على عرش الإمارة إلى سنة ١٣١٥ حيث استأثرت به رحمة الله، وقد تحدَّى، رحمه الله، خطوات المرحوم أبيه في المحافظة على إمارته، فراح مبكيًّا عليه، ونُقِلَت جثته إلى كربلاء أيضًا حيث وُورِيَت في ذلك التراب الذكي المسقي بدم سيد الشهداء الحسين عليه الصلاة والسلام.
وبعد وفاة المرحوم المبرور ساكن الجنان الشيخ مزعل خان نودي بإجماع الجميع ببيعة سيِّدنا ومولانا معزِّ السلطنة سردار أرفع صاحب العظمة الشيخ خزعل خان، حفظه الله، وخلَّد ملكه مدى الدوران. وعلى عهده تحوَّلت إمارة عربستان إلى مملكة عظمى معروفة من عالم السياسة في أوروبا ومقصودة من أطراف الجزيرة على ما سترى.