مولانا معز السلطنة سردار أرفع
نشأة عظمة السردار أرفع
هو معزُّ السلطنة سردار أرفع صاحب العظمة الشيخ خزعل خان أمير نويان وسردار عربستان، خامس أنجال ساكن الجنان نصرة الملك الحاج جابر خان، واضع استقلال إمارة عربستان، خلَّد الله ملكه مدى الدوران، وأطال في عمره السعيد لخير المسلمين وفخار العربان، ووفَّقه إلى النجاح بِنيَّاته الطيِّبة في تجديد مجد الإسلام وإعلاء كلمة القرآن.
افترَّ ثغر المجد والفخار، وتلألأ نور الإقبال، فأزرى بالشمس في رابعة النهار، بمولد عظمته الملوكية الذي كان في سنة ١٢٨٩ للهجرة النبوية، على ساكنها أفضل سلام وأذكى تحية «١٦٨٣ ميلادية». وأمه، رحمها الله ونوَّر بأنواره القدسية ضريحها، ابنة المرحوم الشيخ طلال رئيس قبيلة الباوية، وهي من أكبر عشائر عربستان بعد المحيسن وكعب، وهي معروفة ببسالة أبطالها وسعة جاهها، فيكون عظمة مولانا الشيخ شريفَ الجدَّين كريمَ النبعتين طيِّب العنصرين، فلا غرو إذا تمثَّل به الشرف والسؤدد والعزة والفخار.
وقد حدَّثني ثقات الرواة في زيارتي العراق عن نشأة عظمة السردار أرفع المُعجِب المُطرِب، قالوا: إن ساكن الجنان المرحوم الحاج جابر خان كان كثير الشغف بالأمير «خزعل» لما توسَّمه فيه من مخائل النجابة وهو فتًى يترعرع، فكان يطلبه إليه ويداعبه الساعات الطويلة، ويقول لمن حوله: سيكون مستقبل هذا الفتى عظيمًا. قالوا: وكان، رحمه الله، يستبشر غاية الاستبشار كلما رأى الأمير الصغير «خزعل» مُقبِلًا عليه يقبِّل أياديه ويقول له: «وليَّ النعم»، فيضمُّه إلى صدره ويقبِّله بحنوٍّ أبويٍّ عظيم.
وعندما بلغ عظمة الشيخ السنة الخامسة من ربيع عمره الأزهر سلَّمه ساكن الجنان والده العظيم إلى المربِّين الثقات من علماء النجف الأشراف، فعكفوا على تثقيفه وتعليمه العربية والفارسية وتأديبه بآداب القرآن الشريف، وحفظ الذكر الحكيم عن لوح صدره وهو في دون التاسعة من عمره، وما كفاه حفظه القرآن بل عكف على تفهُّم معانيه الإلهية العالية، وهو، حفظه الله، في مقبل العمر، وكان يستشهد من ذلك العهد بآياته الكريمة في أحاديثه ومخاطباته ويزداد بها في البيان وتكون لصائب آرائه خير برهان.
وتعمَّق عظمة السردار أرفع بآداب اللغتين العربية والفارسية، وكلتاهما بحرٌ زاخرٌ، وصار يقرض الشعر فيهما وهو في دون الخامسة عشرة من عمره السعيد، وعكف بعد ذلك على درس الشريعة السمحاء، فوقف على أسرارها وهو في مقتبل الشباب. قالوا: وعندما رأى ساكن الجنان الحاج جابر خان تفوُّق ولده النجيب «خزعل» في الأحكام الشرعية جعل ينيط به الحكم بين الناس وهو في دون العشرين من عمره. ولحظ الناس أنه، حفظه الله، مع تمسُّكه بالعدل كان لا يعدل في أحكامه عن «الرحمة»، وكان يقول القول الذي لا يزال مأثورًا عنه وهو: «إن الله يحب العدل، ولكنه غفورٌ رحيمٌ.»
وامتاز الأمير خزعل بالفروسية وركوب الخيل منذ صغره، وكان يركب للقتال في جيش ساكن الجنان نصرة الملك والده الكثير المحامد، وأظهر من البراعة في قيادة الجيوش والاستبسال في ملتقى الأبطال ما حمل والده العظيم على إناطة قيادة الجيوش بعظمته في أُخريات أيامه، وطالما خاض بها المعامع وجنى فيها أكاليل الانتصار.
وعندما آلت الإمارة لساكن الجنان المرحوم أخيه الشيخ مزعل خان ظل عظمة السردار أرفع قائد جيوش عربستان، وكُتِب له النصر والفتح في جميع المعامع التي خاضها وقتئذٍ، سواء مع الأتراك الذين هاجموا المحمرة غير مرة، أو مع البختياريين الذين حاولوا الاعتداء على حدود إمارة عربستان غير مرة وعادوا عنها بالفشل والخذلان، أو في كبح جماح بعض القبائل المشاغبة التي ما أمهلت أن عادت إلى الخضوع.
وكان مجلس الأمير الشيخ خزعل خان على عهد المرحومَين أبيه وأخيه مجلس علم وأدب، يقصده العلماء والشعراء والأدباء من أقصى العراق، فيتناشدون الأشعار ويتبادلون الأفكار بحضرته، وكان له الرأي الصائب في مباحثهم وأحاديثهم، كما كان يغمرهم بعطاياه ومنحه، وكثيرون منهم كان لهم مرتَّبات يتقاضونها من جيبه الخاص مُسَانهةً، فيستعينون بها على الانصراف للعلم والأدب والشعر.
وعُرِفَ عظمة الشيخ، حفظه الله، من عهد المرحومَين ساكنَي الجنان أبيه وأخيه بسداد الرأي وبُعد مواقع النظر، حتى كانا رحمهما الله يستشيرانه في شئون الإمارة الهامة ويعملان بمشورته في حلِّ المعضلات التي كانت تَعرِض لهما، ويعوِّلان على حزمه وحسن سياسته في إدارة شئون الإمارة، وكذلك كان عظمته، حفظه الله، المرجع الأكبر لرؤساء العشائر، يقصدونه في شئونهم الخاصة، فيكون لهم نعم الوسيط لدى ساكنَي الجنان أبيه فأخيه رحمهما الله وأطال لنا بقاء عظمته الملوكية.
واشتهر عظمة السردار أرفع منذ حداثته بالكرم، حتى كان يَهَب كلَّ ما معه، وهو كثيرٌ، لقاصديه، ولسعة شهرته بكرمه أصبح في العراق مضرب الأمثال في الكرم، وصار الناس ينسبون الكرم إليه بعد أن كان يُنسَب إلى حاتم طي، فيقولون: «الكرم الخزعلي» بدلًا من «الكرم الحاتمي»، ومن أعظم حسناته في الكرم أنه، حفظه الله، يجود على عُفَاتِه بغير تمنُّن ولا مَطْل، ويأبى سماع الشكر من أفواه الذين يحقق آمالهم بإحسانه ويُولِيهم بَدْرَ أمواله، ويقول: اشكروا الله، فهذه نُعْمَاه.
ولنشأة عظمته، حفظه الله، تذكارات حميدة في نفوس أهالي عربستان لا يزالون يذكرونها بالحمد والشكران؛ فقد كان كثير العطف على عبيد وموالي أبيه، جمَّ الاهتمام بشئون الرعايا وكشف مظالمهم، وسمعت كثيرين من الشيوخ يرددون تلك العواطف الشريفة التي كانت تشملهم من «الشاب خزعل» وهم يدعون لعظمته بطول العمر، فيتناقلها شُبَّانهم الذين ورثوا عنهم الولاء والإخلاص لسُدَّته الملوكية.