تييوفيل جوتييه١
من فحول النظم والنثر الفرنسيين، وُلِدَ بتارب سنة ١٨١١، وتُوفِّيَ بنويِّي سنة ١٨٧٢، دخل باريس في مقتبل عمره، فعالج أولًا فن التصوير، ثم انتقل إلى الشعر وقرض بعض قصائد حازت استحسانًا عظيمًا.
أما مؤلفات تييوفيل جوتييه فعديدة جدًّا ومتفرقة، وقد قُدِّرَتْ في ثلاثمائة مجلد، ونخص بالذكر منها الأهم.
وأنشأ عدة كتب في الانتقاد الفني على معارض الصور والرحل في إسبانيا والروسيا وإيطاليا والآستانة وعددًا من الروايات التمثيلية النظمية الصغيرة وغيرها.
وشاعرنا هذا وإن كان في بعض المواضع قليل الفكر والعواطف، لكنه متين الإنشاء رقيقه، ولقريضه شجو جديد، وقد أعاد شباب الشعر المبتكر، وكان كما وصفه «بودلير» شاعرًا مجيدًا خاليًا من العيوب وعالمًا كاملًا أتى بالمدهشات في عالم الأدب.
حذاء كورنيي Le Soulier de Corneille
هذه النكتة التاريخية وربما كانت فكاهة خرافية تمثل شاعر الفرنسيس مورنيي، وقد شاخ وافتقر، واقفًا أمام حانوت إسكاف حقير؛ ليخصف نعلًا لا يملك غيرها ودعاه الحال لينتظرها ريثما يصلحها الإسكاف.
وكان يُخَيَّل للناظر أن كل ثنية من ثنيات خده الغائر تدل على فكرة، ويُقْرَأ في عينيه السوداوين ضجر وملل.
ثم وقف كورنيي العظيم أمام حانوت صغير بمكان قذر حافي القدمين منتظرًا الإسكاف ريثما يخصف له نعله.
ولو أتى هوميروس باريس ومشى بخفه دون أن يخشى الفضيحة لألجأه يوم مطير لأن يرقع خفه، كما حصل لمؤلف «أوراس» و«سينا»، وهو الذي بفضله أسعدت إلهة الشعر المصور الطائر الصيت «ميكيل إنج» بنفحاتها العظيمة؛ فأبدع في تصوير عظماء اليونان أيما إبداع.
لويس أيها الملك العظيم! إن هذا القصص الذي يعافه كل ذي ذوق سليم، أو بكلمة واحدة: هذا الحذاء المرقع لتجعل رقعه وصمات في ملكك بينما العشاق ترفل في الدمقس وفي الحرير.
وإني ليحزنني أن أرى كورنيي يعاني البؤس ألوانًا، وكيف هذا الحانوت القذر وعرشك الفخيم رفيع العماد، تزينه أزهار الزئبق، ويختال في بردين من زخرف وبهاء، وطيلسانك من المخمل الأرجواني. فهلَّا — رعاك الله — تعطَّفت بشيء على أمير شعراء عصرك وقد أناخت عليه الشيخوخة؛ حتى كاد يموت فقرًا في زوايا النسيان، ولقد خلَّفت نقطة سوداء في صحائف تاريخك البيضاء، وكلفا في وجه شمسك من تركك كورنيي بلا حذاء وموليير بغير قبر.
ولكن علامَ نغضب إذ ستتساوى الحظوظ ويجمعنا الموت سواءً، ويجر النسيان ذيله على الملك، ويطويه في خبر كان، ويبقى ذكر الشاعر حيًّا خالدًا.
وقد حفظ قصر فرساي تماثيل الندماء، وذهب ما كان فيه من التملق، وغاض ماؤه الذي كان يزينه بنوافيره المتنوعة العديدة بعدما كان مقر الملوك؛ فمن خلد بعد موته العظمة أم العقل الراجح؟ طلع الفجر على أحدهما وخيم الظلام على الآخر، وظهر طيف لويس في حديقة فرساي التي اختطها «لونوتر» الشهير هائمًا على وجهه يتخبط في ليل أليل، وخلد ذكر كورنيي كإله من آلهة القدماء، وما فتئ يرى وهو على منبره النيران والأضواء الموقدة احتفاءً بعيده وإعلاءً لشأنه.