عن جسم المرأة
لا شكَّ أن قصة العروس التي قدمتُ بها هذا الكتاب تَفرض عليَّ أن أبدأ ببعض المعلومات والحقائق الطبية والتشريحية لأعضاء المرأة التناسُلية التي كان نصيبها من الجهل والتجهيل والاضطهاد أكبر من نصيب أيِّ أعضاء أخرى لأيِّ كائن حي ظهر على وجه الأرض.
وإنَّ البدء بالتعريف بأعضاء جسم المرأة لا يعني على الإطلاق أنَّ الجهل بالتكوين الجسمي للمرأة أكثر شيوعًا أو خطورة من الجهل بتكوينها النفسي أو العقلي؛ لأنَّ العكس هو الصحيح؛ فالجهل بنفس المرأة وعقلها أشد انتشارًا من الجهل بجسم المرأة.
لقد فرضت الظروف الاجتماعية منذ تاريخ بعيد أن تكون المرأة جسدًا فحسب، وساعد ذلك على اندثار نفسها وعقلها في طيِّ النسيان، وجَهِلَ الناس بمرور الزمن أن المرأة يُمكِن أن يكون لها نفس وعقل كنفس الرجل وعقله.
وقد قال كينيث ووكر: «إنَّ جهل الرجل بالمرأة لا يعني جهله بجسم المرأة ورغباتها والوظائف الفسيولوجية للجنس فحسب، ولكنه يعني أيضًا الجهل بما هو أهم وأخطر، ذلك هو الفهم الإنساني للمرأة كإنسان مثله تمامًا.»
لا شك أن تلك المحظورات والقيود التي فرضها المجتمع على المرأة وبالذات على أعضائها التناسُلية (لأسباب سأُوردُ ذكرها فيما بعد) قد ساعَدَ على تشويه معنى العلاقة الجنسية، وارتبطت في الأذهان بالإثم والخطيئة والنجاسة، وغير ذلك من التعبيرات المعيبة التي جعلت الناس يخشَون الحديث عن الجنس؛ وبالتالي أصبحوا يجهلون عنه وعنها الكثير.
والجهل هنا لا يعني غياب المعلومات، لكن ترويج المعلومات الخاطئة أشدُّ أنواع الجهل، وقد يكون من الأفضل للإنسان أن يواجه الحياة بلا معلومات على الإطلاق على أن يُواجهَها بمعلومات خاطئة تُفسِد فطرته وذكاءه الطبيعي.
وقد انتشرت المعلومات الخاطئة عن الجنس والأعضاء الجنسية بسبب التكتُّم أو السرية التي تُحاط بها، شأنها في ذلك شأن الإشاعات التي تُروَّج في الخفاء ويتهامس بها الناس سرًّا، فإذا بالحقائق تسقط من الأفواه حقيقة بعد حقيقة ومن فمٍ إلى فم.
•••
بالرغم من أن جسد المرأة كان أكثر حظًّا من نفسها وعقلها، وأنه لم يتعرَّض لذلك الإنكار الذي تعرَّضنا له، إلا أنَّ المجتمع لم يترك جسد المرأة على حالته الطبيعية.
إنَّ الفكرة التي شاعت خطأً منذ التاريخ البعيد على أن الرجل سيد المرأة، وأنها ليسَت إلا أداة لإمتاعه ووعاءً لأطفاله؛ قد أباحَت للمُجتمَع أن يَستأصِل من جسد المرأة ما يشاء ويهمل ما يشاء لتصبح المرأة مجرد الرحم الذي يُنجب الأطفال.
وخيَّم الظلام والإهمال على أعضاء المرأة التي لا تلعب دورًا في عملية الإنجاب والولادة، بل إنَّ بعض هذه الأعضاء كانت تُسْتَأْصَل من جسد المرأة تمامًا، وبالذات تلك الأعضاء التناسُلية الحساسة لمُتعة الجنس.
وكم مِن رجلٍ عاش مع امرأة سنوات وسنوات ومارس معها الجنس وأنجب منها عشرات الأطفال ثم مات دون أن يعرف أن هذه المرأة تَحتوي في جسمها على أعضاء تناسُلية أخرى غير ذلك المهبل الذي عرفه عن طريق علاقته الجنسية بها والرحم الذي حملت فيه أطفاله، ودون أن يعرف أن هذا المهبل وهذا الرحم الذي حملت فيه أطفاله أقل أعضاء المرأة التناسُلية إحساسًا بالجنس؛ لأن وظيفتهما الأساسية ليست الجنس وإنما الحمل والولادة.
ولا شك أن «البظر» (عضو المرأة التناسلي الخارجي) هو أكثر أعضاء المرأة حظًّا من الجهل والتجاهل والإهمال، وفي بعض الأحيان ينظر إليه المجتمع نظرةَ عداء ويستأصلُه بالمشرط كما تُسْتَأْصَل الزائدة الدودية.
والبظر في جسم المرأة ليس زائدة دودية، بل إنه العضو الأساسي الذي عن طريقه تَعرف المرأة لذة الجنس؛ فالبظر (شأنه شأن عضو التذكير في الرجل) يتميَّز بأنه العضو الوحيد الذي يشتمل على أنسجة قابلة للانتصاب أثناء الإثارة الجنسية وعلى أكثر الأعصاب حساسية بلذة الجنس، وهو الذي يقود العمَلية الجنسية من أولها إلى آخرها، وبدونه لا تَصلُ المرأة إلى قمة اللذة التي يصاحبها الإنزال وتَنتهي به العمَلية الجنسية.
ويتشابه البظر مع عضو التذكير عند الرجل في شكله وتكوينه وشدة حساسيته وأهمية دوره في الجنس، ولا عجب في ذلك ولا غرابة؛ فأصلهما واحد في الجنسين، والخلايا التي تصنع البظر هي نفسها الخلايا التي تصنع عضو التذكير، لكن الذي يحدث خلال تطور الجنين أن البظر في الأنثى يتوقَّف عن النمو في مرحلة من المراحل، وأن عضو الذَّكَر يستمرُّ في النمو فترة أطول.
لكن المجتمَع وقد قرَّر لأسباب اقتصادية أن دور المرأة الوحيد في الحياة هو الإنجاب وخدمة الزوج والأولاد؛ فقد رأى حِرمان المرأة من اللذة الجنسية التي قد تشغلها عن الدور الذي رسمه المجتمع لها.
وقد نتَج عن هذا أَنْ جَهِلَ الرجل بظر المرأة وتجاهَلَه، ولم يعرف إلا المهبل؛ لأنه الأداة الوحيدة لإمتاعه.
وتصوَّر الرجل بسبب الجهل أنه ما دام يصل هو إلى قمَّة اللذة عن طريق مهبل المرأة فلا بد أن المرأة أيضًا تصل إلى قمَّة اللذة عن طريق المهبل، وبسبب الأنانية لم يستطع الرجل أن يكتشف خطأه ويَتعرَّف على الطريق الذي يُمكِن أن يصل بالمرأة إلى اللذة.
وتصوَّر بعض الرجال أن عنق الرحم (وهو الجزء السُّفلي من الرحم الذي يسدُّ فتحة المهبل العلوية) هو أكثر أعضاء المرأة إحساسًا بالجنس، ويظنُّون أن عضو الرجل إذا ما لامس هذا العنق أثناء العملية الجنسية فإن ذلك أكبر مؤثِّر من حيث بلوغ المرأة قمة اللذة؛ ومن هنا الاعتقاد بأن حجم عضو الرجل عنصر هام في الكفاءة الجنسية، وأن الرجل الأقوى جنسيًّا هو صاحب العضو الأكبر أو الأطول؛ لأن مثل هذا الطول كفيل بالوصول به إلى عنق الرحم.
ولا يدري هؤلاء الرجال أن حجم العضو لا يدلُّ بحال على الكفاءة الجنسية عند الرجل، وأن عنق الرحم ليس أكثر أعضاء المرأة إحساسًا بالجنس كما يظنُّون، بل إنه أقل أعضاء المرأة إحساسًا بالجنس، ولا اللذة ولا الألم، وإن كان أشد أنواع الألم كالذي ينتج عن الكيِّ بالنار أو الكهرباء؛ والدليل على ذلك أن المرأة التي تُصاب بقُرحة في عنق الرحم وتذهب إلى الطبيب فإنه يُعالجها بالكي الكهربائي لعنق الرحم دون أن يُعطيها أي مخدِّر ودون أن تشعر بأي ألم.
وقد حرَمت الطبيعة عنق الرحم من الإحساس حتى لا تموت المرأة من الألم حين يمرُّ رأس الطفل المولود من فتحة ذلك العنق الضيق؛ فالمعروف أن عنق الرحم والمِهبَل يَصنعان القناة التي يولد منها الطفل، وأنه لا بدَّ لهذين العضوين أن يتمدَّدا ويتَّسعا ليهبط الطفل بغير ألم، أو بألم بسيط تحتمله الأم الطبيعية. لقد خُلِقَ الرحم والمِهبَل ليخدما الولادة وليس الجنس.
لكن الرجل لا يَعرف ذلك، ويُركِّز في علاقته الجنسية مع المرأة على المهبل أو عنق الرحم ويتجاهَل البظر، وهذا هو أحد الأسباب في أن مُعظَم النساء يتزوَّجن ويُنجِبن عشرات الأطفال ثم يمُتْنَ ويُدْفَنَّ قبل أن يَعرفنَ لذة الجنس أو يصلْنَ مرةً واحدة إلى قمة اللذة.
- (١)
وفي أبحاث كينزي (١٩٥٣م) وُجِدَ أن ١٠٠٪ من الذكور يَعرفون قمة اللذة في الجنس قبل بلوغهم سن ١٧ سنة، على حين أن ٣٠٪ فقط من الإناث يَعرفْن هذه اللذة قبل الزواج، وأنَّ قمة اللذة في الجنس لا تَعرفها النساء حقيقة قبل سن ٣٥ سنة؛ وذلك بسبب الخبرة، أو زيادة كمية الدم التي تُغذِّي أعضاء المرأة بعد الحمل، أو لتغلُّب المرأة على عقدها النفسية … إلى غير ذلك من الأسباب.
وفي بحث والين (١٩٦٠م) على ٥٤٠ زوجة وُجِدَ أن مُعظَم هؤلاء الزوجات لم يعرفن قمة اللذة (الأورجازم) في علاقتهنَّ مع أزواجهن، وأن هذه العلاقة الزوجية لم تكن تُشبع رغبتهن في الجنس، ولكنها كانت تُرضيهن نفسيًّا من حيث القرب من الزوج وإرضاؤه، وكان هذا الرضا النَّفسي يَصرفهن عن الرغبة في بلوغ قمة اللذة في الجنس.
وكذلك وجد سيُفرز (١٩٦٤م) في أبحاثه أن المرأة لم تكن تَنظُر إلى بلوغها قمة اللذة في الجنس كعنصر هامٍّ من عناصر أُنوثتها، كما أنه وجد أن بلوغ المرأة لِقمَّة اللذة لم يكن تلقائيًّا بقدر ما كان مصنوعًا أو أمرًا تتدرَّب عليه المرأة.
- (١)
بصرف النظر عن الفروق التشريحية فإن بلوغ قمة اللذة في الجنس عند الرجل والمرأة مُتشابهان من الناحية الفسيولوجية؛ ففي كلا الجنسَين تحدث نفس العمليات الفسيولوجية من حيث رد الفعل واستجابة العضلات، واندفاع الدم في الأعضاء حتى درجة معيَّنة، وإن قمَّة اللذة تُحدثها العضلات نفسها في الذكور والإناث.
- (٢)
ليس هناك ما يُسمَّى ببلوغ قمَّة اللذة عن طريق المهبل وحده بدون بلوغ قمة اللذة عن طريق البظر؛ فإنَّ اللذة عن طريق المهبل والبظر تُكوِّنان وحدة تشريحية واحدة، وإن بلوغ قمة اللذة عملية تَنتشِر في جميع أعضاء المرأة الجنسية، وهي عملية واحدة لا تَتغيَّر بتغيُّر شكل الإثارة الجنسية أو موضعها.
- (٣)
إنَّ البظر يلعب دورًا هامًّا وأساسيًّا في بلوغ المرأة قمة اللذة.
- (٤)
إنَّ المرأة شديدة الحساسية للمُؤثِّرات النفسية، وعليها أن تتخلَّص من عقدها النفسية وخوفها أو خجلها؛ فإنَّ أي شرود لذهنها يُقلِّل من درجة انفعالها.
- (١)
إنَّ البظر أكثر أهمية وأكثر حساسية للجنس من الثلث السُّفلي من المهبل، وعلى هذا فإنَّ البظر هو أكبر عضو حساس للجنس عند المرأة وليس المهبل، ولهذا فإنَّ البحث عن لذة الجنس من خلال المهبل كنوع من النضج الجنسي والنَّفسي للمرأة إنما هو بحث غير طبيعي.
ويَنقسِم المهبل إلى جزأين؛ الجزء العلوي ويكون ثلثَي المهبل، وهو جزء غير حساس ليس له دور في الجنس أو اللذة الجنسية، أما الجزء الثاني وهو الثلُث السفلي من المهبل فهو حساس للجنس ولكنه أقل حساسية من الشفرَين، وهاتان أقل حساسية من البظر.
وتقول د، باردويك: إنَّ النساء اللائي يتصوَّرن أنهن يَصِلن إلى قمة اللذة عن طريق المهبل فقط يَتجاهلن الإثارة التي تحدث للبظر وهن يُحاولن بذلك أن يُظْهِرْنَ «نضوجهن الجنسي»، فهناك فكرة نفسية خاطئة تُوهِم المرأة أن النضج الجنسي معناه أن يكون المهبل هو مبعث اللذة الجنسية، وأن إثارة البظر إنما هي رغبات الطفولة أو المراهقة وليس المرأة الناضجة.
إنَّ اللذة الجنسية عند المرأة واحدة، ليس هناك شيء اسمه لذة عن طريق البظر، ولذة أخرى عن طريق المهبل، فأعضاء المرأة متَّصلة اتصالًا عضويًّا لا انفصام فيه، لكن هذا الفصل بين لذة البظر ولذَّة المهبل قد حدث صناعيًّا بسبب أفكار فرويد ونظرية التحليل النفسي التي اعتبَرَت البظر عند المرأة عُضوًا ذكريًّا إيجابيًّا وُضِعَ خطأً في جسد المرأة السلبي.
وبسبب هذا فقد أصبحت النساء يُفضِّلن الإثارة عن طريق المهبل لأسباب نفسية، ويُفضِّلن الإثارة عن طريق البظر لأسباب جنسية.
وبهذا التخبُّط وعدم الفهم، وبسبب العُقَد النفسية أيضًا واعتبار اللذة الجنسية إثمًا وعيبًا فإن معظم النساء لا يعرفن شيئًا عن قمة اللذة، وكل ما يعرفنه في الجنس هو تلك اللذة الضعيفة أو الرضا النفسي بسبب إرضاء الرجل.
وتصف د. باردويك ثلاثة أنواع من قمة اللذة عند المرأة: النوع المنخفض والنوع المتوسط والنوع المرتفع، وتقول باردويك: إنَّ النوع المُرتفع يشبه قمة اللذة عند الرجل، وتصل إليه المرأة بعد خبرة معيَّنة، وبعد أن تتدرَّب المرأة على أن تتخلَّص من عقدها النفسية وخوفها وخجلها وتستجيب للذة بطريقة طبيعية. ولو أنَّ المرأة عاشت حياة طبيعية خالية من التخويف والعُقَد منذ الطفولة فإنها تبلغ قمَّة اللذة بسهولة وتلقائية كالرجل سواءً بسواء.
إنَّ عدم إحساس المرأة بلذة الجنس يُسمَّى علميًّا باسم البرود الجنسي، وهو أكثر الأمراض الجنسية والنَّفسية شيوعًا بين النساء، ولا أعتقِد أن هناك إحصائية علمية صحيحة يُمكن أن تدلنا بحال من الأحوال على نِسبة إصابة النساء بالبرود الجنسي؛ وذلك أنها تجهل الجنس ذاته، وتجهل أنها مُصابة بالبرود الجنسي، وتَجهل معنى لذة الجنس أو قمة هذه اللذَّة، وتظنُّ أن الجنس ليست له لذة، أو ليسَت له قمة. ومن المعروف طبيًّا أن البرود الجنسي قد يقترن أثناء العملية الجنسية بتهيُّج مِهبلي شديد، بل إن هذا التهيُّج قد يحدث بدون أي مؤثر مباشر للأعضاء التناسُلية للمرأة.
وفي بعض حالات أخرى يستجيب المهبل استجابةً ضئيلة رغم كل المؤثِّرات المباشرة للأعضاء التناسُلية للمرأة أثناء العملية الجنسية، ويرجع بعض العلماء السبب في ذلك إلى أن كثيرًا من النساء يُعانين من القلق خشية الحصول على قمة اللذة، وأن هذا القلق أقوى من رغبتهن أو إرادتهن في الحصول على اللذة.
وتَنعكِس عُقَد الرجل النفسية والجنسية على المرأة وينتج عنها البرود الجنسي. ولعل أهم عُقَد الرجل النفسية والجنسية أنه يفصل بين الحب والجنس فهو في معظم الأحوال يشتهي المرأة التي لا يُحبها، أما المرأة التي يُحبها فإنه قد يَعجز عن الاتصال بها جنسيًّا أو أنه يتصل بها جنسيًّا بشرط أن تظلَّ هي المحبوبة العذراء العفيفة، وبمعنى آخر الباردة جنسيًّا، وتَعتقِد الزوجات على هذا النحو أن البرود الجنسي هو صفة الزوجة المُحترَمة، فإذا بها تتفاخَر ببرودها الجنسي، ويُصبح الاستمتاع الطبيعي بالجنس إنما هو صفة المومسات والعشيقات فحسب، ويستمتع كثير من الرجال بهذا الانفصام في شخصياتهم، وتُصبِح لكلٍّ منهم زوجة باردة شبه مهجورة وعشيقة مرغوبة ولكنها مُحتقَرة.