صحوة الروبوت!
تردَّدت نداءات الكمبيوتر المركزي بين جنَبات قاعاتِ وغرف المقر المختلفة تُعلن الجميع أن عليهم إخلاء مبنًى بالمقر والتواجُد دون تباطؤ في الكهف السري.
تحيَّر الشياطين لما سمعوه … وكانوا أغلبهم مُتواجدين في المختبر … يحضرون إجراء تجارب على نوع جديد من الوقود وصَل إليه علماء المنظمة.
وكما تعلَّموا كان عليهم اتِّباع الأوامر وتنفيذها فور سماعها.
لذلك غادروا المُختبر واستقلُّوا المصعد وهبطوا به … ليس إلى الدور الأول … بل إلى الطابق (−٢)؛ أي الطابق الثاني تحت الأرض … وهناك عبرُوا ممرًّا سريًّا إلى ساحة صغيرة التقوا فيها جميعًا … ثم اصطفُّوا أمام بوابة إلكترونية سمحت لهم بالمرور فُرادى بعد أن نطق كلٌّ منهم باسمه … وعندما استقرُّوا في الكهف تمامًا … نظروا إلى بعضهم البعض مُتسائلين … فانطلقت «ريما» تقول: هل هناك خطر حقيقي أم إنها مناوَرة؟
ولأنه يعرف أنهم يَنتظرون منه جميعًا الإجابة … فقد شحذ ذهنَه سريعًا ثم قال: أعتقد هذه المرة أنه خطر حقيقي مباغت.
وكان هذا ما يدُور في ذهن «عثمان» وأكثر … فقد قال: أعتقد أن المقرَّ تعرَّض أو سيتعرَّض لهجوم بأسلحة غير تقليدية.
أثار اعتقاد «عثمان» حنق «إلهام» التي قالت: أعتقد أن الانفجار النووي له صوتٌ مسموع.
وعقبت «ريما» في تهكم قائلة: هذا إن لم يكن تفجيرًا سريًّا.
وأراد «عثمان» إحراج «ريما» فقال لها يسألها: وكيف سيكون تفجيرًا سريًّا؟!
وكانت فرصة ﻟ «ريما» لتُكمِل تهكُّمها … فقد قالت: يُفجِّرون القنبلة ويقولون لها هس …
وهنا تدخل «أحمد» لتصحيح مسار الحديث قائلًا: ليست كل الأسلحة غير التقليدية أسلحة نووية وأنتم تعرفون ذلك.
إلهام: تَقصد هجومًا بأسلحة بيولوجية؟
أحمد: نعم …
في هذه اللحظة انطلق بين جنبات الكهف صوتٌ يشبه أزير ذبابة كبيرة … أعقبه صوت يقول: الشياطين اﻟ «١٣» … هل أنتم بخير؟
أجابه «أحمد» مُتسائلًا بقوله: هل تسمعوننا؟
الصوت: نعم يا سيد «أحمد» … أنا الرائد «بديع» من قوَّة الطوارئ … انطلقت «ريما» تسأله في اندفاع قائلة: لماذا نحن هنا؟
وصادف السؤال هوى «أحمد» فكرَّره ثانيةً قائلًا: نعم … لماذا نحن هنا؟ كان يجب أن نكون في مواجهة أية أخطار تتعرَّض لها المنظمة أو المقر مثلكم.
بديع: الخطر الذي تتعرَّض له الآن لن يمسَّ منشآت أو أجهزة … إنه يُهددنا نحن أعضاء المنظمة.
أحمد: إذن هو هجوم بيولوجي؟
بديع: معكم رقم «صفر» سيُحدثكم في الأمر.
انطلق صوت رقم «صفر» يُحييهم قائلًا: مساء الخير عليكم …
على غير المتوقع ساد الكهف صمت مطبق … ولم يُجِب أحد السلام …
ولم ينتظر رقم «صفر» كثيرًا. بل قال لهم: أنتم لا تعرفون لماذا أنتم هنا؟ وأنا سأُخبركم.
استطرد رقم «صفر» قائلًا: في إحدى عملياتنا الخارجية … وبالتحديد في «نيوشاتيل» في «سويسرا» كان لنا صراع داخل مركز أبحاث علمية … وانتهى بانتصارنا وتدمير هذا المركز الذي كان يعمل لخدمة أهداف إجرامية.
أحمد: كان هذا المركز يتبع جماعة «سوبتك».
رقم «صفر»: نعم … وقد عُدتم لنا سالمين … غير أنكم لم تعُودوا وحدكم …
سرت همهمة بين الشياطين … قطعها رقم «صفر» قائلًا: في هذه الفترة تطوَّرت أبحاث النانو تكنولوجي جدًّا … ووصلت إلى آفاق مبهرة كان من نتائجها آلية ميكروية لا تُرى بالعين المجرَّدة.
إلهام: لقد تمكَّنوا الآن من صنع آلات نانوية.
رقم «صفر»: نعم … ولكنها لا تتمتَّع بنفس قدرات الكائنات الميكروية … لأن كبر حجم الأخيرة يعطيهم الفرصة لتزويدهم بإمكانيات غير موجودة في الكائنات النانوية.
وأخذ الحماس «قيس» فتدخل قائلًا: ولكنها في كل الحالات لا تُرى بالعين المجرَّدة.
رقم «صفر»: بالضبط.
وهنا صاح «عثمان» قائلًا وكأنه «أرشميدس» حين وصل لقانون الطفو: لقد عُدنا ومعنا بعض الكائنات الميكروية.
ابتسم رقم «صفر» وقال: نعم دون أن تشعُروا … لقد علقت بملابسِكم وأحذيتكم … وعند عودتكم وخلع ملابسكم غادرتها … واتخذت لها مكانًا آخر انتظارًا لما سيأتيها من أوامر …
صاح «خالد» قائلًا في دهشة: هل هذا يعني أن هذه الكائنات الدقيقة … بها أجهزة استقبال وخلايا منطقية … ويُمكنها اختيار وقت التحرُّك؟
رقم «صفر»: لا تختار … بل هي مُبرمجة كي تُدار تبعًا للأوامر التي تصلها عبر الأثير … أما عن دوائر الاستقبال فهي دوائر مِجهرية كدوائر معالج الكمبيوتر.
أحمد: وهل وصلتها أوامر بالتحرُّك؟
رقم «صفر»: نعم …
ومن مكمنه انطلق «بو عمير» كما انطلقت الروبوتات … وقال يسأل رقم «صفر»: وكيف عرفتم؟
رقم «صفر»: سؤال وجيه … لقد عثرنا على بعض الطيور الميتة في حديقة المقر … ولانتشار المخاوف من إنفلونزا الطيور هذه الأيام … رأينا أنه من الصواب فحص هذه الطيور ومعرفة سبب وفاتها.
ريما: وكانت النتيجة أنها ماتت لإصابتها بإنفلونزا الطيور.
رقم «صفر»: نعم.
إلهام: هل هي من الطيور المحلية يا زعيم؟
رقم «صفر»: نعم …
إلهام: هناك احتمال لاختلاطها بطيور مهاجرة تحمل هذا الفيروس.
تدخل «أحمد» قائلًا: ليس من المعقول ألا يكون هذا الاحتمال قد تمَّت دراسته؟
رقم «صفر»: معك حق يا «أحمد» … كل هذه الاحتمالات قد تمَّت دراستها باستفاضة ولكن طرأ شيء غَيَّرَ مجرى الأبحاث تمامًا …
ساد الصمت مرة أخرى انتظارًا لمعرفة هذا الطارئ المهم … واحترامًا لرغبتهم … انطلق رقم «صفر» يقول: أثناء البحث المجهري … تم رصد هذا الكائن الآلي الذي حدثتكم عنه …
مصباح: الروبوت؟
رقم «صفر»: نعم … ورأينا أن هناك احتمالًا كبيرًا لأن يكون هذا الروبوت … هو العائل الوسيط لهذا الفيروس.
ريما: أي إنه حمله وكمن به إلى أن أتته الأوامر.
رقم «صفر»: نعم … إلى أن أتته الأوامر وتحرَّك … فظهرت النتيجة فورًا في نفوق هذه الطيور.
قالت «ريما» في قلق: تقصد أن هناك المزيد من هذه الكائنات تتحرَّك الآن في أروقة المقر … تحمل الأمراض والموت؟
رقم «صفر»: نعم. كما قلتِ تَحمل الأمراض والموت. فهناك احتمالٌ كبير أنها تحمل المزيد من الأمراض غير إنفلونزا الطيور … وتقوم معامل المنظمة الآن بفحص كل جسم الطائر وريشه للوصول إلى روبوت آخر لمعرفة المزيد عما تحمله هذه الكائنات.
إلهام: أسرَّتنا … أغطيتنا … أوعية طهي مأكولاتنا … ثلاجات غرفنا … ثلاجات المطابخ والمطعم الكبير.
قاطعها رقم «صفر» قائلًا يطمئنها: ألا ترَين أننا تصرَّفنا بحكمة وحسم عندما عزلناكم في هذا الكهف؟
ضحك «عثمان» وهو يقول: لقد عزلتمونا مع الروبوت … لقد أغلقتم القفص علينا ومعنا الأسد …
رقم «صفر»: إنما عزلناكم جميعًا جماعات جماعات. كلٌّ في مقرٍّ مجهَّز كمقركم هذا … وسيتم فحصكم بأحدث الأجهزة المعملية في العالم … ولن تخرجوا من هنا إلا ونحن مطمئنون عليكم تمامًا … ومطمئنون ألا خطر في الخارج أيضًا.
مصباح: هل معنى ذلك أنكم ستُنظفون المقر من هذه الروبوتات؟
رقم «صفر»: إن معامل المقر تدرس الآن تركيب الروبوت … وصفاته وبرنامجه للوصول إلى كيفية رصده أو تحريكه.
ريما: وقتها سيُمكنكم جمع كل الروبوتات التي علقت بنا.
رقم «صفر»: نعم …
عثمان: هذا إذا خرجنا من هنا سالمين.
وفي صبر وتعاطف … سأله رقم «صفر» قائلًا: لماذا تقول هذا يا «عثمان»؟
انتبه «عثمان» إلى أنه يُحادث الزعيم … فقال مبررًّا ما قاله: لقد قلت يا زعيم إنها كائنات مجهرية … أي يمكنها التسلل عبر الفتحات الدقيقة مُتعلِّقة بالغبار.
رقم «صفر»: كيف يحدث ذلك في هذا الكهف الذي صُمِّمَ كي يحميكم من التفجيرات النووية … وما ينتج عنها من غبار ذري وإشعاعات وحرارة؟ … إنه معزول عن العالم تمامًا … وليس له علاقة بالهواء الجوي الخارجي.
ريما: وكيف نتنفَّس بهذه الرائحة؟
رقم «صفر»: لأن به مولدات أكسجين مُتطورة للغاية … به أحدث أجهزة الاتصال … به أعقد أجهزة الكمبيوتر … به مُحاربون آليون يُمكنهم مؤازرتكم عند الحاجة … ويمكنهم الخروج عبر منافذ خاصة لا تُعرِّض الكهف للخطر … وأيضًا مزوَّد بكل ما تحتاجونه من مؤن جافة وطازجة تكفيكم لسنوات.
إلهام: وهل سنُمضي هنا سنوات؟
رقم «صفر»: سيحدث هذا في حالة حدوث تفجير نووي … أما الآن فبمجرد الانتهاء من تنظيف المقر وفحصكم فحصًا دقيقًا ستعود الأمور إلى ما كانت عليه …
أحمد: ألا يفيد تعقيمنا إشعاعيًّا وتعقيم المقر كله؟
رقم «صفر»: نحن ندرس الأمر جيدًا … وقد أصبح لدينا الآن أحد الروبوتات المجهرية ومعامل المقر تُجري عليه اختبارات كثيرة لمعرفة نتيجة تفاعله مع الأشعة الذرية.
وكانت الملاحظة الأهم عند «عثمان» حين قال: نحن كمَن يبحث عما ضاع منه في النور لا في المكان الذي ضاع فيه.
رقم «صفر»: وَضِّحْ فأنا لا أفهمك؟
عثمان: إنكم تُجرون كل هذه التجارب على الروبوت لأنه بين أيديكم … في الوقت الذي لا تعرفون فيه نوع الفيروسات التي يحملها … وهل يَقتلها نفس الإشعاع أم لا؟
وقبل أن يجيبه رقم «صفر» عاد وقال: أم إنكم افترضتم أنه لا يَحمل إلا فيروس «إنفلونزا الطيور»؟
رقم «صفر»: إن قضية فيروس إنفلونزا الطيور بسيطة … ذلك أنه يموت عند درجة حرارة سبعين درجة مئوية … أي يُمكننا غلي ملابسنا للتخلُّص منه إن كان قد علق بها بصحبة أحد الروبوتات.
ابتسم «أحمد» وقال: هل يجوز هذا عند الاستحمام؟
رقم «صفر»: تقصد أن تستحمُّوا بمياه ذات درجة حرارة فوق السبعين درجة مئوية؟
أحمد: نعم …
رقم «صفر»: أنا لا أرى فيه أيَّ ضرر.
ضحك الشياطين استحسانًا لدعابة الزعيم … في الوقت الذي أكمل الزعيم فيه كلامه قائلًا: الآن علينا إجراء فحص شامل لكلِّ ما بين أيدينا … وعندما يستجد جديد … سنكون جاهزين له … أترككم الآن لعلماء المقر … وألقاكم قريبًا … إلى اللقاء.
انفتحت بوابة الكهف … ودخل ثلاثة رجال يُشبهون الكائنات الفضائية … فقد كانوا يرتدون بذلات واقية من الجراثيم والإشعاع متَّصلة بخوذة ذات شاشة أمامية … لا يرى منها حتى عين مُرتديها … وهنا صاح «عثمان» قائلًا: من أنتم؟
أجاب أحد الرجال قائلًا وقد خرج صوته من خلال سماعة بالبذلة: ألم يقل لكم الزعيم؟