عودة القطة الصينية!
السؤال المهم على الإطلاق في هذه القضية هو … ولماذا الآن؟
لماذا الآن تحرَّكت هذه الكائنات الكائنة وهي الكامنة منذ سنين؟ هل لها ساعة داخلية تم ضبطها كالقُنبلة الزمنية؟
أم إن هناك من بعثَها من بعد طول سكون وأعطاها الأمر بالتحرك؟
وهل صدور الأمر بالتحرك زامنه تحرُّكات أخرى لقوى خارجية؟
وهل تحرُّكها هذا لبث الأمراض والأوبئة فقط أم إن هناك مهامَّ أخرى لم تُكتشَف بعد؟
فلأن هذه الكائنات لها القدرة على الحركة والتسلل إلى أصعب المواقع وأدقها … يمكن إرسالها رغم دقتها في مهام تخريبية … كيف يكون ذلك؟ هذا ما يجب عليهم اكتشافه.
وكان هذا يتطلَّب اجتماعًا يُعقَد بين الزعيم وبين الشياطين اﻟ «١٣».
لذلك رأى أن يتعجَّل إتمام الفحص الذي سيقوم به علماء المقر.
وعلى شاشة عملاقة أمامه … استحضر الكهف … ورأى الشياطين ما بين مُمدَّد على سرير فحص … وآخر يغيب نصفُه داخل جهاز الكشف الإشعاعي … الجميع يتعرَّضون لصفوف الفحص المختلفة من أجهزة مسح ذري وخلافه … وهنا تدخل قائلًا يسأل الجميع: هل هناك جديد؟
أجابه الدكتور «طلبة» … وهو كبير فريق الفحص … قائلًا: نعم … فقد يكون أحدهم قد استنشق إحدى هذه الكائنات واستوطنت رئته … أو يكون روبوت منهم قد تسلَّل عبر أحد الجروح في شرايينه وعلَّق بها واختبأ الكوليسترول المترسِّب على الشرايين.
رقم «صفر»: أعتقد أن هذه الحالة لا تُسبِّب ضررًا لهم … لأنها لم تتمكَّن من الحركة مرة أخرى والخروج من مكمنِها.
د. «طلبة»: ومن قال لك ذلك … إنها في هذه الحالة ستكون أكثر خطورة من وجودها خارج الجسم … لأنها وهي في الشرايين ستكون حركتها في اتجاه القلب … ولا أحد يَدري ما الذي يُمكنها صنعه في هذه الحالة.
رقم «صفر»: وتقصد بأن نتيجة التحليل سلبية؛ أي إنك لم تَكتشِف وجود أي من هذه الروبوتات لا في أجسامهم ولا عليها؟
د. «طلبة»: نعم!
رقم «صفر»: شكرًا … فأنا أحتاجهم لعقد اجتماع.
د. «طلبة»: أرجو أن يعقد هذا الاجتماع في نفس الكهف … كي لا يتعرَّضوا لهذه الكائنات … حتى نطمئنَّ على المقر تمامًا.
رقم «صفر»: سأَستدعي سيارتين من نقطة المتابعة على نيل «المعادي» ليتحرَّكوا بهما … وسأجتمع بهم هناك.
سمع الشياطين قرارات رقم «صفر» … فاستقبلوها براحة … وقبل أن يُنهي حديثه معهم كانت السيارتان قد حضرتا … وعندما هموا بمغادرة الكهف … مُدَّ أنبوبٌ أكورديوني منه إلى الباب الخارجي للمَقرِّ … حيث كانت تقف سيارة «فورد» سوداء ذات حجم هائل … فاستقلَّها نصف الشياطين … وما إن انطلقت حتى تقدمت الأخرى … وكانت «جيب فورد» سوداء اللون … فاستقلَّها بقية الشياطين.
وفي أقل من ربع الساعة كانت السيارتان تتوقَّفان أمام أبراج المعادي التي يقع في إحداها نقطة المتابعة الخاصة بالمنظَّمة … ولم تمض عشر دقائق أخرى إلا وكانوا جميعًا يَستعدُّون للاجتماع برقم «صفر»، الذي ما إن استشعر ذلك حتى أطلق إشارة البدء فاصطفَّ الشياطين خلف أجهزتهم … وقبل أن يقوموا بإدارتها … دارت وظهر على شاشاتها شعار الشياطين صغيرًا … وأخذ ينمو حتى ملأ الشاشة … ثم اختفى وحلَّ مكانه وجه رقم «صفر» مُقسَّمًا إلى مربعات صغيرة تتغير مواقعها في سرعة لا تعطي العين فرصة لالتقاط ملامحه … وقال لهم يُحييهم: مساء الخير …
لم ينتظر ردَّ تحيته … بل استطرد قائلًا: هناك سؤال مهم يلحُّ عليَّ منذ الأمس ورأيتُ أن أطرحه عليكم … وهو لماذا الآن؟
ريما: لماذا الآن تحتمل الكثير يا زعيم …
رقم «صفر»: نعم … وأنا أقصد ذلك …
أحمد: أنا أيضًا أتساءل لماذا الآن هاجمتنا الروبوتات؟
عثمان: قبل هذا السؤال … هناك سؤال آخر … وهو كيف عرفتم أن هذه الروبوتات علقتْ بنا ونحن في «نيوشاتيل» منذ عدة سنوات؟
رقم «صفر»: سؤال جيد … وعندي إجابته … وأعتقد أنك لو فكرتَ قليلًا ستعرفها.
عثمان: تقصد أنكم قمتم بدراسة الروبوت الذي عثرتم عليه في أحد الطيور النافقة؟
رقم «صفر»: نعم … وعرفنا تاريخه كله … وبمراجعة سجل الإنجازات العلمية عرفنا منشأه. وربطنا بين كل ذلك وبين وجودكم في نفس الفترة هناك … في بلد المنشأ «سويسرا».
ونعود إلى السؤال الرئيسي … وهو سبب عقد هذا الاجتماع؟
أحمد: لماذا الآن؟
رقم «صفر»: نعم … لماذا تحرَّكت كل هذه الكائنات؟
إلهام: لم يطرأ علينا شيء نربط بينه وبين صحوتها.
قيس: الأمر ليس له علاقة بنا … الأمر يخصُّهم هم …
رقم «صفر»: الأمر ليس له علاقة إلا بنا يا «قيس» … إلا إذا كنت تقصد ميعاد التحرك.
قيس: نعم … فمن الجائز أن يكون لهذا الروبوت عمرٌ فاعل … يرتبط مثلًا بما يحتويه من طاقة …
أعجبت الفكرة «أحمد» فقال يستكملها «قيس»: وعند اقتراب هذه الطاقة من الانتهاء … يقوم هذا الروبوت بمهمته ثم يخرب أو يموت …
رقم «صفر»: موتًا ميكانيكيًّا …
أحمد: نعم …
وهنا رأى «رشيد» أنه لا يُمكن أن يهدر الروبوت طاقته في الكمون دون أداء فعل … فقال يشرح فكرته: أو أن هذا الروبوت كمٌّ بلا حركة وبلا حياة … محافظٌ على طاقته إلى أن يأتيه الأمر من الخارج … وأقصد من خارجه هو … أي إن هناك مَن حركه …
في هذه اللحظة … لاحظ الجميع أنَّ المربَّعات التي تُكوِّن وجه رقم «صفر» قد تحوَّلت إلى أرقام ورموز … ثم عادت مرةً أخرى كما كانت … وبدأ صوته أيضًا يَتحوَّل إلى مقاطع قصيرة مُتفرِّقة لا تُمثِّل كلمة كاملة … ثم يعود الأمر لما كان عليه … فقام «أحمد» بكتابة رسالة لساعة يَدِه وأرسلها لرقم «صفر» … وكانت تقول هناك اختراق إلكتروني.
وما إن تلقى رقم «صفر» هذه الرسالة … حتى أطلق عشرات البرامج والأجهزة والخبراء لتتبُّع هذه المحاولات ومعرفة مصدرها وهدفها … ولم تمضِ دقائق إلا وقال لهم: إنها محاولات. ما زالت محاولات … وسنترك صاحبها ينجح لنُريه ما لا عين رأت …
وفي حماس قالت «ريما» وقد تملَّكتها الإثارة: كيف يا زعيم؟
رقم «صفر»: سنُدخله في متاهة … سيرى خططًا وهمية … وأسلحة خرافية … ومحاربين لم يرَ مثلهم من قبل!
أحمد: ألن يَكتشفُوا الخدعة يا زعيم؟
مرةً أخرى تقطَّع الصوت إلى مقاطع قصيرة … وتحوَّلت الصورة إلى رموز ودوائر … ثم عاد الصوت مرة أخرى … فأكمل رقم «صفر» قائلًا: كل ما يحدُث عندكم يحدث عندي … ماذا كنت تقول يا «أحمد»؟
أعاد «أحمد» السؤال على الزعيم … فقال يجيبه: لا … لن يكتشف خدعتنا لأنَّنا سنُحيط خططنا الوهمية هذه بأسوار ومتاريس وسيجد صعوبة شديدة في الوصول إليها … لكنه في النهاية سيصل … وسيشعر بلذة الانتصار وستنسيه هذه اللذة الكثير من احتياطات الأمن … وسيقع في الفخ ويُصدِّق كل ما أعددناه له من أكاذيب.
ومرة أخرى تكررت رداءة الصورة والصوت … فعلق رقم «صفر» قائلًا: إنه يُحاول إلكترونيًّا وأثيريًّا.
وربط «رشيد» بين هذه المحاولات وبين ما حدث للروبوت فقال رقم «صفر»: ألا ترى يا زعيم أن مَن يُحاول التسلل الآن … هو من أطلق قطيع الروبوتات …
ابتسم رقم «صفر» وقال له: ألم نتَّفق على أن الروبوتات أتت معكم من «سويسرا»؟
لم يُوافق «رشيد» على هذه الفكرة وقال للزعيم: لقد افترضتُم أنها علقت بنا … فكيف عرف هؤلاء الرجال ذلك؟
صمت رقم «صفر» لبرهة ثم قال له: معك حقٌّ يا «رشيد»، وسيكون هذا مدخلنا لمفتاح العملية كلها …
تكرَّرت رداءة الصورة وكذلك الصوت مرةً أخرى … وما إن استقرا حتى قال رقم «صفر» لهم: راجعوا ملف عملية «ثورة الأخطبوط» … فبيننا لقاء قريب … وفَّقكم الله …
اختفى الوجه الافتراضي للزعيم من على شاشات أجهزة الكمبيوتر. واستدار الشياطين ينظرون لبعضهم البعض … وأشار «أحمد» ﻟ «رشيد» وقال له: أتعرف يا «رشيد» فيما فكرت؟
كان لدى «رشيد» ما يريد أن يبوح به … إلا أنه آثر أن يستمع ﻟ «أحمد» أولًا فقال له: فيما فكرت يا «أحمد»؟
فتح «أحمد» ذراعيه وقال شارحًا له: ما دامت هذه الروبوتات قادرة على الاستقبال … فهي إذن قادرة على الإرسال …
«رشيد» للفكرة بقية … أليس كذلك.
أحمد: نعم.
كان «أحمد» مُستغرقًا في تأملاته … فأكمل فكرته قائلًا: من الممكن أن يكون صانع هذه الروبوتات قد استقبل إشاراتها … وعرف أين هي وأعطاها الأمر بالتحرُّك.
اعترض «عثمان» على هذه الفكرة قائلًا: الاستقبال لا يحتاج إلا للقليل جدَّا من الطاقة … أما الإرسال فإنه يحتاج لطاقة لا يُمكن أن تتوافر لهذه الكائنات الميكروية.
لم يقبل «أحمد» هذا الاعتراض وردَّ قائلًا: إنهم يُرسلون لها هذه الطاقة في صورة موجات كهرومغناطيسية … ويستقبلونها في أطوال مُعبرة عن شخصية هذا الروبوت فيُمكنهم بذلك التعرف عليه ورصد موقعه.
ارتفعت الأيدي تحية ﻟ «أحمد» وعلتْ آهات الاستحسان … ومن بين هذه الأصوات علا صوت «بو عمير» يقول له: ولكن هذا الأمر يحتاج لأقمار صناعية!
وفي حماس قال «أحمد»: أنسيتَ أنهم يمتلكونها …
ورأت «إلهام» أن ينتقلوا إلى الخطوة التالية … فقالت ﻟ «أحمد»: أتذكُر ما لديهم من محاربين آليين؟
صاحت «ريما» التي أشعلها الحديث إلى حد الثورة قائلة: ستكون هذه معركتنا القادمة …
كان «أحمد» يُسجِّل ما يدور بينهم … وعندما وصلوا إلى هذه النتيجة … أرسل تسجيلًا للحديث كله إلى رقم «صفر» عبر رسالة إلكترونية … ثم عاد ليقول لهم: أتذكُرُون القطة الصينية التي ضربت «إلهام»؟
كان «أحمد» يحاول أن يسري عنهم … وفي نفس الوقت ينقلهم إلى أجواء عملية «ثورة الأخطبوط» وبالطبع أثارت هذه الكلمات «إلهام» … فردَّت عليه في حنق قائلة: ألم تُطح بكَ هذه القطة من السيارة؟
ابتسم «أحمد» وقال ليزيد الحديث سخونة: هل أطاحت بي وحدي … إنها فتاة غير عادية … إنها ماهرة بكل ما في الكلمة من معنى …
إلهام: إنها ماهرة ورشيقة وذكية … غير أنني تغلَّبت عليها في النهاية.
وأطلق «أحمد» قذيفة غير تقليدية حين قال: ما رأيكم لو كانت هذه الفتاة هي التي تلعب معنا الآن؟
إلهام: وما الذي دفَعك لهذا الاعتقاد؟
أحمد: أتذكُرين أول لقاء لنا بها … لقد كانت هادئة ولطيفة إلى أن أثرناها … تحوَّلت وقتها إلى قطة شرسة … واستنفذت كل قدراتها وطاقتها الإبداعية في القتال … ولولا أن كنت معك …
ضحكت «إلهام» في دهاء … وقالت له وقد اكتشفَتْ حيلته: لولا أنك كنت معي لفعلت بك ما يفعله القط بالفأر.
ضحك «أحمد» وعاد إلى سؤالها السابق قائلًا: تقولين لماذا أعتقد أنها هي التي تلعب معنا الآن؟
إلهام: نعم …
أحمد: لأنها لعبت بنفس الأسلوب … لقد هاجمتنا بكائناتها المجهرية … ولم تنتظر النتائج، فهاجمتنا إلكترونيًّا على أجهزة الكمبيوتر … إنها لا تعرف الصبر والتروي وانتظار النتائج!
لم يرضَ «عثمان» عما يدور بين «أحمد» و«إلهام» … فاندفع يقول لهما: هذا كلام مُرسَل وقد كنت معكم في «أنماسي» وأرى أن هناك أكثر من شخصية لها ثأر معنا … حتى أعوان السيد «كول» يظنُّون أننا قتلناه.
وهنا تدخل «فهد» الذي كان معهم في «سويسرا» قائلًا: لا تنسوا أن وقتًا غير قصير مر على هذه العملية … وأن تقنيات الذكاء الاصطناعي الآن فاق كل تصور … وأن ثأرهم معنا من الممكن أن يكون قد تحوَّل إلى ثأر إلكتروني …