أحوال مصر الداخلية في عهد بطليموس الثالث (أيورجيتيس)
(١) مقدمة
ليس لدينا دليل مادي يدل على أن النشاط الحربي الذي أظهره بطليموس الثالث في سنِي حكمه الأولى قد استمر؛ ومع ذلك نجد أن بعض الكتاب قد وضعوا له صورة خيالية تدل على أنه كان أعظم ملوك البطالمة، والواقع أننا لا نعرف إلا القليل عنه خلافًا لما ذكرناه عن قصة فتوحه في آسيا، وهي القصة التي بولغ فيها، ومهما كانت مشاريع بطليموس من الوجهة الحربية بعد خيبته في تلك الحرب التي ذكرناها قبلُ، فإنا لا نعرف شيئًا عنها؛ إذ قد حضرته الوفاة في غضون عام ٢٢١ق.م وقد كان من جرَّاء ذلك أن كُسرت حدة تحمُّس «أنتيوكوس» العدائية تجاه مصر على حين غفلة، ولزم الهدوء.
(٢) النشاط العلمي والاجتماعي والديني
والواقع أن نشاط بطليموس الثالث قد ظهر بصورة بارزة في ميادين أخرى، نخص بالذكر منها نشاطه في تشجيع العلوم، والآداب، والزراعة، والدين بوجه خاص.
(٢-١) أبوللونيوس روديوس
(٢-٢) أرستوفانس
(٢-٣) الفيوم والإغريق حتى نهاية عهد بطليموس الثالث
تحدثنا في الجزء الرابع عشر من مصر القديمة عن الحياة الاجتماعية للطبقة الدنيا من المصريين، وعلاقتها بطبقة الحكام الإغريق في خلال القرن الثالث قبل الميلاد (مصر القديمة جزء ١٤) ثم تحدثنا عن المجتمع الإغريقي في خلال القرن الثالث ق.م كما جاء ذلك في أوراق زينون (مصر القديمة جزء ١٤) وذلك بشيء من التفصيل، والآن يجدر بنا أن نتحدث عن المجتمع الهيلانستيكي في خلال القرن الثالث، أو بعبارة أخرى المجتمع الإغريقي المصري في تلك الفترة من تاريخ مصر؛ لما لدينا من مصادر وفيرة عن هذه المدة، وبخاصة في إقليم الفيوم.
والذي نفهمه عادة من التعبير «بالمجتمع الهيلانستيكي» بوجه خاص هو جزؤه الإغريقي، أو الجزء الذي أصبح هيلانستيكيًّا، ومع ذلك قد يكون أكثر صوابًا، وأعظم فائدة إذا فحصناه في مجموعه ملاحظين سير طريقة الحياة عند السكان الوطنيين والمهاجرين، وكذلك فحص العوامل التي أثرت على العلاقات المتبادلة بين المواطن والمستعمر، وكذلك على تطور هذا المجتمع الجديد الذي لم يكن بأية حال من الأحوال متناسقًا من الوجهة السلالية.
وفي الحق نجد في المصادر التي بين أيدينا — وهي السائدة حتى الآن بصرف النظر عن بعض مصادر قليلة الأهمية — مقالات عظيمة عن تصوير هذا الموضوع تشمل مواد غنية ومتنوعة جدًّا، ولكنها لا ترسم لنا إلا الخطوط العريضة لهذا التطور، أما عن المقالات التي خُصِّصت لموضوعات خاصة في هذا الصدد؛ فإنها لا توضح لنا إلا وجهة واحدة من الموضوع، ومن ثَم تفصله بصورة مصطنعة عن الوجهات الأخرى، وعلى ذلك فإن هذا الموضوع يستحق العناية، وإذا تناولنا حالة واحدة على سبيل المثال فإنه لا يمكن تحديد ميدان البحوث إلا من وجهة الموضوع وحسب، بل كذلك من وجهة الزمن والإقليم، وبهذه الكيفية نعطي في إطار ثابت صورة مفصلة ومحكمة للكل، وبعبارة أخرى تمثل «المجتمع الهيلانستيكي» بصفة غير شاملة، وعلى ذلك يكون صعب الفهم بعض الشيء، ولكن نأخذ مثلًا ملموسًا؛ وأعني بذلك فحص مجتمع إقليم أو قرية في خلال مدة من الزمن قصيرة بعض الشيء، فلتكن مثلًا لمدة جيل من الناس، ومن المحتمل أن مثل هذا المثال يسمح لنا أن نفهم بصورة أحسن الظواهر التي تحدث في هذا العصر في هذه الدنيا التي نسميها في أيامنا الهيلانستيكية.
والواقع أننا نجد المواد اللازمة لتحقيق هذا الطراز من البحوث في مملكة واحدة وهي مصر، ويرجع الفضل في ذلك إلى الأوراق البردية التي تؤلف المصادر الوحيدة، وتلقي كثيرًا من الأضواء على تفاصيل حياة المجتمع، ومما تجدر ملاحظته أنه لا بد أن نفهم أن المشاهدات والنتائج التي تُسْتَخلص على ضوء هذه المواد لا يمكن أن تُعَمَّم إلا بشيء من التحفظ، وذلك لأنه يجب ألا يغيب عنا الاختلافات في التركيب السلالي والاجتماعي والاقتصادي في مصر في تلك الفترة، ومع ذلك فإن الصبغة العامة للعصر الهيلانستيكي تخوِّل لنا أن نقرر هذه الملاحظات، وهذا ما لا يمكن وجوده في العصور السابقة لذلك العهد.
وهذه الأوراق موزعة الآن في مجاميع عدة من مجاميع البردي في أوروبا وأمريكا والقاهرة، ومما تجدر ملاحظته هنا أن المجموعتين الأوليين اللتين تؤلفان إلى حدٍّ كبير مجاميع من المتون جاءت بطريق الصدفة العارضة، لا تشملان على تلك الوحدة الداخلية في مفرداتها التي تتميز بها سجلات «زينون»، وهذه السجلات الأخيرة تتجاوب بدرجة عظيمة مع ما يلزمنا لموضوعنا، وذلك لأنها توضح بصورة مفصلة حياة مستعمرة صغيرة، وهي بلدة «فيلادلفيا» من أعمال الفيوم، وما يحيط بها من أماكن في السنين التي تقع ما بين عامي ٢٥٧ إلى ٢٣٩ق.م وهذا ما يسمح لنا بأن نفهم تطور المجتمع الإغريقي المصري في إقليم معين، وفي خلال مدة قصيرة إلى حدٍّ ما (أي في عهد بطليموس الثاني، وجزء من عهد بطليموس الثالث).
والمحتمل جدًّا أن «أبولونيوس» قد رأى عندما أحس باقتراب الكارثة التي كانت تهدده بالسقوط أن يسرِّح «زينون» خوفًا من أن يعرِّضه لنفس المصير المحزن الذي كان ينتظره هو، وهذا هو السبب في أن «زينون» قد أشار بوضوح لهذا الحادث في طلبه الذي وجهه للملك حتى يتفادى غضبه، وعلى ذلك فإنه على حسب نص هذا المتن يصبح التاريخ التقريبي لنهاية مجال حياة «أبولونيوس» في الوزارة وسقوطه من عليائه على أكثر احتمال هو السنة الأولى أو الثانية من حكم «بطليموس الثالث»، ومنذ هذا التاريخ لم يظهر زينون إلا بوصفه فردًا عاديًّا.
ومن بين أربع المدد من حياة «زينون»: ٢٦٠–٢٥٨، ٢٥٨–٢٥٦، ٢٥٦–٢٤٦، و٢٤٦–٢٣٧ (ويحتمل حتى عام ٢٣٠ق.م) فإن العهدين الأخيرين هما اللذان يقدمان لنا وثائق تدل على علاقات وثيقة بينهما من وجهة نظر الإقليم، والمتون المؤرخة من أول ٢٥٦ق.م خاصةٌ في معظمها بفيلادلفيا وضواحيها القربية جدًّا؛ وعلى ذلك فإن ما نكتبه هنا يرتكز بوجه أساسي على هذه المتون، وكذلك على الوثائق التي قبلها في الفيوم و«فيلادلفيا».
كانت مقاطعة الفيوم منذ أقدم العهود الفرعونية؛ بل في عصورها قبل التاريخ موضع عناية المصريين من حيث الزراعة، وبخاصة في عهد الدولة الوسطى، فقد أقام فيها ملوك الأسرة الثانية عشرة مشاريع الري والزراعة، ولما جاء العهد البطلمي أخذ ملوكهم في العناية بهذه البقعة، واستثمارها بدرجة عظيمة، واتخذها ملوك البطالمة في الواقع حقلًا للتجارب الزراعية والحيوانية، وجلبوا لها الأشجار والحيوان من بلادهم وبلاد أخرى، كما تحدثنا عن ذلك من قبل.
وقد أسس في الفيوم الوزير «أبولونيوس» ضيعة أهداها له الملك «بطليموس الثاني» على غرار ما كان يحدث في مصر الفرعونية، وقد حدث ذلك قبل أن يتسلم «زينون» زمام إدارتها.
وأقام «أبولونيوس» ببلدة فيلادلفيا ووكل شئون إدارتها إلى «زينون»، وكان يعمل باسم سيده، وقد عُني بأمرها لدرجة أنها أصبحت صورة مصغرة من مدينة الإسكندرية تحيط بها مصرها الخاصة بها.
وعلى مقربة من فيلادلفيا كانت تقع كذلك قرية «سيرون» ويحتمل أن أرضها تؤلف جزءًا من ضيعة «منف»، ومعلوماتنا عن أراضٍ أخرى كان يملكها هذا الوزير محددة جدًّا؛ أما كرو كوديلوبوليس (= بلد تمساح = الفيوم) بوصفها عاصمة المقاطعة فكانت بوجه خاص تُعْتَبر المركز المالي.
وتحدِّثنا الوثائق الخاصة بالضَّيْعة أن الإغريق الذين يُنْسَبون إلى «آسيا الصغرى» وبخاصة الذين وفدوا إلى الفيوم من إقليم «كاريا» وجزر بحر «إيجة»؛ أنهم كانوا يحتلون المكانة الرفيعة. هذا، وكان يوجد بها كذلك الإغريق الأصليون الذين وفدوا من صقلية وإيطاليا، ومن بلاد اليونان نفسها، ومن «تساليا» و«تراقيا» و«مقدونيا»، هذا فضلًا عن الكثير من سكان سيريني (برقة) وإغريقيين من مدينتين مصريتين، وهما نقراش و«كانوب» (القريبة من الإسكندرية).
وكانت ضيعة «أبولونيوس» الواقعة في مقاطعة «منف» على الأقل تحت إدارة «زينون». هذا ونجد في كثير من الحالات أنه كان من الصعب حل مسألة أي الضيعتين كانت المقصودة؛ وذلك لأنهما — اقتصاديًا — كانتا مرتبطتين الواحدة بالأخرى ارتباطًا وثيقًا، وكذلك من حيث الموظفين، وهذا هو السبب الذي من أجله أنه عندما نضع صورة للمجتمع العائش في فيلادلفيا، وفي الضَّيْعة القريبة منها ملك «أبولونيوس» يجب أن نرجع أحيانًا للمصادر الخاصة بمنف.
علاقة فيلادلفيا بالإسكندرية
أما عن الجنود المرتزقين أصحاب الإقطاع، وموظفي الإدارة، ورعايا «أبولونيوس» وكذلك المهاجرين الذين لم ترسخ أقدامهم في أرض مصر — الإسكندرية — فإن أبهة البطالمة وسلطانهم قد رفعتهم في نظر أنفسهم؛ وذلك لأنهم كانوا كذلك هيلانيين.
وقد زار زينون الإسكندرية مرات عدة بعد أن استقر به المقام في فيلادلفيا، وكانت هذه الزيارات التي قام بها في عهد بطليموس الثاني، ولم تكن لأعمالٍ بل كانت زيارات بمناسبة أعياد أو احتفالات في البلاط.
تأليف سكان الفيوم الاجتماعي
كان المجتمع كما ظهر في سجلات «زينون» غير متكافئ جدًّا من الوجهة القومية؛ إذ كانت تتميز هناك نزعتان كأنهما خطَّان فاصلان، وذلك بصورة واضحة، وأعني بذلك أن الفريق الأول كان يتألف من الأجانب — وحتى الإغريق — أي كل الأجانب الذين يفدون إليها ممن سُموا في ذلك العصر بالعالم الهيلاني، والفريق الثاني هم المصريون؛ أي كل السكان الأصليين للبلاد، والفريق الأخير قد اتحد واندمج فيه كل القوميات في الكره المشترك الذي كان يُبْديه الفقراء نحو الأغنياء، وعدم ثقة الأغنياء في الفقراء، ولم نر أن أحد الفريقين قد قهر الآخر، على أن الرجل المتوسط الحال لم يكن قد تربى فيه بعد الضمير أو الوعي، وعلى أية حال إذا أراد الإنسان أن يصف الحالة فإنه لا بد من تنظيم الصورة، وذلك لأننا إذا لم نتتبع إلا خطًّا واحدًا من هذين الخطين الفاصلين فإن الحقيقة تصبح مشوهة، وعلى ذلك لا بد لنا في بحثنا أن نلحظ الاثنين معًا، وبعد أن نصور حياة الطبقات المختلفة للمجتمع، وهي التي لم تكن معروفة إلا بمركزها الاقتصادي، ندرس على حدة المجموعتين الكبيرتين من القوميات؛ الإغريق والمصريون.
فالمجتمع المصري ينقسم فيما بينه طائفتين كبيرتين؛ هما: أحرار، وعبيد، وإن كانت العبودية تلعب هنا — بوصفها عاملًا اقتصاديًّا — دورًا أقل أهمية عما تقوم به في أجزاء أخرى من العالم الهيلانستيكي، والواقع أننا في سجلات «زينون» نشاهد أنه يمر أمامنا أكثر من أربعين شخصًا لم نميز — بصورة لا تقبل الشك كثيرًا — إذا كانوا عبيدًا أم لا؛ إذ نجد عددًا منهم يظهر أنه مستقل بدرجة لا بأس بها.
وفي المجتمع الحر نلحظ أن عمال ضيعة «أبولونيوس» هم الذين يُوضَعون في المنزلة الأولى، ويمكن أن نميز من بينهم ثلاث طبقات: الأولى: تشمل أولئك الذين يشتغلون في بيت زينون، وفي مكاتبه في فيلادلفيا (في أعمال البناء) وفي كرومه وحدائقه، وأولئك الذين يزرعون أراضي الضَّيْعة، ويديرون أشغالًا مختلفة خارج حدودها. والطبقة الثانية: هم العمال الذين كانوا يشتغلون مدة موسم، وتُدْفَع أجورهم شهريًّا. والطبقة الثالثة: هم عمال اليومية.
أما عن رعايا زينون النظاميين، وبخاصة أولئك الذين كانوا مرتبطين بشخصه ارتباطًا كبيرًا فقد كان يُطْلَق عليهم اسم «بابديس» وهؤلاء كان معظمهم رجالًا أحرارًا، ومن المحتمل أن هذا التعريف لا يدل إلا على أنهم كانوا مرتبطين ارتباطًا شديدًا مع بيت زينون، أو بيت «أبولونيوس». هذا، ونعلم أن كل العمال النظاميين الذين كانوا في خدمة «أبولونيوس» وحتى أولئك الذين لم يمكن توطنهم في فيلادلفيا إلا مؤقتًا كانوا يتسلمون هنا مُؤَنهم من الغلة بمتوسط واحد إلى واحد ونصف «شوينكس» من الشعير يوميًّا، وكان زينون وأخوته وضيفانه يتسلمون نصيبهم من الشعير من أحسن صنف، وكان يُوزَع أحيانًا الزيت والنبيذ، أما المرتب الشهري فكان يختلف ما بين ثمانية وعشرة أوبولات، وقد يصل إلى عشرة درخمات، بل يجوز أكثر من ذلك. يضاف إلى ذلك الملابس السنوية، التي كان يتراوح ثمنها ما بين ١٤، ٢٥، ٣٠ درخمة، وكان هذا المبلغ يصل إلى أكثر من ذلك بكثير في بطانة «زينون» المقربين جدًّا إليه، وكان مرتب الفرد يكمل بهدايا صغيرة في مناسبة الأعياد، ومع كل ذلك كنا نسمع شكاوى تقدم غالبًا من تأخير صرف المرتبات.
وكان مدير ضيعة «أبولونيوس» يسهِّل أحيانًا لمستخدميه الأعمال المالية أو التجارية، ولم تكن الحماية التي تحاط بها إدارة الضَّيْعة قاصرة على عمالها، بل كانت تشمل كذلك أسر هؤلاء العمال.
وقد يحدث أن عدة أشخاص من نفس الأسرة يكونون في الضَّيْعة، أو في حاشية «أبولونيوس». على أنه ليس لدينا دلائل يمكن أن نعرف بها الطريقة التي كانت أكثر انتشارًا لتجنيد العمال، ولا نزاع في أن العلاقات، ومساندة الوالدين والأصدقاء، وكذلك كل نوع من أنواع الحماية كانت قد لعبت دورًا هامًّا في هذا السبيل، وعلى أية حال فإن ذلك أحد الأسباب التي من أجلها يمكننا أن نلحظ سيادة إغريق آسيا الصغرى، وبخاصة رجال «كاريا» الذين كانوا في بطانة كلٍّ من «أبولونيوس» وزينون.
وكان العمال الموسميون يتسلمون أجورهم شهريًّا (أو كانت تُدْفَع لهم أجورهم مرتين في الشهر، أو كانوا يأخذون أجورهم لمدة بضعة شهور مؤخرًا)، وكانوا يأخذون كذلك مئونتهم من الغلة، ومن المحتمل أن الزيادة التي كانت تُسْتَقطع مقابل الملابس كانت تُعْطَى مرة واحدة في السنة، ولا تحسب من ضمن أجورهم. هذا ولدينا بعض حقائق تدل على تكليف الأخصائيين بوجه خاص لمدة قصيرة بأعمال موسمية مثل أخصائي الكروم، والبستانيين، وعمال قطع الأحجار … إلخ، وكان يساعدهم في عملهم عمال يومية، وهؤلاء كانوا يؤلفون طائفة العمال الذين كانت أجورهم أقل ما يمكن، هذا مع العلم بأنهم لم يكونوا يعملون إلا بضعة أيام غير منتظمة، وبوجه عام لم يكونوا يجنون شيئًا آخر غير أجرهم اليومي الذي كانوا يأخذونه نقدًا.
جماعات المحترفين والطوائف الاجتماعية
والواقع أننا إذا استثنينا السكان الذين كانوا يعملون مباشرة في أرض الضَّيْعة، أو في بيت «زينون» فإن كل السكان تقريبًا الذين كانوا في الضواحي قد ارتبطوا بصورة خاصة مع ضيعة «أبولونيوس» العظيمة، ومع ذلك كانت هناك درجات مختلفة من حيث الاستقلال، وكذلك درجات مختلفة في الاستغلال الجزئي الاقتصادي الذي كانوا يتمتعون به؛ فنجد أن أسفل طبقة في المجتمع أي الكتل البشرية المجهولة، وهم الذين يسمون «اللاوي»، وهذه الطبقة من الشعب — التي تعتبر أحط طائفة — ليست متكافئة من حيث السلالة، وإن كان المصريون يؤلفون منها السواد الأعظم، ومن هذه الطبقة تجند عمال اليومية، وبوجه خاص صغار المؤاجَرين الذين كانوا يزرعون أراضي الضَّيْعة جماعات في حين أن أصحاب اليسار كانوا يزرعون الأرض كل على حدة.
هذا وقد تحدثنا عن هذه الطبقة في غير هذا المكان (راجع مصر القديمة الجزء ١٤). كما تحدثنا كذلك عن الأفراد الذين كانوا يقومون بتربية الحيوان والعمال والصيادين، وقد صادفنا هناك عددًا عظيمًا من المصريين الذين كانوا يؤجرون حمامات، وحوانيت جعة، أو تجار تجزئة. أما في أعمال الري والبناء فإن الإغريق هم الذين كانوا يلعبون الدور الموجه. هذا، ونجد اليد العاملة الضرورية بسهولة منذ قرون في مصر، وذلك لإقامة السدود، وحفر الترع، ويرجع الفضل في ذلك إلى نظام السُّخْرة الذي كان سائدًا، وقد كان الموقف مماثلًا فيما يخص أنواع أعمال البناء الأخرى، فكان أصحاب الحرف ذوو الشهرة، مثل نحاتي الأحجار، يتقاضون أجورًا عالية جدًّا، وعلى العكس كان ضاربو الطوب يتقاضون أجورًا ضئيلة جدًّا على عملهم.
وأهم حرفة كانت منتشرة في مصر هي صناعة الفخار، وكانت صناعة النسيج منظمة على أساس مبادئ تختلف قليلًا عن صناعة الفخار. فقد كان «أبولونيوس» يملك مصانعه في ضيعته بمنف في حين نجد في فيلادلفيا عددًا من الناس — وبخاصة من الإغريق — يضعون نسيجهم في البيت، وهذه الحرفة كانت تزاولها كل الأسر.
وهناك أصحاب حرف آخرون لم يظهروا في سجلات «زينون» إلا بصفة عارضة، وكان صغار ملاك القوارب الذين يؤجِّرون خدماتهم لأبولونيوس يشتغلون بصيد السمك، وأحيانًا كان يُفرَض هذا النوع من الخدمات على سكان الضواحي بوصفه سُخْرة، وكذلك في أمور الملاحة في النيل نجد أن المصريين هم الذين كانوا متفوقين حتى إنهم كانوا يشغلون وظائف هامة جدًّا في هذه الحرفة. أما الإغريق فنجدهم يعملون في أسطول الوزير في معظم الأحيان.
وكثير من الجنود أصحاب الأراضي كانوا يتسلمون أراضيهم في الأماكن القريبة جدًّا من فيلادلفيا، أو في مقاطعة «منف». أما المسائل المرتبطة بهذه الفئة فإنها كانت تؤلف جزءًا من مجموع مسألة أراضي الجند في مصر، وقد تحدثنا عن ذلك في غير هذا المكان.
ويُلحَظ أن الموظفين الذين يظهرون في سجلات «زينون» لا يحتلون فيها — في معظم الأحيان — إلا مكانًا من الدرجة الثانية، وذلك لأن الغالبية العظمى بينهم ليست في نظرنا إلا مجرد وظائف لا الرجال الأحياء الذين يشغلونها، وعلى ذلك لا يمكننا أن نذكر عنها شيئًا له قيمة من حيث مكانتهم في المجتمع.
أما الكهنة فهم بصفة عامة من المصريين جميعًا، وتحدثنا عنهم في غير هذا المكان أيضًا (راجع مصر القديمة الجزء ١٤).
ومن الغريب أن ممثلي أعلى طبقة في المجتمع لا يظهرون — إذا استثنينا بعض حالات شاذة — إلا بصفة عابرة، فمن ضمن هؤلاء الشواذ الوزير «أبولونيوس»، وأقرب الناس في بطانته، وكذلك أعضاء البلاط الملكي الذين كانوا يختلفون على الفيوم لأغراض مختلفة … وغيرهم، وهم على أية حال قليلون جدًّا.
وكانت هناك عوامل كثيرة تعمل في الحياة الاجتماعية لمصلحة التدخل المتبادل، وامتزاج القوميات سويًّا، ويجب أن نقتبس من ذلك قبل كل شيء الحياة اليومية، والعمل، والحياة الأسرية؛ حيث نصادف الزواج المختلط منذ زمن مبكر في هذه الفترة.
ومن جهة أخرى نصادف عوامل أخرى في كل خطوة تقريبًا تعترض السكان الأصليين مع الوافدين الجدد أي الفاتحين، وهذه العوامل بوجه خاص هي: اللغة والثقافة والعادات والتقاليد، أضف إلى ذلك حقيقة أن كل السكان المصريين كانوا عيالًا على الإغريق المستعمرين سواء كان ذلك على الملك أو الموظف أو الفرد العادي، وإذا استثنينا بعض شواذ من الإغريق الذين يظهرون في سجلات «زينون» فإنهم بوجه عام أكثر ثراء، وأعظم قوة، وذلك لأن المصريين كانوا يقومون بالأعمال اليدوية، ولا يشغلون إلا الأماكن القليلة الأهمية من حيث الوظائف.
والواقع أن إغريق الفيوم — على حسب ما جاء في سجلات «زينون» — هم زينون نفسه وبطانته المقربة إليه جدًّا، ومن أجل ذلك دُهش الأستاذ «روستوفتزف» عندما لمس حقيقة أن الإنسان يصادف هناك عددًا عظيمًا جدًّا من أهالي «كاريا» أو من المدن المجاورة لها في آسيا الصغرى، فكانوا يؤلفون على حدِّ قول القائل وكرًا كاريًّا، وهؤلاء كانوا في بادئ الأمر على علاقة وثيقة مع وطنهم القديم، ومع ذلك فإنه بمرور الزمن ضعفت عُرَى هذه الروابط إلى أن أصبح الاتصال مع الوطن الأصلي والأهل يقل شيئًا فشيئًا، والواقع أن الوافدين الجدد أخذوا يتأقلمون بسهولة، ويتعودون على الأحوال السياسية المختلفة جدًّا عن العادات التي تُعتَبر من خصائص الهيلانيين، ومع ذلك فإنهم ليسوا إغريقَ العصر الكلاسيكي؛ إذ الواقع أنهم ليسوا إغريقًا إلا بروحهم، وثقافتهم، وهذا إلى أن النسبة المئوية من الدم الإغريقي الذي يجري في عروقهم قليلة جدًّا؛ ولم تكن الأحداث السياسية تهم «زينون» أو الإغريق الذين التفُّوا حوله؛ إذ إن عاطفة الوطنية في هؤلاء الأجانب قد حلَّ محلها عاطفة الولاء نحو الملك الذي كان يسمح لهم أن يشتركوا في أبهته وثرائه، وذلك بالصلات الشخصية التي كانت تربطهم مع «أبولونيوس» أو مع آخر على شرط أن يكون أكثر قوةً منهم، وأخيرًا بما كان لديهم من ضمير فخور بانتسابهم لأسرة الهيلانيين العظيمة، وإنهم يُعدُّون داخل الإطار الضيق لَجماعة صغيرة من الناس ارتبطوا بأصلهم المشترك — وأحيانًا بقرابتهم — وبنفس التقاليد، والتعليم، والثقافة، والمصالح المشتركة، وبمكانة مشابهة لمكانتهم في المجتمع.
هذا، ونجد أكبر مظهر لتماسك هذه الجماعة — على ما يُظَن — في رسائل التوصية التي نجدها كثيرًا جدًّا في سجلات «زينون» وأحيانًا يمكننا أن نلحظ كذلك مظاهر القبول والمحبة المتبادلين بين أعضاء الجالية الإغريقية، أما عن مسألة دخل «زينون» الشخصي ودخل بطانته فقد تحدثنا عنه في غير هذا المكان.
حياة «زينون» الأسرية
والواقع أن العلاقات الأسرية للإغريق الآخرين لا تجد صداها إلا نادرًا في مراسلات «زينون»: فنجد أطفالًا يريدون أن يعملوا بجانب آبائهم، كما نجد آباءً يريدون أن يقضوا سِنيَّهم الأخيرة بجانب أبنائهم، ويلعب الأبناء والإخوة الكبار دور ربِّ الأسرة، وفي ذلك تظهر المرأة بوصفها زوجة، وتشغل وقتها غالبًا في النسيج، وكذلك نجد نفس الحال في ضيعة «أبولونيوس»؛ إذ نجد النساء يشتغلن في مهن النسيج، وكذلك نجد الخدمات النسوية عديدة في الإسكندرية، وكذلك في «فيلادلفيا»، وفي حالات كثيرة يكون من الصعب علينا معرفة إذا كان العمال عبيدًا، أو رجالًا أحرارًا، وكذلك نجد في سجلات «زينون» نساءً مشتغلاتٍ أصحاب ثراء يقدمن نقودًا، ويقمن بضمانات، ويُظهِرن في نشاطهن كثيرًا من المواهب والمبادرة.
وكان المواطن الذي يجمع بين الإغريق الذين وفدوا من أركان مختلفة من دنيا الهيلانيين في عهد بطليموس الثاني هو الجمناز، أو مدرسة الألعاب الرياضية، ولدينا عدد كبير من المتون تحتوي على معلومات عن مكان التدريب على الألعاب الرياضية المفتوح في الإسكندرية في بلاط «أبولونيوس»، وكذلك في جمناز فيلادلفيا.
وكان «زينون» وأصدقاؤه يكتشفون، ويعملون على حسابهم الخاص شبان المستقبل الذين سيتبارون في الألعاب الرياضية، ومن جهة أخرى قد يكون من المحتمل أنهم كانوا يهتمون بذلك من الوجهة المالية؛ لما يجنونه من فوائد مادية عند فوز أبطالهم الذين دربوهم على الألعاب.
أما من جهة أنواع التسلية الأخرى عند الإغريق المصريين فإنا لا نعرف عنها إلا القليل من أوراق «زينون»، ويمكن أن نذكر هنا لعبة الضامة (؟) والصيد. وخلافًا لذلك فإن هؤلاء الإغريق كانوا ينظرون بأهمية كبيرة إلى تربية الكلاب والخيل، هذا ولا يمكن القول بأنهم كانوا لا يكترثون بجمال الطبيعة وسحرها، فقد تغنوا بالأشجار الجميلة (وهي شيء نادر في مصر) وبالحقول النضرة المغطاة بالخشخاش المزدهر، كما كانوا يحيون حياة دنيوية ملؤها النشاط والمرح، فيتزاورون، ويقيمون الولائم المتبادلة فيما بينهم.
وكانت الولائم والمقابلات في معظم الأحيان تُنظَّم بمناسبة الأعياد، وفي خلال أعياد كثيرة كانت تُقام المسابقات أو الألعاب، بل وكانت تقام مسابقات شعرية، أو موسيقية، وكانت هذه هي اللحظات التي يتشبَّث بها الإنسان لينسى هموم الحياة الدنيا وما يحيط به من أحزان، فيلهو في أحضان العلم، والأصدقاء، وكانت الإسكندرية وقتئذٍ الفرصة التي يرى فيها القوم أبهة البلاط الملكي ويُعجَبون بثراء البطالمة وعظمتهم.
وفي خلال فرح الأسياد وابتهاجهم كان الخدم يشاركونهم كذلك، فيحصلون بمناسبة الأعياد على هدايا صغيرة، بل وأحيانًا كان أسيادهم يهدونهم خنازير صغيرة لمائدتهم الخاصة.
أما الديانة في دنيا بلدة فيلادلفيا الإغريقية الصغيرة فكان لها بوجه عام صورتان؛ الأولى: وهي ما يمكن أن نسميه الصورة الرسمية، وفيها كان يظهر الحماس في الأحفال بالأعياد، وبالضحايا المقررة، ومما يلفت النظر أن القوم كانوا يحتفلون بوجه خاص بالأعياد الأسرية، وهي بلا شك الأعياد البعيدة كل البعد عن أي معنًى ديني، وكذلك كانوا يحتفلون بأعياد إزيس المصرية، ومن الآلهة «أولمبيا» الإغريقية، الإلهة «ديميتر» (إلهة الأرض) وكانت أكثر الآلهة تقديسًا، وكانت عبادتها تحتل المكانة الأولى عند النساء.
والصورة الثانية: هي الديانة «الخاصة» وهي — بصرف النظر عن التعبد للآلهة الأجداد، وكانت عاطفة راسخة في بيت الأسرة — عبارة عن حب استطلاع ورغبة ملحة باحثة عن قوى خارجة عن نطاق الطبيعة؛ لحلِّ لغز المستقبل — أي الحياة الأخرى — والشفاء من المرض، والمساعدة في الشدائد، وكل إنسان كان له طائره في عنقه (عفريته) وكل العالم مليء بقوى مجهولة يمكن أن تقهر، ويمكن استثمارها، وبمقتضى هذه القاعدة أخذ السحر ينمو بتوسع في المستقبل، وكذا التنجيم، وديانات التعاليم، ولكن في سجلات زينون لم نجد شيئًا من ذلك.
ولا بد أن نشير هنا إلى أننا عندما تكلمنا بشيء من التفصيل عن حياة الإغريق في مصر فإننا قد حصرنا بحثنا كلية في طبقة واحدة اجتماعية، وأعني بذلك بطانة زينون المقربة إليه جدًّا، ومع ذلك فإن سكان «فيلادلفيا» كانوا منوعين جدًّا، ويظهر ذلك بوضوح حتى في اللغة، وفي طريقة التعبير. أما في الحياة الاقتصادية فإن التباين قد ظهر بصورة بارزة.
والواقع أن الإغريق الذين كانوا يؤلفون البطانة الملتفة حول زينون، هم تلك الطبقة المتوسطة من المجتمع التي يمكن ملاحظة سماتها بكل وضوح في وثائق زينون، وهم في الواقع جماعة من الناس كانوا يحسُّون بعلوِّ منزلتهم على الناس الذين لم يكن لديهم ما يعيشون منه إلا ما تعمله أيديهم، وعلى أصحاب المرتبات الصغيرة من صغار الصناع، ومع كل الكتلة البشرية المجهولة من الطبقة الدنيا، ولكنهم كانوا كذلك مجموعة من الناس يُعرَفون تمام المعرفة على أنهم كانوا عيالًا على الأغنياء الذين يتمتعون بأكبر سلطان، وأكثر ثروة. على أن الذين كانت تتألف منهم هذه الطبقة المتوسطة لم يكونوا يحكمون مصر مباشرة، ولكن كانوا يؤلفون على وجه التأكيد إلى درجة كبيرة حياتها الاقتصادية.
وخلاصة القول: أن الصورة التي رُسِمت للمجتمع الإغريقي المصري في الفيوم على حسب ما جاء في سجلات «زينون» لا تزال ناقصة، والسبب الأول في ذلك: هو أنها قد رسمت لنا من مصادر إغريقية كلية على وجه التقريب، وهذه المصادر كُتِبت في أغلب الأحيان بأيدي إغريقية، كما أنها كانت موجهة للإغريق، وكذلك هم الذين حفظوها لنا حتى الآن، وعلى ذلك فإن المجتمع المصري لم يظهر لنا في هذه الصورة إلا كما يظهر في مرآة معكوسة، ولذلك فإن أعظم مجهود بذل من جانبنا لوضع هذه الصورة لا يمكن أن يغيِّر من الحقيقة القائلة إن معلوماتنا الخاصة بهذه الصورة قليلة العدد، كما أنها أكثر حصرًا من التي تتعلق بالإغريق.
وكذلك نجد في الوسط الهيلاني، لأسباب مماثلة، أن «زينون» وبطانته المقربة منه جدًّا قد وُضِعوا في المكانة الأولى؛ ومن ثَم لم نر طبقات الشعب الأخرى والطوائف الاجتماعية إلا من وجهة نظر هذه البطانة، ويُلحَظ أن دنيا العبيد هي التي تتألم من هذا الوضع أكثر من أناس آخرين بوصفهم قد ضاعوا في وسط تعابير مبهمة، ومن ثَم اختفوا عن ميدان نظرنا.
وعلى ذلك فإنه لما كانت وثائق سجلات «زينون» لا تخول لنا إلا أن نرسم صورة ناقصة جدًّا عن المجتمع فإنه لا بد أن نتساءل؛ هل هذا كان يستحق مشقة أن نشرع في هذا الجهد؟ وهل لم يكن من الأصوب أن نأخذ في الاعتبار كل المصادر الخاصة على الأقل بمصر في القرون الثلاثة الأولى من عهد البطالمة، وعلى هذا الأساس نحلل المجتمع الناشئ على ضفاف النيل مع محاولة تميزه؟ والواقع أنه ليس هناك من شك في أن عملًا كهذا ضروري جدًّا، ومفيد، يزيد في معلوماتنا عن العالم والمجتمع الهيلاني، وذلك على أساس المصادر الخاصة بهذه البلاد، وهي وفيرة جدًّا فيها.
ومع ذلك فإن المصادر وحدها (من بينها الأوراق البردية التي تتفوق على كل مصادر أخرى) تسبغ عليها صبغة أخرى بالكلية، والسمة العامة التي تُلحَظ في مواد الأوراق البردية، وبوجه خاص الحالة الممزقة والعرضية التي وُجِدت بها، ولا يُستَثنى من ذلك من وجهة النظر هذه المتون التي من العصر البطلمي الأول، وعلى هذا الأساس يمكن أن نستنبط عددًا من النتائج أكثر عامية؛ ويمكن أن نلحظ من جهة مفعولَ بعضِ القوى والميول، وظهور بعض الظواهر، ومن جهة أخرى لا يمكن أن نعرض الصورة المستمرة للمجتمع العائش في حالات تاريخية وجغرافية مجسمة تمامًا.
والواقع أنه ليس لدينا إلا وثائق «زينون» التي نجد فيها الرابطة والمادة الكافيتين اللتين تمركزتا حول شخص واحد، وفي مدة واحدة، ومكان واحد، وعلى أية حال فإن هذه السجلات إن لم تكن قد كونت مرآة نموذجية فإنه ليس لدينا، دون أي شك، أحسن منها.
وعلى أية حال فإن أية كتابة في هذا الموضوع لا تكون لها قيمتها الحقيقية إلا عندما يُوضَع مؤلف يشمل جميع المسائل التي تبحث في الحياة الاجتماعية في مصر في عهد البطالمة الأول.
والصورة التي وضعناها هنا عن المجتمع العائش في فيلادلفيا وضواحيها على الرغم من أنها ناقصة فإنها تسمح لنا مع ذلك أن نضع بعض ملحوظات، وأن نستخلص النتائج التي يمكن في بعض الأحوال نسبتها إلى مصر كلها. فإذا كانت حتى الحياة في المديريات المصرية الأخرى أكثر هدوءًا، وأقل حرارة، وأن المصري لا يقابل فيها الإغريقي إلا نادرًا جدًّا، فإن هذه الفروق كانت من جهة الكم لا من جهة القيمة، وعلى ذلك يمكنُنا — على ما يبدو — أن نَجْرُؤ بأن نفرض أن مجتمع الفيوم في منتصف القرن الثالث كان من حيث النقط الأساسية جدًّا يشبه المجتمع الذي يعيش فيه الناس في جزء آخر من أرض القرى المصرية في كل مكان، حيث نجد فيه التحسينات الجديدة التي أوجدها «بطليموس الثاني».
ولا نزاع في أن معرفتنا بالوسط المصري كانت ناقصة أكثر مما يجب، وأنه بوجه خاص في الجزء الإغريقي من المجتمع يمكننا أن نلحظ التغييرات التي استُحدثت في البلاد.
ومما هو جدير بالذكر هنا أن «زينون» عندما أضاف أوراقه الأخيرة في السجلات التي وصلت إلينا بعد عشرين عامًا من مكثه في الفيوم، فإن عالم بلدة فيلادلفيا لم يتغير إلا قليلًا عما كان عليه في عام ٢٥٧ق.م وكل ما زاد هو أن الإغريق قد ثبَّتوا أقدامهم أكثر من ذي قبل في الأرض المصرية، وأن الرابطة بينهم وبين وطنهم القديم قد ضعُفت، وكذلك روابط الدم قد تضاءلت شيئًا فشيئًا.
يضاف إلى ذلك أن تضامن طبقات المجتمع والإحساس بالتبعية إلى جماعة من الناس المتساوين في مركزهم الاجتماعي كانت تقوى أكثر فأكثر، وقد أصبحت الفائدة الاقتصادية سببًا في العمل الحر الذي كان آخذًا في القوة بصفة مستمرة، ومن المحتمل أن قلوب القوم أخذت تشعر أنها أكثر ارتباطًا بالآلهة الخفية التي في المعابد المصرية، يُضاف إلى ذلك أن لغة المتون قد أصبحت غنية بالتعبيرات الجديدة — وهي قليلة العدد مع ذلك — التي من أصل مصري، وكذلك يُلحَظ أن صِيَغ الوثائق المحررة قد تنوعت شيئًا فشيئًا عن مثيلتها الإغريقية السابقة.
وتحليل رسائل «زينون» يظهر منه متناقضات عديدة تميِّز هذا المجتمع الإغريقي-المصري، فمن جهة نجد المصريين يقفون في وجه الإغريق في حين أن الآخرين، وهم فقراء الإغريق، قد ضاعوا تقريبًا، ولم يكد يكون لهم أثر في غمار الطبقة الفقيرة من السكان الأصليين، في حين أن المصريين الأغنياء قد حافظوا على علاقاتهم الحبية مع الهيلانيين.
ويُلحَظ أن النزعة إلى المحافظة على الصبغة القومية المميزة قد تصادمت مع نزعة الاندماج، وبدرجة ما مع النزعة التي كانت ترمي إلى تخفيف حدة الخلافات التي تفصل بين الجماعتين من حيث القومية، فقد كان الإغريقي يحتقر الفقير المصري، ولكن في الوقت نفسه كانت التقاليد المصرية القديمة للبلاد على ضفاف نهر النيل تجعله يشعر باحترام له ممزوج برهبة. أما المصري فكان يشعر بخوف من الإغريقي كما كان لا يأمن له، على أن ذلك لم يمنعه أن يبحث عن مساعدته عند حلول المصائب والملمات به.
أما في الحياة الاقتصادية فإن النزعة إلى الاستقلال كانت تتصادم مع التبعية العامة التي كانت تسود دوائر الاقتصاد في عهد البطالمة الأول. هذا، وكانت الخدمة من أجل الملك، سواء أكانت مباشرة أو غير مباشرة، هي السبيل الوحيد للثراء، ولكن في الوقت نفسه كان ذلك سببًا في انتقاص حرية الفرد بصفة أكيدة في العمل الذي كان لا غنى له عنه في هذه الحالة، ومن المعلوم أن ملكية الأرض لم تكن موجودة، ومع ذلك فإن الأرض كانت هي التي تؤلف في مصر أضمن مصدر للدخل، ولم يكن في مقدور أي شخص أن يمتلك أرضًا، وكان هناك عدد عظيم من الناس مرتبطين بالأرض على الأقل موسميًّا سواء كان ذلك بالإيجار أو بالهبة.
الجنود المرتزقة في الفيوم
وفي عهد «بطليموس الثالث» ازداد عدد الجنود المستعمِرين بدرجة عظيمة؛ وذلك لأن الحملة العظيمة التي سار على رأسها هذا العاهل إلى آسيا الصغرى كان من نتائجها أنه بعد أن عاد مظفرًا أراد أن يكافئ جنوده الذين أحرزوا نصرًا عظيمًا في هذا الميدان، يُضاف إلى ذلك أنه قد عاد ومعه عدد عظيم من الجنود الذين كانوا يقاتلون في جيش سليوكوس بوصفهم أسرى حربٍ فأسكنهم في الفيوم، وهؤلاء كان السواد الأعظم منهم إغريقًا أو مقدونيين من الذين كانوا يرغبون في أن يكون لهم وطن سعيد في مصر، أو في آسيا الصغرى على السواء، وقد كان من بينهم يهود مما كان يزيد في عدد العنصر اليهودي الذي كان فعلًا كثير العدد في مصر في تلك الفترة.
هذا ونلحظ أنه في عهد هذا العاهل نحد أن الأرض التي كانت تُمنَح للجنود المرتزقين قد حُوِّلت إلى أملاك خاصة لهم في عهده، وهذا الإجراء يُعدُّ دليلًا على رأيه في الفوائد والأضرار التي تنجم من النظامين؛ القديم: وهو أن الأرض كانت تظل ملك الملك، والآخر: وهو أنها تصبح ملكًا للجندي، وتبقى في أسرته تتوارثها أخلافه حتى يمكنه أن يجند منهم كلما أراد.
(٢-٤) بطليموس الثالث والسعي في إصلاح التقويم المصري
منذ العام السادس من حكم «بطليموس الثالث» ٢٤١ق.م حتى حضرته الوفاة، وكذلك طوال مدة حكم خلفه بطليموس الرابع (٢٢١–٢٠٤ق.م) لم نعثر على عملة من التي قيمتها درخمتان أو ثلاث درخمات من الفضة مؤرخة بسني حكم واحد منهما، والواقع أن التواريخ التي اتخذها كلٌّ من بطليموس الثالث والرابع ترجع إلى عصر يبتدئ بعام ٣١١ق.م؛ أي أول عهد الحكم الحقيقي للبطالمة، وذلك باعتبار أنهما خلفا الإسكندر الرابع الذي مات في عام ٣١١ق.م كما ذكرنا ذلك آنفًا (راجع مصر القديمة الجزء ١٤)، ولا نزاع في أن بطليموس الثالث كان قد أراد أن يؤسس — على غرار الملوك السليوكيين — تأريخًا يكون في الوقت نفسه قوميًّا وأسريًّا، والواقع أن ملوك السليوكيين في آسيا كانوا يؤرخون نقودهم بتاريخ موت الإسكندر، ومن المحتمل أن بطليموس الثالث قد أراد أن يسير على نهج هذا التاريخ الذي كان من الجائز أن يُصبِح فيما بعدُ تأريخًا دوليًّا في العالم الهيلانستيكي.
أما أولئك الذين ينسبون هذا الإصلاح إلى علماء الإغريق فلأن ذلك يرجع إلى تمسك المصريين بعاداتهم القديمة والمحافظة عليها إلى أقصى حدٍّ، ولكن هذا الرأي لا يُعتدُّ به، وبخاصة عندما نعلم أن «إسترابون» قد قال: إن علم الفلك أخذه الإغريق عن المصريين.
والواقع أنه قد عُمل مجهود مزدوج لوضع تاريخ ثابت يمكن بوساطته حساب السنين، وذلك بدلًا من أنها كانت تُحسَب بعدد أعوام حكم الملك، فيقال سنة كذا من سني حكم الملك فلان الحاكم، وهذه الطريقة للتأريخ لا نزاع كانت غير عملية، وغير علمية في وقت واحد، وعلى مر الزمن وازدياد عدد الملوك الذين حكموا تعقدت الأمور أكثر فأكثر؛ ومن أجل ذلك كان لا بد من إيجاد حلٍّ لذلك.
وقد كانت السنة المصرية العادية المستعملة عند كل من الإغريق والمصريين هي السنة المصرية التي حُدِّدت أيامها ﺑ ٣٦٥ يومًا، وتبتدئ بأول يوم في شهر «توت» وإن كان الإغريق في العادة يضعون الشهر المقدوني عند تأريخهم الوثائق، ولما لم تكن عند المصريين سنة كبيسة بزيادة يوم على السنة العادية فإن السنة المصرية كانت تُسقِط يومًا كل أربعة أعوام، وبذلك كانت السنة الطبيعية بعد مرور ١٦٤٠ سنة قد زِيد عليها سنة كاملة، وقد جاء ذلك من إضافة يوم كل أربع سنين، ومن ثَم نجد أنه بهذه الطريقة تنقلب الأوضاع، فمثلًا نجد أن عيد سنة من السنين كان يُحتَفل به في تاريخ معين على حسب السنة المصطنعة يكون مرة في وسط الشتاء، ولكن بعد مرور ٧٣٠ سنة يكون انعقاد نفس العيد في منتصف الصيف.
ولأجل إصلاح العقبة الأولى اتُّخذ عام ٣١١ق.م بمثابة عهد ثابت، كما ذكرنا، ولأجل التغلب على العقبة الأخرى فإن الكهنة المصريين قد تغلَّبوا عليها، وذلك بما جاء في المرسوم الذي نشروه باسم الملك «بطليموس الثالث»، ولكن كانوا هم الواضعين الحقيقيين له. غير أن شواهد الأحوال دلت على أنه لم يُنفَّذ، ولكن الفكرة كانت موجودة، إلى أن عُمِل بها في عهد يوليوس قيصر، ومن ثَم بدأ التاريخ العلمي الصحيح، وهو ما نسميه التاريخ المسيحي.
(٢-٥) بطليموس الثالث والدين
لا نزاع في أن ما تركه لنا بطليموس الثالث من آثار دينية يدل دلالة واضحة على أنه كان من أنصار تشجيع رجال الدين سواء أكانوا إغريقًا أم مصريين.
فبعد أن عاد من حملته في بلاد آسيا نجده قد أخذ في تطوير عبادة أجداده، وبعبارة أخرى ديانة الحكومة فنرى في تلك الفترة أن «بطليموس» وزوجه «برنيكي» قد أصبح يُطلَق عليهما الإلهان المحسنان، وذلك مع «الإسكندر» ومع الإلهين الأخوين.
مرسوم كانوب
فطن ملوك البطالمة من بادئ الأمر أن مفتاح سَيْر الأحوال في البلاد المصرية قاطبة كان في يد رجال الدين، ولذلك كان كل منهم عندما يتولى عرش ملك أرض الكنانة يبذل جهده لإرضاء طبقة رجال الدين بوجه عام؛ ولا غرابة في ذلك فقد كان كل ملوك البطالمة على دين الفراعنة، وكان كل واحد منهم يلقب نفسه فرعونًا؛ ولذلك فإن «بطليموس الثالث» عندما تولى عرش الملك لم يحِدْ عن طريقة أسلافه في معاضدة الكهنة، ومحاولة الارتباط بهم، وإرضائهم، ولا أدل على ذلك من المرسوم الذي صدر في عهد هذا العاهل، ونُشِر في كل أنحاء البلاد، والظاهر أن بطليموس كان يرغب في أن يجعل الكهنة يتَّكلون عليه تمام الاتكال؛ ومن أجل ذلك كان يجتمع بهم سنويًّا، ليتخذ القرارات التي يراها، وترضي رجال الدين في آن واحد.
وأهم مرسوم كُشِف عنه حتى الآن في عهد «بطليموس الثالث» هو مرسوم كانوب، فقد كانت أهدافه متعددة، ومادته تكشف لنا عن معلومات قيمة تلقي ضوءًا كبيرًا على عهد هذا العاهل، وقد كان صدوره في ٦ مارس سنة ٢٣٧ق.م.
- (١) لوحة «تانيس»: وُجِدت النسخة الأولى من هذا المرسوم في تانيس نُقشت على لوحة من الحجر الجيري، كشف عنها في عام ١٨٦٥ في «صان الحجر» مهندس فرنسي أثناء أعمال حفر قناة السويس، وقد نشرها وترجمها الأثري «لبسيوس»،٣٣ وهذه اللوحة محفوظة الآن بالمتحف المصري برقم ٢٢١٨٧.٣٤ وبعد ذلك ترجمت هذه اللوحة إلى لغات مختلفة، وقد علق عليها كل من «ريناخ» Reinach و«روزلر» Roesler و«فشر» Wescher و«برش» و«شارب» Sharpe و«ريفيو» Revillout وبركش، وقد ترجم٣٥ الأخير الرواية الديموطيقية، وكذلك ترجمها «بيريه» Pierret و«شاباس» وغيرهم.
- (٢) كوم الحصن:٣٦ والنسخة الثانية عُثِر عليها في كوم الحصن عام ١٨٨١ ميلادية، وهي محفوظة كذلك بمتحف القاهرة برقم ٢٢١٨٦، وهي لوحة من الحجر الجيري عثر عليها «مسبرو» وترجم النص الإغريقي «مولر»، ثم ترجم هذا النص مع الروايات الديموطيقية المؤرخ «مهفي».
- (٣) والنسخة الثالثة عبارة عن قطعة من لوحة من البازلت الأسود،٣٧ وكانت في الأصل مستعملة «أسكفة» لأحد المساجد بالقاهرة في عهد الحملة الفرنسية، والمتن الإغريقي الذي عليها قد زالت معالمه تقريبًا، ولم يبق من المتن الديموطيقي إلا سطران، ولم تُنشَر بعدُ محتويات هذه القطعة حتى الآن بقدر ما وصلت إليه معلوماتنا.
- (٤) مدينة الكاب:٣٨ وأخيرًا لدينا متن رابع عُثر عليه في أثناء أعمال الحفر التي قامت بها البعثة البلجيكية في مدينة «الكاب» القديمة، وهذا المتن هو عبارة عن قطعة من الحجر الرملي البالي جدًّا، وقد نجح كل من الأثري عباس بيومي، والأثري «جيرو» في الوصول إلى الكشف عن هذه النسخة الأخرى من مرسوم كانوب، وتحتوي بوجه خاص على رواية جديدة هامَّة في المتن الإغريقي في فقرة استوقفت النظر،٣٩ وقد جمع الأثري زيته كل هذه النصوص عدا النص الأخير ورتبها، وتحدث عن مصادرها.٤٠
وهاك ترجمة نص القرار على حسب النص المصري القديم والإغريقي والديموطيقي، وهي لا تختلف كثيرًا الواحدة عن الأخرى.
-
(١)
التاريخ: السنة التاسعة اليوم السابع من شهر «أباليوس» في اليوم السابع عشر، الشهر الأول من فصل الشتاء. كان سكان مصر تحت حكم جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري (بطليموس محبوب بتاح عاش أبديًّا) ابن الملك بطليموس و«أرسنوي» الأخوين الإلهين، حينما كان كاهن الإسكندر المرحوم وكاهن الأخوين الإلهين والإلهين المحسنين هو «أبولانيدس» بن «موسكيان»، كما كانت «مناكرادا» ابنة «بيلامنا» حاملة السلة أمام «أرسنوي» محبة أخيها.
-
(٢)
المقدمة: في هذا اليوم قرر المشرفون على المعابد، والكهنة (خَدَمة الآلهة) والكهنة السريون، والكهنة مطهرو الإله الذين يلبسون الآلهة ملابسهم، وكتبة كتَّاب الإله، والعلماء والكهنة آباء الآلهة، والكهنة جميعًا الذين أتوا من شطري الوادي، أي الوجه القبلي والوجه البحري في اليوم الخامس من شهر «دياوس» الذي احتفلوا فيه بعيد رأس السنة لجلالته، وفي اليوم الخامس والعشرين من هذا الشهر الذي تولى فيه جلالته وظيفته العظيمة من والده، وقد تجمعوا في بيت الإله الخاص بالإلهين المحسنين في «بر-جوتي» (كانوب).
-
(٣)
بداية وضع المرسوم. الملك والملكة يبرهنان على أنهما محسنان لمعابد مصر: حدث هنا أن ملك الوجه القبلي والوجه البحري (بطليموس العائش أبديًّا محبوب بتاح) ابن بطليموس و«أرسنوي» الإلهان الأخوان، والأميرة برنيكي أخته وزوجه والإلهان المحسنان كانا يفعلان الخير كثيرًا جدًّا في معابد مصر في كل زمان.
-
(٤)
الملك والملكة يهتمان بالحيوان المقدس: وهما يهتمان كذلك في كل وقت بشعائر العجل «أبيس» والعجل «منيفيس»، وكل الحيوانات المؤلهة في مصر، وقدَّما أشياء كثيرة (أي قربات كثيرة، ومعدات عدة).
-
(٥)
الملك يحضر التماثيل المصرية التي كان قد استولى عليها «الفرس»: وقد فعل من أجل المحافظة على بقاء صور الآلهة التي كانت قد اغتصبها الفرس الخاسئين من مصر، وقد زحف جلالته على أرض «آسيا» وخلَّص «التماثيل» وأحضرها ثانية إلى «تامرى» (مصر) ووضعها (ثانية) في مكانها في المعابد التي كانت قد انتُزعت منها فيما مضى.
-
(٦)
الملك يحافظ على السلام في البلاد، ويحارب من أجل ذلك البلاد النائية: وقد حمى مصر من الحرب، وذلك عندما حارب خارجها في الوديان البعيدة أقوامًا أجنبية كثيرة، وحارب رؤساءهم الذين يسيطرون عليهم.
-
(٧)
الملك والملكة حَمَيا رعاياهما بسَنِّ القوانين: وقد عدلا بين كل أهالي مصر (تامرى = أرض الدميرة) وكل أهل الأراضي الذين كانوا رعايا لجلالتيهما.
-
(٨)
عندما حدث فيضان منخفض نجده حمى المهددين بالجوع باتخاذ احتياطات واسعة، وبذلك أوجد له ذكرى باقية عند سكان البلاد: وعندما حدث فيضان منخفض في زمنهما حزنت قلوب كل سكان مصر بسبب ما وقع، ولما فكر في الكوارث التي وقعت في زمن الملوك السالفين عندما حدث نيل منخفض لسكان مصر في زمنهم، فإن جلالته اهتم بنفسه مع أخته، ومن ثم احترق قلبهما من أجل سكان المعابد وسكان مصر قاطبة، وفكَّرا كثيرًا جدًّا في فرض ضرائب كبيرة رغبة في أن يجعلا الناس يحيون، وعمِلا على جلب الغلال إلى مصر من «رتنو الشرقية» (سوريا) ومن أرض «كفتيو» ومن جزيرة سيناء الواقعة في الأخضر العظيم (البحر الأبيض المتوسط) ومن أراضٍ أجنبية كثيرة، وذلك بأن دفعا فضة كثيرة مقابل ذلك بأسعار عالية، وبذلك نجا سكان مصر، ومن ثم أصبحوا يعترفون بأعمالهم الخيرية إلى الأبد؛ وكذلك خدماتهما العدة العائشين منهم، ومن سيأتي بعدهم.
-
(٩)
الملك والملكة يكافآن على كل هذه الأعمال الخيرة من الآلهة: ومن أجل ذلك جعلت الآلهة وظيفتيهما ثابتة بوصفهما حاكمين للوجه القبلي والوجه البحري، وكافآهما بكل الخير حتى نهاية الأبدية.
-
(١٠)
وبناء على ذلك قرر الكهنة مضاعفة احترام الملك والملكة وتعظيمهما: عافية وصحة! (أي للملك)، وقد وضع كهنة مصر (تامرى) في قلوبهم أن يكثروا ويفخموا الشعائر العدة لملك الوجه القبلي والوجه البحري (بطليموس محبوب بتاح العائش مخلدًا) والأميرة «برنيكي»، الإلهان المحسنان، في المعابد، والاحترام الخاص بالإلهين الأخوين الحاميين اللذين أوجداهما، وبذلك عظموهما.
-
(١١)
قرار بتعيين كهنة للإلهين المحسنين، وإنشاء طائفة خامسة: والكهنة الذين في كل معابد مصر هم أولئك الكهنة الذين سيُسمَّون باسم كهنة الإلهين المحسنين، ويجب أن يُضَم لهم اسم وظائف الكهنة خدمة الإله، ويجب أن يُكتَبوا على حسب ذلك في كل وثيقة، وأن يُنقَش على الأختام التي يحملونها ما يدل على أنهم كهنة الإلهين المحسنين، وفضلًا عن ذلك تضاف إلى أربع طوائف الكهنة الموجودين فعلًا في جماعة الكهنة لكل معبد طائفة أخرى يُطلَق عليها طائفة الإلهين المحسنين (إيرجيتيس) وذلك لأنه من حسن الحظ حدث أن ولادة الملك بطليموس بن الإلهين المحبين قد وقع في اليوم الخامس من شهر «دياوس» وهو الذي كان بداية خير لكل الناس.
-
(١٢)
اختيار الكهنة الجدد، وحقوقهم، وترتيبهم: وقد دُوِّن في هذه الطائفة (من الكهنة) كل من أصبحوا كهنة منذ السنة الأولى، وكل من سيصبح كذلك حتى شهر مِسْرَى من السنة التاسعة، وكذلك أولادهم إلى أبد الآبدين. أما أولئك الذين كانوا من قبل كهنة حتى السنة الأولى فإنهم سيبقون في نفس طوائفهم التي كانوا فيها من قبل، وكذلك أطفالهم فإنهم منذ الآن سيوضعون في نفس الطوائف التي فيها آباؤهم.
-
(١٣)
يجب أن يكون لطائفة الكهنة الجدد نفس الحقوق التي يتمتع بها الكهنة القدامى: أما فيما يخص العشرون كاهنًا أصحاب المشورة، وهم خمسة من كل طائفة، فإن هؤلاء الكهنة أصحاب المشورة سيُزادون إلى خمسة وعشرين، والخمسة المضافون يؤخذون من الطائفة الخامسة التابعة للإلهين المحسنين، وهؤلاء الذين انتُخبوا من الطائفة الخامسة للإلهين المحسنين فإنهم يشتركون في شعائر التطهير، وكذلك في كل الأحفال الأخرى التي كانت تقام في المعابد، وهذه الطائفة سيكون لها رئيس كما في الطوائف الأربع الأخرى.
-
(١٤)
ويجب أن يُقام عيد سنوي كبير للإلهين المحسنين خلافًا للعيد الشهري مثل آلهة مصر العظام. ومعلوم أنه في كل شهر كان يقام عيد للإلهين المحسنين في كل المعابد على حسب المرسوم الذي صدر من قبل، في الأيام: الخامس، والتاسع، والتاسع والعشرين من كل شهر، وأنه كان يُحتَفل للآلهة العظماء الآخرين في كل سنة بأعياد وأحفال دينية، وكذلك يجب أن يُقام عيد كبير في زمنه من السنة من أجل ملك الوجه القبلي والوجه البحري (بطليموس العائش أبديًّا المحبوب من بتاح) ولأجل الأميرة «برنيكي» وهما الإلهان المحسنان، وسيُحتفل به في شطري البلاد، وفي كل مصر، وهو اليوم الذي سيشرق فيه النجم «سبد» (إزيس) وهو اليوم المعترف به في كتابات بيت الحياة بأنه السنة الجديدة كما يقال.
وهو الذي يُحتَفل به في السنة التاسعة في اليوم الأول من الشهر الثاني من فصل الصيف، وهو الذي يحتفل فيه بعيد أول سنة لبوبسطة، وعيد «بوبسطة الكبير»، وعندما يكون زمن حصاد كل الفاكهة وفيضان النيل، وإذا تغير طلوع النجم «سوبد» إلى يوم آخر بعد مضي أربع سنوات فإنه لا ينبغي أن يتغير، بل يُحتَفل به في أول يوم طلوع القمر في شهر بئونة، وهو اليوم الذي كان قد احتُفل به في الأصل في السنة التاسعة، وكذلك ينبغي أن يحتفل به خمسة أيام والتاج معقود على رأسه، وتُقدَّم القرابين على مائدة القربان، وتقدم قربان المشروبات، وكل شيء يعمل يكون كالمعتاد، ولأجل أن تتوالى الفصول بنظام مطلق على حسب نظام العالم الفعلي، وألا يحدث أن بعض الأعياد الدينية التي يُحتَفل بها في الشتاء لا تقع أبدًا في الصيف — وذلك بسبب أن النجم يتقدم يومًا كل أربعة أعوام — وحتى لا يحدث أن بعض الأعياد من بين الأعياد الأخرى التي تُقام الآن في الصيف تقام في الشتاء في الأزمان التي ستأتي بعد، كما حدث ذلك فيما مضى، وتحدث الآن كذلك إذا بقيت السنة مؤلفة من ثلاث مائة وستين يومًا، وخمسة الأيام التي زيدت باسم أيام النسيء الخمسة، فإنه منذ الآن سنضيف يومًا مخصصًا لعيد الإلهين المحسنين كل أربع سنوات لخمسة أيام النسيء قبل السنة الجديدة حتى يعلم الكل أن ما كان ناقصًا من قبل في نظام الفصول والسنة، وفي القواعد الموضوعة بخصوص النظام العام للعالم قد أصلحه وتمَّمه الإلهان المحسنان.
-
(١٥)
موت الأميرة الصغيرة، وتقديسها: ولما كان من المفهوم أن الملك بطليموس والملكة برنيكي الإلهين المحسنين قد أنجبا ابنة تُدعَى «برنيكي» وقد أعلن في الحال أنها ملكة، فقد حدث أن هذه الابنة قد ذهبت فجأة — وهي عذراء — إلى عالم الأزل، وأن كهنة كل البلاد كانوا يأتون بجوار الملك كل سنة، وكانوا كذلك بالقرب منه، فإنهم أسهموا في إقامة جَنَّاز عظيم حزنًا بسبب هذا الحادث، وبعد أن التمسوا من الملك والملكة أقنعوهما بأن يضعوا الإلهة مع أوزير في معبد «كانوب»، الذي لم يكن من بين معابد الدرجة الأولى وحسب، بل من بين أكثرها احترامًا عند الملك، وفي كل البلاد، وكان موكب قارب أوزير المقدس لهذا المعبد يُبتَدأ سنويًّا من المعبد الذي في «هيراكليون» في اليوم التاسع والعشرين من كيهك عندما كان أولئك التابعين لمعابد الدرجة الأولى يقدمون ضحايا على موائد القربان التي أقاموها على كلا جانبي الطريق، وبعد ذلك كانوا يؤدون أحفال تأليهها، وختام الجنَّاز بأبهة وتفصيل كما هي العادة في حالة العجل «أبيس» والعجل «منيفيس».
وقد قرر: أن تُؤدَّى احترامات أبدية للملكة «برنيكي» ابنة الإلهين المحسنين في كل معابد البلاد، ولما كانت قد ذهبت للآلهة في شهر طوبة، وهو الذي غادرت فيه الحياة ابنة الشمس (تفنوت) في الزمن الأوَّلي، وهي التي كان قد سماها والدها تاجة، وأحيانًا نظرة، وأقام لها عيدًا وموكبًا قارب في معظم معابد الدرجة الأولى في هذا الشهر، وهو الذي حدث فيه تأليهها في الأصل (فقد تُقرِّر) أن يقام للملكة «برنيكي» كذلك، ابنة الإلهين المحسنين في كل معابد البلاد في شهر طوبة، عيد وموكب قارب لمدة أربعة أيام من السابع عشر، وهو الذي كان يحدث فيه في الأصل الموكب، وختام الحزن، وكذلك توضع صورة مقدسة لها من الذهب المُطعَّم بالجواهر في كل من معابد الدرجة الأولى والثانية، ويُنصَب في المحراب (الداخلي) وهي التي سيحملها بين ذراعيه الكاهن خادم الإله، أو أولئك الكهنة الذين يدخلون قدس الأقداس لأجل إلباس الآلهة، وذلك عندما يحدث الذهاب إلى الخارج، وعند أعياد الآلهة الآخرين، وذلك لأنه عندما يراها الجميع يمكن أن تُحتَرم وتعبد مثل (صورة) برنيكي سيدة العذارى، وأن يوضع لباس الرأس الملكي على صورتها، على أن يكون مختلفًا عن الذي وُضِع على رأس والدتها «برنيكي» وسيحتوي على سنبلتي قمح يكون في وسطها التاج الذي في صورة صل، وخلف ذلك صولجان بردي مناسب كالذي تمسكه الإلهات في أيديهن، وأن يكون كذلك ملفوفًا حوله ذيل صل التاج حتى إن الرمز الذي يدل على اسم «برنيكي» على حسب النظام الرمزي للكتابة المقدسة يؤخذ من صورة لباس رأسها الملكي.
وعندما تقام أعياد كيكليا Kikellia (أعياد في الإسكندرية) في شهر كيهك قبل سياحة أوزير الثانية، فإنه على العذارى والكهنة أن يجهزوا صورة أخرى لبرنيكي سيدة العذارى، وعليهم أن يقدموا كذلك ضحية، والشعائر الأخرى التي تُؤدَّى في هذا العيد، وسيكون ذلك مشروعًا بنفس الطريقة لأية عذارى أخريات يخترن تأدية الشعائر العادية للإلهة، وكذلك ينبغي أن تغني لها الأناشيد العذارى المختارات اللائي في خدمة الإلهة، وعليهن أن يرتدين ملابس الرأس المتعددة الخاصة بالآلهة الذين هن كاهناتهن، وعندما يأتي الحصاد المبكر فعلى العذارى المقدسات أن يحملن سنابل قمح لتُوضَع أمام صورة الآلهة.وعلى الرجال والنساء المغنين أن يغنوا لها يوميًّا في الأعياد، وفي مجتمعات سائر الآلهة أيضًا، ومهما كانت الأناشيد التي ألَّفها الكتبة المقدسون يمكن أن تسلم لمعلم (الكورس)، ويجب أن تُدوَّن منها نسخ في الكتب المقدسة.
ولما كانت جرايات القمح تعطى الكهنة من الأملاك المقدسة عندما يُؤتَى بها لكل الطائفة، فإنه لا بد أن يُعطَى بنات الكهنة من الدخل المقدس على أن تُحسَب من أي يوم يولدن فيه، والإعالة قد قررها الكهنة المستشارون في كل معبد، وذلك على حسب نسبة الدخل المقدس، والخبز الذي يُقدَّم لزوجات الكهنة يجب أن يكون له شكل خاص، وأن يسمى خبز «برنيكي»، وعلى الفرد الذي يعين مشرفًا وكاهنًا أكبر في كلٍّ من المعابد وكتاب المعابد أن ينسخوا هذا المنشور على لوحة حجر، أو برنز باللغة الهيروغليفية، وبالمصرية (الديموطيقي) وبالإغريقية، وعليه أن ينصبها في أظهر مكان في المعابد التي من الدرجة الأولى والثانية والثالثة؛ لأجل أن الكهنة في كل البلاد يمكنهم أن يظهروا أنهم يحترمون الإلهين المحسنين، وكذلك أولادهما كما هو متفق عليه.
والواقع أن جماعة الكهنة قد عددوا في هذه الوثيقة المكرمات والأيادي البيضاء التي أسداها إليهم الملك «بطليموس الثالث» وابنته الأميرة الصغيرة «برنيكي» وهي التي كان قد حضرتها الوفاة أثناء انعقاد المجلس الديني هذا على حين غفلة.
وهذا الرأي — كما ذكرنا آنفًا — قد ناقضه بعض كبار المؤرخين ممن يُعتَمد على آرائهم. هذا فضلًا عن النعرة التي نجدها كثيرًا في كتابات المؤلفين الغربيين، وهي التي تنسب كلَّ شيء إلى الفكر الإغريقي والعلم الإغريقي الذي برهنت البحوث الحديثة عن أنه مرتكز في أصوله على العلم المصري بصفة قاطعة.
ومهما يكن من أمر فإنه من الواضح تمامًا أن مجموع ما جاء في المرسوم من حيث اللغة يحتوي على عدة تعابير مستعارة من الصيغ الحكومية الإغريقية، ولا يحتوي على أي لقب ملكي على حسب التعبير الفرعوني. يضاف إلى ذلك أن الروايات الثلاث، وهي الإغريقية والديموطيقية والمصرية القديمة، تتفق بقوة بالغة من حيث التعابير، لدرجة أن بعض المؤرخين يظن أن الأصل قد كُتِب بالإغريقية، ثم تُرجِم إلى المصرية القديمة، وإلى الديموطيقية مما يدل على النفوذ الإغريقي وقتئذٍ، وأن هذا النفوذ نراه قد قلَّ عندما وضع المصريون أنفسهم — فيما بعد — مرسوم منف (أي حجر رشيد) باللغة المصرية، ثم تُرجِم إلى اليونانية، وعلى أية حال فإن هذه آراء مصدرها الحدس والتخمين، والثابت من كلٍّ من المرسومين؛ مرسوم كانوب، ومرسوم منف أن الكهنة المصريين كان لهم نفوذهم العظيم؛ لأن الشعب كان في صفهم دائمًا، هذا ونلحظ على أية حال أن مرسوم «كانوب» قد احتوى على حشوٍ كثير؛ من ذلك المكانة التي تحتلها عبادة الملك حتى في الحياة الكهانية العادية، كما يظهر لنا كذلك أنه ليس هناك إلا فرق طفيف عند الشعب المصري بين الملوك والآلهة، ولا أدل على ذلك من أن موت برنيكي الصغيرة الذي حدث أثناء انعقاد المجلس الديني قد أدَّى إلى إضافة فقرة جديدة في منهاج الكهنة أصحاب الشورى، وقد توسَّع هؤلاء المستشارون من الكهنة — بكثير من البشر والاغتباط — في ذكر المكرمات التي أدوها للأسرة المالكة، وقد كوفئوا عليها بطبيعة الحال حتى عمَّت هذه المكافأة جميع طوائف الكهنة، من أكبرها إلى أصغرها، كما نقرأ ذلك في نص المرسوم.
وعلى أية حال فإن ما أظهره هؤلاء الكهنة من حفاوة زائدة، وملق مبالغ فيه للأسرة المالكة، قد قابله الملك «بطليموس» الثالث بالشكر والعرفان للجميل؛ إذ نجده، فضلًا عن الأوقاف التي حبسها عليهم، في العام التالي لصدور مرسوم كانوب يحتفل بإقامة معبد في إدفو في السابع من شهر أبيب من العام العاشر من حُكْمه (٢٣ أغسطس سنة ٢٣٧ق.م) وأهداه للإله «حور» وهو الإله الذي يقابل عند اليونان الإله «أبوللون»، غير أن بناءه لم يتمَّ في عهده، وقد استمر العمل فيه — كما سنرى بعد — حتى آخر عهد البطالمة؛ أي في عهد بطليموس «نيوس ديونيسوس» الذي لُقِّب بالزمار.
هذا، ونجد أيادي هذا الملك البيضاء على رجال الدين في كثير من أنحاء البلاد المصرية، كما سنتحدث عن ذلك بعد في مكانه، وبخاصة إقامة المعابد، وإصلاح ما تهدم منها، أو إضافة الكثير لما هو قائم، فكان شأنه في ذلك شأن عظماء فراعنة مصر الأقدمين الذين كان يسير على نهجهم في إرضاء الآلهة، أو بعبارة أخرى إرضاء رجال الدين أصحاب السلطان الحقيقي في البلاد.
والواقع أن العالم الحديث مدين لبطليموس الثالث بوضع الحجر الأساسي لمعبد إدفو الذي يُعدُّ في نظر العالم الآن عامة بأنه أضخم معبد ديني يقدم لنا صورة صادقة واضحة عن هيئة المعبد المصري، وعن العبادة التي كانت سائدة في عهد قدماء المصريين، وكذلك عن عمارة المعابد في زمنهم، فقد ترك لنا قدماء المصريين مباني دينية كثيرة غاية في الروعة والجمال الفني، ولكن كلها قد أَخْنى عليها الدهر فهُدِّمت أو شوِّهت بدرجات مختلفة؛ فلم نجد فيها معبدًا كاملًا في ضخامة معبد «إدفو» الذي يعبر أحسن تعبير عن الفكر الديني عند قدماء المصريين.
ومن أجل ذلك سنحاول هنا أن نعطي صورة واضحة — بقدر ما تسمح به الأحوال — عن وصف المعبد، والعبادة التي كانت تُؤدَّى فيه، والأعياد التي كان يُحتَفل بها في داخله، كما كانت في العهد الفرعوني، وبقيت مستمرة حتى العهد البطلمي بصورة واحدة لم تتغير.