مهمة … لرجل واحد!
ما إن خطَا «أحمد» إلى داخل قاعة الاجتماعات أولى خطواته، حتى توقَّف وقد اعترَته بعضُ الدهشة … فلم يكن هناك أحدٌ من الشياطين داخل القاعة سواه.
وفكَّر، ربما يكون بقية الشياطين قادمين في الطريق، ولكن أحدًا من الشياطين لم يظهر خلال اللحظات التالية … بالرغم من أنَّ الاستدعاء كان ملحًّا وعاجلًا.
جلس «أحمد» إلى أقرب مقعد إليه … ولاحظَ على الفور الخريطةَ المعلَّقة على الحائط …
كانت لبعض بلدان جنوب شرق آسيا … خاصة المنطقة التي يُطلَق عليها المثلث الذهبي … «بورما» و«تايلاند» و«لاوس» …
جاء صوت رقم «صفر» من مكانه المعتاد يقول: مرحبًا بك يا «أحمد»!
التفتَ «أحمد» نحو مصدرِ الصوت. كان رقم «صفر» غارقًا في الظلام لا يظهر غيرُ هيكلِه وقامتِه الطويلة … وأجاب «أحمد»: مرحبًا بك يا سيدي!
رقم «صفر»: لا شك أنَّك خمنتَ أنَّ المهمة القادمة ستكون لك وحدك. إنَّها مهمة رجل واحد فقط!
أحمد: هذا ما استنتجتُه يا سيدي … واستنتجتُ أيضًا أنَّ تلك المهمةَ ستدور في جنوب شرق آسيا … أو إحدى بلدانها.
رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا … إنَّ مهمَّتَك القادمة سيكون مكانها في «تايلاند» أو بأرض الأحرار كما يقول اسمها. بالرغم من أنَّها قد تكون البلدَ الوحيد في العالم، الذي لا يزال يُباع فيها الإنسان ويُشترَى، برغم كلِّ القوانين التي سنَّتها الحكومة التايلاندية لمحاربة ذلك … ولكنَّ فقرَ بعضِ الأُسَر هو الذي يدفعها إلى بيع أبنائها لتحصل على مبلغ قليل من المال لا يكفيها للطعام … والغلاء الفاحش هو الذي يدفع بعضَ الأثرياء لشراء هؤلاء الصغار ليكونوا عبيدًا لهم فيما بعد … حيث لا خلاص لهم غير الموت.
أحمد: هذا أمرٌ مؤسف تمامًا يا سيدي … إننا ونحن في نهاية القرن العشرين نجد أنَّ الإنسان لا يزال يُباع ويُشترَى …
رقم «صفر»: هناك أشياء كثيرة مؤسفة في هذا العالم … وربما أكثرها أسفًا وجود شخص مثل «تاك سين»، الذي يمتلك من هؤلاء العبيد في قصره المترامي الأطراف ما يزيد عن الألف، ودون أن تجرؤَ الحكومةُ على مساءَلته بسبب نفوذه الهائل القادر على إسقاط الحكومة نفسها لو شاء.
تساءل «أحمد» وقد تملَّكَته الدهشةُ: هل المهمة القادمة تتعلق بتجارة العبيد هذه؟
رقم «صفر»: لا … إنها أبعد ما تكون عن ذلك تمامًا.
ومرَّت لحظةُ صمتٍ قصيرة … ثم تحدَّث رقم «صفر» قائلًا: إنَّ مهمَّتَك القادمة تتعلق بتجارة المخدرات يا «أحمد». أسوأ تجارة على وجه الأرض، وهي نوعٌ آخر من تجارة العبيد … لأنَّ مَن يقع أسيرًا لإدمان المخدرات، لا يزيد عن كونه عبدًا لهذه السموم.
أحمد: هذا صحيح تمامًا يا سيدي … لقد راعني بشاعةُ ما يَصِل إليه بعضُ المدمنين في النهاية. لقد زرتُ إحدى المصحَّات فأصابني حزنٌ قاتل عندما رأيت … شبَّانًا قد أصابهم الإدمان بالجنون أو الشلل، أو بأمراض لا شفاء منها.
رقم «صفر»: ولكن وبرغم ذلك، فإن تجارة المخدرات تتسع وتكبر، رغم كلِّ ما تبذله أغلبُ حكومات العالم لمحاربتها. وبرغم أحدث الوسائل في اكتشاف تهريبها ومنع تجارتها، ولكن تجار المخدرات أيضًا لهم وسائلهم في تهريب سمومهم إلى أيِّ مكان في العالم … والأرباح الهائلة التي يجنونها من هذه التجارة المسمومة تُغريهم بكسرِ أيِّ قانون والقيام بأية مخاطرة. فما بالك إذا كان القانون نفسه يُغمض عينَيه عن تلك التجارة المحمومة في بعض البلاد؟ …
أحمد: أنت تقصد منطقةَ المثلث الذهبي يا سيدي؟
رقم «صفر»: هذا ما قصدتُه تمامًا يا «أحمد». إنَّ دولة مثل «بورما» يكاد يكون كلُّ اقتصادها مبنيًّا على زراعة وتجارة المخدرات، و«لاوس» أيضًا … وبعض زعماء العصابات هناك يمتلك جيشًا أقوى من جيش حكومة البلاد …
أحمد: وتايلاند؟ …
رقم «صفر»: ربما يختلف الوضع هناك بعضَ الشيء، ولكن ليس كثيرًا …
أحمد: إذن فالهدف سيكون هو «تاك سين»، أليس كذلك يا سيدي؟
رقم «صفر»: هذا صحيحٌ تمامًا يا «أحمد». إنَّ الهدف هو ذلك الرجل الذي ظهر فجأةً منذ أربعين عامًا، وعاش في «تايلاند»، ونمَت تجارتُه وأرباحُه وتوسَّعَت حتى تحوَّل إلى رجلٍ أسطوري، إنهم يلقبونه هناك ﺑ «التنين الأحمر»؛ فالتنين في الأساطير الصينية تُهلك كلَّ مَن يحاول اعتراضَ طريقها، ولا يمكن لمخلوق التصدِّي لها … وكذلك «تاك سين».
ضاقَت جبهةُ «أحمد» لحظة، وقال: إنني أتذكَّر هذا الاسم … لقد سمعتُ عنه من قبل في مكان ما.
قلب رقم «صفر» بضعَ أوراق أمامه، وقال: نعم لقد كان «تاك سين» أحدَ جنرالات الصين، الذين عبروا الصين إلى «تايلاند» … واستطاع هزيمة البورميِّين الذين كانوا يحتلون البلاد، ونصَّب نفسَه ملكًا على «تايلاند»، ولكنه في النهاية أُصيب بالجنون، ومات بطريقة دموية عندما أمسك به قائدُ جيشه، ووضعه داخل جوال وقتلَه وألقى به في النهر … هذا هو ما يذكره التاريخ عن الملك «تاك سين» الذي حكم البلاد منذ أكثر من مائتَي عام …
أما «تاك سين»، الذي يُدعى «التنين الأحمر»، فسوف يحكي التاريخ عنه ما هو أكثر من ذلك.
أحمد: إنَّ هذا يدل على أنَّ «تاك سين» ربما كان أقوى رجل في «تايلاند» أو المثلث الذهبي.
رقم «صفر»: بل هو أقوى رجل في آسيا بأكملها؛ فيكفي أنَّه المتحكم في ثلث تجارة المخدرات في العالمِ كلِّه، وله عشراتُ الآلاف من الأتباع منتشرين في كل أنحاء العالم يساعدون في نموِّ تجارته وتهريبِ المخدرات وجلبِ الأرباح، كما أنَّه يمتلك أكثرَ من نصف الأراضي المزروعة بالمخدرات في منطقة المثلث الذهبي، إنَّه تنينٌ حقيقيٌّ.
أحمد: هذا مذهل … وكيف سكتَت عن هذا الرجل الرهيب حكوماتٌ وأجهزةُ مخابرات الدول الكبرى التي تهتمُّ بمكافحة تهريب المخدرات؟!
رقم «صفر»: ومَن قال إنَّها سكتَت عنه؟ لقد جرَت عشراتُ المحاولات للقبض على هذا الرجل الأسطوري داخل قصره الذي لا يغادره. ولكن كل تلك المحاولات فشلَت جميعًا. وكان نصيبُ مَن قاموا بها مؤلمًا … فبعضهم ضُرب حتى الموت، والبعض الآخر عُلِّق من قدمَيه وتُرِك في الخلاء ثم أكلَته الطيور الجارحة، والبعض الثالث تعرَّض لتعذيب وحشي …
أحمد: هذا مريع.
رقم «صفر»: لقد فشلَت كلُّ محاولات إزاحة «تاك سين» عن العالم، مما زاد من قوته وسطوته، حتى إنَّه تحوَّل إلى شيء أسطوري بين رجاله وبين كلِّ تجار المخدرات في العالم. وحتى زعماء المافيا يعملون له ألفَ حساب … ولا يجرءون على الاقتراب من منطقة نفوذه؛ فهو قادر على الإطاحة بهم في بلادهم بإشارة منه، فيهرع عشرات الآلاف من أعوانه في كلِّ مكان لتنفيذها … والكثير من جرائم القتل البشعة التي جرَت لبعض رجال العصابات الكبار وزعماء المافيا، قُيِّدَت ضدَّ مجهول، كان «تاك سين»، هو مَن أصدر أوامرَه بها، وبعدها لم يجرؤ إنسان على أن يقول له لا.
أحمد: إنَّه أسطورة حقيقية.
أجابه رقم «صفر» في صوت عميق: وقد حان أوان إنهاء هذه الأسطورة.
تساءل «أحمد»: ومَن سيقوم بذلك يا سيدي؟
بنفس الصوت العميق أجابه رقم «صفر»: إنه أنت … أنت يا «أحمد» …