«التنين الأحمر»!
تساءل «أحمد» في دهشة: أنا يا سيدي … ووحدي؟
ثم أكمل وفي صوت يحمل رنةَ قلق، قال: إنَّك تعطيني أكثرَ من حقي يا سيدي.
أجاب رقم «صفر» في هدوء: إنني أثق في كفاءتك يا «أحمد» … وأثق أنَّك ستقوم بالمهمة المطلوبة منك دون أيِّ أخطاء.
وصمتَ لحظة ثم أضاف: قبل أن أشرح لك هذه المهمة، سأحدثك قليلًا عن ذلك الرجل المدعو «تاك سين» … أنت تعلم ولا شك … أنَّ «تايلاند» نفسها كان اسمها من قبل «سيام». وهي بلاد تدين بالديانة البوذية التي يتبعها أكثر من ٩٠٪ من سكان البلاد … وهي بلاد ملكية، أي يحكمها ملك … وتدور حول الحياة فيها أساطيرُ عديدة.
أحمد: لقد شاهدتُ فيلم «أنا وملك «سيام»»، الذي قام ببطولته «يول براينر»، وأذكر أنني اندهشتُ لمشاهد البذخ في الفيلم، وزوجات الملك الأربعين وأولاده المائة.
رقم «صفر»: ربما تكون كلُّ هذه الأشياء قد اختفَت من الحياة الملكية في «تايلاند»، ولكنها لم تختفِ من حياة «تاك سين»؛ فهذا الرجل لا يعرف أحد أين وُلد ولا كيف، هاجر إلى «تايلاند» ولما لم يكن له أيُّ عمل، ولا يُجيد هو أيَّ عمل بيدَيه؛ لذلك فقد تحوَّل إلى راهب «بوذي»، وهو أمر سهل في تلك البلاد، حيث إنَّ بها أكثرَ من ربع مليون راهب بوذي، وما يزيد عن عشرين ألف دير للتعبد. وهو الأمر الذي كان يضمن ﻟ «تاك سين» الحصولَ على الطعام والمأوى مجانًا، غير أنَّه ضُبط وهو يسرق بعض القرابين المقدمة ﻟ «بوذا»؛ ولذلك طُرِد من الدير الذي كان يعيش فيه … فتحوَّل «تاك سين» إلى اتجاه آخر بأن صار أحدَ أتباعِ أحدِ زعماء العصابات في «تايلاند»، وبسبب طموحِه ودمويَّتِه سرعان ما كان يحتلُّ مكانَ الزعيم بعد أن تخلَّص منه، ثم سيطر على العصابات الأخرى، حتى تحوَّل إلى رجل العصابات الأول في «بانجوك»، وأدرك أنَّه ما لم يَحْمِ نفسَه بالمال فلن يستطيع الصمودَ طويلًا.
فأدخل تجارةَ المخدرات في البلاد … وبعد قليل صار هو رجُلَها المتوَّج.
أحمد: واتَّسعَت تجارتُه في البلاد الأخرى؟
رقم «صفر»: لقد تحوَّل إلى إمبراطور حقيقي … إمبراطور لتجارة المخدرات في جنوب شرق آسيا وفي العالم كله، واستقر له ذلك الأمرُ منذ سنوات، حتى إنَّ اسم «تاك سين» صار يُثير الرعب في أكثر القلوب قساوة، وتكدَّسَت أرباحُه في بنوك العالم، حتى قيل إنَّ ثروته تجاوزَت ألفَ مليار دولار، وإنَّه صار أغنى رجل في العالم.
أحمد: وهل جدَّ جديدٌ في أمر هذا «التنين الأحمر»؟
أجاب رقم «صفر» بعد لحظةِ صمتٍ قصيرة: نعم … لقد قتَل هذا الرجلُ ثلاثةً من أفضل رجالنا.
أحمد: كيف حدث هذا يا سيدي؟ هل خاطرتُم بإرسالِ بعضِ رجالِنا إلى عرين هذا التنين؟
رقم «صفر»: لا، إننا لم نفعل هذا من قبلُ؛ لما فيه من خطورة شديدة على حياة مَن يقوم به … ولكننا استطعنا ومن خلال بعض مصادرنا السرية في «بانجوك»، استطعنا معرفةَ موعدِ وصولِ بعضِ شحنات المخدرات المصدرة من المثلث الذهبي إلى الشرق الأوسط لحساب «تاك سين»، وبالفعل استطاعَت الحكومة المصرية مصادرةَ هذه الشحنات التي يُقدَّر ثمنُها بمئات الملايين من الدولارات مما أغضب «تاك سين» بشدة، وأصدر أوامره إلى رجاله باكتشاف المتسبِّب في كشف أسرار الشحنة، فكان أن اكتشف أمرَ عملائنا … وسقط اثنان منهم في يد رجال «تاك سين» قبل مغادرتهما للبلاد، فقتلهما «تاك سين» بطريقة بشعة وبطرق العصور الوسطى … وليت الأمر اقتصر على ذلك، بل إنَّ «التنين الأحمر» قرر زيادة حجم المخدرات المصدرة إلى دول الشرق الأوسط لإغراقها، وهو المخطط الذي ينوي تنفيذَه قريبًا … ولن يكون من السهل علينا منعُه بسبب طولِ حدودِ البلاد وتنوُّعِها واستحالةِ رقابتِها كلِّها … ولذلك قررنا إرسالَك إلى هناك.
أحمد: وماذا ستكون مهمتي بالضبط في عرين هذا التنين؟
رقم «صفر»: ستكون مهمتك هي التخلص من «تاك سين»؟
لم ينطق «أحمد» على الفور … ومرَّت لحظةُ صمت، ورقم «صفر» يراقبه، وقد اشتعلَت عينَا «أحمد» ببريق التحدي وتساءل بعد لحظة: وهل سيمكنني مغادرة عرين التنين، والهرب منه، بعد التخلص من صاحبه؟
رقم «صفر»: إنك ستنتهي من «تاك سين» بطريقة لن تُثيرَ الشك فيك أبدًا؛ فسوف نزوِّدك بمسحوق خاص ترشُّه على يدك، ليس له لون أو رائحة. وعندما ستصافح «تاك سين» ستنتقل ذراتٌ من هذا المسحوق إلى يده، فتُسبِّب له تسمُّمًا بطيئًا وتشنُّجًا لعضلات القلب.
بحيث يعاني من تلك الأعراض أيامًا … ثم ينتهي بعدها. وهذا المسحوق السام ذو تركيب خاص يستحيل اكتشافه … أما أنت فسوف نزوِّدك بترياق خاص يُبطل مفعولَ هذا المسحوق بحيث لا يؤثر عليك.
أحمد: وهل بانتهاء «تاك سين» ينتهي مخطط إغراق الشرق الأوسط بالمخدرات؟
رقم «صفر»: إننا نخطط بالتعاون مع الحكومة التايلاندية للهجوم على قصر «تاك سين» والقبض على كل رجاله هناك بعد الانتهاء منه لتنهار الإمبراطورية التي أقامها.
أحمد: ولكنني لا أعرف حتى الآن كيف سأتمكن من دخول قصر «تاك سين» أو مصافحته؟
رقم «صفر»: لقد وضعنا خطة لذلك وقد اقترب وقتُ تنفيذها؛ فنحن نعرف ومنذ وقت طويل من خلال مصادرنا السرية، أنَّ «تاك سين» كان ينوي استدعاءَ بعضِ كبار رجاله وأعوانه والمتعاملين معه، من كل أنحاء العالم، وعددهم يزيد عن المائة، فيدعوهم إلى قصره؛ حيث ينزلون في ضيافته، وسوف يلتقي «تاك سين» بهم ليشرح لهم خططه الجديدة في تهريب المخدرات ويختبر هؤلاء الرجال، فمَن يُثبت كفاءته منهم يستمر في موقعه، ومَن يفشل يتمُّ التخلص منه، حيث يحلُّ محلَّه وجهٌ جديد.
أحمد: ولكن «تاك» يعرف وجوه رجاله الكبار، فكيف سأتمكن من خداعه؟
رقم «صفر»: إنَّ أحدهم ويُدعَى «جواد الغريب» وهو المسئول عن استقبال شحنات المخدرات المهرَّبة إلى الشرق الأوسط، ويعيش في دولة مغربية، هذا الرجل تم القبض عليه منذ وقت قريب.
ستسافر أنت لتحلَّ مكانه باعتبارك من رجاله وسنزودك بكل المعلومات اللازمة عن نشاط الرجل …
وليس هناك مَن يعرف رجال «جواد» غيره؛ وبذلك لن يكتشف أحدٌ حقيقتك …
أحمد: وكيف ستكون طريقةُ سفري إلى «بانجوك»؟
رقم «صفر»: سوف تستقل طائرةَ الخطوط المصرية إلى هناك، وستضع في عروة سُتْرتك زهرةً صناعية بنفسجية اللون هي إشارة التعارف. وهناك ستجد العديد من أعوان «تاك سين» سيصطحبونك إلى قصره، لتسير بقيةُ الخطة كما رسمناها لك …
نهض «أحمد»، وهو يقول: أرجو أن تتمَّ الأمور كما هو مخطط لها تمامًا.
رقم «صفر»: ستجد علبة المسحوق والترياق في حقيبة ملابسك، وسوف تُقلُّك طائرةٌ خاصة من مقر الشياطين حتى مطار القاهرة، فسوف تُقلع طائرتك المتجهة إلى «بانجوك» بعد ساعة …
وفي صوت عميق أضاف رقم «صفر»: وفَّقك الله! وأرجو لك مهمة موفقة! …