ضحكة الموت!
قفز «أحمد» بعيدًا عن أصابع المصارع، ولكن الأخير، وبرغم بدانته الهائلة قفز نحو «أحمد» قفزة واسعة، وأمسك «أحمد». وأحسَّ «أحمد» أنَّه يكاد يختنق، وصوَّب المصارع ﻟ «أحمد» ضربة هائلة.
وترنَّح «أحمد» للوراء، وشعر بالدنيا تكاد تغيم عن عينَيه، ثم تمالك نفسه بسرعة، وقد أدرك أنَّه يخوض معركة تتوقَّف عليها حياته … وأنَّها ليست مجردَ مباراة مصارعة.
وزاغ «أحمد» من أصابع المصارع، ثم صوَّب ضربة هائلة إلى المصارع جعلَته يتراجع للوراء، وقفز «أحمد» في الهواء، وصوَّب ضربة أخرى إلى المصارع، جعلَته يدور حول نفسه. وقبل أن يُفيقَ كان «أحمد» يصوَّب إليه عدة ضربات سريعة متلاحقة لو أصابَت جبلًا لهدمته.
ولكن المصارع لم يسقط على الأرض برغم ذلك، وزأر في غضب شديد، وصوَّب ضربة هائلة بقبضةِ يده نحو «أحمد»، وتحاشَى «أحمد» الضربة، وبقفزة رائعة أصاب المصارع، وتصاعدَت صيحاتُ المشاهدين في إثارة بالغة … وجنَّ جنون المصارع، وزأر كوحش جريح، وأمسك «أحمد»، ورفعه فوق يدَيه عاليًا، وراح يدور به، ثم هوى به على الأرض، ورفع قدمه الضخمة ليسقط بها فوق «أحمد»، ولكن «أحمد» أمسك بقدم المصارع، وبضربة هائلة أسقط المصارع على الأرض.
وطار «أحمد» نحو المصارع وضربه ضربة قوية راح يتلوَّى ويصرخ فوق أرض الحلبة … كان من الواضح أنَّ ضربة «أحمد» كانت شديدة وأسقطَته كما فعل مع زميله منذ لحظات وصرخ المشاهدون من الإثارة وتلاقَت عينَا «أحمد» ﺑ «تاك سين»، الذي تلاعبَت على شفتَيه ابتسامةٌ غامضة، وأشار بيده إشارة الموت.
لكن «أحمد» ترك حلبة المصارعة دون أن يقتل المصارع واقترب من «التنين الأحمر»، الذي حدَّق في «أحمد» ثم سأله: لماذا لم تقتله؟
أحمد: إنني لم أعتَدْ أن أقتل بلا سبب.
تاك: في عملنا تكون هناك أحيانًا كثيرة نقتل فيها دون سبب … ودون أن نسألَ حتى عن سبب القتل.
أحمد: كنت أظن أنك استدعيتني لأجل مناقشتي بشأن التقرير الذي أعددتُه لك عن سيرِ أعمالنا ونشاطنا.
تاك: إنَّ تلك المصارعة هي جزء من مناقشة تقريرك.
أحمد: لست أفهم يا سيدي!
تاك: ستفهم كلَّ شيء في الوقت المناسب، والآن استعد للعودة إلى فراشك؛ ففي الصباح أمامنا رحلة قصيرة.
مدَّ «أحمد» يدَه مصافحًا ﻟ «تاك»، ولكن الأخير تجاهل اليد الممدودة له كأنه لم يرَها، ثم استدار يغادر الحلبة مع رجاله.
وقف «أحمد» لحظة صامتًا يفكر فيما قاله «تاك سين»، وفي تلك اللحظة وقعَت عيناه مصادفةً على «بانج»، الذي كان يقتل المصارع المهزوم.
وفي الصباح كانت هناك سيارةٌ فاخرة بانتظار «أحمد»، وكان «بانج» في قلبها، وما إن أخذ «أحمد» مكانَه فيها حتى انطلقَت تغادر المكان.
قال «أحمد» ﻟ «بانج»: أرى أنكم تخصُّوني بمعاملة خاصة، فلستُ ألمح سياراتٍ أخرى تأخذ بقيةَ ضيوفكم إلى المكان الذي سأذهب إليه.
بانج: هذا طبيعي، فإننا ذاهبون في عمل يخصُّك وحدك.
أحمد: لستُ أفهم ما تقصد.
بانج: ستفهم في الوقت المناسب.
أحمد: والسيد «تاك سين»؟
بانج: سيأتي في الوقت المناسب.
غادرَت السيارة السوداء أسوارَ وحدائق «التنين الأحمر»، واتجهَت نحو الجنوب، ومضى الوقت، والسيارة تقطع بعض الطرق الجبلية الصخرية، واشتمَّ «أحمد» رائحةَ البحر، فقال ﻟ «بانج»: هل نحن ذاهبون إلى الميناء؟
بانج: هذا صحيح.
أحمد: إذن فنحن ذاهبون للإشراف على شحنة المخدرات المرسلة للميناء.
بانج: يعجبني ذكاؤك.
توقَّفَت السيارة أمام الميناء، فهبط ركابها، وكان هناك يختٌ فاخر سريع في انتظارهم، فاتجه إليه الرجل وخلفه «أحمد»، وانطلق اليخت الفاخر إلى قلب البحر.
تساءل «أحمد»: هل تشحنون كلَّ المخدرات من هذا الميناء؟
بانج: لا … إنَّ ميناء «بيت بوري» ليس إلا ميناءً صغيرًا لا نستخدمه إلا في أحوال نادرة.
أحمد: ولماذا تستخدمونه هذه المرة؟
رمقه «بانج» في صمتٍ ولم يردَّ … وواصل اليختُ انطلاقَه بسرعة داخل خليج «سيام» ثم قلَّل من سرعته عندما ظهرَت أمامه سفينةٌ كبيرة من الواضح أنَّ ركابها ينتظرون وصولَ اليخت.
واقترب اليخت حتى لامس جدار السفينة، فتسلَّق «بانج» و«أحمد» الحبال إلى ظهر السفينة، وشاهد «أحمد» عددًا كبيرًا من الصناديق فوق سطح السفينة، كان من الواضح أنَّها تحوي المخدرات بداخلها … وأشار «بانج» إلى أحد بحارة السفينة؛ فأسرع بفتح أحد صناديقها، فشاهد «أحمد» بداخله مسحوق الهيروين النقي، وسأله «بانج»: ما رأيك في هذا الصنف؟
كان «أحمد» قد درس أنواع المخدرات والتمييز بينها في مقر الشياطين، فأمسك بقليل من المسحوق الأبيض وتحسَّسه في حذر. كان من الواضح أنَّه من الهيروين النقي؛ فالتفت إلى «بانج» وقال له: إنَّه من النوع النقي جدًّا.
بانج: هذا ما اعتدنا أن نُرسلَه إليكم، ولكنكم اعتدتم أن تخلطوه بأشياء أخرى لتزداد أرباحكم.
أحمد: ومتى سترسلون هذه الشحنة إلينا؟
بانج: قريبًا جدًّا … وسوف تصحبها بنفسك.
أحمد: وهل ستفعلون نفسَ الشيء مع بقية العملاء.
بانج: لا … هذه معاملة خاصة بك وحدك.
أحمد: ولماذا؟
رمقه «بانج» بنظرة ضيقة غامضة ثم قال: ستعرف كل شيء في الوقت المناسب.
أحمد: ومتى سيأتي السيد «تاك سين»؟
لم يردَّ «بانج»، وشاهد «أحمد» نقطةً تقترب في الأفق، وراحَت تكبر وتتسع، كانت طائرة هليكوبتر خاصة، حامَت فوق السفينة ثم هبطت فوق سطحها، خرج «تاك سين» من الطائرة، واتجه نحو «أحمد» الذي مدَّ يدَه مصافحًا ﻟ «التنين الأحمر»، ولكن «تاك سين» تجاهل اليد الممدودة إليه وقال ﻟ «أحمد»: هل أعجبك نوع البضاعة؟
أحمد: إنَّها جيدة جدًّا. ومتى ستشحنونها؟
تاك سين: عندما يأتي رجلنا من المغرب «عواد الزهيري».
دق قلب «أحمد» في عنف وهتف: ومَن أكون أنا إذا كنتم تنتظرون وصول «عواد الزهيري»؟
أجابه «تاك» ساخرًا: هل ظننتَ أنَّك ستخدعنا أيها المخادع، لقد اكتشفنا خدعتَك … فقد استطعنا أن نَصِل إلى «جواد الغريب» في سجنه، وحصلنا منه على أوصاف مساعده «عواد الزهيري» قبل أن نقتلَه، وتلك المواصفات لا تنطبق عليك بكل تأكيد.
وأشار لرجاله قائلًا: أمسكوا به …
على الفور اندفع عشرة من بحارة السفينة شاهرين أسلحتهم، وقفز «أحمد» إلى الوراء، وطار في الهواء، وأطاح بأحد البحارة فألقى به في الماء، ثم تدحرج على الأرض متحاشيًا دفعةَ الرصاص التي انطلقت خلفه، واحتمى خلف أحد الصناديق، ولكن البحارة اندفعوا نحوه وهم يُطلقون رصاصاتهم.
أدرك «أحمد» أنَّه صار محاصرًا، ويستحيل عليه مواجهة عشرة من البحارة المسلحين، وبنظرة خاطفة شاهد اليخت الفاخر، وبحركة بارعة قفز من سطح السفينة إلى سطح اليخت، وأدار محركاتِه سريعًا، ثم انطلق به إلى قلب البحر.
وما كاد يستدير إلى الخلف حتى شاهد ثلاثة من رجال «تاك» شاهرين أسلحتهم في وجهه.
فقد كانوا يختفون داخل اليخت دون أن يراهم، ولم يكن أمام «أحمد» مفرٌّ من الاستسلام.
وحلَّقَت الهليكوبتر فوق اليخت، وألقى «تاك سين» نظرة ساخرة إلى «أحمد» من أعلى، وقال لرجاله: خذوه إلى قصري في «بانجوك» فلا يجب أن نقتله قبل أن يقدِّم لنا عرضًا ممتعًا … كما فعل قبله كلُّ الجواسيس الذي أمسكنا بهم … ولكن أثق أنَّ هذا الفتى سيقدِّم لنا عرضًا أروع … فهو يبدو أكثر مهارةً من الآخرين.
وأطلق «تاك سين» ضحكة ساخرة عالية، وهي ضحكة الموت.