الدائرة الجهنمية!
ما كاد اليخت يبتعد قليلًا، حتى اندلع لهبٌ من فوق ظهر سفينة المخدرات، فأوقف «بانج» اليخت، وأخذ يحدِّق في السفينة المحترفة بعينَين تُطلق اللهب، ثم التفت إلى «أحمد» قائلًا: ما الذي فعلتَه بهذه السفينة أيها الشيطان؟
أجابه «أحمد» ساخرًا: لا شيء … لقد ألقيتُ بعود كبريت مشتعل في قلب أحد صناديق المخدرات وهي أشياء سريعة الاشتعال كما ترى.
صرخ «بانج»: أيها المجنون، إنَّ هذه الشحنة تساوي مائة مليون دولار على الأقل.
أحمد: لستُ أعرف غيرَ مصير واحد لهذه السموم، وهو أن تذهب إلى الجحيم، هي وكل المتعاملين في تجارتها.
وما كاد «أحمد» يُتمُّ عبارته، حتى دوَّى انفجار هائل وتحولت السفينة إلى أشلاء محترقة فوق سطح المياه.
وقف «بانج» يراقب المشهد البعيد … ثم التفت إلى «أحمد» قائلًا: لقد حكمتَ على نفسك بالموت.
قال «أحمد» في استهانة: لا أظن أنَّكم ستقومون بقتلي مرتين.
أشار «بانج» بإصبعه لرجاله، فانطلق اليخت بأقصى سرعته إلى الشاطئ … وهناك كان «تاك سين» في انتظار «أحمد»، وكانت عيناه تومضان بلهب قاتل، وقال: لقد تسببتَ في خسارة هائلة لنا لم يتسبب فيها إنسان من قبل أبدًا؛ ولذلك فسوف تدفع ثمنًا غاليًا … غاليًا جدًّا.
أحمد: مهما كان الثمن الذي سأدفعه، فهو سيكون أقلَّ من عشرات الآلاف من الشبان الذين كانوا سيسقطون ضحايا هذه السموم.
ضحك «تاك» ساخرًا، وقال: هل تظن أننا سنتوقف عن إرسال المخدرات إلى بلادكم بسبب هذه الخسارة. إنَّها لن تؤثر كثيرًا، وخلال أسبوع على الأكثر ستكون هناك شحنة أخرى ستأخذ طريقها إلى الشرق الأوسط، وسيكون «عواد الزهيري» الحقيقي بانتظارها، أما أنت …
وأشار إلى «أحمد» في حقد قائلًا: سيكون مصيرك مؤلمًا أشد الألم، وسوف تتمنى لو أنك لم تدخل عرين «التنين الأحمر» أبدًا، وستبكي من شدة الألم طالبًا أن أقتلك لأريحك من آلامك، ولكني لن أفعل.
وأشار إلى رجاله فانقضوا على «أحمد» يقيدون يدَيه وعصبوا عينيه … ودفعه رجال «التنين الأحمر» إلى سيارة قريبة انطلقَت به تشقُّ الطريق بسرعة هائلة، وقد جلس «بانج» بجواره.
واستمرَّت السيارة على سرعتها لنصف ساعة، ثم توقفَت واجتازَت بضع بوابات حتى انتهَت أمام مبنًى من الحجر، وجذب «بانج» «أحمد» بخشونة إلى داخل المبنى، وهبطَا عدة سلالم. وشعر «أحمد» برطوبة خانقة وصليل أبواب حديدية تُفتح وتُغلق، ودفع «بانج» «أحمد» إلى داخل الزنزانة، وقال لحرَّاسها: افتحوا عيونكم جيدًا لهذا الشيطان، فهو قادر على أن يفعل أي شيء …
فأجابه أحد الحراس: فليحاول أن يفعل شيئًا فتطير رقبته في الحال.
بانج: لا … إنَّ السيد «تاك» يرغب في إبقائه حيًّا؛ فهناك مصير آخر ينتظره.
انغلق باب الزنزانة على «أحمد» ولم يشعر الشيطان بأي قلق أو رهبة، فقد كان يحسُّ بالسرور لاستطاعته إشعال سفينة المخدرات بدون أن ينتبهَ أحد إليه … وحاول أن يحلَّ قيوده ولكنها كانت محاولة مستحيلة؛ فقد كانت القيود الحديدية يستحيل تحطيمها أو التخلص منها.
وفكَّر «أحمد»: ترى هل يعرف رقم «صفر» بمصيره، وأنَّ أمره قد انكشف. كانت معرفة رقم «صفر» لذلك كفيلةً بأن تجعلَه يحاول إنقاذه، ولكن رقم «صفر» قد أخبره من البداية أنَّها مهمته وحده … مهمة رجل واحد. وفكَّر «أحمد»: ترى كيف سيحاول «تاك سين» عقابَه، وما هي الوسيلة التي أعدَّها لتعذيبه؟ وكانت الساعة القادمة كفيلة بالإجابة عن ذلك السؤال …
ومضَت ساعات قليلة ثم انفتح باب الزنزانة، وامتدَّت يدٌ تجتذب «أحمد» في عنف وتسوقه إلى الخارج.
ثم بدأ التعذيب الوحشي، الجلد بالسياط، ثم الصعق بالكهرباء، وتحمَّل «أحمد» آلامَ التعذيب دون أن ينطقَ بآهة واحدة.
وأعاده الحراس إلى زنزانته مرة أخرى … وتركوه دون طعام أو شراب حتى الصباح التالي، وفي الصباح سمع «أحمد» صوتَ «بانج» يحادث الحراس ويطلب منهم إخراجه، ووجد أيديًا تدفعه للخارج، ثم استقر داخل سيارة «بانج»، التي انطلقَت به عائدةً إلى قصر «تاك سين» بعد أن حلَّ الرجلُ الرباطَ من على عينَي «أحمد»، فقال له: من المؤسف أنَّ أول ما تقع عليه عيناي هو وجهك القبيح.
حدَّق «بانج» في «أحمد» بدهشة، وقال: من العجب أنَّك لم تفقد ثقتك بنفسك أو قدرتك على المزاح برغم ما جرى لك.
قال «أحمد» ساخرًا: إنَّ وجودك بجواري يُنسيني كلَّ الآلام؛ فملامح وجهك تُضحكني كما لو كنت أشاهد قردًا يقوم ببعض الألعاب البهلوانية.
جزَّ «بانج» على أسنانه غضبًا … وامتدَّت أصابعه إلى سيفه المدلَّى بجواره، ثم تراخَت أصابعه. وأدرك «أحمد» أنَّ الأوامر التي أصدرها «تاك» كانت تنصُّ على الحفاظ على حياة «أحمد» … وغمغم «بانج» قائلًا ﻟ «أحمد»: لسوف تدفع ثمن إهانتك غاليًا، لستَ أنت فقط، بل وكل الذين أهانوا «بانج» يومًا ما.
تساءل «أحمد» في دهشة: ترى مَن يقصد «بانج» بحديثه، هل يقصد «تاك»، والذي أهانه ووبَّخه بسبب قيام «أحمد» بإشعال سفينة المخدرات دون أن يتمكن من منعه؟
وأحسَّ «أحمد» أنَّ «بانج» يخطط لشيء، ولكنه بقيَ ساكنًا صامتًا في انتظار ما ستُسفر عنه الأحداث القادمة.
وقاد «بانج» «أحمد» إلى ساحة عريضة متسعة ذات أسوار عالية، وكان «تاك سين» في انتظارهما، وما إن رأى «أحمد» حتى قال: مرحى … لقد جاء بطلُنا، وحان أوان العرض المثير.
وأشار بيده فتوافد العملاءُ القادمون من كلِّ أنحاء العالم، ووقفوا على شكل نصف دائرة يراقبون «أحمد» في غضب وكراهية، فقال لهم «تاك سين»: هذا هو العميل الذي خدعنا وقد حان الأوان ليُبدِّد شيئًا من غضبنا بتسلية مدهشة.
وأشار بيده فجذب «بانج» «أحمد» إلى مكان متسع له أسوار عالية … ووضع «أحمد» بداخل الأسوار، ثم أغلق الأبواب الحديدية عليه … ووقف «أحمد» في دهشة ينظر حوله للمكان الخالي وهو مقيَّد اليدين لا يدري ما الذي سيحدث في اللحظة التالية.
وفجأةً سمع «أحمد» فحيحًا يأتي من الوراء، فالتفتَ مندهشًا فشاهد عددًا من الحيات تخرج من باطن الأرض وتزحف نحوه، كانت كلها من الحيات السامة، التي راحَت تخرج من شقوق عديدة وتتجه إلى «أحمد» الذي تراجع في دهشة وتوتر، فلم يكن أمامه أيُّ منفذ للفرار.
وقال «تاك» ساخرًا: لقد عثرتُ على علبة المسحوق السام في حجرتك وأدركتُ الغرض منها؛ ولذلك سيسعدني أن أردَّ لك تحيتك بهذه الحيات الرائعة … إنَّ عضتها سامة، ولكنها لا تقتل على الفور، وستظل تعاني من الألم الرهيب، والسم يَسْري في جسدك، وتتوسل لي أن أقتلك لأريحك من عذابك ولكني لن أفعل أبدًا.
وضحك «تاك» ضحكة عالية … وانطلق العملاء المائة يضحكون أيضًا … وارتسمَت على وجه «بانج» ابتسامة ساخرة قاسية، ثم بدأت الحيات هجومها على «أحمد».
قفز «أحمد» إلى الوراء متحاشيًا حية سامة، وقفز مرة أخرى وثالثة … ورابعة … وراح الواقفون يضحكون ويضحكون … وتقلصت عضلات «أحمد» بقوة وغضب هائلَين، ونفرَت عروقه وهو يضغط على قيوده، وتقلقل الحديد من موضعه ولكنه لم يتحطم.
وقفز «أحمد» لأعلى وتعلَّق بالأسوار الحديدية، متحاشيًا الحيات والثعابين، ولكنها بدأت الزحف والتسلق خلفه، لم يكن هناك مهرب أمام «أحمد» على الإطلاق.
وأدرك «تاك سين» ذلك، فقال لضيوفه: والآن فلنذهب لنعقد أول اجتماع لنا … وسوف نعود بعد وقت لنشاهد ذلك الجاسوس وهو يعاني سكرات الموت.
وغادر «تاك» المكان … وتبعه ضيوفه، وألقى «بانج» نظرة ساخرة إلى «أحمد»، ثم تحرك مبتعدًا أيضًا.
وكاد «أحمد» ينهار مستسلمًا للموت الذي يحاصره، ولكن فجأة، اقترب شخص صيني الملامح منه، ووقف يحدق لحظة في «أحمد»، ثم أخرج من جيبه مفتاحًا دسَّه في قفل الأبواب الحديدية فانفتحت. ولم يصدق «أحمد»، فأسرع يقفز خارجًا من الدائرة الجهنمية، واقترب من الصيني الذي راح يحلُّ قيود «أحمد»، فسأله: مَن أنت؟
أجابه الصيني: إنني أُدعى «ليوتسي»، وأنا من رجالكم … وكانت الأوامر لي أن أتدخل لإنقاذك في اللحظة المناسبة.
أحمد: هل أنت أحد رجال «تاك سين»؟
أومأ «ليوتسي» برأسه قائلًا: هذا ما يظنه «تاك»، ولو اكتشف أنني رجلكم لقتلني … والآن يجب أن أعود إلى عملي بسرعة قبل أن يكتشف أحد غيابي.
وأخرج من جيبه خنجرًا مدَّه إلى «أحمد» قائلًا: هذا هو كل ما استطعت توفيره لك من سلاح.
وفي صوت رهيب أضاف: سوف تحدث أحداثٌ جسيمة الليلة.
أحمد: ماذا تقصد؟
ولكن «ليوتسي» اختفى دون أن ينطق بكلمة أخرى. ووقف «أحمد» حائرًا ينظر حوله … ثم تذكَّر مهمتَه، كان عليه التخلص من «تاك سين» والعودة مرة أخرى إلى عرين «التنين الأحمر».
ودون أن تطرف عينَا «أحمد» اتجه إلى قصر «تاك سين»، وقد بدأ الليل يُدلي ستاره على المكان الذي خلَا من الحراس بطريقة مريبة …