محاولة انقلاب!
تسلَّل «أحمد» إلى داخل القصر … وأدهشه أنَّ طرقات القصر قد خلَت بطريقة غريبة من الحراس، ووقف حائرًا لا يدري أين يقع المكان الذي يجتمع فيه «تاك سين» مع رجاله وعملائه داخل القصر الواسع، وسمع صوت أقدام تقترب، فاختفى خلف أحد الجدران، وشاهد رئيس الخدم يقترب ويسير متلصصًا، فانقضَّ عليه «أحمد»، وكمَّم فمه، وقاده إلى ركنه، فحدق فيه رئيس الخدم ذاهلًا، وسأله «أحمد»: ما الذي يجري هنا؟
واتسعَت عينَا رئيس الخدم بذعر وهو يقول: كيف تمكنتَ من الهرب من حلقة الثعابين؟
شدَّد «أحمد» ضغطَه على رئيس الخدم قائلًا: لقد سألتُك عما يحدث هنا … هناك أمر مريب لا أفهمه.
ارتعد رئيس الخدم قائلًا: لا يمكنني أن أخبرك؛ سوف يقتلني «بانج» لو فعلتُ.
أدرك «أحمد» أنَّ الأمر يتعلق ﺑ «بانج» كما خمن … وسأل رئيس الخدم: وأين يجتمع «تاك سين» مع عملائه؟
رئيس الخدم: إنَّهم في نهاية هذه الطرقة إلى اليسار، داخل القاعة الكبيرة.
أحمد: شكرًا لك.
وجَّه «أحمد» ضربة قوية إلى الرجل الذي وقع على إثرها، وسقط رئيس الخدم ممدَّدًا بلا حَراك، وتحرَّك «أحمد» في الاتجاه الذي أشار إليه رئيس الخدم. صار من المؤكد لديه أنَّ هناك مؤامرة يحوكها «بانج» في ذلك القصر، ولكن ما الذي كان يستهدفه؟
اقترب «أحمد» من باب القاعة، وسمع أصوات «تاك سين» وهو يناقش أعماله مع بقية رجاله، وفجأة، سمع أصواتًا كثيرة قادمة، فاختفى ثانية في أحد الأركان، وأطل بحذر، فشاهد «بانج» وخلفه أكثر من عشرين من الخدم الأرقاء، وقد تسلَّح كلٌّ منهم بمدفع رشاش في يده، واقتحم «بانج» قاعة الاجتماعات، فحدَّق فيه «تاك سين» في دهشة قائلًا: كيف تجرأت على الدخول إلى هنا دون إذن أيها الأحمق؟
أجابه «بانج» في غضب هائل: لقد احتملتُ كثيرًا إهانتَك وغرورك، وتحمَّل كلُّ هؤلاء الخدم تعذيبَك لهم وقتْلَهم لأقل هفوة، وقد حان الأوان لتكفر عن أخطائك تجاهنا جميعًا.
تاك سين: ماذا تقول أيها المجنون، هل تحاول التمرد عليَّ؟
ضحك «بانج» في سخرية قائلًا: سمِّها كما تشاء، ولكنك بعد الآن لن تصبح «التنين الأحمر»؛ فسوف أحلُّ مكانك، وتكون كل هذه الإمبراطورية ملكي أنا وحدي.
وأخذ يقهقه بشدة، و«تاك سين» يحدق فيه بعينين ناريتين، ووضح ﻟ «أحمد» الأمر. كل ما توقعه يحدث أمامه، وقد انقلب «بانج» على سيده ليحلَّ محلَّه، واستطاع رشوة أغلب الحرس والخدم لمساندته.
ونهض «تاك سين» وهو يقول: والآن ماذا تريد مني؟
أجابه «بانج»: لستُ أريد غير أن أرسل روحك إلى الجحيم.
غمغم «تاك» في صوت عميق قائلًا: لسوف تدفع الثمن غاليًا، أقسم لك.
بانج: بل أنت الذي ستدفعه … والآن.
وأشار إلى رجاله بإطلاق الرصاص. ولكن كانت حركة «تاك» أسرع كثيرًا، فضغط على زرٍّ بجواره. وفي الحال سقط حاجز زجاجي من السقف ليفصل بين «التنين الأحمر» ورجال «بانج»، واصطدمَت كلُّ رصاصاتهم فوق الحائط دون أن تُصيبَه بخدش … وأخذ «تاك» يقهقه في سخرية قائلًا: هل تظن أنني كنت غافلًا عما تدبِّره من وراء ظهري أيها الغبي، إنَّ «التنين الأحمر» لا يمكن خداعه أبدًا، ويرى حتى وهو مغمض العينين. اندفع رجال «بانج» يحاولون تحطيم الزجاج المصفح دون فائدة، وزادت ضحكات «تاك» الساخرة، ثم قال: والآن حان أوان إنهاء هذه المهزلة، فقد ضحكت بما فيه الكفاية. وما كاد «تاك» ينتهي من عبارته حتى اندفع من أحد الأبواب عشراتٌ من المسلحين، وفوجئ «بانج» ورجاله بهم، وانطلق الرصاص كالمطر يحصد رجال «بانج» الذين تساقطوا كالذباب ولم يبقَ غيره، وصوَّب أحد المسلحين مدفعه الرشاش نحو «بانج»، ولكن «تاك» قال له: لا تقتله إنني أريده حيًّا … فسوف يكون عبرة وأمثولة لغيره.
فانقض الحراس على «بانج» يقيدونه، وهم يضربونه بقوة حتى فقد الوعي، فأشار لهم «تاك» قائلًا: خذوه إلى إحدى الزنزانات واسجنوه حتى أنتهيَ من عملي وأفرغ له.
شاهد «أحمد» كلَّ ما جرى في الخارج دون أن يكشف عن مكانه، وعرف في تلك اللحظة أيُّ رجل جهنمي يكون «التنين الأحمر».
كانت محاولة «أحمد» قتلَ «تاك» فيها خطورة شديدة، وقد لا يؤدي الغرض منها. وكان يعرف أنَّ هربه من ساحة الثعابين سوف يُكتشَف في القريب العاجل وكان عليه التصرف سريعًا.
وكان عليه الحصول على مساعدة عاجلة، وكان الوحيد الذي يمكن أن يقدِّمها له هو «بانج».
تحرَّك «أحمد» من مكانه وغادر القصر دون أن يشعر به أحد من سكانه، وما كاد يخرج منه حتى أوقفه الشبحُ الذي ظهر له في الظلام، كان شبح «ليوتسي».
وقال «ليوتسي»: يبدو أنَّك لن تتمكن من قتل «التنين الأحمر».
أحمد: إنَّ لديَّ خطة لذلك، ولكني أحتاج إلى مساعدة «بانج».
ظهرَت الدهشة على وجه «ليوتسي» وقال «بانج»: كيف ذلك؟
شرح «أحمد» خطته ﻟ «ليوتسي» … فقال الأخير بعد لحظة: إنها خطة جيدة ولكنها خطرة.
أحمد: ليس أمامنا غيرها، وعليك أن تدلَّني على المكان الذي سُجن فيه «بانج» ثم تنطلق خارج القصر لتنفيذ مهمتك المحددة.
ليوتسي: لا بأس … هيَّا بنا.
وأشار «ليوتسي» إلى مبنًى صغير قريب قائلًا: إنَّ «بانج» مسجون في هذا المكان مع بقية أتباعه الذين قُبض عليهم أحياء.
أحمد: وهل يحرس المكانَ حراسٌ كثيرون.
ليوتسي: إنَّهم خمسة من الحراس الأشداء.
أحمد: ورجال «بانج» المسجونين؟
ليوتسي: إنَّهم حوالي ثلاثين.
أحمد: هذا جيد … والآن اذهب وافعل كما أخبرتك، وعُد في الوقت المحدد تمامًا.
ليوتسي: سأفعل.
وانطلق نحو الأسوار وابتلعه الظلام، واقترب «أحمد» من المبنى الصغير الذي أشار إليه «ليوتسي»، وتسلَّل داخلًا، وما كاد يخطو داخل المبنى حتى أوقفه صوتُ أحد الحراس يقول: قف مكانك وارفع يديك عاليًا واستدر ببطء.
توقف «أحمد» مكانه واستدار ببطء، وبحركة مباغتة قفز في الهواء، وطارت قدمُه لتُطيحَ بسلاح الحارس، وبضربة قوية أخرى بقدمه تمدد الحارس فاقدًا الوعي.
والتقط «أحمد» سلاح الحارس، وهاجم زميلًا له من الخلف بضربة من مؤخرة المدفع الرشاش … وسمع أصوات بقية الحراس وهم جالسون أمام الزنازين الكبيرة، فاقتحم المكان شاهرًا سلاحه وهو يقول: إذا تحرك أحدكم انتقلت روحه إلى الجحيم.
فوجئ الحراس بظهور «أحمد»، ولم تستطع أيديهم الامتداد إلى أسلحتهم، وقال «أحمد» لهم: افتحوا الزنزانات وأخرجوا «بانج» ورجالَه المحبوسين فيها.
أطاع الحراس الأمر في الحال تحت تهديد السلاح، وما كاد «بانج» يغادر زنزانته حتى حدَّق في «أحمد» بذهول قائلًا: أنت، كيف نجوت من الثعابين؟
أحمد: هذه قصة قديمة ربما أُخبرك بها يومًا ما … ولكن علينا الآن وضع هؤلاء الحراس الثلاثة في إحدى الزنزانات، وإغلاقها عليهم، لنفرغ لما هو أهم.
أشار «بانج» لرجاله، فانقضوا على الحراس الثلاثة، وألقوهم في إحدى الزنزانات، والتفت «بانج» إلى «أحمد» متسائلًا: لماذا ساعدتني؟
أحمد: لأنني أنتظر منك المساعدة أيضًا.
بانج: أيَّة مساعدة؟
أحمد: إنَّ هدفنا واحد … وهو التخلص من «التنين الأحمر» … ونحن الاثنان محكوم علينا بالإعدام في هذا المكان، وهذا يجعل مصلحتنا مشتركة في التخلص من «تاك سين».
بانج: وبعدها؟
أحمد: سأعود إلى بلادي، فلا شأن لي بك؛ فالأوامر الصادرة لي أن أتخلص من «تاك سين» فقط.
بانج: حسنًا … اتفقنا.
ومدَّ يدَه يصافح «أحمد»، وعيناه تومضان باللهيب والانتقام.