حكمة الغرب (الجزء الثاني): الفلسفة الحديثة والمعاصرة
«النمو الهائل في القدرة التكنولوجية جعل الحياة عمليةً أعقدَ بكثيرٍ جدًّا ممَّا اعتدنا أن نراها عليه من قبل. وليس من مهمتنا هنا أن نُقرِّر إن كان هذا خيرًا أو شرًّا، بل يكفينا أن نلاحظ أنَّ المَطالِب المفروضة على عصرنا أشدُّ تنوعًا بكثير، وأنَّ الشروط المطلوبة منَّا لكي نُواصِل حياتنا المُعتادة أشدُّ تعقيدًا بكثيرٍ مما كانت عليه في أي وقتٍ مضى.»
آذنَت شمس العصور الوسطى بالغروب للأبد، ليبدأ عصرٌ جديد من الفلسفات، أنتج فيه المُفكِّرون فلسفاتٍ تُلائم عصرهم. وبدأ ذلك بالفلسفة الحديثة التي نشأت كردِّ فعلٍ للطفرات الاجتماعية والعلمية التي اهتمت بالإنسان، نتيجةً لحركةِ النهضة الإيطالية، والحركةِ الإنسانية التي تزعَّمَتها أسرة آل «مديتشي»، وحركةِ الإصلاح الديني مُمثَّلةً في «مارتن لوثر». وفي العصر الحديث انقسمَت المدرسة الإنجليزية إلى قسمَين: التيارِ العقلي، الذي يرى أن العقل هو مصدر المعرفة، ويُمثِّله «ديكارت» و«اسبينوزا»؛ والمدرسةِ التجريبية الإنجليزية، التي ترى ضرورةَ إخضاع كل شيءٍ للتجرِبة، ومن رُوَّادها «جون لوك». ثم جاء «كانْت» ليُوفِّق بين التيارَين. وبالانتقال من إنجلترا إلى فرنسا، نجد حركةَ التنوير في القرن الثامن عشر، التي آمَن فلاسفتُها بالعقل الإنساني، وكردِّ فعلٍ لها ظهرت المدرسةُ الرومانتيكية لتطرح مسألةَ الفن وقُدرته على التعبير. تلك هي المدارس الفلسفية الغربية التي تتبَّعَها «راسل» حتى عصره في هذا الكتاب.