أمثلة من رسائله
-
(١)
كتب يعزِّي عن ولد:
«إنما يستوجب على الله وعده مَنْ صبر لله بحقه، فلا تجمعن إلى ما فُجِعْتَ به من ولدك الفجيعة بالأجر عليه والعوض منه، فإنها أعظم المصيبتين عليك وأنكى المرزيتين لك، أخلف الله عليك بخير وذَخَر لك جزيل الثواب.»
-
(٢)
وكتب في حاجة:
«أما بعد، فإن مَنْ قضى الحوائج لإخوانه، واستوجب بذلك الشكر عليهم، فلنفسه عَمِلَ لا لهم، والمعروف إذا وُضِعَ عند مَنْ لا يشكره فهو زرع لا بدَّ لزارعه من حصاده أو لعقبه من بعده، وكتبت إليك ولحالنا التي نحن بها فيما نذكرك حاجة أول ما فيها معروف تستوجب به الشكر علينا وتدخر به الأيادي قِبَلنا.»
-
(٣)
وكتب يعزي عن ابنة:
«جدَّد الله لك من هِبَته ما يكون خلفًا لك بما رُزِئته، وعوضًا من المصيبة به، ورزقك من الثواب عليه أضعاف ما رزأك به منها، فما أقل كثير الدنيا في قليل الآخرة مع فناء هذه ودوام تلك.»
-
(٤)
وله من كتاب إلى بعض أصدقائه:
«كان من خبري بعدك أني قدمت بلد كذا، فتهيَّأ لي بعض ما شخصت له، والمحمود على ذلك الله عز وجل، وأنا على أن يأتيني خبرك محتاج، فأما جملة خبري في فراقك، فقلبي مكة كل ما سواك حرام فيها.»
-
(٥)
وكتب إلى يحيى بن زياد الحارثي ابتداءً في المؤاخاة:
«أما بعد، فإن أهل الفضل في اللب، والوفاء في الود، والكرم في الخلق، لهم من الثناء الحسن في الناس لسان صدق يشيد بفضلهم ويخبر عن صحة ودِّهم وثقة مؤاخاتهم، فيتخيَّر إليهم رغبة الإخوان، ويصطفي لهم سلامة صدورهم، ويجتني لهم ثمرة قلوبهم، فلا مُثْنِيَ أفضل تقريظًا ولا مخبر أصدق أحدوثة منه.
وقد لزمت من الوفاء والكرم فيما بينك وبين الناس طريقة محمودة، نُسِبْتَ إلى مزيتها في الفضل، وجمل بها ثناؤك في الذكر، وشهد لك بها لسان الصدق فعُرفت بمناقبها، ووُسِمْتَ بمحاسنها، فأسرع إليك الإخوان برغبتهم مستبقين يبتدرون ودَّك ويصلون حبلك ابتدار أهل التنافس في حظ رغيب، نصبت لهم غاية يجري إليها الطالبون ويفوز بها السابقون، فمَنْ أثبت الله عندك بموضع الحرز والثقة، وملأ بك يده من أخي وفاء ووصلة، واستنام منك إلى شِعْب مأمون وعهد محفوظ، وصار مغمورًا بفضلك عليه في الود، يتعاطى من مكافأتك ما لا يستطيع، ويطلب من أثرك في ذلك غاية بلوغها شديد، فلو كنت لا تؤاخي من الإخوان إلا مَنْ كافأ بودك، وبلغ من الغايات حدك؛ ما آخَيْتَ أحدًا، ولصِرْتَ من الإخوان صفرًا، ولكن إخوانك يقرُّون لك بالفضل، وتقبل أنت ميسورهم من الود، ولا تجشمهم كُلَف مكافأتك، ولا بلوغ فضلك فيما بينك وبينهم، فإنما مثلك في ذلك ومثلهم كما قال الأول:
ومَنْ ينازع سعيد الخير في حسبينزع طليحًا ويقصر قيده الصعدولم أُرِدْ بهذا الثناء عليك تزكيتك ليكون ذلك قربة عندك وآخية لي لديك، ولكن تحرَّيت فيما وصفت من ذلك الحق والصدق، وتنكَّبت الإثم والباطل، فإن القليل من الصدق البريء من الكذب أفضل من كثير الصدق المشوب بالباطل.
ولقد وصفت من مناقبك ومحاسن أمورك، وإني لأخاف الفتنة عليك حين تسمع بتزكية نفسك وذكري ما ذكرت من فضلك؛ لأن المدح مفسدة للقلب مبعثة للعُجْب، ثُمَّ رجوت لك المنعة والعصمة؛ لأني لم أذكر إلا حقًّا، والحق ينفي من اللبيب العُجْب وخيلاء الكِبْر، ويحمله على الاقتصاد والتواضع.
وقد رأيت — إذ كنتَ في الفضل والوفاء على ما وصفتُ منك — أن آخذ بنصيبي من ودك، وأصل وثيقة حبلي بحبلك، فيجري بيننا من الإخاء أواصر الأسباب التي بها يستحكم الود ويدوم العهد، وعلمت أن تركي ذلك غبن، وإضاعتي إياه جهل؛ لأن التارك للحظ داخل في الغبن، والعائد عن الرشد مرجف إلى الغي، فارغب من ودِّي فيما رغبت فيه من ودِّك، فإني لم أدع شيئًا أستتلي به منك الرغبة وأجتر به منك المودة إلا وقد اقتدت إليك ذريعته وأعملت نحوك مطيَّته، لترى حرصي على مودتك ورغبتي في مؤاخاتك، والسلام.»
-
(٦)
وكتب في السلامة جوابًا:
«أما بعد، فقد أتاني كتابك فيما أخبرتنا عنه من صلاحك وصلاح مَنْ قِبَلك، وفي الذي ذكرت من ذلك نعمة مجللة عظيمة يُحْمَد عليها وَلِيُّها المنعم المتفضِّل المحمود، ونسأله أن يلهمنا وإياك من شكره وذكره ما به مزيدها وتأدية حقها.
وسألت أن أكتب إليك بخبرنا ونحن من عافية الله وكفايته ودفاعه على حال لو أطنبت في ذكرها لم يكن في ذلك إحصاء للنعمة ولا اعتراف بكُنْه الحق، فنرغب للذي تزداد نعمه علينا في كل يوم وليلة تظاهرًا ألا يجعل شكرنا منقوصًا ولا مدخولًا، وأن يرزقنا من كل نعمة كفاءها من المعرفة بفضله فيها والعمل في أداء حقها، إنه وليٌّ قدير.»