الفصل الثاني
(المرسَح يمثل قاعة ذات منظر مظلم ومرعب، لها أبواب
كثيرة وسلاسل معلقة بالحائط.)
المشهد الأول
(رينالدي – بابيو)
رينالدي
:
هل تهيأتَ للسفر؟
بابيو
:
نعم، سيدي، والجنود مدججة بالسلاح، قد اجتمعت بالساحة
تنتظرني، وأنا أنتظر أمركم.
رينالدي
:
إني مُلقٍ إليك أمرًا كثير الأهمية، وربما فيه خطر
عليك.
بابيو
:
ذلك ما أرغبه، سيدي؛ فلا أخفي عنك أنَّ نفسي سئمت من
المحافظة على أبواب السجون، ومن كان مثلي حارب عشر سنوات
في بلد فلسطين وشهد حصار مدينة عكا، لا يتأخر عن الخوض في
أشد المعامع خطرًا وأعظمها هولًا.
رينالدي
:
لقد وصل البارحة إلى قرية مانبرت فارسان صليبيان.
بابيو
:
أظن أني نظرتهما يجولان حول القصر.
رينالدي
:
نعم، نعم، هما بعينهما، فيجب أنْ نُلقي القبض
عليهما.
بابيو
:
هذا يكفي، وما هو اسماهما؟
رينالدي
:
إنَّ الأكبر سنًّا منهما يُدعى لورادان، وأمَّا الأصغر
فلا أعلم. أسمع وقع أقدام في حجرة الأمير. أستودعك الله
…
المشهد الثاني
(بابيو لذاته)
لورادان! أما هو ذلك الفارس البطل الذي طالما أوقع الرعب
في قلوب الكفرة؟ ذلك الشهم الذي خدمت عنده، والذي خاطر
بنفسه أمام أسوار عكا حتى أنقذ حياتي! بالحقيقة، البارحة –
رغمًا عن الظلام – توسمت بذلك الفارس القريب بعض ملامحه،
وأنا الذي يبغي رينالدي أنْ أقبض عليه! لا، لا، لن يصل بي
نكران الجميل إلى هذا الحد، فليكلِّف غيري بهذه المهمة
الدنية … ولكن ربما يرسل غيري فيقبض عليه! كيف العمل؟ … ها
قد أقبل الأمير فلنخرج (يخرج).
المشهد الثالث
(فلافي – رينالدي)
فلافي
:
لقد سَلِما!
رينالدي
:
نعم، سيدي، لقد نجَيا في الوقت الذي كادا يقعان به بين
أيدينا.
فلافي
(متهددًا)
:
لو لم أكن على ثقة من دهائك لكنت …
رينالدي
:
مولاي، لو كان الشيطان ذاته في موقفنا الحرج لكان أفشل؛
وذلك لأنه عند منتصف الليل بينما كنَّا نتهيَّأ للهجوم
عليهما والرجال منتظرة إشارتي، وإذا هما يناديان بشدة،
فأسرع صاحب الفندق نحوهما حتى لا يدع سبيلًا للريب، فطلبا
إليه أنْ يفتح الباب، ولما تأخر قليلًا اتهماه بالخيانة،
وتهدداه بالقتل إنْ لم يلبِّ طلبهما في الحال. فكيف العمل
إذن؟ …
فلافي
:
أما تعلم ما كان يجب أنْ تفعلوا؟
رينالدي
:
إنَّ صاحب الفندق كان وحده، ولم يكن معه شيء من السلاح،
وزد على ذلك أنه لم يكن مناسبًا الهجوم عليهما في ذلك
الوقت؛ لأن صراخهما ربما كان أوقظ المجاورين، وسبب هياجًا
عظيمًا.
فلافي
:
إنَّ نفسي مضطربة اضطرابًا عظيمًا، ما شعرت به كل أيام
حياتي، ورغبةً في أنْ أهمد قلقي؛ تصفحت تاريخ حياتي
الماضية، ولا يفوتك أني اعتدت أنْ أكتب كلَّ ما يحدث لي
يوميًّا، فوقعتُ صدفةً على هاته الصفحة.
رينالدي
(يقرأ)
:
في الثاني والعشرين من أيار سنة ١١٦٣ مسيحيَّة،
خرجتُ للتنزه في الحقل مع جان دي زاردوان وخادمي
رينالدي، فما ابتعدنا قليلًا عن القصر حتى صادفنا
رجلًا من الذين يدَّعون معرفة المستقبل، فسألناه
أنْ يتكهَّن لنا، فقال: إنَّ واحدًا منكم سيكون
أميرًا والآخر جلَّادًا، ثمَّ تلفَّظ ببعض كلمات
لم نستطع فهمها، وتوارى بغتةً بعد أنْ نظر إليَّ
نظرةَ متأسف.
فلافي
:
لقد صحَّ تكهُّنه؛ قد صرتُ أميرًا وأنت الجلَّاد عندي،
ولكن تلك الكلمات غير المفهومة وتلك النظرة الآسفة هذه
كلها أسرار لا أفهمها.
رينالدي
:
وما الذي يخيفك، سيدي؟ إنَّ جان قد هلك منذ إحدى عشرة
سنة.
فلافي
:
لقد كان جان شابًّا مقلقًا، فالْتزمتُ أنْ أستدرك
أمره.
رينالدي
:
لقد صنعتَ حسنًا.
فلافي
:
وهل هدأَت الخواطر؟
رينالدي
:
نعم، سيدي، سوى أن الفلاحين ما زالوا يتذمرون في
قلوبهم.
فلافي
:
هل هم يتذمرون حتى الآن؟
رينالدي
:
نعم، إنهم يئنُّون من الضرائب الجائرة التي ما عاد
يمكنهم تحملها، ومن ظلم العمَّال؛ فالوقت صعب، وهم يُلاقون
من العذاب ألوانًا.
فلافي
:
ذلك خيرٌ لهم؛ فالعذاب يُكرِههم على الطاعة
والانقياد.
(يدخل أحدُ الحرَس مُقاطعًا.)
الحارس
:
إنَّ راهبًا يطلب مواجهة سيدي الأمير.
فلافي
:
هل عرفت من هو؟
الحرَس
:
لا، يا سيدي.
فلافي
:
اذهب، يا رينالدي، واستطلع لنا الخبر (يخرج رينالدي والحرَس، ويبقى فلافي
وحده).
فلافي
:
اعتراني اليوم حزن شديد أنهك قواي، ولستُ أدري له سببًا؛
فالسماء صاحية والشمس تزهو حسنًا في القبة الزرقاء،
والحقول تردَّت بأبهى حُلَلها، ولكن في هذه الحقول النضرة
أرى الغلال تدوسها أقدام جنودي البرابرة! أرى شعبًا يكاد
يهلك جوعًا من عِظَم جَوْري، وهو يلعنني، ولا يتمنى سوى
هلاكي! آه ما هذا العذاب! (يستند
إلى النافذة ويثبت متحيرًا. يدخل
رينالدي.)
فلافي
(إلى رينالدي وهو داخل)
:
ما وراءك؟
رينالدي
(فرحًا)
:
إنَّ هذا الراهب المملوء وقارًا ما هو سوى الفارس
لورادان.
فلافي
:
أصحيح ما تقوله؟
رينالدي
:
نعم، سيدي، قد عرَفتُه رغمًا عن لحيته المستعارة وثوبه
الطويل.
فلافي
:
وهل يطلب أن يراني؟
رينالدي
:
نعم، سيدي.
فلافي
:
دعه يدخل.
(يخرج رينالدي، ويبقى فلافي
وحده.)
فلافي
:
لقد كنت أسرعت بالخوف والحزن؛ فقد ساعدني الحظ ونجوت من
مخاوفي، ولكن ما الذي دفع هذا الفارس الغريب للدخول إلى
قصري؟ وما باله انتحل هاته الملابس الغريبة؟ أتراه صديقًا
لي؟ لا، لا، من أين لي الأصدقاء؟ لا أظنه سوى جاسوس أو لص
يَروم الفتك بي.
المشهد الرابع
(فلافي – رينالدي – لورادان (مرتديًا ثوب
راهب))
لورادان
:
حفظك الله، أيها الأمير الكريم، إني راهب مسكين من جمعية
القديس مارك، ذاهب إلى الأراضي المقدَّسة، فأسألك أنْ
تضيفني هذا المساء في قصرك.
فلافي
:
أهلًا وسهلًا بك، يا أبانا، عمَّا قريب نهيِّئ لك
حجرة.
لورادان
:
جزاك الله عني خيرًا، يا حضرة الأمير.
فلافي
:
إني أسر كثيرًا بإضافة الرهبان من جمعيتكم.
لورادان
(لذاته)
:
لقد نجح سعينا، فالحمد لله.
فلافي
:
أأنت عائدٌ من الأراضي المقدَّسة؟
لورادان
:
لا، بل أنا ذاهب إليها.
فلافي
:
لقد أسأتُ الفهم إذن، قلتَ: إنك كنت مع المحاربين في
زحفة سابقة.
لورادان
:
لا، يا سيدي، لم تعلم الخبر الصحيح.
فلافي
:
بلى، بلى، إنك كنت لابسًا في الأمس ثوبًا غير هذا، فأريد
أنْ أدعو خدمي وجنودي؛ لأنهم يُسَرُّون كثيرًا باستماع
أخبار الحروب.
لورادان
:
وماذا يستطيع راهب مسكين مثلي أن يقول لكم، سوى أن يحضكم
على خوف الله ومحبة القريب؟!
فلافي
:
لستُ أجهل واجباتي، يا حضرة الأب، ولكن لماذا تواري
الحقيقة؟ يَظهر جليًّا أنك لم تكن أوَّلًا راهبًا …
لورادان
:
مولاي …
فلافي
(يقاطعه)
:
لن يُجديَك النُّكرانُ نفعًا؛ فإنه مطبوع على صفحات وجهك
أنك تقلدت السلاح وجرَّعتَ كأس المنون غدرًا عديدًا من
الأعداء.
لورادان
:
نعم، سيدي، لا سبيل لأن أخفي عليك أمري؛ فإني قبل أن
ألبس الزي الرهباني، وأخدم يسوع المسيح، لقد خدمت أمراء
هذا العالم.
فلافي
(لذاته)
:
ما قاله رينالدي هو حقيقي.
لورادان
(لذاته)
:
هل يعرفني يا ترى؟
فلافي
:
في أي بلد قضيت زمن حداثتك؟
لورادان
:
في إيطاليا.
فلافي
:
ليس ذلك صحيحًا، أنت إفرنسي، تدل على ذلك ملامحُ
وجهك.
لورادان
:
ولكن، يا سيدي …
فلافي
:
لا، لا، أنت ولدت في بلد كايان.
لورادان
(لذاته)
:
يا لله!
فلافي
:
وما هو اسمك؟
لورادان
:
الأب أسطفان.
فلافي
:
بل أنت الفارس لورادان.
لورادان
:
أنت عارف بكل شيء! نعم، أنا الفارس لورادان، وما اتخذت
هذا الثوب إلَّا …
فلافي
(يقاطعه)
:
حتى لا تخيفني …
لورادان
:
حتى أحظى بالقبول في قصرك.
فلافي
:
لا يفوتك تقواي العميق واحترامي للقسوس، ولكن هذا التنكر
ما كان ليجديك نفعًا؛ فإني أحب كثيرًا الفرسان الأبطال،
وخصوصًا الذين يأتون لِيَفوا نذورهم ويستعدوا للقتال،
والذين يتجسَّسون قصري.
لورادان
(لذاته)
:
يا للخيانة!
فلافي
:
هل توافقك هاته الحجرة؟
لورادان
:
ولكن، سيدي.
فلافي
:
إنَّ الأبواب حريزة، وسوف تتحقق ذلك، اقفل جيدًا يا
رينالدي جميع هؤلاء الأبواب: هيئ أثقل ما يوجد من السلاسل
وحافظ على هذا الأسير أشد المحافظة؛ لأنك مطالب به!
أستودعك الله، يا حضرة الأب!
(فلافي ورينالدي يخرجان ويبقى لورادان
وحده.)
لورادان
:
لقد خُدِعت بئس الخديعة! إنَّ صاحب الفندق هو معاون
الأمير، ولكنهم لم يعرفوني بعد، يجهلون أنَّ لورادان ما هو
سوى البارون جان دي زاردوان، ويجهلون أنَّ الله — عزَّ وجل
— وجَّهَني لأعاقب أولي الفظائع وأنقذ الأبرياء … تبًّا لك
يا فلافي! لقد وقعتُ بين يديك، ولكن سوف ترى ما يورثه لك
حبسي من التعب والغم (يخلع الثوب
الرهباني ويظهر بسلاحه الأبيض).
المشهد الخامس
(لورادان – بابيو (حاملًا القيود
والسلاسل))
بابيو
(يقف بالباب باحترام)
:
السلام عليك، أيها الفارس لورادان.
لورادان
:
من أنت؟
بابيو
:
هل نسيت بابيو، خادمَك القديم وجنديَّك الذي خاطرتَ
بنفسك لإنقاذ حياته أمام أسوار عكا؟
لورادان
:
أذكر جيدًا أنه كان بين جنودي من يدعى بهذا الاسم، ولكن
لم أخاله متصفًا بهاته الدناءة حتى يتولَّى محافظة السجون
عند الأمير فلافي.
بابيو
:
أنت مُصيب بما توجهه إليَّ من اللوم، ولكن الضرورة
قادتني إلى هاته المهنة، ولم أبقَ هنا واسمِ الله إلَّا
شفقةً على المنكودي الحظ الذين يقعون بفخاخ الأمير، فقد
توفقتُ لمساعدة بعض التعساء سرًّا، وعلَّه يسعدني الحظ بأن
أخدمك، وأفي ولو جزءًا مما لك عليَّ من الأيادي
البيضاء.
لورادان
:
هل بقيتَ صادقًا أبيَّ النفس مثلما كنت سابقًا؟
بابيو
:
لو بادرني سواك بمثل هذا السؤال، لما تركت سوى هذا
الحسام يجاوب عني (يضع يده على
قبضة سيفه).
لورادان
:
اسمع إذن، من حيث إني نجيتك من الموت وتريد أنْ تقابل
معروفي بالإحسان؛ فأطلب إليك أنْ توصلني هذا المساءَ إلى
حجرة الأمير.
بابيو
:
لقد فهمت مقصدك يا سيدي، ولكن هل يُستطاع ذلك؟
الأجدر بنا أنْ نسعى بإنقاذك سريعًا، نعم، إني أعرِّض
نفسي لهلاك أكيد، إنما أكون قمت بوفاء الجميل.
لورادان
:
وهل تعرف وسيلة لنجاتي؟
بابيو
:
نعم، سيدي، يوجد سرداب طويل، يقود من الحجرة الأولى في
القصر إلى الفندق الأسود.
لورادان
(لذاته)
:
اتضح الأمر (يرفع
صوته) وماذا نصنع؟
بابيو
:
إنَّ الأمير ورينالدي يحفظان معهما مفاتيح هذا السرداب …
فإذا أخذنا أثواب رينالدي … ما تقول؟
لورادان
(يقاطعه)
:
لا، لا أهرق دمًا أبدًا …
بابيو
:
أنت لا تلطخ يديك، يا سيدي، أنا أفعل هذا الأمر.
لورادان
:
لا، ما عدتُ أريد الخروج من سجني.
بابيو
:
بلى، يجب أنْ تنجو بذاتك سريعًا، لا تعلم في أي مكان أنت
موجود الآن؛ فاسم هاته الحجرة وحده ترتعد له الفرائص
جزعًا، فهي تدعى قاعة الموت؛ وذلك لأن فلافي عندما يريد
التخلص خفيةً من أحد أعدائه يحبسه نظيرك في هذا السجن،
انظر هذه الأبواب، إنها تُشرف على وَهْدة عميقة يبلغ عمقها
ماية قدم، وفي أسفلها يجري نهر عظيم. (يفتح أحد الأبواب السرية)
أسمعته يتدفق متحطمًا على الصخور؟
لورادان
:
يا له من منظر مرعب!
بابيو
:
إنَّ هذه الوهدة لا تبعد عني سوى ثلاثة أقدام، فمتى دخل
الأسير إلى هذا السجن يعثر بالظلام ويخطو بعض خطوات
فتَزِلُّ قدمه، وهناك يصرخ صراخًا يفتت الأكباد ويتوارى
إلى الأبد.
لورادان
:
يا لها من فظائع بربريَّة!
بابيو
:
ومع ذلك تريد أنْ تبقى هنا؟
لورادان
:
دعني هنا! وإذا كنت تريد أنْ تصنع معي إحسانًا فإني
أسألك أمرًا واحدًا، هو أنْ تنقذ من يد الأمير شخصًا آخر
سواي، وهو ولد حدث السن حبس في سجون القصر المظلمة منذ
طفولته، وهو يئن هناك من الظلم والعذاب منذ عشر سنوات،
فهذا هو الشخص الوحيد الذي أبغي أنْ أفتديَه
بحياتي.
بابيو
:
لا أفهم ما تريد، يا سيدي الفارس.
لورادان
:
ألا تعلم أنَّ الوريث الوحيد الباقيَ من أصل الأمير
ليزنيه هو محبوس في هذا القصر؟
بابيو
:
لا، لستُ أعلم ذلك مطلقًا، وربما ذلك سرٌّ أخفاه فلافي
عني.
لورادان
:
لقد أُغلقت أبواب الفرج في وجهي، ومع ذلك أنا صابر على
ما يحل بي … ولماذا هذه السلاسل؟
بابيو
:
وا أسفاه، يا سيدي لورادان!
لورادان
(يمد يديه)
:
تمم ما أمرت به.
بابيو
:
هل أقيِّد سيدي؟! (يطرح
السلاسل) لن يكون هذا أبدًا.
لورادان
:
بلى، أنا آمرك به، أسرع حتى لا ندع سبيلًا للريب، عد إلى
هنا بعد بضع ساعات؛ عله يفتح لنا باب رجاء.
بابيو
:
أنا أفعل طاعةً لأمرك، ولكن لا يطلع الصباح إلَّا وأنت
حرٌّ وأنا بين الأموات!
المشهد السادس
(لورادان مكبَّل بالقيود)
نفق يؤدي إلى الفندق الأسود، تعسًا لك يا فلافي! ما أكثر
حيَلك وأشدَّ دهاءك! وهل لنا أنْ ننتفع بهذا النفق! آه لو
كان جرار يدري ذلك! لكان يدخل بهذا النفق بينما يحاصر
الفلاحون القصر، ولكن ما الفائدة؛ فالوريث الوحيد قد أمسى
في عالم الأموات، ولم يعد له من أثر … وما نظرته البارحة
أتراه أضغاث أحلام … لا، إني نظرت حقيقةً ذلك الشبح الأبيض
يتقدم نحو الطاولة، وقد كتب بعض كلمات، وقد قرأت تلك
الكلمات، وقرأها جرار أيضًا … فهل تخرج الأموات من القبور
لتخدع الأحياء … اللهم، يا من تقرأ خفيات القلوب، ولا يغرب
شيء عن باصرتك، أنت تعلم أني لا أبغي سوى أمر واحد؛ هو
وفاء نذري، والتكفير عن ذنبي، فها إني أقدم لك دمي حتى آخر
قطرة، وأسألك أنْ تنقذ ذلك الفتى المنكود الحظ من العذاب،
وترده إلى ميراث أجداده! (يُظلِم المرسَح، يظهر الشبح
الأبيض وهو يقتاد ولدًا، ينظر في لورادان، يُريه الولد،
ثمَّ يشير إلى السماء ويتوارى.)
المشهد السابع
(لورادان – روبر دي ليزينيه)
(ينير المرسَح.)
روبر
:
أين أنا! ما هذا النور اللطيف المحيط بي؟ هل دنا يا ترى
زمن إطلاق سبيلي؟ أم أنا في منام؟ من أنت، يا سيدي؟
لورادان
(يجثو على ركبتيه)
:
أنا هو الفارس لورادان، خادمك والمدافع عنك، والمستعد
لهرق آخر نقطة من دمه في سبيل نجاتك.
روبر
:
يا لهُ من منظر حنون! يا لهُ من صوت عذب! يا لها من
سعادة لم أشعر بها بما مرَّ من حياتي!
لورادان
:
أما كنت ترى أحدًا أبدًا، يا سيدي؟
روبر
:
إني سجين منكود الحظ، أودِعتُ القبر حيًّا، ولا أرى
بشرًا أبدًا سوى أني في بعض الأيام أرى من بين حديد سجني
رجلًا عليه ملامح الشراسة والظلم، فأصرخ نحوه مستغيثًا،
ولكنه لا يجاوبني أبدًا.
لورادان
:
وكم لك من الزمان في هاته الحالة؟
روبر
:
لست أدري؛ لأنه لا يمكنِّي أن أميز بين الليل والنهار،
ولولا معرفتي أنني صغيرٌ لكنتُ أظن أنه قد مضت عليَّ أجيال
وأنا داخل سجني.
لورادان
:
واحزناه عليك!
روبر
:
لقد تأثرتَ، يا حضرة الفارس، فيظهر لي أنك تندب حظي! آه
إنَّ رأفتك بي سبَّبت لي عزاءً جميلًا.
لورادان
:
ومن الذي يقدم لك قوتك اليومي؟
روبر
:
إنَّ رجلًا أجهل اسمهُ يفتح كُوَّةً في سقف سجني، ويرسل
لي من هناك قليلًا من الماء والخبز اليابس، ولكن في غالب
الأيام ينساني، ولا يرسل لي شيئًا فأبيتُ أتضوَّر
جوعًا.
لورادان
:
وماذا تصنع حينئذ؟
روبر
:
كنت أجثو على ركبتي وأصلي.
لورادان
:
لا غرو، إنك كنت تلعن كثيرًا الذين كنت تقاسي من جَورهم
مثل هذه العذابات.
روبر
:
لا يا سيدي، لا أعرف اللعن، لا يخالج قلبي سوى المحبة
والشفقة نحو كل البشر. لما كنت أسمع وقْع أقدام في الممر
المجاور سجني، كنتُ أهتز طربًا، آه كم كنت أشتهي أنْ أمدَّ
ذراعي نحو الشخص المار، وأنْ أعانقه، وأنْ أضم يديه مثلما
أضم يديك! إنَّ هذه السلاسل في غاية الضخامة! أما تُهشِّم
ذراعيك؟
لورادان
:
لا، إني تعودت العذابات حتى استهونتها.
روبر
:
ولماذا تبكي؟
لورادان
:
إنَّ كلامك قد أثر فيَّ أشد التأثير، وجرح فؤادي.
روبر
:
آه، ليتك تعلم كم ذرَفتُ من الدموع عندما كنت أقاسي
أهوالًا من الجوع والعطش والبرد، وغير ذلك من العذابات
المتنوعة.
لورادان
:
ولداه! أوَ لم يكن من يُسلِّيك ويمسح عَبْرتك؟
روبر
:
لا، ما كان يفكر بي سوى سيدة لابسة ثوبًا أبيض كانت تنزل
إلى سجني وتلطِّف أحزاني، وتسكِّن أشجاني بمنظرها الحنون
وكلامها العذب، فكانت تدعوني ولدها الحبيب، وتُظهر لي
حبًّا شديدًا، آه كم كنت سعيدًا بالقرب منها!
لورادان
:
وهل تمكَّنتَ من معرفتها من هي؟
روبر
:
لا؛ لأنها كانت تغطي وجهها بقناع أبيض، ولكن قلبي كان
يصبو إليها كثيرًا، ولا غرو؛ فهي أمي، ومنذ قليل كنت في
غاية الضيق والحزن فدعوتها مستغيثًا، فإذا هي داخلة إلى
سجني، وبإشارةٍ منها فُتح الباب، واقتادتني إلى هذا المكان
بالقرب منك.
لورادان
:
وهل تذكر كيف طُرِحتَ في سجون القصر المظلمة؟
روبر
:
لستُ أتذكر ذلك جليًّا؛ لأني كنتُ حدث السن جدًّا، سوى
أني أذكر أنَّ أبي فُقِدَ فجأة، ولم يُعرف له أثر بعد ذلك،
وترك أمي في أشد الحزن وأمرِّ العذاب، وليلة سمعت أمي تصرخ
صراخًا يفتت الأكباد وكان صوتها يتقطع قليلًا قليلًا،
فقفزت من سريري، وركضت نحوها؛ علِّي أستطيع أنْ أساعدها،
فالتقاني أربعة رجال مستتري الوجوه، وقبضوا عليَّ، وطرحوني
في ذلك السجن المظلم، وهذا ما جرى لي.
لورادان
:
تبًّا لك يا فلافي من ظالم بربري!
روبر
:
فلافي! إنَّ أحد الحرس عند والدي كان يُدعى بهذا الاسم،
وكنت أكرهه جدًّا؛ لأنه كان ذا ملامح شريرة، وكنت أحب
كثيرًا صديقه الشريف البارون جان دي زاردوان … ما هذا
الاضطراب، يا سيدي؟
لورادان
:
لست أضطرب يا ولدي، ولكن يحدث أحيانًا ما يثير بي
تذكُّراتٍ قديمةً ينتفض لها القلب.
روبر
:
ألا تعلم، يا سيدي، ماذا حدث لأبي؟ وهل عاد إلى قصره؟
ولماذا يبقيني بعيدًا عنه هكذا؟
لورادان
:
آه! يا سيدي!
روبر
:
ليتك تعلم، يا سيدي، كم أحب والدي؟!
لورادان
:
ارحمني، ارحمني يا سيدي.
روبر
:
وأبي كان يحبني جدًّا.
لورادان
(يسقط على ركبتيه)
:
ارفق بي، أشفِق عليَّ …
روبر
:
لورادان، ماذا تعمل؟
لورادان
:
لقد صرَعتَ فؤادي، لا تكلمني عن والدك.
روبر
:
سكِّن روعك، إني أحبك كثيرًا، وتعلَّق قلبي بك، ألا تسمح
لي بأن أتبعك؟
لورادان
:
أتريد أنْ تتبعني؟ أما تراني مسجونًا مكبلًا
بالقيود؟
روبر
:
نعم، أبقى معك، ونسلي بعضنا بعضًا في مصائبنا، وتلك
السيدة البيضاء تأتي وتزورنا من يوم إلى آخر، هنا يمكني
أنْ أتمتع بمرأى السماء وبهجتها! يا الله! ما هذا الجمال!
ما هذه العظمة … إني أنشق ملء صدري هواءً نقيًّا منعشًا
(يركض نحو
النافذة).
لورادان
:
ماذا تعمل يا سيدي؟ أما تخاف أنْ يراك أحد؟
روبر
:
وما الذي يخيفنا؟
لورادان
:
إذا لمحك أحدٌ هنا، فإنا نهلك لا محالة، تعال من أمام
هذه النافذة.
روبر
:
أنا أخضع لما تأمرني به رغمًا عمَّا بي من الشوق للتمتع
بهذا المنظر البديع الجمال، آه يا ليتني مثل الأطيار التي
تبني أعشاشها على شرفات القصر، وتذهب حيث تشاء، ما لك، يا
لورادان؟
لورادان
:
إني أسمع طرق أقدام، فها إن رجلًا ما آتٍ إلينا وهو
يعالج الباب حتى يفتحه … ما العمل؟ (يقف متحيرًا) إلهي، ألهمني
كيف أتخلَّص من هذا الخطر! اتبعني يا ولدي (يفتح الباب المشرف على
الوهدة)، أنت على شفير وهدة عميقة لا يبعد
فاها عنك سوى ثلاثة أقدام، فلا تُبدي أدنى حركة، وسأعود
بعد هُنيهة فأخلِّصَك، فلتحرسك عين المولى، يا ولدي
العزيز.
المشهد الثامن
(لورادان – فلافي)
فلافي
(متهكِّمًا)
:
أراك خلعت الزي الرهباني، يا حضرة الأب.
لورادان
:
نعم سيدي، لقد ورد في المثل أنَّ الملبوس لا يصيِّر
قسوس.
فلافي
:
كيف نظرت منزلك الجديد؟
لورادان
:
في غاية الجودة، وسأعود إليه عما قريب.
فلافي
:
وهل تؤمل أنك تخرج منه؟
لورادان
:
نعم سيدي.
فلافي
:
ليس ذلك بأمر سهل.
لورادان
:
ربما، غير أني أخبرك الآن أني كنت بانتظارك.
فلافي
:
لماذا كنت تنتظرني؟
لورادان
:
إني قلتُ بنفسي: إنَّ فلافي ليس بقاسٍ ظالم، ولكنه كثير
التحسب، وهو يهتم كثيرًا باكتشاف مؤامرة جديدة ضده؛ ولذلك
لا أراه يقتل أحد أسراه قبل أن يُفرغ جهده للاطلاع على
أسراره.
فلافي
:
لقد أصبتَ مقصدي، كن صادقًا، وأنا أعاملك
بالرحمة.
لورادان
:
لا، لست أرجو ذلك؛ لأنك لم تعرف ما هي الرحمة كل
حياتك.
فلافي
:
لورادان، اصدقني الخبر، ما الذي دفعك لزيارة قصري
وتجسُّسه؟
لورادان
:
لم يدفعني سوى رغبتي بإنقاذ البلاد التي تحكمها من ربقة
العبودية.
فلافي
(بغضب)
:
لورادان، لماذا تُهينني؟
لورادان
(بهدوء)
:
أمرتني أنْ أكون صادقًا، فأطعتُ أوامرك.
فلافي
:
يحق لي إذن أن أفعل بك ما أريد.
لورادان
:
ومن يجترئ أن يمنعك عن ذلك؟! يمكنك في الحال أنْ تدعو
جلادًا، فيقذفني في هاته الوهدة المنفتحة تحت قدمي! لقد
شاهدتُ الموت عيانًا، فامتقع لوني لشدَّة الرَّوع، والآن
عندي سرٌّ لا بدَّ من إظهاره لك، فهل لك أنْ تسمع لي برهة
من الزمن؟
فلافي
:
فُهْ بما بدا لك.
لورادان
:
منذ خمس عشرة سنة عاش في قصر الأمير دي ليزينيه رجلان،
تجمعهما أوثق عُرى الصداقة؛ أما أحدهما فكان يُدعى فلافي،
والآخر جان دي زاردوان.
فلافي
(لذاته)
:
وما يريد بهذا؟
لورادان
:
إنَّ فلافي صار أمير مانبرن، ولكن جان ماذا حدث
له؟
فلافي
:
وما يَعنيك ذلك؟
لورادان
:
كن صادقًا مثلي.
فلافي
:
إنَّ جان قد مات.
لورادان
:
وا أسفاه على شبابه! … لقد خدم أفكارك مرارًا عديدة،
وكان نعم الصديق، أتذكر ذلك اليوم الذي أخذ فيه يناصرك،
وخاض معمعة البراز مع الأمير هارمان مخاطرًا بنفسه لإنقاذ
حياتك؟
فلافي
:
نعم، أذكر ذلك ولا أنساه.
لورادان
:
لقد عمل ما تقتضيه شهامة الأبطال، وهل تذكر أيضًا ذلك
اليوم الذي التقيتَ فيه بأحد العرَّافين، وتنبأ لك أنك
ستكون يومًا ما أمير مانبرن؟
فلافي
:
لورادان، ما تقول!
لورادان
:
لم يكن يعوقك عن بلوغ مأربك سوى شيء واحد هو الأمير
ليزينيه، فيَدٌ أثيمة فتكَت سرًّا بهذا الشريف المنكود
الحظ، وهاته اليد الأثيمة هل لك معرفتها؟!
فلافي
:
اصمت أيُّها الوغد!
لورادان
:
لا تضطرب، إني فيما وعدتك به؛ وعدتك بأن أبثَّ لك سرًّا
في غاية الأهمية، فأصغِ لي هُنيهة. في الغد قُتل الأمير
واختفت زوجته وولدها، ذلك ما كان يُتوقَّع … ولكن جان
صديقك وعلَّة ارتفاعك الذي غمرَك بإحسانه، ماذا حدث له يا
ترى؟
فلافي
:
لقد قلتُ لك: إنه مات.
لورادان
:
وما تقول إذا أثبت لك أنَّ جان — الذي تحسبه قد مات منذ
اثنتي عشرة سنة، والذي طعَنته بالخنجر ثلاث طعنات — هو
حيٌّ داخل قصرك، بل هو بحضرتك يكلمك!
فلافي
:
ويلٌ لك، يا سفيه! اصمت.
لورادان
:
إن كنتَ على ريبٍ مما أقول، فهاك اليد التي خرقتها
بسيفك.
فلافي
:
جان!
لورادان
:
نعم، أنا جان دي زاردوان صديقك القديم.
فلافي
:
ويل لك يا تعيس! وما الذي قادك إلى هنا؟
لورادان
:
لقد قادني إلى هذا المكان الله المنتقم للأبرياء
المظلومين، ذلك الذي يحيط أثناء الليل سريرك بأشباح مرعبة،
ذلك الذي أنقذ من ظلمات السجن الوريث الوحيد الباقيَ من
أصل أمراء ليزينيه.
فلافي
:
لورادان، ما تقول؟!
لورادان
:
لست أقول سوى الحقيقة، إنَّ روبر دي ليزينيه قد أُطلِق
سبيله.
فلافي
:
ويل لك ما تقول (يدعو) رينالدي.
المشهد التاسع
(فلافي – لورادان – رينالدي – بابيو)
رينالدي
(وهو داخل)
:
ماذا تأمر سيدي؟
فلافي
:
هل السجين الصغير في مكانه؟
رينالدي
:
لا أعلم، سيدي.
فلافي
:
امضي وانظر … والويل لمن يسعى بإنقاذه (رينالدي يخرج، ويبقى لورادان
وفلافي).
لورادان
:
أنت تتعب عبثًا، قلت لك: إنه قد نجا سالمًا.
فلافي
:
انقطع الرجاء!
لورادان
:
وأنت الذي لا تعبأ كثيرًا بالفظائع والآثام، ألم تستطع
أن تتخلص قبل الآن من هذا الولد الضعيف، أما تجرَّأت أنْ
تضرب ضربة قاضية ذلك الشبح الأبيض الذي يحرسه ويدافع
عنه.
فلافي
:
اتصلت بك الجسارة أن تهينني داخل قصري؟! ألا تعلم أني
بكلمة واحدة أعدمك الحياة.
لورادان
(يقاطعه)
:
لا، لا، لستَ تتجرأ على ذلك.
فلافي
:
كثرَت وقاحتك أيُّها الوغد.
لورادان
:
لن تتجرأ على إهلاكي؛ لأن المكان الذي لجأ إليه الأمير
الصغير لا يعرفه أحدٌ سواي، وإن قتلتَني فلست تعرفه
مطلقًا.
فلافي
:
ما هذه الوقاحة! اصمت.
لورادان
:
لا تظن أني طرحت ذاتي بين يديك عن طيش أو جهالة، لا، لا،
غدًا عند الساعة العاشرة إذا لم يُطلَق سبيلي، فأخي جرار
يذهب إلى ليون، ويعرض أمام رفاقي بالحرب الصحائف المدوَّن
عليها أخبار فظائعك الماضية، وجميعهم ينهضون انتصارًا
للعدل، ويهجمون على قصرك هذا، فينقذوني إذا كنت حيًّا، أو
يأخذون بثأري إذا كنت ميتًا.
فلافي
:
فليأتوا! ها أنا بانتظارهم.
(رينالدي يعود مذعورًا.)
رينالدي
:
سيدي، إنَّ السجن فارغٌ، والمحبوس قد هرب.
فلافي
:
أسرع ودقِّق في البحث والتنقيب، والويل ثم الويل لك إنْ
لم تأتني به. (يدعو)
بابيو!
(يدخل بابيو.)
فلافي
:
اذهب بهذا السجين إلى الحبس الأشد ظلامًا في القصر! جان،
إنَّ غضب الصديق القديم سيكون شديدًا جدًّا، وعما قليل
ستختبره (فلافي ورينالدي
يخرجان).
لورادان
:
بابيو، إني مسلِّمٌ — لصدقك وشرفك — الوريثَ الوحيد
للأمير ليزينيه.
بابيو
:
يمكنك الاتِّكال عليَّ، يا سيدي الفارس.
لورادان
:
كم هو علو هذا البرج؟
بابيو
:
ماية قدم، ومن هاته الجهة هو محاطٌ بخنادق مرعبة، ومن
هاته الجهة الأخرى يوجد رواق طويل، وبعده هوة
وسيعة.
لورادان
:
هل خيَّم الظلام؟
بابيو
(ينظر من وراء النافذة)
:
نعم سيدي، إنَّ ريحًا عاصفًا ابتدأ يصفر، وبعض نقط شتاء
تتساقط، إني أرى شيئًا أسود يتحرك بأسفل البرج، يظهر أنه
رجل لابسًا رداءً طويلًا، وهو ينظر قليلًا إلى القصر، ثم
يحرِّك محرمةً بيده.
لورادان
:
يا إلهي، هل هذا هو أخي … (يركض نحو النافذة) بابيو، أسرع وفك قيودي
(بابيو
يطيعه) (لورادان
يأخذ صحيفة ويكتب)، خذ، يا بابيو، هذه
الرسالةَ، واطرحها إلى هذا الرجل الذي نظرته.
بابيو
:
سيدي آه.
لورادان
:
أتتأخر عن ذلك؟! آه إني لم أبحث طويلًا أمام أسوار عكا
قبل مُفاداتي بنفسي لإنقاذك.
بابيو
:
إني خاضع لما تأمرني به، ولو فقدت حياتي.
لورادان
:
ماذا نظرت؟
بابيو
:
لقد التقطها! … يا إلهي، الطف بنا، قد هجم عليه الحارس …
حمي القتال بينهما، قد سقط الحارس صريعًا، والرجل طرح ذاته
بالحفرة ونجا.
لورادان
:
ليكن اسم الرب مباركًا … أتعلم، يا بابيو، أنَّ الذي
سألتُك أنْ تخلصه هو هنا، وهو معلَّق على شفار الهاوية منذ
بضع ساعات؟! فيلزم أن تقطع حديد هذه النافذة، وبعد نصف
الليل بساعة تُدْلي بواسطة حبل على الرواق هذا الولدَ الذي
أحبه أكثر من ذاتي، وكن على ثقة أنه يذكرك بالخير.
بابيو
:
إني فاقدٌ الحياة بذلك لا محالة، ولكن أفادي بنفسي طاعة
لأمرك.
لورادان
:
الآن أنا مستعد أنْ أتبعك حيث تريد.