الفصل الثالث
(يبقى المرسَح على ما كان في الفصل الثاني.)
المشهد الأول
(يظهر بابيو قابضًا على حربة بيده، وواقفًا
وقفةَ حارس محافظ وهو يغني بما معناه):
يسمعون بعيدًا العاصفة تقترب، وضجيجها يمزق سكينة الليل، والظلام
يمتد على الطبيعة فترتعد خوفًا، الطقس بارد، والليل مظلم، فاحرسني
يا إلهي.
بابيو
:
من بالباب؟
رينالدي
:
الوكيل.
بابيو
:
شعار الأمان.
رينالدي
:
«فرنسا.»
بابيو
:
اقطع يا سيدي.
(رينالدي يخرج.)
(بابيو يتابع الغناء)
على ضو البرق أرى غيومًا هائلة، ومن أحشائها المفتوحة
تنقذف العاصفة، فالحداد يغطي الطبيعة وإن أقاسِمْها
اضطرابها. فالليل مظلم والطقس، احرسني يا إلهي.
(يسمع قرع جرس.)
قرع الجرس ودنت الساعة الهائلة. عما قليل سوف يقترب رجل
من البرج، وبواسطة هذا الحبل سأضع بين يديه روبر دي
ليزينيه، وا أسفاه على هذا الولد! لقد مضى عليه زمن طويل
وهو يئنُّ في سجون القصر، ولم أكن أعرف أين هو، ولا أدري
ما هو عليه من الضيق، والآن لقد أنقذتُه، والحمد لله، من
تلك الحجرة السرية؛ حيث كان في خطر السقوط بالهاوية كل
دقيقة، وقد أخفيته في إحدى قاعات القصر … فيا إلهي، أنت
الذي ألهمتني هذا الصنيع، أعطني قوةً لأتممه! أتت الساعة،
فلنذهب … ولكن ها الأمير أقبل.
المشهد الثاني
(فلافي – بابيو)
فلافي
:
هل رأيت شيئًا من أعلى هذا البرج؟
بابيو
:
كلَّا، يا سيدي؛ فالهدوء مستتب، إنما الريح يعصف بشدة،
وسيكون الليل شديد الوطأة.
فلافي
(لذاته)
:
نعم، سيكون هائلًا. (يرفع
صوته) هل ذهب أحدٌ في إثر السجين
المفقود؟
بابيو
:
نعم، سيدي، ولكن أظن أنه نجا لا محالة.
فلافي
:
أين هو رينالدي؟
بابيو
:
لقد مرَّ من هنا منذ هنيهة.
رينالدي
:
سيدي الأمير، لقد قبضنا على أسير جديد وقع في أيدينا،
وهو في زورق تحت أسوار القلعة.
فلافي
:
وما هو اسمه؟
رينالدي
:
لا أعلم، هاك الأوراق التي وجدناها معه (يأخذ فلافي الأوراق، ويقرأها
بلهفة).
بابيو
(لذاته)
:
من تراه يكون هذا الأسير في هذه الساعة، هل هو هو بذاته
… يا إلهي، ارفق بنا (يخرج).
فلافي
(يقرأ)
:
«يوجد نفقٌ تحت الأرض يؤدي من الفندق الأسود إلى القاعة
الأولى في القصر، فبينما الفلاحون يحاصرون القصر يمكنك
الدخول بهذا النفق»، نِعْمَ النصيحة يا رينالدي! ضاعف
الحرس.
رينالدي
:
نعم، سيدي.
فلافي
(يقرأ)
:
«فيا أخي العزيز، إذا خفقت مساعيك اذهب غدًا إلى ليون،
وأخبر رفاقي أنَّ لورادان محبوس في سجون ماتبرن، ويمكنك
الاتكال على شجاعتهم وغيرتهم.»
تعسًا له إذا لم يكن له من محامٍ سواه، فسيبقى طويلًا
تحت قبضة يدي. (يقرأ
أيضًا) «تعالى إلى ما تحت نافذة البرج الأكبر
ساعة بعد قرع الجرس؛ فأحد الجنود الأمناء سيلقي إليك وديعة
ثمينة، لورادان» (بغضب
شديد) ما هي هذه الوديعة؟ ومن هو هذا الجندي
الخائن؟ أجبني في الحال.
رينالدي
:
لا أظن تلك الوديعة إلا الولد الهارب.
فلافي
:
والجندي، من هو؟
رينالدي
:
أظن أنه بابيو؛ لأني نظرته يتحدث مع لورادان.
فلافي
:
تبًّا له من خائن دني! سيُجازى على ما قدمَت يداه،
والسجين لم يخلص بعد، لم يزَل تحت قبضة يدي، امضِ، وعذِّب
بابيو أشد العذابات؛ علَّه يبوح بسرِّ المؤامرة، أرسل من
يشدِّد البحث في إثر الولد، وأتني في الحال
بلورادان.
(يخرج رينالدي ويبقى فلافي
وحده.)
فلافي
:
في هذا الليل سيهاجم الفلاحون قصري. لستُ أخافهم أبدًا،
سوف تتحطم قواتهم، ويلاقون الفشل أمام الصخور الحافظة قصري
من غارات الأعداء، سيلاقون حتفهم هناك، وتكون الخنادق
قبورهم … والسجين الصغير، ماذا جرى له يا ترى؟ أين هو
الآن؟ هل اختبأ في هذا المكان على شفار الهاوية؟ (يفتح الباب) لا يمكنه أنْ
يعيش هنا دقيقة واحدة … ها صاحب المؤامرات قد أقبل
…
المشهد الثالث
(فلافي – لورادان – رينالدي (يدخل ويخرج
حالًا))
فلافي
:
تعلم جيدًا، يا جان، أنك تحت سلطتي، ولا تحيا لا بأمري،
فقل لي الحقيقة، ولا تُحْوِجني للالتجاء إلى ما يعز عليَّ
فعله، ولا تحوجني أنْ أدعو الجلَّاد …
لورادان
:
أتريد مني الحقيقة؟! فها قد قلتها لك، وهل يَعذُب لسمعك
تَردادُها؟!
فلافي
:
لا أبغي سوى معرفة أمر واحد، ينبغي أنْ أطلع عليه؛ كيف
كان الأمر؟ أفَهمتَ جيدًا؟ أخبرني سريعًا ماذا حدث لأسيري
الصغير؟
لورادان
:
روبر دي ليزينيه؟
فلافي
:
نعم.
لورادان
:
قلت لك: إنه نجا سالمًا.
فلافي
:
ومن الذي تجاسر وأنقذه من بين يدي؟
لورادان
:
أنا.
فلافي
:
أما كان معك معاون؟
لورادان
:
كلَّا.
فلافي
:
بلى! قد خدعت بابيو وهو الذي أعانك … (لذاته) يلوح عليه
الاضطراب؛ فإن بابيو خائن حقيقة. (يرفع صوته) عبثًا تنكر ذلك؛ لأن بابيو قد
باح بكل شيء وسط العذاب، والآن قد عوقب على خيانته.
لورادان
:
هل مات بابيو؟
فلافي
:
نعم.
لورادان
:
والسجين؟
فلافي
:
قد قلت لنا: إنه نجا سالمًا.
لورادان
:
إني أجهل إذا كان بابيو نفعني بأمر ما، ولكن مُعيني
الوحيد لا يمكنك أنْ تتناوله بمضرة.
فلافي
(لذاته)
:
لقد صحَّ ما توهَّمتُه … (يرفع
صوته)، ومَن هو هذا الشخص الْمَنيع بهذا
المقدار؟
لورادان
:
ألا تعرف من هو؟ مع أنه يتفقَّدك غالبًا وقت
رقادك.
فلافي
:
أتعني ذلك الشبح الأبيض؟! تلك أوهام!
لورادان
:
أصغِ إليَّ جيدًا، من كان يحفظ مفاتيح السجن الذي كان
مطروحًا به وريثُ ليزينيه؟
فلافي
:
وما يهمك ذلك؟
لورادان
:
يهمني ذلك كثيرًا، قل.
فلافي
:
أنا كنت أحفظها.
لورادان
:
فليس إذن بابيو الذي فتح الأبواب الحديدية، وليس هو
أيضًا الذي أنقذ المحبوس المنكود الحظ من بين يديك، بل
قوةٌ سامية فعلَت ذلك! لقد اكفهرَّ وجهك وأظلمَت عيناك،
فالظاهر أنك ابتدأت تصدق مقالتي، يا لك من جاهل! أتحارب
السماء ولا ترتعد؟!
فلافي
(بعد أنْ يصمت برهةً)
:
نعم، إني أحارب السماء، وسترى أخيرًا من ينال
الظفر.
لورادان
:
اذهب إذن وتمِّم فظائعك الشيطانية؛ فليس لي أنْ أؤخرك عن
هذه الأعمال السامية، هل لك شيء آخر تقوله لي؟
فلافي
:
لم يبق عليَّ سوى أن أعاقبك على جسارتك وقباحتك.
لورادان
:
لن تجسر على ذلك.
فلافي
:
أي عذاب يستأهله ذلك الوقح الذي أتى يبث الهيجان بين
شعبي، والذي تجاسر ودخل إلى قصري قاصدًا الفتك بي؟!
لورادان
:
أي عذاب! إذا نجحَت أعماله، فيستحق إكليل النصر، وإلا
فيفوز بإكليل الشهادة.
فلافي
:
أعِدَّ ذاتك إذن لأحد هذين الأمرين.
لورادان
:
قلتُ لك مرارًا: لا تتجرأ أنْ تتناولني بضرر، فإذا
أهلكتني تهلك ذاتك، أخبرتك أنه في الغد إذا لم تطلق سبيلي
يذهب أخي إلى ليون حالًا.
فلافي
:
وا أسفاه عليك! كان ينبغي لك أنْ تختار رسولًا غير أخيك،
فها قد باق١ بك، وخان عهدك.
لورادان
:
كذبت!
فلافي
:
هاك برهان على صحة ما أقول.
لورادان
:
كذبت!
فلافي
:
لمن هذه الرسالة؟ أما تعرفها؟! إنَّ أخاك قد أعطانيها،
ترى جيدًا أنه تركك.
لورادان
:
آه! آه! ويل لي! أنا المنكود الحظ! قد وقع أخي أسيرًا في
قبضة يديك.
فلافي
:
نعم، أخوك أسيري، والآن أنت وهو تحت سلطتي، اذهب إذن
وبثَّ الهيجان في قلوب رعاياي، ألستُ المسلَّطَ على
حياتكما؟! ألا أستطيع الآن أنْ أعاقبكما أشدَّ العقاب على
ما قدمَت أيديكما؟!
لورادان
:
بلى، يمكنك كل ذلك، ولكن تلك اليد السرية التي اقتادتني
إلى هنا، والتي حفظتني حتى الآن هي قادرة أنْ تنقذني من
بين يديك.
فلافي
:
هل أنت أيضًا متكل على الفلاحين، خذ اقرأ.
لورادان
:
قد فشى سِرَّنا وخاب الأمل!
فلافي
:
لستَ الآن متعجرفًا كما كنتَ قبل قليل، فماذا بقي
لك؟
لورادان
:
لم يبقَ لي سوى أن أُعانق أخي، وأنتظرَ الموت.
فلافي
(يدعو)
:
رينالدي (رينالدي وجرار
يدخلان).
المشهد الرابع
(فلافي – لورادان – جرار – رينالدي)
رينالدي
:
كنت بانتظار أوامرك سيدي.
جرار
(يركض نحو أخيه)
:
أخي جان، قد خسرنا كل شيء!
فلافي
(إلى جرار)
:
لا، بل أنا أظن غير ذلك، قد فزتم بأتم النجاح، كنتم
ترومون أنْ تدخلوا قصري، فها قد دخلتم، والآن يمكنكم بكل
حرية أن تتمموا مؤامرتكم.
جرار
:
أمِتْنا إن شئت، ولا تهزأ بمصائبنا وتمتهن شرفنا.
فلافي
:
سيكون لكم ما ترغبون. (يأخذ
رينالدي إلى حفَّة المرسَح ويسأله) هل كل شيء
في هدوٍّ؟
رينالدي
:
نعم سيدي، قد ضاعفنا الحرس، وإذا حدث هجوم فالجميع
مستعدون للدفاع الشديد حتى الموت.
فلافي
:
وبابيو ماذا صار فيه؟
رينالدي
:
قد شددت عليه العذاب، فأقر أنه يعرف مقر الولد، ووعد بأن
يهدينا إليه.
فلافي
:
الآن أشعر كأن حملًا ثقيلًا قد زيح عن ظهري، فلنضاعف
الحرس وتكثر السهر، ولما يقرع الجرس نصف الليل (ينظر نحو الفارسين) …
أفهمت؟
رينالدي
:
نعم، سيدي.
فلافي
:
اتبعني.
(في هذا الخطاب يبقى جرار ولورادان في
صدر المرسَح يتحدثان سرًّا.)
(يخرج فلافي ورينالدي.)
المشهد الخامس
(لورادان – جرار)
جرار
:
عبثًا تحاول تعزيتنا! لقد انقطع الرجا، يا أخي. أنا، أنا
الذي سببتُ وقوعك.
لورادان
:
جرار، ما تقول!
جرار
:
نعم، نعم، كان ينبغي لي أن أسير بفطنة أكثرَ مما سِرْت.
تلك الأوراق التي كنت أحملها معي كان يجب عليَّ أنْ أخفيها
أو أتلفها.
لورادان
:
جرار، تشجَّع ولا تقطع الرجاء، ألستُ مَن سبَّب وقوعك في
هذا المصاب؟! هل عليك أنت نذر تفيه، أم إثم تكفر عنه؟! أنا
هو الذي ظهرَت لي السيدة البيضاء، وباحَت لي بالسر العجيب
الذي أرجف قلب فلافي.
جرار
:
والولد، يا أخي، أين هو الآن؟
لورادان
:
إنه بقي زمنًا مختبئًا في هذا المكان، وقد كان هذا
المنكود الحظ كأنه ضمن القبر، وهذا هو المحل الذي يدفن به
فلافي من يريد أن يفتك بهم، فخلَّصه بابيو، وخبأه في البرج
الكبير، ومن هناك كنا اعتمدنا أنْ نسلِّمك إياه.
جرار
:
وبابيو، ماذا حدث له؟
لورادان
:
لم يزل بين أيدي فلافي.
جرار
:
آه! قد هلك لا محالة.
لورادان
:
إنَّ فلافي هو كاذبٌ فيما قاله، فلا يعلم أحدٌ سوى بابيو
أين السجين مختبئ، وهذا الطاغية لا يقتله قبل أنْ يستطلع
منه الأسرار.
جرار
:
أوَما تظن أنَّ العذابات أحوجت بابيو إلى
الإقرار؟
لورادان
:
لا، لا، إنَّ فلافي ما زال كئيبًا حزينًا؛ وذلك لأنه
يجهل ماذا جرى للولد.
جرار
:
ليته يجهله أيضًا بعض ساعات.
لورادان
:
وهل تصير مهاجمة القصر في هذا الليل؟
جرار
:
نعم، عند نصف الليل يخرج الفلَّاحون من الغابة بكل نظام،
وقد انضمَّ إلينا عدد من أبطال الفرسان الذين كانوا ذاهبين
إلى الأراضي المقدَّسة، وقد هيَّأنا السلالم وكل ما يلزم
من العدد، وجميع رجالنا مستعدة للقتال حتى الموت أو الفوز
بالنصر.
لورادان
:
أتدري أنَّ فلافي عارف بكل شيء، وستكون الحرب
هائلة؟
جرار
:
آه! لو كنَّا نجحنا، وتمكنَّا من إنقاذ الأمير دي
ليزينيه فكم كان ازداد فرح المقاتلين وشجاعتهم! إنهم
يحبونه قبل أن يعرفوه، فلو كانوا نظروه لكانوا صنعوا
الغرايب.
لورادان
:
أسمع وقع أقدام، ها الجلَّاد قد أقبل بدون شك.
جرار
:
إني بانتظاره بدون خوف، وها أنا مستعد للظهور أمام
الله.
(ينزَوِيان بأطراف المرسَح لما ينظرون
بابيو مقيَّدًا بالأغلال.)
المشهد السادس
(لورادان – جرار – رينالدي – بابيو)
رينالدي
:
أراك لا تستطيع الوقوف يا بابيو.
بابيو
:
وهل من عجب إذا ضعفت أعضائي بعد ما قاسيتُه من العذابات
والآلام المبرحة.
رينالدي
:
ولماذا لا تبوح بالسر؟
بابيو
:
إني أريد أنْ أطلعك على كل شيء، وأسلمك الولد الذي تبحث
عنه، ولكن ينبغي لذلك أنْ تحلني من قيودي تمامًا.
رينالدي
:
ولم؟
بابيو
:
حتى أصل إلى محل الولد؛ لأنه ينبغي لي أنْ أمشي على شفير
الهاوية، فيجب لذلك أنْ أكون مطلق الحرية.
رينالدي
:
إني صانع معك كل ما تريد.
(يخلص بابيو من قيوده، فيقبض هذا على
السيف، ويضعه في صدر رينالدي.)
بابيو
:
أتى دوري الآن.
رينالدي
:
بابيو! بابيو!
بابيو
:
لا تتعب برجائي.
رينالدي
(يسقط على ركبتيه)
:
الرحمة الرحمة!
بابيو
:
اذكر يا شقي كم طلبتُ منك الشفقة لما كانت عظامي تقرقع
تحت الخشبة، وجلدي يتمزق تحت المجلدة، هل أخذَتْك حينئذٍ
شفقة على صراخي، فتطمعَ الآن أنْ أرحمك؟!
رينالدي
:
ارحمني يا سيدي، وأبعد عني هذا السيف …
بابيو
:
إذا كنت أمامي، أيُّها الشقي، ترتعد فرائصك مثل أحقر
الأولاد، فكيف يكون حالك أمام منبر الله القاضي المنتقم،
أيهما هو لورادان؟!
لورادان
(يتقدم ومعه جرار)
:
أنا هنا أيُّها الشهم بابيو.
بابيو
:
ألم تزالا أسيرين؟ رينالدي، حُلَّ هذين الفارسين في
الحال. أعطني مفاتيح القصر.
رينالدي
:
ها هي.
بابيو
:
لم يبق الآن سوى أن تنتظر الموت.
رينالدي
(يسقط على ركبتيه)
:
لورادان، ارحمني، أشفق علي، أتريد أن أخون فلافي وأفتك
به؟! أتريد أن أسلمكم القصر؟! أنا مستعد لكل ما تأمرونني
به، فقط لا تعدموني الحياة.
لورادان
:
تبًّا لك من دني خسيس! دعه يعيش؛ فلا يليق بنا أن نهرق
دم من كان بهذه الدناءة، عش، ولكن تبقى مغللًا بهذه
السلاسل، كبِّلْه، بابيو، بالقيود. (بابيو يقيِّد رينالدي بالسلاسل
المعلقة بالحائط، ويطرح المفاتيح بالأرض. يسمع قرع
الجرس وبعده صراخ …)
بابيو
:
قد هوجم القصر! (يصرخ.)
(لورادان وجرار: يصرخان، يستلان
سيوفهما ويخرجان، ويبقى رينالدي وحده مكبلًا
بالقيود.)
رينالدي
:
هل أنا في منام؟ لا، أنا حقيقةً مكبَّل بالقيود، ويل لي
من جاهل أعمى! قد سلمت ذاتي إلى أمانة جندي، أما كان ينبغي
لي أن أعرف جيدًا أنَّ مَن كان مثلي جلادًا عند فلافي ليس
له أن ينتظر أمانةً وشفقةً من أحد؟! قد تعاظمَت الضوضاء،
وهوجم القصر من كل الجوانب، أخذتني الرعدة، أسمع وقع
أقدام، من هو هذا يا ترى؟! لقد اقترب مني، ما الذي أراه،
ها هو الولد المحبوس …
المشهد السابع
(رينالدي مُقيِّدًا روبر)
روبر
(لذاته)
:
قد حرم عليَّ بابيو أن أخرج من مكاني، ولكني لا أستطيع
ذلك، إنَّ هذه الضوضاء وصليل السلاح قد أرعدا فرائصي،
وأحدثا بي من الخوف ما لم أشعر به بمدة حياتي! يا ليتني
كنت متقلدًا السلاح مثل لورادان، فكنت أخوض الحرب مع
المقاتلين، وأظفر مثلهم بأكلة النصر! من هو هذا الرجل
المختبئ داخل هذا المكان؟
رينالدي
:
أنا رجل أسير منكود الحظ، ارفق بي، يا سيدي، وحلني من
وثاقي.
روبر
:
آه! عرفتك، أما أنت ذلك الذي كنت تعاملني بقساوة
بربرية؟!
رينالدي
:
آه، يا سيدي، لقد عاقبني الله على ذنوبي، لو كنت تعلم ما
أقاسي من العذاب لكنت تشفق عليَّ.
روبر
:
وما الذي يعذِّبك؟
رينالدي
:
انظر هول السلاسل والقيود؛ فقد كسرت عظامي، ومزقت لحمي،
فإن حلَّيْتني فإني أدافع عنك حتى الموت.
روبر
:
وهل أقدر أنْ أحلَّك؟
رينالدي
:
نعم، خذ هذه المفاتيح، فتجد بينها المفتاح الذي يحلني من
قيودي، ارحمني، يا سيدي، ارحمني.
روبر
:
لقد تحنَّن قلبي عليه (يأخذ
المفاتيح ويقدِّمها إلى رينالدي).
رينالدي
(يدلُّه على واحد)
:
هذا هو.
روبر
(يفتح الأقفال)
:
اذهب، أنت حر.
رينالدي
(يقبض على الولد)
:
وقعتَ الآن في قبضة يدي.
روبر
:
في قبضة يدك! يا لئيم!
رينالدي
:
نعم، اذهب معي نحو الأمير.
روبر
:
لا، بل أهرق دمي هنا.
المشهد الثامن
(فلافي – روبر – رينالدي)
فلافي
(يدخل راكضًا مذعورًا والسيف
بيده)
:
لقد خسرنا كل شيء، والفلَّاحون قد استولَوْا على القصر،
الويل لنا! قد هلكنا.
رينالدي
:
سيدي، ماذا حدث؟
فلافي
:
لقد خنتَني، يا لئيم، هل تممت كل ما أمرتك به؟
رينالدي
:
سيدي أنا …
فلافي
:
أين هم الأسرى؟
رينالدي
:
ارحمني، يا سيدي.
فلافي
:
الويل لك يا خائن! لقد أطلقت سبيلهم، وفتحت أمامهم أبواب
القصر! أنت سبب هلاكي فخذ جزاء خيانتك (ويصفعه)، اذهب فليس قبرك
ببعيد (يطرحه وراء
الحجاب) (ينظر
الولد في صدر المرسح)، آه! ما الذي أراه؟!
هذا هو الولد الملعون، أنت أيضًا سبب موتي، ولكن ستذهب معي
إلى القبر (ويهجم
عليه).
روبر
(يسقط على ركبتيه)
:
يا أماه، تعالَي لمعونتي!
(هنا يظلم المرسح ويظهر الشبح، عند هذا
المنظر يقف فلافي متحيرًا وقاطعًا رجاه، فيصرخ): السماء
والأرض تحارب جندي، فها أنا أموت متروكًا من الله
والبشر.
(ثم يضرب ذاته، وينطرح وراء الحجاب،
روبر يبدو راكعًا، والشبح يَخطِر بهدوء.)
روبر
:
لقد سقط في الوهدة … أيتها السيدة أمي، التي حميتِني منذ
اثنتي عشرة سنة، كوني مباركة.
الشبح
:
ولدي، اذهب بسلام (يتوارى).
روبر
(يركض نحو المكان الذي توارت فيه
السيدة)
:
أماه! أماه! لا تتركيني، تركتني وحدي! ماذا يحدث بي! لو
كنت أقدر أخرج من هذا المكان لكنت أجتمع بلورادان، وأقاتل
مع الذين يحاربون عني. ما هذه الضوضاء الجديدة التي
أسمعها؟ هل انتهى القتال؟ قد اقتربت الضوضاء منا، يا إلهي!
ها لورادان قد أقبل! لورادان! …
المشهد التاسع
(روبر – لورادان – جرار – بابيو (حاملًا السيف) –
فرسان – جنود وفلاحون)
لورادان
(يدخل بغتة)
:
استولينا على القصر، وفزنا بالظفَر.
(يصرخ الجميع صراخ الانتصار.)
روبر
(يركض نحو لورادان)
:
أنت مخلِّصي.
لورادان
(يأخذه بيده)
:
أيها الفرسان العظام، والأبطال الكرام، ها هو الأسير
الصغير الذي أخبرتكم عنه، ها هو الوريث الوحيد الباقي من
أصل الأمير ليزينيه الطيب الذِّكر والأثَر، ها هو الذي
حاربتم لأجله، وكُلِّلَت أعمالكم بالنصر، ها هو صاحب قصر
مانبرن وأميركم.
(الجميع يحركون قبعاتهم فرحًا
ويصرخون): يحيا روبر دي ليزينيه، يحيا روبر دي
ليزينيه.
(هنا يغني الجوق):
فليسقط الظالم، لقد ظفرنا به أخيرًا، فقفوا يا أصحابنا،
غنوا، فانهضوا أيتها الجموع الشجاعة، ولا تكونوا أبدًا
عبيدًا؛ فقد مضى زمن النَّوح والبكاء، فيا أيتها العناية
الإلهية، بعد عذاب شديد، أعدتِ لنا الرجاء، آه إننا
نباركك.