الجذور
ليس بإمكان مستر جين إلا أن يكون رجلًا مختلفًا، ومنذ ميلاده، حيث كان أول طفل أنابيب أُنتج بشكل سري في العالم، وهو نتيجة تجربة وضع دكتور فرانسيس بيترهل لها نسبة فشل قام بها مع بعض معاونيه في الخفاء، بعيدًا عن أنف الصحافة ويد المحكمة العليا التي حرمت إقامة التجارب على الجنس البشري، بعيدًا عن سمع وبصر منظمات حماية حقوق الإنسان، كان ذلك في ١٩٢٢ بمدينة بوسطن. الحيوان المَنَويُّ الذي استُخدم في التجربة تبرع به فرانسيس نفسه، أما الأم المضيفة فهي خادمة صغيرة وفية لفرانسيس، هي التي أصبحت فيما بعد عشيقة له ولثلاثين عامًا، أنجب منها طفلتين أوديسا وإليازا، أما البويضة فقد حصل عليها من فتاة ليل جميلة مقابل مائة دولار، ويضاف إليها مائة أخرى مقابل ألا يجيب عن سؤالها: ماذا تُريد أن تفعل ببويضتي؟
وهي أيضًا ليست أمه، أكد له والده من الناحية الوراثية البحتة أن أمه هي صاحبة البويضة فتاة الليل الجميلة الشقراء سندرييلا فلييني، ولا أحد يعرف عن مصيرها شيئًا، ولكن من اسمها تبدو إيطالية، لأيهم — كما قال لأبيه — إذا لم تشترِ منها البويضة لسقطت من تلقاء نفسها مع دم الحيض.
فأمي إذن ليست صاحبة البويضة، ولا مادونا البيضاء/السوداء/الحمراء لأنها استضافت البويضة، ولكن أمي المفترضة من راقدها أبي، أودعها ماءه، تكرمت ببويضتها ثم أنجبتني.
فإما أن يكون لي أُمَّان، وإما أن أكون مثل آدم، لا أب لي لا أم، ومثل عيسى لا أب!
إذن لماذا سمي جين؟
باعتراف فرانسيس، إنه حاول معالجة بعض الموروثات ولكن واجهته مشكلة تفريزها، التي تحتاج إلى آلية إلكترونية متقدمة تنقصه في ذلك الوقت. كان جين طالبًا متفوقًا في الكيمياء الذرية، والبحث الأكاديمي الذي قدمه عن هاهن وإشتر إسمان وأبحاثهما التي أجرياها في برلين في ١٩٣٩ عن تحولات النواة، تنبأ بأن هذه الأبحاث ستؤسس لتطور في أبحاث النواة قد يقضي على الحياة بكاملها في بحر ساعة ونصف من الزمان، وهذا شبيه بما أكدته في المستقبل في صيف ١٩٤١ لجنة السير طومسون في تقريرها الشهير. كان رجلًا مجتهدًا ذا علاقات أكاديمية واسعة، وله مقدرة لا تحدها حدود على تحمل النتائج الفاشلة وإعادة التجربة مرة تلو الأخرى، كان لا يهتم بشيء غير البحث المتواصل، وبيته ليس سوى المعمل ذاته، كان صوفيًّا بعمق معنى الكلمة، مثقفًا في عدة مجالات.
١٩٤٤: نال درجة الدكتوراه برسالة في الصنف ٤٢٣٥ يورانيوم.
١٩٥٢: رُشِّح لجائزة نوبل في الكيمياء.
١٩٥٢–١٩٥٤: تَفَرَّغ للعمل كمحاضر في جامعة دبلن.
١٩٥٥: التقى بماريانا وهي في ذلك الوقت كانت مُحَاضِرة في علوم الطاقة النووية بجامعة كلورادو، وتزوَّجها في نفس العام.
١٩٥٥: تفرَّغ هو وزوجه ماريانا تمامًا للبحث الأكاديمي في موضوع تطوير الأسلحة التقليدية على ضوء التقدم في مجال انشطار الذرة.
١٩٦٦: أُصِيبت مدام جين بمرض خطير استحال تشخيصه.
١٩٦٩: اختفى آل جين تمامًا في ظروف غامضة!
وقف ثلاثة من المحاربين عند بوابة المبنى الخشبية يحملون حرابًا ذات أسنان لامعة مدهونة بسم الثعبان المخلوط بشحمه، يرتدون أرحاطًا من اللحاء الناعم لشجرة الحبحب، حِرَابهم متوجِّهة نحو الأرض بنهاياتها الحادَّة، وهذا يعني … وكلما تعلم جين أنهم في شأن مرسال أرسل إليهم فلوباندو: ضعوا حرابكم على الأرض أيها المحاربون. وهذه الجملة تعني: تفضلوا.
– نحن على عجل، يريد الكواكيرو أن يلتقي بالبونا غدًا عندما تعلو الشمس هامات الأشجار العالية.
هكذا رد عليها أكبر المحاربين عمرًا.
– الأرض كلها بيته.
فشكرها المحاربون وانصرفوا وهم يتحدثون عن ثيابها الجميلة، وأنها أصبحت ناعمة كزيت النخيل. وقال سوانتيبو وهو أصغر المحاربين الثلاثة: إنها تحتاج لمحارب مثلي لا تتعبه مراقدة الفتيات أبدًا.
فرد عليه المحاربان الآخران بسرعة وفي آن واحد: ومن تظن أن مراقدة الفتيات تتعبه؟
•••
مسز جين الهزيلة دائمًا ما تكحُّ في ألم، خاصة قبل طلوع الشمس حيث تنخفض درجة الحرارة وتعلو درجة رطوبة الجو. فلوباندو لا يتعبها جلب الأحطاب الجافة للمدفأة الحائطية، ولا تكل أو تمل من الإيفاء بطلبات مسز جين، في سرعة بالغة. في الحق كانت مسز جين لا تستطيع القيام بأي نشاط عضلي يتطلب مجهودًا ولو قليلًا، كأن تحرك منضدة الخشب الصغيرة الموضوعة أمام سريرها إلى النافذة، كأن تمشي إلى ما بعد شجرة المانجو الكبيرة عبر عشب النجيل المتوحش، كأن تقود السيارة الجيب إلى مسافة بعيدة، كانت فلوباندو قد تعلمت قيادة السيارة في الشهر الثاني لوصول الجين إلى الدغل، ولكنها لم تكن ماهرة في القيادة، لكن بمساعدة مستر أو مسز جين … وتعرف الآن كيف تستعمل مقياس الزيت، كيف تستبدل الزيت، كيف تشحن بطارية الجيب الفارغة من التيار الكهربائي المتولد من الطاقة الشمسية، وتستطيع تغيير الإطارات وصيانتها …
كانت فلوباندو سيدة خباثات مستر جين، بعد شهر واحد يبلغ الجين عامهم الثالث بالدغل، وتبلغ فلوباندو عامها الثاني عشر، وتشمخ بنيتها الجسدية لعمر يفوق الثامن عشر، فلوباندو الجميلة ذكية أيضًا؛ لأنها تتحدث لغة البونا بطلاقة وكأنها لغتها الأم، وماريانا الشاحبة المصابة بداء التلوث الكيميائي المشع كانت ذات وجه مستدير شديد البياض وعينين كبيرتين خضراوين كعيني قط بري، هي وزوجها يتحدثان لغة «شاري» و«فترا» و«لالا» بلهجتيهما، «لالا» و«فترا»، وهما سكان الدغل الأوسط والشمالي، «لالا كيكي»، وهم سكان الشرق والغرب، علمتها ذلك فلوباندو. ويعرفان كثيرًا من الطقوس وجمل الاحترام، ويحفظان سبعًا وثلاثين حكمة عن حكيم وجدِّ وعرَّاب الدغليين برم بجيل.
أرسل أصغر المحاربين ليعلم مستر جين أن الكواكيرو في انتظاره، في ذات اللحظة التي ظهر فيها مستر جين بنفسه صائحًا بصوت مرح: واوا تليب سيسوي، واوا تريب دن قوا بدو.
أنتم في بيتكم، أنتم في بيتكم الكبير …
وهكذا كان يُخاطب أعيان القبيلة، وهكذا يُحترمون. ولأنهم قوم أحق بالاحترام تخطوا الدهشة وقفزوا على خيبة الانفعال الأولى وصاحوا معًا: نووسا ما.
السحابة بيت الريح.
وبعد أخذ ورد في كلام المجاملات وهي كما يقول برم بجيل: غسيل القلوب. أكلوا، شربوا، قالوا.
ضحك مستر جين كثيرًا، ثم تحدث مشجعًا إياهم على الفكرة، ولكنه قال: ولكن الطريق وعرة، ولا يمكن للعربة أن تسير على الأشجار.
قال له أبريا، الرجل الثاني الضخم — ويقال له أحيانا نوسا مانديبا — نعرف طريقًا كان يسلكها عمال شركة الأخشاب قبل أعوام كثيرة، وكانت لديهم شاحنات تحمل الأخشاب الضخمة، والآن لم تنبت على الطريق سوى بعض الشجيرات الصغيرة، وبإمكاننا اصطحاب جمع من المحاربين يقومون بقطع الأشجار بالفئوس. قال جين: ولكن هذا يأخذ زمنًا طويلًا أكثر مما لو ذهبنا للاجتماع بالحمير الوحشية أو بأرجلنا.
وانفجر الجميع بالضحك …
ولكي يصل وفد قبيلة «لالا» للاجتماع السنوي في الميعاد المطلوب، قرروا ابتداء الرحلة قبل يومين من الزمن المحدد، واضعين ظروف الطريق في الاعتبار، وكان يوم بدء الرحلة هو اليوم الذي سيذكره الأطفال لأحفادهم بعد عشرات السنين، وسيقول الكبار ضاربين كفًّا بكفٍّ وهم يشربون الدنبا واليازو والكافي تحت أشجار المهوقني: عشنا وشفنا، قضى مستر جين وفلوباندو قرابة الساعتين يجهزان العربة للرحلة الطويلة وسط حشد من الأطفال والنساء وبعض المحاربين الذين صعدوا على الأشجار يراقبون الموقف عن كثب، إيقاع النقارة يعلو حينًا وينخفض، آتيًا من قلب القرية عبر الأشجار والعشب، السماء لن تمطر إلا عندما تسقط الشمس، ستمطر قليلًا، والمطر شيء عادي وبسيط ولا يقلق أحدًا، فهو — تقريبًا — يهطل طوال العام، ولكن هنالك أشهر تزداد فيها كمية الأمطار بشكل ملحوظ. مسز جين كانت في حالة مزاجية معتدلة، أخذت تتمشى عند طليعة الأشجار الكثيفة وهي بين حين وآخر ترمي حجرًا على كومة من الأعشاب، فتخرج الأرانب هاربة في سرعة البرق، أو تهش الثعابين، وعلى إيقاع النقارة أيضًا يتشكل في خيالها الاحتفال، الراقصون والراقصات، وهي تعشق بشكل جنوني رقصة الصياد والغزالة، التي في الأصل هي جنة، وكانت تسميها هي «أوبرا الدغل»، لم تلحظ مسز جين الصبي الصغير الذي يتبعها من بعد، وكلما أحس بأنها ستلتفت وتراه اختفى خلف كومة من الأعشاب أو وراء ساق مهوقني، الطفل كلفته فلوباندو.
عندما أطلق مستر جين بوق العربة ثلاث مرات متتالية، هرب الأطفال واختفوا بين أعشاب الغابة، وفي خوفهم أخذت النسوة في الضحك الذي يعبر أكثر ما يعبر عن خوف مدهوش، آخر جيل شاهد عربة في هذه الأمكنة يبلغ الآن أصغر فرد فيه من العمر سبعين عامًا.
•••
يُقام المؤتمر القبلي بأرض قبيلة «شاري» كل عشر سنوات، و«شاري» أكبر قبائل الدغل الشمالي والأوسط عددًا، وأكثرها بأسًا وقوة، وهي مخافة الحكومة المركزية في الشرق، أكبر مخافاتها.
تمتلك «شاري» ٥٪ من الثروة الحيوانية في الدولة، وبأراضيها منجم احتياطي من البترول في وسط القارة، وبها منجم الذهب الكبير على سفح جُبيل «فترا بشير»، ولو أنه الآن تحت إدارة الحكومة المركزية الشرقية مباشرة، ويُمنع الاقتراب منه ولو على بعد مائة ميل إلا بترخيص سابق، مستحيل، من قوة إديا الوطنية للأمن العام، ولكن يظل «شاري» وأهل الدغل الشمالي يمتلكون سبائك من الذهب لا حصر لها، يحصلون عليها من مناجم محلية بأسلوب بلدي، مواقع لا تعرفها حكومة الشرق المركزية يسمونها فيما بينهم «إبط الشيطان»، ويحرسها محاربون من كل قبائل الدغل الأوسط والشمالي، وهي ثلاث قبائل كبيرة: «فترا»، «شاري»، «لالا»، ولها خشم بيوتاتها.
عندما ربطت أحزمة أمان الجميع، أدار مستر جين المحرِّك، حينها صاح الأعضاء العظام بصوت واحد: شوونا بانا …
وعلا صوت النقارة، ثارت الأغبرة من تحت أرجل الراقصين، طارت الأطيار من الأشجار المجاورة، هربت الكلاب بعيدًا، بعيدًا، والأطفال اقتربوا أكثر وأكثر، وبعد أن دارت العربة دورتين حول شجرة حبحب ضخمة راقدة بين شجيرات الإيفوربيا، والسلعلع، والنجيل المتوحش، توقفت، كانت مسز جين تلوِّح إليه من بعيد أن ينتظر، كانت هي الأخرى جميلة في هذا اليوم ونشطة، وعندما قربت نزل مستر جين من العربة، مشى نحوها، كان الدغليون ينظرون إليهما مندهشين، ماذا يريد أن يفعل البونا، ولكن عندما قبلت مستر جين خفض الجميع رءوسهم للأرض.
•••
وفدنا سيذهب إلى الاجتماع على ظهر عربة لا كالقبائل الأخرى على ظُهور الحمير، سلطان قدايا نفسه سيأتي على ظهر حمار وحشي على أحسن تقدير، سلطان الدغليين كلهم، الشرق أيضًا يحترمه ويقدر كلمته.
جئت على عربة، إنها سيئة، تجعل بطني تهتز كقربة ماء، وتملأ جلد النمر الذي أرتديه غبارًا، وربما اصطدمت بصخرة أو بشجرةٍ أو بتلة ألقت بنا على الأرض، ولكننا أتينا على عربة. وهكذا يترحل البونا البرص في بلادهم ما وراء الأدغال، خطوة جيدة في سكة التطور، نحن دائمًا نسعى لكي نصبح الأفضل في الدغل.
آه لو أطعنا هذا السيد الأبرص وبنى لنا بيتًا لتلقي المعرفة، بيتًا لتلقي العلاج، وبيتًا لصناعة مثل هذا الشيء الذي يجري كالنمر الأرقط! بإمكاننا استثمار ذهب القبيلة من أجل ذلك. آه لو عاد الأبناء من البلاد المتقدمة! لأنهم سيحققون أحلام القبيلة كلها في رمشة عين، وليطير البونا مع الرياح، بالتأكيد سيركع الدغل كله لنا، وليندموا ما شاء لهم وليشربوا الكشو، إنهم أبناؤنا وعلمناهم بدمنا، إنهم لم يرسلوا أبناءهم لتلقي العلم.
كان ينظر لمستر جين، الذي يهتز رأسه مع كل قفزة للجيب على خور أو بقايا شجرة صعب على المحاربين اقتلاعها …
أبرص قبيح متخلف.
•••
هاشي ما، سيدة كبيرة في العمر، وأكبر من سنها حكمتها، عايشت شركة الأخشاب وهي طفلة؛ ترى العربات التي تجرها حُمر الوحش وعليها جذوع أشجار التك والمهوقني الضخمة، رأت أيضًا العربات الصغيرة التي يستغلها مواطنون من الدغل الشرقي والبونا على حد سواء في التنقل السريع، ورأت بعض شاحنات الخشب الآلية أيضًا تنهب الأرض مثيرةً للأغبرة مصدرة دخانًا كثيفًا، ورأت بأم عينيها الفأس التي تعمل وحدها وبسرعة الشيطان في قطع الأشجار، حتى تلك التي ليس بإمكان مائة محارب أشداء قطعها في شهر كامل، تستطيع هذه الفئوس ذات الصراخ المرعب قطعها في لمحِ البصر.
ورأت، ولكنها لأول مرة تركب هذا الشيء المدهش وتتمنى وبصدق، أن يتوقف هذا الوحش المجنون، ينزلها هنا، وسأمضي بأقدامي إلى حيث الاجتماع: هششش كلوا …
مر بمخيلتها يوم لقاء المجلس لأول مرَّة مع جين، وكانت فلوباندو في ذلك الوقت تترجم بصعوبة حيث لم تمكث مع البونا سوى ثلاثة أشهر، وتذكرت قول جين لهم: لا تدهشكم حضارتنا، إن ضررها لهو أكثر من نفعها.
وتذكر رده عندما طلب من الكواكيرو لأول مرة إنشاء بيت للتعلم وآخر للتشفي، وتذكر تعليقه الغريب على إرسال الأطفال إلى المدينة للتعلم: «هذا أسوأ ما يمكن القيام به تجاه أبنائكم، والأجدر أن تحتفظوا بذهبكم وبقركم للمفاخرة بدلًا من صرفها في شيء سيعود إليكم بالخراب.» كيف ذلك أيها البونا؟ قال: «أنتم الآن تعالجون مرضاكم بما لديكم من طرق ورثتموها من أجدادكم وأعشاب تنمو بالدغل بكثرة، أنتم الآن تديرون شئون الدغل بينكم بأسلوب رفيع وتراضٍ تامٍّ، أنتم تأكلون وتشربون وتنامون وتنجبون أطفالًا، وتزرعون وتحصدون وتصطادون وتركبون حمر الوحش، فماذا تظنون أن أبناءكم سوف يضيفون إلى ذلك؟»
نحن نتطلع إلى حياة أفضل، فإلى متى نظل نتعالج بالكشو والطج؟ نعرف أن بالشرق علاجًا أسرع شفاؤه لمرض الحمَّى وله طعم حلو، إلى متى نظل لا نعرف شيئًا عن القراءة والكتابة؟ وحتى الخطابات التي يرسلها لنا أبناؤنا تظل مغلقة إلى حين عودتهم، أتظن أن هذا أفضل لنا؟ قال وهو يهز كتفيه بغير مبالاة: «لا أدري، في الحق لا أدري، ولكن، ولكن أقول لكم: احذروا الحضارة.»
قالت هاشي ما في ذاتها وهي تعيد شريط الذكريات: البونا على حق، ماذا لو انكفأت هذه العربة بنا الآن؟ نصبح أول ضحايا للحضارة.
من منا سينجو؟
كانت تراقب رأسه وهي تهتز كلما قفزت العربة على جذع أو حفرة: أبرص حكيم.
توقفت العربة قرب جمع من المحاربين يدفنون خورًا يعترض طريق العربة، وعلى ما يعتقد أن شركة الأخشاب الوطنية كانت تستخدم كوبرى جوَّالًا وعند رحيلها أخذته معها. عند هذا الخور قضى مجلس القرية المسافر ليلته وليمة للبعوض والقُراد الأسود العبيط، أشعل المحاربون نارًا مدخِّنة لطرد الطائر من الحشرات وإبعاد كلب السُّمع والحيوانات المفترسة الأخرى بعيدًا، وكانت فرصة ذهبية لمجلس القبيلة المسافر للنقاش مع مستر جين بشأن مستقبل الدَّغل وقبيلة «لالا» المتطلعة دومًا للمجد والمتشعبطة بركب الحضارة تشعبطًا.
وهي الليلة المباركة نفسها التي أُقنع فيها مستر جين بفتح بيت للتعليم بسنتا، الذي طُرِدَ منه فيما بعد عندما أخذ يعلم أطفالهم — على حد قولهم — ما لا يفيد، إنه يعود بهم إلى الوراء سنوات كثيرة. وهي الليلة المشئومة، التي شهدت أول تمرد من قبل المحاربين تجاه مجلس قبيلتهم الموقَّر، كان المحاربون يعملون بكد وجهد في دفن ما يمكِّن العربة من عبور الخور، وكانوا يقطعون الأخشاب الجافة لوضعها على النيران لكي لا تنطفئ، وكلما عطشوا شربوا الدنبا، وكلما جاعوا شوَوْا صيدهم من الأرانب والغزلان، ولكنهم على ما يبدو ليسوا براضين عما يفعلون؛ لأن «ينبو» هذا محارب مشاكس ذو بنية جسدية أسطورية، وكان يرغب في الهجرة إلى مدينة نيلوا لتلقي العلم مع صديقيه قاشي وتيوفو، ولكن رؤية مجلس القرية فيه بأنه يصلح لحماية «إبط الشيطان» والقرية، وهو أكثر فائدة بالدغل، ونسبة لميوله الفوضويَّة رئى أنه سيفسد في المدينة. تنبه إلى حقيقة أن مهمة المحارب هي الدفاع عن القرية والحرب، وليست الأعمال الشاقة، الآن نحن نقدم خدمة للقرية، لمكانة القرية، لرفعتها.
– لا، من يُرجى منهم تقديم خدمة تساهم في رفعة القرية ومكانتها ليس نحن، إنهم هنالك وراء الدغل منعمون يقرءون ويكتبون، ألم تشاهدوا بأم عينيكم سامبا ولد مزاكي عندما عاد لرؤية قبر والده، هل كان يشبهكم؟
هل كان يشبه سامبا نفسه صديقنا الذي قرصته الكراواوا في أذنه عشر مرات ورغم ذلك استطاع أن يأخذ طعامها؟ قال له محارب شاب: أنت تعبت يا ينبو، وغلبك العمل لا أكثر، وإلَّا فلكل شخص دوره في الحياة.
ضحك ينبو بصوته الغليظ قائلًا: أنت تفهم جيدًا، إذن نحن لحماية القبيلة وللحرب.
ولكن ينبو جمع حوله أفرادًا ليسوا بالقليل من المحاربين أعلنوا: إننا لن نتعاون، واكتفوا بالشواء وشراب الدنبا. ثم اقترح «نووا» حفلة، وغنوا الأغاني التي ليس من الذوق غناؤها أمام الشيوخ والأعيان، إنها أغنيات قلة الأدب، أغاني المحاربين بعيدًا عن القرية في رحلات الصيد، أو عند إبط الشيطان ليلًا، وفي رحلات مراقدة فتيات «الكا»، سمعها الكواكيرو وفريقه، صاح الكواكيرو: اصمتوا يا هؤلاء، ألا تحترموا آباءكم؟
ولكن ينبو بصوته الغليظ الأجش الأشتر صاح مغنيًا:
قالت له لوما: لماذا لا تتخذ ساق المهوقني قناة لك؟
ولكن الكواكيرو لم يقل شيئًا، ولم يتحدث أحد من المجلس، وعرف مستر جين أن في المسألة عصيانًا.
وعندما انطفأت النار لم يوقدها أحد، وعند مطلع الفجر وعلى ضوء واهن تميَّز فريق الكواكيرو، إنه لم يكن هنالك أحد من المحاربين، ولم يسأل أحدًا أين ذهب المحاربون، قام مستر جين بدراسة الخور جيدًا مستفيدًا من تجربته هو عندما قاد عربته عبر الغابات، ولو أن المسافة كانت قصيرة لأنها عبر الحدود من المدينة نيلو …
سنعبر الخور.
وعليهم حقًّا أن يعبروا الخور الآن عند هذا الصباح الجميل المشحون بالتوتر؛ لأن الاجتماع الكبير اليوم العصر.
الكواكيرو بالذات كان مشحونًا بالغضب ضد المحاربين الذين أهانوه وسط مجلسه والبونا الغريب، ولكنه لن يتحدث الآن، لن يقول شيئًا؛ عندما تعود يا الكواكيرو ستقطع أذن الحية ينبو، ينبو اللئيم، سأتدبر أمره.
في أقل من ربع الساعة عبروا الخور الكبير، ولكن الطريق لا تزال وعرة وعصية، ما حتَّم أن يستخدم الكواكيرو وفريقه الفئوس لقطع الشجيرات حديثة النمو.
•••
زئير العربة حرَّك سواكن «شاري» كلها، أول ما انزعجت كلابها وأطفالها، كلما اقتربت العربة أكثر وأكثر من الأكواخ اتسعت دائرة الفوضى والارتباك؛ النساء، المحاربون، القطط، الطيور التي تركُّ على هامات الأشجار ونهايات الأكواخ المدببة.
ما زاد الأمر تعقدًا وجود المحتفلين في الميدان الكبير، فصوت محرك العربة وخروجها المفاجئ من بين الأشجار مصحوبة بهالة من الأغبرة؛ اختلط الحابل بالنابل، والتفَّت السوق بالسوق، وفر الناس في كل الاتجاهات، وأخذ الكواكيرو مرعوبًا يصيح: أوقف هذا الشيء …
أوقفه …
في الحق، كان يظن نواب المجلس أن هذا الشيء لن يقف، ربما أكد ذلك في أذهانهم الفوضى والضجيج، بالإضافة إلى محاولة مستر جين القيام باستعراض يزيد الموقف إثارة.
أوقف هذا الشيء أرجوك.
دارت العربة حول نفسها دورتين في سرعة البرق ثم علا صفير بوقها قبل أن تتوقف أخيرًا ويهبط منها مستر جين برشاقة عسكرية قائلًا: الحمد لله، وصلنا الآن.
ليس بإمكان أحدهم ردُّ التحية، كانوا في ذهول تام ودهشة، مثلهم مثل بقية الدغليين الذين لأول مرة يرون عربة، ولكنهم تشجَّعوا لكي يبدو الأمر عاديًّا وطبيعيًّا: انزلوا.
كانت أرديتهم الجميلة المصنوعة من الجلود النفيسة ولحاء الأشجار المصبوغة بأزهى الألوان، تعلَّق عليها الغبار، ولكن من الأحسن ألا يبدوا منزعجين من أجل ذلك، ولو أن كل واحد منهم حاول أن ينفض الغبار عن شعره، أن يضع رياش صقر الجديان في مواضعها بعد أن كانوا يحتفظون بها بين أرديتهم خوفًا من أن تذهب بها الريح. وعندما اطمأن الدغليون اقتربوا من العربة، الشيوخُ أولًا، ثم المحاربون، ثم البقية، كان الكواكيرو ومجلسه مَجْسَدة الجميع، كانوا عظامًا وغرباء وكأنهم نزلوا من كوكب آخر …
نحن بنو «لالا» نقود ركب الحضارة.
تركوا صغائر الأمور لصغائر البشر، وكأنهم لم يروا الأطفال والمحاربين وهم يتفحصون العربة والبعض لمسها، البعض تجرأ وركب عليها، فليندهش من يندهش.
لنبدأ الاجتماع.
طالب وفد «لالا» بتهيئة مقعد إضافي للبونا كتقليد قديم تتبعه قبائل الدغل تكريمًا لضيوفها، الذين قد تهبهم حق المواطنة، بل وتعتبرهم أفرادًا من جنس قبيلتها بالتأكيد. كان على سلطان قدايا أن يقلِّل من شأن الكواكيرو ويحد متعة التميز وينفيه ليؤكد ذاته هو، الجاذب في كل زمان ومكان للنظر، والسلطان الأقوى والأكثر تقدمًا ورقيًّا وأصالة، سلطان قدايا، سلطان قبائل الدغل كلها، يسكن «شاري»، أصوله «فترا»، طوله متران ونصف المتر، يطابق حجمه ثور جاموس، كبير الرأس ضيق العينين، ينمو بجلده شعر كثيف ناعم، أكول، ذكي، له ثلاثون امرأة يسميهن بأسماء أيام الشهر الثلاثين، يبدأن «أتير» وينتهين «شاش مرا»، وذلك لكي يجعل عملية تقسيم المبيت عملية سهلة، وأيضًا لتسهيل عملية حفظ تواريخ الحمل، حتى إذا أصابت إحدى زوجاته طفلًا من رجل آخر عرف ذلك بسهولة، حيث إنه كان بارعًا في الحساب ويعرف في السحر والتنجيم، وبنظرة عاجلة لأسفل بطن زوجه يعرف كم عمر حبلها. لسلطان قدايا تسعون ولدًا وبنتًا، له ثلاثمائة حفيد وحفيدة، يمتلك مخزونًا من الذهب التبر لا يعلم مقداره إلا جواسيس حكومة الشرق، بالتحديد قوات ديبا للأمن القومي، واللهُ رب العالمين، أما سلطان قدايا نفسه فلا يستطيع أن يحدد كم مقدار تبره بالضبط.
فمن هو كواكيرو «لالا» لكي يخطف عني الأضواء؟
أليس هو ولد رونا ابنة ماردو الذي كان خادمًا لديَّ؟
ولأنه ذليل تسهل قيادته وتُضمن طاعته جعلتُه زعيمًا لقبيلة «لالا».
من الذي كوَّن له الثروة التي ينعم بها الآن؟
من الذي كرَّمه بمراعٍ من الأبقار النادرة؟
من الذي خصص له إبط شيطان لا ينضب أبدًا تبره؟
هذا حق، هذا حق يا سلطان قدايا.
ولكن هل نسيت أن أبي هذا الطائع الذليل الخادم لديك، ماردو، هو الذي نصَّبك سلطانًا على كل قبائل الدغل؟
حقًّا إنه كان خادمًا لأبيك، ولكن لماذا رفض أبوك تنصيبك سلطانًا وهو على فراش الموت؟
هل تعرف؟
هل تعرف من هو الذي زوَّر وصيته؟
أليس هو عبده، مكمن أسراره، رهن إشارته ماردو؟
ألم تطلب منه ذلك وأنت باكٍ راكع أمامه؟
كان سلطان قدايا يجلس وحوله حاشيته من الأبناء والأحفاد، يتسابقون في خدمته وراحته. أما الكواكيرو فيجلسون في صف خلف السلطان، وحول كل كواكيرو رجال مجلسه الأخيار وبعض المحاربين القائمين على راحته، أمامهم يمتد الميدان، يحيط بجوانبه الأهالي، ضاربو الطبول يلتزمون بالتقليد المتبع؛ الرقصة الأولى لقبيلة «كا» على إيقاع معروف في العالم الخارجي بالسامبا، وهم يسمونه «اد ودود» ويعني الأسد. يبدءون بقبيلة «الكا» لأنها أبعد القبائل عن مكان الاحتفال وهذا تكريم لهم، وقبيلة «الكا» من آكلي لحوم البشر، فتياتها أجمل من الجنيات، أما رجالها فأقبح ما خلق الله، وتستخدم الفتيات جمالهن كمصيدة لرجال القبائل الأخرى واصطياد البونا، ولو أن «الكا» لا يفضلون لحم البونا لأن به جرثومة البرص، ولأن به رائحة شبيهة برائحة لحم الضبع.
ومن القصص الشعبي المشهور عند قبائل الدغل هي قصة حب فتاة تسمى «جيد» — وهي من «الكا» — لفتى وسيم من قبيلة «فترا»، وكيف أن أسرتها كادت أن تتعشى به لولا أن «جيد» مع صديقاتها هربن به إلى دغل كثيف وبنوا له كوخًا آمنًا يترددن عليه الواحدة تلو الأخرى إلى أن مات أخيرًا. دَرْدَاب الطبول يحاكي تربص الأسد بحمار الوحش، اقتراب وقوع الضحية، إحساسها الداخلي بالمصير المرعب، رجفة عضلاتها بين ناب الوحش، سعادة الوحش، قفزة، عضة، صرخة الألم، محاولة الخلاص، الاستسلام.
ثم ينتقل الضاربون على الطبل إلى رقصة النسر وهي تخص «شاري»، ثم إلى رقصة الذئب التي تخص قبيلة «لالا»، وهو إيقاع قريب لما يعرف بإيقاع الرقي، ثم إيقاع قبيلة «فترا» المستضيفة ويسمى بمشية السلطان العادل. ثم يقرأ الساحر العظيم الماضي والحاضر والمستقبل، يبارك الحضور، ثم يقدم سلطان قدايا ليروي عطش الآذان بحديثه الطيب ليجدد الأرواح التي تأخذ وقودها سنويًّا من خطابه. وعلا صوت النقارة، ارتعبت أطيار أبي مركوب ومالك الحزين والبجعات البيضاء التي مدت أعناقًا طويلة أمامها قبل أن تطير بعيدًا تاركةً السمكات الصغيرات التي كادت أن تصبح ضحية لمناقيرها الشرسة، دخلت الفئران البيضاء الكبيرة جحارها.
صوته كنَشيش قدر أسطورية ضخمة، قيل إنه إذا غضب يمكن سماع عزيفه في القرى المجاورة، حتى الثعابين الصماء تسمعه، عيناه الدقيقتان المحمرَّتان المكتحلتان بالفلفل، عيناه الدقيقتان كانتا تزيدان كلامه قوة وتأسطرة، وعندما تحدث عن «لالا» قال: إنكم قوم أذكياء.
نعم.
تسعون نحو المجد، هكذا دأب جدودنا.
نعم.
ولكنكم وأنتم تحضرون اللقاء المقدس على عربة جاء بها البونا البرص من قبل وعلى ظهرها آلات الموت وجند من الشيطان، والأسوأ أن يأتي في صحبتكم أبرص، أليست هذه خيانة بينة لآلاف من السلف أخذهم البرص بعيدًا خلف البحار وباعوهم كما تُباع الأبقار؟ أخشى — وباسم ذات التقدم — أن تأتوا غدًا وفي صحبتكم الشرقيون الذين هم أكثر سوءًا وتقولون إنهم ضيوفنا، لماذا ترفضونهم؟ هل لأن من أُبيدوا وهُجِّروا ومُسخوا هم أفراد تعرفونهم بالاسم؟ هل من حق من لا يعرفهم بالاسم أن يصالح الشرقيين؟
وقال قولًا كثيرًا.
طلب مستر جين الفرصة أن يقول، فسمح له سلطان قدايا بنفسه: لنرَ ماذا يقول؟
أولًا حيَّا مستر جين سلطان قدايا بلغته القومية ولهجته الخاصة بأسلافه من «فترا»، وهي اللهجة التي يجهلها شباب اليوم، حيَّا كل كواكيرو القبائل واحدًا واحدًا، بأسمائهم ولهجات قبائلهم الخاصة، قدم للجميع احترامه باللهجة الشائعة، هي اللغة المتداولة بين جميع قبائل الدغل، ثم تحدث عن الماضي؛ تجارة الرقيق، الاستعمار، الاستعباد، سرقة الثروات، التهجير، القتل الجماعي، التطهير العرقي، الاستيلاء على الأرض والماشية والذهب.
قال: حدث ذلك في زمن لن يأتي أبدًا، لم يعد العالم كما كان في السابق، وليس برص الأمس هم برص اليوم، فاليوم لا يستطيع أحد الاستيلاء على أرض أحد بالقوة بحجة الاستعمار والبناء، لا يستطيع ذلك باسم الدين وبشاراته، ولا باسم الحضارة ومنجزاتها، ولا بأي من المسميات.
ثم حاول بقدر الإمكان أن يشرح لهم فكرة الأمم المتحدة، الحكومة الراعية لمصلحة جميع الدول بمحاكمها ومنظماتها الفرعية الأخرى، وكيف أنهم أعضاء فيها عن طريق حكومتهم المركزية، متجنبًا أن يذكرها بالاسم؛ حكومة الشرق، وركز على هذا الأمر لأن سُلطان قدايا في خطابه قال بوضوح: هكذا البُرص دائمًا، يأتي رجلٌ واحدٌ منهم، يلتفت يمينًا ويسارًا ويذهب دون أن يُثير الانتباه، ثم يعود في رفقة رجلين، يبنون بيتًا ويقولون لكم إنه بيت الرب، جئنا ببشارته، ثم يأتي الآخرون وفي صحبتهم آلات الموت، ثم يطلبون أرضكم وأبناءكم باسم الرب وبشاراته أو باسم الشيطان وآلات موته، والآن لا يذكرون شيئًا عن بشارات الرب ولكنهم يقولون إنهم رسل الحضارة.
انظروا، انظروا، هل وكَّلهم أحدٌ بانتشالنا من الجهل والتخلف؟
إنه الموت، إنه اﻟرق، إنه الرب الجديد …
في الحق، حاز احترام الجميع، وليس لأن سبب مجيئه سبب إنساني، لا، ولكن لأنه تحدث بألسنة الجميع، أجاد كل لغات القوم التي كثير منهم لا يستطيع أن يتحدثها بطلاقة، ويحفظ الكل قول جد القبيلة برم بجيل: «القبيلة هي اللسان، والرجل هو لسان، واللسان هو القلب.»
ولكن سلطان قدايا لا بد أن ينقص شأن «لالا» وبوناهم، بالتالي من إنجازهم الحضاري والتاريخي، حيث إنهم جاءوا بعربة تسير كما الريح.
لا أظن أن الكلام البرَّاق سيخدع كل الناس، هنالك دائمًا الحكماء منهم، إنهم يزنون القول بميزان المعرفة، يحمِّصونه في مِقْلَاة العقل، يقارنونه بالتجربة، ثم يضعونه جانبًا سبع مرات قبل أن يقولوا: آمنا به، أو كفرنا به.
ناقش بعد ذلك مواضيع شتى مختلفة تخص الناس، ثم تحدث كواكيرو «شاري» وكواكيرو «فترا» وكواكيرو «لالا»، ثم تحدث أفراد من الشعب، ثم قال الساحر: هل سيترك الجميع خلافاتهم إلى أن يعودوا إليها في العام القادم ليجدوها قد غسلت تمامًا عن الأرض، فتلك مهمة الرياح، والمطر، والأسلاف؟
قام الجميع للمصافحة ونسيان الخلاف، فالسلطان هو السلطان، علا صوت الطبل مما لم يمكن الكواكيرو من سماع ما همس به سلطان قدايا بصوته المرعب في أذن مستر جين: أريد واحدة مثل هذه العربة بأي ثمن …