وجه الفأر الضاحك!

ضاعَ وقتٌ طويلٌ قبل أن يتفرَّغ الشياطين الأربعة «أحمد» و«زبيدة» و«عثمان» و«إلهام» لمُطاردة «بازوليني»، زعيم عصابة «فئران نيويورك».

كان الشياطين قد هزموا «بازوليني» هزيمةً لم تَتِم … فقد استطاع الهربَ في آخرِ دقيقة، وهم يطاردونه في تِلال «نيويورك» في ظلامِ الفجر!

اختفى «بازوليني»، ولكن «أحمد» كان قد سمعَه وهو يُهدِّد باستخدام رجاله في الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تتجمَّع أعتى العصاباتِ في كاليفورنيا، ولوس أنجلوس، ولاس فيجاس، وسان فرانسسکو.

كان على الشياطين أن يقضوا نهائيًّا على «بازوليني»، قبل أن يتمكَّن من تحطيم صديقهم «فرانك» وزوجته «نانسي»، ولكنَّ «بازوليني» ترك الشاطئَ الغربي؛ حيث دار الصراع في نيويورك، وكان عليهم أن يبحثوا عنه في الشاطئ الشرقي … ولكن ما السبيل؟

كان هذا السؤال هو شغلهم الشاغل، عندما هبطَت بهم الطائرةُ في مطار كيندي ﺑ «نيويورك» … ولم يكن أمامهم إلا حلٌّ واحد، هو الاتصال بعمیل رقم «صفر» في نيويورك لعلَّه يستطيع أن يساعدهم.

اختاروا نفس الفندق الذي نزلوا فيه أوَّل مرَّة، «شيراتون روكفلر سنتر»، قلب مدينة نيويورك، وحيث تطالعهم من النوافذ ناطحات السحاب، أعلاها «ترد سنتر»، وبعدها «إمباير ستيت»، التي كانت في الماضي أعلى ناطحةِ سحابٍ في العالم.

بعد أن ارتاحوا قليلًا، قام «أحمد» بالاتصال بعميل رقم «صفر» … كانت الشفرة ثلاث مرَّاتٍ رنين تليفون، قبل أن يردَّ «بلاك»، وهو اسمٌ شفْريٌّ لعميل رقم «صفر» في المدينة الكبيرة … وعندما جاء الصوت عَبْر أسلاك التليفون قال «أحمد»: هل النقطة «تي. ك. س» على الخريطة صحيحة؟

– نعم صحيحة.

– وهل مجموع ٤ و٩ و٥ لا يُساوي شيئًا؟

– إني أستمع إليك!

أحمد: عندنا مهمَّة … لقد هرب منَّا «بازوليني» في نهاية مغامرة «فئران نيويورك»، وقد وافق رقم «صفر» على مطاردته؛ حتى لا يقضيَ على صديقنا «فرانك». إنَّ مَن يساعد الشياطين اﻟ ١٣ لا يمكن أبدًا أن نترکه للانتقام!

بلاك: إنَّ ذلك سوف يحتاج إلى بعض الوقت!

أحمد: لعلَّ ممَّا يساعدك، أن تعرف أنَّه هدَّدَنا باستخدامِ فرع عصابته في الشاطئ الشرقي.

بلاك: حسنًا … إنَّ ذلك يختصر بعضَ الوقت!

أحمد: مكاننا المعتاد هو «شيراتون روكفلر سنتر» … وأرقام غرفتنا هي ٤٢٠٨، و٤٢١٠، ومواعيدنا كالمعتاد.

بلاك: سوف أتَّصل بكم بمجرَّد الحصولِ على المعلوماتِ اللازمة.

أحمد: هل لنا عملاء في الشاطئ الشرقي؟

صمتَ «بلاك» قليلًا، ثمَّ قال: إنَّ ذلك يستدعي إذنًا خاصًّا من رقم «صفر»؛ فهو الوحيدُ الذي يمكن أن يُصدِرَ أوامره بالكشفِ عن أعواننا في أيِّ مكان!

أحمد: لا بأس … سأرسل برقيةً له!

بلاك: حسنًا … سوف أتصل بكم.

وقرَّر الأصدقاءُ الأربعة أن يقضوا السهرةَ في قاعة «کارنیجي» في «نيويورك» … كان المطربُ «فرانك سیناترا» سيُقدِّم عليها حفلًا غنائيًّا في تلك الليلة، وكانت المشكلة هي الحصول على تذاكر لدخول الحفل.

في المساء، كان الأربعةُ قد ارتدَوا ثيابًا فاخرة … ولم تكن هناك حاجةٌ إلى استخدام سيَّارة؛ فقد كانت المسافة قصيرةً بين الفندقِ الكبيرِ والصالة، وبعد دقائقَ قليلةٍ كانوا أمام القاعة … كان الزِّحام شديدًا أمام المبنى الضخمِ القديم، الذي كان صاحبه واحدًا من أبرز المُحسنين في تاريخ «أمريكا» … وكان واضحًا أنَّهم لن يجدوا تذكرة؛ فمثل هذه الحفلات لا بُدَّ من حجز تذاكرها قبل موعدها بفترةٍ طويلة.

وقفوا يتحدَّثون معًا … عليهم أن يبحثوا عن سهرةٍ أخرى في مكانٍ آخر. وقال «عثمان»: طالما سمعتُ عن شارع «برودواي» ومسارحِه وأماكنِ السهر فيه … فلماذا لا نذهب إلى هناك؟

أحمد: أظنُّ أنَّه ليس بعيدًا عن هنا!

زبيدة: إنَّه في الاتجاه المضاد؛ أي على يمين الفندق، ولا تستغرق المَسيرة سوى ربعِ ساعة!

إلهام: من أين حصلتِ على هذه المعلومات؟

زبيدة: في المرَّة السابقة، سألتُ في استعلاماتِ الفندقِ عنه!

وهكذا بدءوا سيرهم … كان الجوُّ باردًا مُنعِشًا، وكانت حرارة الشبابِ تدبُّ في أبدانهم القويَّة، وبَدَت الشوارعُ الرئيسية في المدينةِ الهائلةِ كأنَّها تَسبَحُ في بحارٍ من النور، والمحلَّات قد فتحَت أبوابها، والرُّوَّاد من كلِّ مكانٍ في العالم يتدفَّقون؛ يشترون ويأكلون ويضحكون … ولاحظ «أحمد» أنَّه حتى في الشارعِ الخامس، أهمِّ شوارع نيويورك، فهناك عرباتٌ صغيرةٌ مُحمَّلَة بالأطعمة الشعبيَّة الأمريكيَّة، مثل «الهامبورجر» وغيرها!

وقال ضاحكًا: إنها تُذكِّرنا بعربات «الكُشَري» في مصر!

وأشارت «زبيدة» إلى بعض الشباب الذين يبيعون الحقائب الجلديَّة على الرصيف، ثمَّ قالت: إنَّهم أشبه ما یکونون بالمصريين!

والتفتَ «أحمد» إلى حيث أشارت «زبيدة»، وشاهد فعلًا بعض الشباب الذين لا شكَّ أنَّهم مصريُّون، يبيعون حقائبَ جلديَّةً، عليها رسوم الفراعنة … واقترب منهم، واشتبك معهم في حديثٍ قصير، وعرف على الفور أنَّهم من مصر، وأنَّهم جاءوا يُجرِّبون حظَّهم في مدينة الفُرص الكبيرة … وأحسَّ بسعادةٍ لا تُوصَف؛ لأنَّ الشباب المصريَّ يُحاول فتح العالم الجديد.

وصلوا إلى شارعِ «برودواي»، وشاهدوا المبنى الفخم لجريدة اﻟ «نيويورك تايمز» … وكانت المنطقةُ المحيطةُ به تضِجُّ بالأضواءِ والناسِ والسيَّارات … ولم يكن هناك شكٌّ أنَّ هذه المنطقة هي قلبُ المدينةِ النابض؛ قلبُ «برودواي».

فجأةً، حدث في الشارعِ الضخمِ شيءٌ غير عادي … سمع الشياطينُ الأربعةُ صوت سيَّارات البوليسِ تأتي من قريب، كأنَّها نعيقٌ مشئوم، ثمَّ سمعوا صوت عددٍ كبيرٍ من المارَّة يُشيرون إلى شيءٍ ما، ويقولون: إنَّه هناك … إنَّه يجري … مطاردة!

وظهر بين الزِّحام زِنجيٌّ أسود يجري وقد تصبَّب العَرَق على جبينه، وهو يحمل حقيبةً صغيرةً أنيقةً لا تتناسب مع ملابسه … كان واضحًا أنَّه لصٌّ قد خطف حقيبة، ويحاول الفرارَ بها في الزِّحام!

توقَّفَت حركة المرورِ في الشارعِ العريض — وهي الترجمة الحرفيَّة لاسمه «برودواي» — وتوقَّفت السيَّاراتُ على جوانب الشارع، وظهرَت سيَّارةُ رجالِ البوليسِ وتوقَّفَت، ونزل ثلاثة رجالٍ يحملون المُسدَّسات، وهم يصيحون بالزِّنجيِّ الهارب: قف مكانك!

لم يتوقَّف الرجل، واندسَّ بين الجماهير، التي أخذَت تفِرُّ مذعورةً في كلِّ اتجاه … فقد توقَّع الجميعُ أن يتمَّ تبادل إطلاق النيران في هذه المطاردةِ العنيفة!

وقف الشياطين في مدخل أحد المحلَّات، وأخذوا يرمُقُون المطاردةَ بعيونٍ خبيرةٍ بالقتالِ والمطاردات … وكان الزِّنجيُّ الذي بدأ التعبُ يحلُّ به يجري على غير هُدًى، وسط الجماهير التي كانت تفِرُّ مذعورةً كلَّما اقترب منها … واقترب المُطارِدون من الطريدة. وفجأةً، نظر «عثمان» إلى وجهٍ في الجمع المُحتشِد؛ وجهٍ لا يمكن أن ينساه … كان أحد الرجالِ الذين كانوا مع «بازوليني»، عندما استطاعوا الإيقاعَ ﺑ «عثمان» في براثنهم، وكادوا يقضون عليه … كان وجهًا يُشبه وجه الفأر … نعم، إنَّه أحدُ أفرادِ عصابةِ «فئران نيويورك»، وكان الرجلُ قد أخرج مُسدَّسًا أخفاه في جيب المِعطَف الأسود الذي كان يلبسه، ولكن عين «عثمان» الخبيرة استطاعت أن تكشف عن وجود المُسدَّس، وشاهد لمعةَ النيرانِ التي انطلقَت من فُوَّهَةِ المُسدَّس، وسقط الزِّنجيُّ الهاربُ على الأرض، وتدحرج. وفي الاضطرابِ الذي ساد المكان بعد إطلاق الرَّصاص، والغليان الذي أصاب الناس، شاهد «عثمان» يدًا تمتدُّ في الزِّحام، ثمَّ تأخذ الحقيبةَ التي كان يحملها الزِّنجي، وتختفي في الزِّحام!

صاح «عثمان»: أحد «فئران نيويورك»!

أحمد: أين؟

عثمان: إنَّه الذي أطلق الرَّصاصَ على الزِّنجي الهارب!

وطار «عثمان» جريًا … وخلفه انطلق «أحمد»، و«زبيدة» و«إلهام»، وقد انقلبَت سهرتهم الهادئةُ إلى مطاردةٍ مُمِيتة … كان الفأر يضحك وهو يندسُّ بين الجماهيرِ، بعد أن نفَّذَ مُهِمَّته. وأخذ الشياطين الأربعة يحاولون شقَّ طريقهم بين آلافِ المارَّة المذعورين، الذين كانوا يجرون في كلِّ اتجاه … بينما رجال البوليس يُحذِّرونهم من الاقترابِ من الزِّنجي الذي صرعَته الرَّصاصة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤