رصاصاتٌ في الظلامِ!
اتَّصل «أحمد» في صباح اليوم التالي بعميل رقم «صفر» في «نيويورك». قال «بلاك» بشكلٍ موجز: لقد اتَّصلتُ برقم «صفر» في المقرِّ السرِّي، وقد وافق على تقديمِ كلِّ المساعدةِ لكم … سوف أُعطيكم المعلوماتِ الكافيةَ عن عملائنا في المنطقةِ الشرقيَّة، وبالطبعِ يجب الاتصالُ بهم في أضيق الحدود … أمَّا عن «بازوليني»، فهناك خبرٌ هامٌّ عنه … لقد تورَّط في قتلِ أحد ضباطِ البوليس في مدينة «سان فرانسيسكو»، ومن المعروفِ أنَّ البوليسَ الأمریکيَّ قد يُغمِضُ عينه أحيانًا عن أعمالِ بعض المجرمين، أو على الأقلِّ لا يكون شديد الاهتمامِ بجرائمَ من نوعٍ مُعيَّن، ولكن إذا تجرأ أيُّ مخلوقٍ على قتل شرطيٍّ أو ضابطٍ من رجالِ الأمن، فإنَّ مطاردته تُصبح واجبًا مُقدَّسًا … ونادرًا ما يُفلِتُ مجرمٌ ارتكب مثل هذه الجريمةِ من العقاب!
سأل «أحمد» مُتلهِّفًا: وهل تتوقَّع سقوطه قريبًا؟
بلاك: ليس شرطًا؛ فقد تستمرُّ هذه المطاردةُ سنوات … خاصَّةً وأنَّ «بازوليني» رجلٌ شديدُ القوَّة، ويُحيط نفسه بعصابةٍ من عُتاة المجرمين، من بينهم «موکا برازي»، أو الدبَّابة البشريَّة!
أحمد: لقد كان في أعقابنا أمس!
بدا الانزعاجُ في صوت «بلاك» وهو يقول: وماذا حدث؟!
أحمد: استطعنا الهربَ منه بطريقةٍ بسيطة … إنَّني أعتقد أنَّه رجلٌ غبيٌّ يمكن الضحكُ عليه!
بلاك: ولكنَّه مجرمٌ من طِرازٍ فريد، وقليلٌ في هذا العالمِ مَن يُفكِّر في التصدِّي له!
أحمد: المهم … ما هي بقيَّة المعلوماتِ عن «بازوليني»؟
مضى «بلاك» يتحدَّث: لقد اختفی «بازوليني» منذ مصرع ضابطِ البوليس، ويعتقد رجالُ الأمنِ أنَّه اجتاز الحدودَ الأمريكيَّةَ المكسيكيَّةَ عند بلدة «مكسيكالي»، ولكنَّه يُشاهَدُ أحيانًا في «لاس فيجاس»، وفي «لوس أنجلوس»، وفي «فینکسي» … والبلاد الثلاثة تُكوِّنُ مُثلَّثًا قريبًا جدًّا من حدود «المكسيك»!
أحمد: وبماذا تنصح؟
تردَّد «بلاك» لحظات ثمَّ قال: لو كنتُ مكانكم، لتوجَّهتُ فورًا إلى المقرِّ السرِّي … لقد وضع «بازوليني» نفسه في مأزقٍ مع البوليس الأمریکي، ولا أظنُّه الآن يستطيع أن يفعل شيئًا لصديقكم «فرانك»!
أحمد: للأسفِ الشديد إنَّ هذا غير صحيحٍ … فقد أرسل «بازوليني» إلى «فرانك» منذ يومَين، يطلب منه المبلغَ الذي حدَّدَه سابقًا، بل زاده قليلًا، كأنَّه يحسِب الفوائدَ عليه!
صمت «بلاك» لحظات ثمَّ قال: على كلِّ حال، تعلیمات رقم «صفر» هي أن أضع جميع التسهيلاتِ المُمكنة بين أیدیکم؛ فماذا تريدون؟
أحمد: نريد الإقلاعَ الليلةَ بالطائرة إلى «لاس فيجاس» … ونريد سيَّارتَين قويَّتَين في انتظارنا بالمطار … ونريد الأرقامَ الشفريَّةَ للاتصالِ بعملاءِ رقم «صفر» في المنطقة!
بلاك: لا بأس، سأتَّصل بكم بعد نصف ساعة!
وضع «أحمد» السمَّاعة، والتفت إلى الشياطين قائلًا: ما هي الأشياءُ التي في الحقيبة؟
عثمان: إنَّها مجموعةٌ من المجوهرات، تخصُّ أحد كبار المسئولين في دولةٍ عربيَّة، وكذلك ١٠ شيكاتٍ بمبلغٍ ضخم، ومجموعةٌ من عقود شراء الأسلحة من «أمريكا» … وبعض الرسائلِ الشخصيَّة!
أحمد: كما فهمتُ، إنَّ السرقةَ قد تمَّت من منزل المسئولِ العربي في «بيفرلي هيلز»، وهي ضاحيةٌ في مدينة «لوس أنجلوس»؛ حيث يعيش نجوم السينما … ولهذا فسوف نتَّصل به، ونردُّ إليه ما سُرِقَ منه!
زبيدة: هل هناك خُطَّةٌ مُعيَّنة للإيقاع ﺑ «بازوليني»؟
أحمد: أظنُّ أنَّها خُطَّةٌ قديمة، ولكن عمليَّةٌ جدًّا … سوف نظهر بشكلٍ واضحٍ في المدنِ الثلاثِ التي يتردَّد عليها «بازوليني»، ومن المؤكَّد أنَّه سوف يَنشَطُ لمطاردتنا … وهكذا نكشف مكانه، وقد يقع في أيدينا أو أیدي رجال البوليس!
بعد نصف ساعةٍ، دقَّ جرسُ التليفون، وكان المتحدِّث هو «بلاك»، عميل رقم «صفر»، وتحدَّث إلى «أحمد» قائلًا: تمَّ ترتيب الرحلة … ستجدون التذاكر في المطار … شركة «ترانس وورلد إیرلاین» … في انتظاركم في المطار سيَّارتان من طراز «کونتیننتال»، وهو أقوى وأكبر طِرازٍ في السيَّاراتِ الأمريكيَّة، والمفاتيح في استعلامات المطار.
أحمد: والاتصال بعمیل رقم «صفر» في المنطقة؟
بلاك: لقد فضَّل هو أن يتَّصل بكم في الثامنةِ صباحًا تمامًا … لقد حجز لكم حجرتَين في فندق «م. ج. م»!
أحمد: شكرًا لك!
بلاك: أرجو أن أسمع أخباركم!
كان موعدُ الطائرةِ في السابعةِ والنصفِ مساء … وهبط الظلام مُبكِّرًا على مدينة نيويورك، ثمَّ بدأ المطرُ يهطِل، وأخذ الشياطين يحزِمون متاعهم القليل … وكان أهمَّ ما فيه مجموعة الأسلحةِ الخفيفةِ التي يحتفظون بها دائمًا في كلِّ مكانٍ يذهبون إليه … وفي انتظارِ الموعد، قاموا بإعدادها للإطلاقِ في أيَّة لحظة، ثمَّ وضعوها في الجيوبِ السرِّيَّةِ في حقائبهم؛ حيث لا يستطيع أحدٌ العثورَ عليها.
في الخامسةِ والنصفِ ودَّعوا «فرانك»، ولم تكن «نانسي» موجودةً، ووقف «جوك» مساعد «فرانك» يُلوِّح لهم بيده، ولم يَلحَظ السيَّارة التي تحرَّكَت خلفهم … كان رجال «بازوليني» قد توقَّعوا أن يذهب الشياطين بعد مغادرةِ الفندقِ إلى «فرانك»، وصحَّ ما توقَّعوه … وهكذا ربضوا قريبًا من المكان، حتى شاهدوا الشياطين يُغادرون الفندقَ في سيَّارة «فرانك»، على أن يتركوها في المطارِ ويذهبَ هو لإحضارها.
قاد «عثمان» السيَّارة، وجلس «أحمد» بجانبه … وسرعان ما قال «عثمان»: أظنُّ أنَّ سيَّارةً داكنة اللونِ تتبعنا!
أحمد: نعم … لقد لاحظتُ ذلك!
عثمان: ماذا ترى؟!
أحمد: الانطلاق فورًا إلى المطار!
عثمان: إنَّهم بهذا يُحدِّدون مكاننا، ويعرفون إلى أين نذهب!
أحمد: إنَّهم يعرفون طرقات نیویورك أفضل منَّا، ومهما حاولنا الإفلات منهم سوف يتبعوننا … وفي الأغلب ستكون هناك سيَّارةٌ أخرى.
عثمان: إنَّهم بالطبع لن يحاولوا ضربنا في الشوارعِ المزدحمةِ، ولكن بعد الخروجِ من الشوارعِ الكبيرةِ إلى الضواحي، سوف يبدءون الهجوم.
التفت «أحمد» إلى «زبيدة» و«إلهام» قائلًا: افتحي الحقائبَ … نرید مُسدَّساتٍ كبيرةَ العيارِ كاتمةً للصوت!
وسرعان ما خرجَت أربعة مُسدَّساتٍ ضخمةٍ عليها أجهزةُ كتمِ الصوت. ومضت نصف ساعةٍ، وخرجَت السيَّارة إلى الضواحي الهادئة، والسيَّارة الداكنة اللون خلفهم … وقال «أحمد» ﻟ «عثمان»: استدِر یسارًا في أيِّ مُنعَطفٍ تقابله، ثمَّ أوَّل مُنعَطَفٍ يمينًا … إنَّني أريدهم أن يكونوا على يميني!
سارت السيَّارةُ بسرعة، وظهر أحد المنعطفات، وأدار «عثمان» السيَّارةَ بمهارةٍ فائقة، ودارت السيَّارةُ المُطارِدة، ثمَّ انحرف «عثمان» يمينًا … وانكشفَت السيَّارةُ ﻟ «أحمد» على يمينه، وأخرج مُسدَّسه من النافذة، وأطلق رصاصةً واحدة، أصابت الواجهةَ الأماميَّة للسيَّارة، ولكنَّ السائقَ استمرَّ في المطاردة، وضغط «أحمد» على أسنانه حتى كاد يُدمِيها؛ فقد كان يريد إصابةَ عجلةِ السيَّارةِ الأماميةَ.
قالت «زبيدة»: سأطلق الرَّصاصةَ التاليةَ؛ فأنا في نفس الاتجاه!
وسارت السيَّارتان بسرعةٍ رهيبةٍ … وقال «أحمد»: كرِّر المحاولةَ يا «عثمان»!
واختار «عثمان» شارعًا، ثمَّ انحرف يمينًا، ولكن لم يكن هناك منعطفٌ على اليسارِ لمسافةٍ طويلة … وسمعوا صوتَ طلقةٍ تُصيب سيَّارتهم، ولكن الإصابةَ لم تكن مؤثِّرةً … کان «عثمان» يقود السيَّارة بسرعةٍ خارقة، رَغم ضيق الشارع، ولكنَّ السائق الذي كان خلفه كان سائقًا ماهرًا أيضًا، فظلَّت المسافة بينهما ثابتة.
ثمَّ ظهرَت بعد قليلٍ سيَّارة نقلٍ ضخمةٌ في أوَّل الطريق، وأخذَت تقترب وهي تُطلق أنوار کشَّافها في وجه «عثمان» حتى كاد لا يرى أمامه … وفجأةً، وجد نفسه في مواجهةِ السيَّارةِ النقلِ تمامًا … وانحرف يمينًا بقَدْر ما يستطيع … واصطدمت السيَّارةُ بحائطِ أحدِ المنازل … وسقط الشياطين الأربعة من فرطِ الصدمة … وسمع أصوات الفراملِ وهي تُزمجِرُ على الأرضِ المُبتلَّة، ثمَّ سمع صوتُ اصطدامٍ رهيبٍ وصوتُ رجالٍ يتصايحون.
أعاد «عثمان» إدارة السيَّارة التي توقَّفَت، ولكن المحاولةَ لم تُجدِ. وصاح: هيَّا، غادِروا السيَّارة!
وأسرع الشياطين يُغادرون السيَّارة … وعلى ضوء المصابيح التي ظلَّت تعمل، ظهر شبح «موكا برازي» الهائل، ومعه ثلاثة رجالٍ يحملون المُسدَّسات.