حوارٌ بالرَّصاصِ!
كانت مفاجأةً كاملةً، ولم يكن في إمكان «أحمد» أو «إلهام» عمل أيِّ شيء؛ فقد ظلَّ «أحمد» يقود السيَّارةَ في الطريق الفرعي … وحاول قَدْر جهده أن يرى أين ذهبت سيَّارةُ «عثمان»، ولكنَّ الغبارَ الكثيفَ والرجالَ الثلاثة حجبوا عنه الرؤيةَ. ظلَّ الطريقُ يمتدُّ مُتعرِّجًا، حتى دخلوا غابةً كثيفةً من أشجار التينِ الشوكي، التي تُشتهَر به هذه المنطقةُ … وشاهد «أحمد» من بين التِّلال القاسيةِ الصخور وأشجار الشوك كوخًا كبيرًا من الخشب، قد وقفَت أمامه سيَّارةٌ يحرسها رجلٌ مُتجهِّم الوجه … ودون حاجةٍ إلى أيِّ کلام، اتَّجه إلى الكوخ، وتوقَّف خلف السيَّارة.
قال الحارس: هل كل شيءٍ على ما يرام؟
ردَّ أحد الرجالِ الثلاثة وهو ينزل: طبعًا، و«أرنست» ومن معه يطاردون السيَّارة الثانية!
الحارس: إنَّ الزعيم في انتظارکم!
نزل «أحمد» و«إلهام»، ونزل الرجال الثلاثة، وكان أحدهم يحمل الحقيبة، واتَّجهوا إلى باب الكوخ الذي فُتح على الفور، وأطلَّ منه وجهٌ کالحٌ وفُوَّهة بندقيَّة … كانت النوافذ مغلقةً، والضوء خافتًا، ولكنَّ «أحمد» تبيَّن على الفور هیکل «بازولیني» الضخم وهو يجلس على مقعدٍ كبيرٍ في وسَط الكوخ، وقد مدَّ قدمَيه إلى الأمامِ، ووضع على بطنه مُسدَّسًا كبيرًا … ضحك «بازوليني» ضحكةً عالية، وقال: مرحبًا بكما … كان من الخطأ أن تُفكِّروا في الحضور إلى هذه المناطق!
وتقدَّم الرجلُ وسلَّمه الحقيبة، فأمسكها في يده لحظات، ثمَّ قال: لقد حصلنا على كلِّ شيء؛ المقاتلين والمجوهرات وعقودِ السلاح … لقد كانت خُطَّةً مُوفَّقةً يا «أرني»!
كان «أرني» هو أحد الرجالِ الثلاثة، فقال: ألا نفتح الحقيبة أيها الزعيم؟ إنَّنا في شوقٍ إلى رؤية المجوهرات!
نظر «بازوليني» إلى «أرني» نظرةً باردةً كأنَّه لا يسمعه، ثمَّ قال: ليس هذا من شأنكَ يا «أرني»، إنَّك تتقاضی مُرتَّبًا ضخمًا لتقوم بعملك!
ثم التفت إلى «أحمد» و«إلهام» قائلًا: لقد اتَّصل بي شخصٌ ما من عصابة «سادة العالم»، وهم على استعدادٍ لدفع أيِّ مبلغٍ مقابل الحصولِ على أحدكم حيًّا … واحد فقط … فماذا ترى؟ أنت أم هي؟
تذكَّر «أحمد» على الفور الصراع الطويل بين الشياطين وبين هذه العصابة الجبَّارة، وأحسَّ برعدةٍ تسري في أوصاله!
عاد «بازوليني» يقول: كان يجب أن تسأل نفسك: لماذا لم يقتلك رجالي؟ إذا كان الهدف فقط هو الحصول على الحقيبة!
ردَّ «أحمد»: إنَّني لا أتدخَّل فيما لا يعنيني!
ضحك «بازوليني» قائلًا: إنَّك ظريف، وتُجيد النكتة، ولكن لا بُدَّ من الاختيار … ولهذا سأعطيك مُسدَّسًا، وأعطيها مُسدَّسًا، وعليكما أن تطلقا النار؛ أحدكما على الآخر … إنَّ في كل مُسدَّسٍ طلقةً واحدةً، وسنترك للحظِّ أن يُحدِّد من منکما سيُدفن في تراب «نيفادا»، ومن الذي سنورِّده ﻟ «سادة العالم»!
ردَّ «أحمد»: إنَّني شخصيًّا سأطلق الرَّصاصة على رأسك القذر!
وأضافت «إلهام» بسرعة: وأنا أيضًا!
احمرَّ وجه «بازوليني»، خاصَّةً بعد أن ضجَّ رجاله بالضَّحِك، وصاح مُهدِّدًا: سوف أقتلك أنا! … ورفع مُسدَّسه، وهمَّ بإطلاق الرَّصاصِ، ولكنَّ «أحمد» لم يتحرَّك من مكانه، وقال بهدوءٍ: إنَّك تُخطئ كثيرًا إذا قتلتني … وتخسر أيضًا!
بدا التردُّد على وجه رجل العصابات المخيف، وقال: ما هو الخطأُ؟ … وما هي الخسارة؟
أحمد: تخطئ؛ لأنَّ المُنظَّمة التي أتبعها سوف تطاردك، ولو اختفيتَ في سفينة فضاءٍ أو غوَّاصةٍ تحت الماء!
بازوليني: إنَّهم لن يكونوا أقوى من البوليس الأمريكيِّ!
أحمد: وتخسر؛ لأنَّ الحقيبةَ التي حصلتَ عليها ليس بها إلا بعض الجرائد القديمة، وكمِّيَّةٌ من الحُلِيِّ الزائفة اشتريتُها من الفندق!
حدث هرْجٌ ومرْج، وارتفعت الأصوات، وتحرَّكت المُسدَّسات … وأحسَّت «إلهام» بالإعجابِ بالشيطان رقم «١»؛ فقد أعدَّ عُدَّته جيِّدًا!
صاح «بازوليني»: إنَّك تسخرُ مني!
أحمد: عليك أن تُجرِّب فتح الحقيبة!
بازوليني: ولكنَّها قد تنفجر!
أحمد: وهذا يمكن أن يحدث أيضًا!
وقف «بازولیني» ثائرًا، ووجَّه لكمةً قاسيةً إلى وجه «أحمد»، الذي انحرف قليلًا، فطاشت الضربة في الهواء، ودار «بازوليني» على عقِبَيه … وكانت فرصة انتهزتها «إلهام»، وانتزعَت المُسدَّس من يده، ووجَّهَته إلى رأسه عندما سقط على الأرض الخشبيَّة مُحدِثًا دَوِيًّا عاليًا. بينما انقضَّ «أحمد» على «أرني»، فضربه لكمةً ألقته أرضًا، وقفز «أحمد» وحصل على مُسدَّسه أيضًا، وأطلق طلقتَين على الرجلَين، أصابت كلًّا منهما في ساعده، فانطلق يصيح مُتألِّمًا وهو يتدحرج على الأرض.
سيطر «أحمد» و«إلهام» على مَن في داخل الكوخ، ولم يستغرق كلُّ هذا أكثر من دقيقة … أسرع «أحمد» إلى النافذةِ، ونظر من خلال الشيشِ الخشبي … كان بقيَّة الرجالِ في الخارجِ يتقدَّمون بحذرٍ من الكوخ، وهم لا يعرفون ماذا حدث في الكوخِ بالضبط … والتفَت «أحمد» إلى «إلهام»، وهمس: نريد الاستيلاء على السيَّارة!
إلهام: وماذا سنفعل ﺑ «بازوليني»؟
أحمد: سنتَّصل برجالِ البوليس!
إلهام: لماذا لا نأخذه معنا؟
أحمد: إنَّ الموقفَ دقيقٌ … سأشُدُّ وَثاقه … راقبي أنتِ النافذة!
وجد «أحمد» حبلًا متينًا في جانب الكوخ، وسرعان ما كان يشُدُّ وَثاق «بازوليني»، الذي بدا مذهولًا!
تقدَّم أحد الرجال من البابِ، وصاح: أيُّها الزعيم!
لم يردَّ «أحمد»، ولاحظَت «إلهام» ارتباك الرجل، وسمعَته يقول لزميلَيه: إنَّه لا يردُّ … هل من المعقولِ أن يكون قد حدث شيء؟!
قال الآخرُ: لندخل ونَرَ!
وقفَت «إلهام» خلف الباب، ولم يكد الرجلُ يطِلُّ منه داخلًا، حتى ضربَتْه ضربةً سقط على أثرها أرضًا دون أن ينطق بحرف … وبسرعةٍ أطلق أحدُ الرجلَين الآخرَين طلقتَين مرَّتَا داخل الكوخ الخشبي.
ابتعد الرجلان، واختفَيا خلف صخرةٍ عالية … كان كلٌّ منهما يحمل بندقيةً سريعة الطلقات.
مرَّت دقائق من الصمت، وقد وضع «أحمد» المُسدَّسات أمامه وأمام «إلهام»، وأخذ يتنقَّل في أنحاء الكوخِ محاولًا البحثَ عن جهاز تليفون، ولكن لم يكن هناك تليفون … ولاحظ أنَّ للكوخ بابًا خلفيًّا … وطرأَت على رأسه فكرة قرَّرَ أن يُنفِّذها على الفور … قال ﻟ «إلهام»: إنَّنا لا نريد إضاعةَ الوقت؛ فقد يصل عددٌ آخر من رجال العصابة. سأخرج من البابِ الخلفي، وأدور حول الرجلين … عليكِ أن تطلقي الرَّصاصَ من جهاتٍ مُتفرِّقة حتى يظنَّا أنَّنا معًا!
أشارت «إلهام» برأسها موافقة، وفتح «أحمد» باب الكوخ بحذر، ثمَّ سار خافضًا رأسه مُحتميًا بأشجار التين والصخور، ودار دورةً واسعةً وهو يسمع أصوات الطلقات المتبادَلة بين «إلهام» وبين الرجلَين … ولكن فجأةً لم يعد يسمع إلا صوت طلقات رصاص البندقيتَين … كان صوت طلقة البندقية مختلفًا … كان ثقيلًا وقويًّا … وأحسَّ «أحمد» بالقلق يجتاحه، لماذا سكتَت «إلهام» عن إطلاق الرَّصاص؟ … وهل أُصيبَت؟
ترك «أحمد» كلَّ حذر، وأخذ يقفز مسرعًا في اتجاه الرجلين، ووجد نفسه في وضعٍ يسمح له بإطلاق الرَّصاص عليهما … ولكن فجأةً اختفى الرجلان خلف الصخور … وتوقَّف إطلاق الرَّصاص!
ماذا حدث؟ هل أُصيبَت «إلهام»؟ هل حدث شيءٌ في الكوخ؟!
صعِد «أحمد» فوق صخرة، وأطلَّ على المشهد كلِّه … وكم كانت دهشته وألمه عندما شاهد «إلهام» تخرج رافعةً يديها، وخلفها كان أحد الرجلَين الجريحَين يحمل كلٌّ منهما مُسدَّسًا.
ضرب «أحمد» رأسه براحة يده … لقد نسي أمر الرجلَين تمامًا، ولا بُدَّ أنَّ أحدهما تسلَّل خلف «إلهام» وهي مشغولةٌ بإطلاق الرَّصاص، واستطاع أن يشلَّ حركتها، أو يستولي منها على أحد المُسدَّساتِ ويُوجِّهه نحوها.
بعد لحظاتٍ أخرى، ظهر «بازوليني» وهو في حالةٍ رهيبةٍ من الغضبِ والهِياج … كان الموقفُ دقيقًا وحرِجًا، ماذا يفعل «أحمد»؟ … إنَّ في استطاعته أن يطلق الرصاصَ على «بازوليني» … ولكن ماذا سيفعل بقيَّة الرجالِ ﺑ «إلهام»؟ … إنَّ عليه أن يتصرَّف بحذَر … كان الصمت يسود الصحراء … وارتفع من بعيدٍ صوت سيَّارةٍ قادمةٍ على الطريق … وكان السؤال الذي طرأ … من هو القادم؟