هل اقتربت النهاية؟

كان صوت السيَّارة كأنَّه نذيرٌ يرِنُّ في الصمت … وبدا على الجميعِ الواقفين الذهول، وقد وقفوا في أماكنهم كأنَّهم تحوَّلوا إلى تماثيل من البلاستيك … كان في إمكان رُكَّاب السيَّارة القادمة أن يحسموا الموقف … ورَغم العداء بين «أحمد» و«بازوليني»، فقد أُعجب «أحمد» بسرعة خاطر زعيم العصابة، الذي خرج من جموده سريعًا، وصاح برجاله: انتشِروا خلف الصخور … إذا كانت السيَّارةُ القادمةُ ليست من سيَّاراتنا، فأطلِقوا عليها الرَّصاصَ فورًا!

وانتشر الرجالُ بالبنادقِ والمُسدَّسات، وبقي «بازوليني» ومعه «إلهام» واقفَين أمام الكوخ، وقرَّر «أحمد» أن يتصرَّف بسرعة. عاد يدور حول الصخور مرَّةً أخرى بأقصى سرعة، وعندما وصل إلى ظهر الكوخ توقَّف قليلًا یستردُّ أنفاسه، ويتسمَّع إلى ما يدور داخل الكوخ. كان «بازوليني» يتحدَّث إلى «إلهام» حدیثًا غاضبًا، ولم تكن «إلهام» تردُّ عليه … وتسلَّل «أحمد» بهدوءٍ إلى داخل الكوخ، واستطاع بعد لحظاتٍ أن يتبيَّن شبح بازولیني وهو يقف بجوار النافذة يرقب المشهد في الخارج، وكانت «إلهام» تقف على مَبعَدةٍ منه، وواضحٌ من وضع يديها خلف ظهرها أنَّها مُقيَّدة.

اقترب «أحمد» على أطراف أصابعه حتى أصبح خلفها تمامًا … وأحسَّت بأصابعه وهي تفكُّ الحبل الذي يربط يدَيها، ثمَّ قفز «أحمد» في خفَّة النَّمِر، لم يكن هناك وقتٌ للمناقشة أو الانتظار … وبكلِّ قوَّةٍ هوى على «بازوليني» بمُسدَّسه … وترنَّح العملاق لحظات، ثمَّ سقط على الأرض.

أسرع «أحمد» إلى النافذة، وأسرعَت «إلهام» تأخذ مُسدَّس «بازوليني»، وكان صوت السيَّارة قد اقترب تمامًا … وسمع «أحمد» صوت طلقات الرَّصاص، وأدرك أنَّها سيَّارة «عثمان» و«زبيدة». وتوقَّف صوت السيَّارة، وسُمِع صوت طلقاتٍ من بعيد.

كان رجال العصابةِ مشغولين بالمعركة، وخرجَت «إلهام» و«أحمد» من خلفهم، واتَّخذ كلٌّ منهما وضع الاستعدادِ خلف إحدى الصخور … وفي لحظاتٍ توقَّف إطلاقُ الرَّصاص؛ فقد أطلق «أحمد» طلقةً في الفضاءِ إلى فوق، والتفت رجالُ العصابة … عندئذٍ صاح «أحمد»: ألقوا أسلحتكم؛ إنَّكم محاطون من الجهتَين!

وحاول أحد الرجالِ أن يُطلق مُسدَّسه، ولكنَّ «إلهام» أطلقت طلقةً مُحكَمةً على يده أطارت المُسدَّس، وأطلق الرجلُ صيحة ألَم، وأدرك بقيَّة الرجالِ أنْ لا أمل، فألقَوا أسلحتَهم، ورفعوا أيديهم أعلى رءوسهم … تقدَّم «عثمان» و«زبيدة»، وهما يُلوِّحان ﻟ «أحمد» و«إلهام» من بعيدٍ، وسرعان ما جمع «أحمد» رجال العصابة معًا وأدخلهم الكوخ … كانوا ستة رجال، منهم ثلاثةٌ مصابون.

تحدَّث «أحمد» إليهم قائلًا: إنَّ من مبادئ المُنظَّمةِ التي أعمل بها ألا نقتل أحدًا. إنَّنا نتجنَّب القتلَ بكلِّ وسيلة … ولكن إذا حاول أحدكم عمل أيِّ شيء، فلن أتردَّد في إطلاق الرَّصاصِ عليه.

كان «بازوليني» ما زال مُلقًى على الأرض، وقد ارتفع صوت تنفُّسه الثقيل، وعندما دخل «عثمان» و«زبيدة»، قال «أحمد»: ماذا حدث؟

عثمان: لقد ضلَّلنا السيَّارةَ الأخرى، بعد أن رأينا أنَّهم اضطرُّوك إلى دخول الشارعِ الضيِّق، ولكن السيَّارةَ قد تصل في أيَّة لحظة!

أحمد: من المُهِم الاتصالُ فورًا برجال البوليس!

عثمان: يُوجد هنا أربع سيَّارات، والمكان منعزل، فهيَّا نأخذ السيَّاراتِ الأربعة، ونُسرع بإبلاغِ رجالِ البوليس، ولا تنسَ الحقيبة!

قام «أحمد» و«عثمان» بشدِّ وَثاق الرجال جميعًا، بما فيهم «بازوليني»، ثمَّ خرج الشياطين الأربعة، وقفزوا إلى السيَّارات، وانطلقَت بهم مسرعةً. لم تكد السيَّاراتُ تتجاوز الشارعَ الجانبيَّ وترحل إلى الشارعِ الرئيسي، حتى قام «عثمان» و«زبيدة» بركن سيَّارة العصابة، ثمَّ قفزا بجوار «أحمد» و«إلهام»، وانطلقَت السيَّارتان مسرعتَين عائدتَين إلى «لاس فيجاس» مرَّةً أخرى.

دخلوا إلى الفندق، وأسرع «أحمد»، إلى جهاز التليفون، وطلب مرکز بوليس المدينة.

قال بسرعة: أعلم أنَّكم تبحثون عن «بازوليني»!

ردَّ صوتٌ غليظٌ مُتلهِّف: من أنت؟

أحمد: لا داعيَ لأن تعرف، ولكنَّ «بازوليني» وستَّةً من رجاله موجودون الآن في كوخٍ صغيرٍ في شارعٍ فرعي!

الرجل: وأين ذلك الشارع بالضبط؟

أحمد: عندما تخرج من «لاس فيجاس» على الطريقِ الرئيسيِّ إلى «لوس أنجلوس»، فإنَّ هذا الشارعَ هو أوَّل انحناءٍ إلى اليسار … وستجد عند مدخلِ الشارعِ سيَّارتَين من طراز فورد؛ إحداهما حمراء داكنة، والأخرى سوداء.

الرجل: إنَّك لا تقوم بأيَّة خدعةٍ؟

أحمد: ليس في الأمر أيَّة خدعة … ولكن أسرِعوا؛ فقد يتمكَّنون من الهرب!

ثمَّ أغلق «أحمد» السمَّاعة دون كلمةٍ واحدة!

قالت «إلهام»: هل كانت الحقيبةُ فارغةً حقًّا؟

أحمد: بالطبع، لقد تركتُ المجوهراتِ والمستنداتِ الهامَّةَ في خزانةِ الفندق؛ فقد توقَّعتُ أن يقوم «بازوليني» بمطاردتنا!

بعد نصف ساعةٍ من هذه الأحداث، كانت جميع محطات التليفزيون في «أمريكا» تعلن القبض على «بازوليني» وعصابته … وأخذ المُعلِّقون يتحدَّثون عن الشخص المجهول الذي اتَّصل بالبوليس، وأدلی بالمعلومات التي أدَّت للقبض على زعيم العصابة المخيف.

وكان الشياطين الأربعة يجلسون في صالة فندق «م. ج. م» الذي توقَّفَت الحياةُ فيه؛ فقد جلس جميع الرُّوَّاد أمام شاشاتِ التليفزيون، يشاهدون «بازولیني» ورجاله محمولين في السيَّارات، ثمَّ دخولهم إلى قسم البوليس.

وقرَّرَ الشياطين الأربعة أنَّ الوقتَ قد حان لمغادرةِ المكان، والذهابِ إلى الثريِّ العربي لتسليمه المستنداتِ والمجوهرات … وقام «أحمد» إلى الخزينة، ووضع الأشياءَ كلَّها في حقيبةٍ أخرى اشتراها من أحد محلَّات الفندق الكبير.

كان الأربعة في غاية السعادة … لقد انتهَوا من «بازوليني»!

وتلقَّى «أحمد» مكالمةً تليفونيَّةً من «فرانك»، الذي كان يضحك من قلبه قائلًا: لم أتصوَّر في أيِّ يومٍ أنَّ في إمكانكم عمل كلِّ هذا وبهذه السرعة!

أحمد: إنَّني سعيدٌ فقط لأنَّك أصبحتَ في أمان!

فرانك: هل ستعودون إلى نيويورك؟

أحمد: لا أدري حتى الآن؛ إنَّ أمامنا مُهِمَّةً بسيطةً سننتهي منها خلال يومين أو ثلاثة، وبعدها سوف أتَّصل بك لنرى ماذا سنفعل.

خرج الأربعةُ إلى الشارع، بعد أن دفعوا حسابهم بالفندق، وما إن اقترب «أحمد» من سيَّارته حتى أحسَّ بإنذارٍ غامضٍ بالخطر. أشار إلى الشياطين الثلاثة فتوقَّفوا … ورفع «عثمان» يده من على مفتاح الباب!

قال «أحمد»: لا تركبوا السيَّارتَين!

إلهام: ماذا هناك؟

أحمد: لا شيء، ولكنْ ثمَّة إحساسٌ ينتابني بالخطر!

عثمان: ولكن «بازوليني» ورجاله في السجن!

أحمد: لا تنسَ «موکا برازي»؛ الرجل الذي لا يقبل الهزيمة!

وتذكَّر الشياطين هذه الدبَّابةَ البشريَّةَ التي تُثير الرعبَ حيث تسير … هذا المجرم العاتي الذي يُلقي اسمه الرعبَ في أقسى القلوب … «موکا برازي».

في لمح البرقِ، ظهر ولدٌ صغيرٌ يجري في اتجاه الشياطين … ودون كلمةٍ واحدةٍ سلَّم «أحمد» ورقةً مطويَّةً مكتوبةً بقلمٍ رصاص، وبسرعة.

كانت تحمل سطورًا قليلة، ولكن منذرةً: لقد أوقعت بالزعيم … ونجوتَ من الموتِ نسفًا في السيَّارة … وأنا أراك الآن، وأستطيع أن أقتلكَ برصاصةٍ واحدة، ولكن أريدك حيًّا … إنَّ هناك من يدفع ملايين الدولاراتِ ثمنًا لك … وسوف أحصلُ عليك مهما حاولتَ الهرب!

الإمضاء
موكا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤