مَوْضُوعُ القِصَّةِ
كانت (الزَّبَّاء) ملكة (تدمر) آية في الجمال كما كانت آية في الذَّكاء وعُلُوِّ الهمةِ،
جريئة طامحة. فبعد أن جلست على كرسي مملكتها بالوصاية على ابنها (هبة الله) إثر وفاة
زوجها
(أُذينة) ونَظَّمَتْ مُلْكَها، جرَّدت هذه الملكة العربية المصرية الإغريقية الأصل حملةً
عظيمةً على مصر برئاسة وليِّ عهدها (هبة الله) وبقيادة پيلنيوس القائد الأعظم لجيشها
وهو
الذي كان يحارب (تحت إمرة زوجها أُذنية) الملك (شابور) الفارسي لمصلحة (رومة) فتغلب عليه،
وإنْ قُتِل (أُذينة) وابنه الأكبر في تلك الحرب التي كان من عاقبتها إعادة المملكة الشرقية
الرومانية والتحالف بين (تدمر) وبين (رومة).
جرَّدتْ هذه الملكةُ الطامحة — التي تبدأ بها قصَّتُنا — حملتها على (مصر) اعتمادًا
على
مهارة قائدها الأعظم (پيلنيوس Pilinius) السالف الذكر
بمعاونة قائدها زَبْدَة “Zabda”، وكان الأوَّل مولَّدًا من
أبٍ روماني وأم تدمرية، ففتح (مصر) بسهولة نظرًا لمودة الأهالي، وكان يعتقد أنه يعزِّز
سلطة
(رومة) كما يخدم (تدمر) بهذه الحملة، وقد أفهمتْه الملكة (الزَّبَّاء) ذلك مخادِعة، بينما
هي ترمي إلى نشر نفوذها، ولذلك تركت ابنها في (مصر) واستدعت هذا القائد إثر الفتح. وكان
يطمح في التزوُّج منها ليكون ملك (تدمر) المتوَّج، كما كان يحبُّها حبًّا مصلحيًّا ويغار
من
عنايتها بصديقها الناصح الأمين (لونجينوس Longinus). وكانت
الملكة تُعْنَى بمباحثة كبير الكهنة (ثاديوس Theddeus) في
المسائل العلمية والأدبية؛ لأنها كانت أديبةً تجيد من اللُّغات العربية والآرامية والمصرية،
وألَّفت كتابًا عن تاريخ الشرق، وكان كبير الكهنة هذا يغار بدوره من عنايتها بالفيلسوف
(لونجينوس)، وكان لكبير الكهنة (ثاديوس) بنت تُدعى (مِرَندا Miranda) وكانت تعشق القائد الأعظم (پيلنيوس) ويشجعها على ذلك والدها
بإغضائه أيضًا وبتودُّدِه للقائد هذا، بينما (پيلنيوس) لم يكن يعرف للحبِّ الحقيقي معنى،
ولكنه عرف كيف يستغل حبَّ (مِرَندا) له وكراهية والدها (للونجينوس) الفيلسوف صديق الملكة
الحميم. فلمَّا اتضح فيما بعد للإمبراطور الروماني (أُورليان) خطر (الزَّبَّاء) على سلطته
وشدة مطامحها — لا سيما بعد أن ضرب ابنها (هبةُ الله) العملةَ المصرية باسمها فقط — بعث
بحملة إلى (مصر) وتمكن من دحر جيشها هناك، ثم أردف هذه الحملة بأخرى على آسيا الصغرى
والشام
بقيادة القائد (مارسيوس Marcius) فهزمت جيوش (الزَّبَّاء)
لا سيما في (أنطاكية) و(حمص) واضطرت (الزَّبَّاء) إلى التحصُّن في (تدمر). ويرجع أكبر
الفضل
في انتصار الرومانيين عليها إلى تجسُّس (مِرَنْدَا) وخذلان قائدها (پيلنيوس) إيَّاها،
بعد
أن ساومها في ساعة الشدة على الزواج منه فرفضت بشمم، فدعاه إباؤه إلى الانضمام الكلِّي
إلى
القائد الروماني (مارسيوس Marcius) وتآمر الاثنان على
التنكيل بجيشها وسحق ملكها. ولولا انضمام (پيلنيوس) إلى الرومانيين ما استطاعوا اجتياز
القفار والاستحكامات المنيعة بعد موقعة (حمص) والتمكن من محاصرة (تدمر). ولولا ثقة الملكة
(بمرندا) الطيبة القلب التي خدعها (پيلنيوس) ولولا حبُّ الأخيرة لهذا القائد الخائن المخادع
الذي استغلَّ مركزه لنفعه الشخصي لَمَا آل الأمر إلى محاولة (الزَّبَّاء) وابنها الهرب
إلى
ملك الفرس للالتجاء إليه دون نجاح في هذه المحاولة، فتُؤْخَذُ عندها (الزَّبَّاء) أسيرة
إلى
(رومة) وعليها سلاسل الذهب والجواهر، ماشية أمام عربة الإمبراطور (أورليان) في هوانٍ
وضِعة
فيكاد يُغْمَى عليها، ولكنها تتمالك نفسها وتخاطب (أورليان) في تأثُّر قائلة له: إنَّه
إذا
كان عاملها هكذا جزاءً لها فإنه لم ينصف، لأنه لولا قائدها (پيلنيوس) وأطماعه ورغبته
في
الزواج منها وتشجيعه الانفصال من (رومة) لما وقع ما يغضب الإمبراطور، وإذا كان قائدها
هذا
قد ناصره أخيرًا فليس ذلك حبًّا في (رومة) وإنما بدافع الانتقام الشخصي منها، ومثله لن
يكون
وفيًّا للإمبراطور بل هو أساس المصائب ومدبر كل خيانة. فيغضب عليه الإمبراطور بعد أن
يصفح
عنها ويعدها بحياة الكرامة والشرف مع أولادها في مدينة (تيبور). فيُقْبَض على پيلنيوس
ويحكم
عليه بالإعدام أمام (الزَّبَّاء). وتغدو معزَّزة لدى من كان آسِرَها مسترجِعة منزلتها
الملكية، وقد توَّجَها (أورليان) بإكليلٍ من الغار ووصفها بأنها حقًّا في الأسر آسرة،
وفي
القهر فاتحة، وفي الذلِّ مليكة! ومن كان هذا معدنها فليس لها إلَّا أن يُجلَّها الإمبراطور
وأن تعيش عزيزةً بقية عمرها في ضيافة (رومة) الجديرة بأن تُعَدَّ وطنًا ثانيًا لها.