«الخرتيت»!
في نفس الموعد … في اليوم التالي … اجتمع الشياطين ورقم «صفر» مرة أخرى … وأضيئت خريطة لحوض البحر الأبيض المتوسط … وسلطت الأضواء على الجزء الأوسط من الخريطة، حيث يمتد حذاء شبه جزيرة «إيطاليا» وجزيرة «صقلية»، ثم ثلاث جزر صغيرة هي جزر «مالطا»، وتركزت الأضواء أكثر على «مالطا».
وبدأ رقم «صفر» الحديث قائلًا: لقد اعتدنا أن نذهب للمغامرة حيث توجد … ولكن في هذه المرة سنحدد نحن مكان المغامرة … وهذا يعطينا ميزات كثيرة … فسنعرف مقدمًا المكان الذي ستدور فيه المغامرة … أو المعركة … وتحديد الزمان والمكان يكسبنا نصف المعركة … وقد اخترنا «مالطا» مكانًا للقاء مع عصابة الخمسة … أو ما بقي منها …
وصمت رقم «صفر» لحظات ثم مضى يقول: وقد يسأل سائل … لماذا لم تختر دولة عربية مكانًا للمغامرة … وأجيب على هذا بأن تحديد دولة عربية قد يثير ريبة العصابة … خاصة وقد هُزمت مرتين في القاهرة، و«مالطا» على كل حال قريبة من الشواطئ العربية … وقد اخترناها أولًا لأنها قريبة.
وثانيًا لأنها محدودة المساحة، بحيث يمكن حصار العصابة … وسيصل «الخرتيت» إلى «مالطا» في الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة مساء اليوم، وسينزل في فندق «هيلتون» … وهو رجل طويل القامة، ضخم الجسم، له معدة بارزة، وذراعه الأيسر لا يتحرك بسهولة نتيجة لإصابته في الحرب.
وبداية فمن الممنوع تمامًا الاتصال به، أو الحديث إليه … حتى لو تقابلتم معه وجهًا لوجه … ولكنه سيعرف أين تنزلون … ولأن «مالطا» دولة سياحية؛ فمن السهل أن تختفوا عن الأنظار.
وقد اخترنا لكم جزيرة «جوزو» وهي الجزيرة الثانية من حيث المساحة بعد الجزيرة الرئيسية … وقد تركت لكم حرية اختيار خمسة للسفر … ومن الأفضل طبعًا أن يكونوا ممن عرفوا أساليب العصابة … هل من أسئلة؟
أحمد: هل هناك ضمان بوصول «الخرتيت» في موعده، ووصول رجال العصابة في نفس الموعد؟
رقم «صفر»: لقد قلت لكم إن مهمة الاغتيال ستتم فيما بين السادس والسادس والعشرين من هذا الشهر، وهذا يعني أنها يمكن أن تتم بعد أربعة أيام من وصول «الخرتيت» إلى «مالطا».
أحمد: هذا يعني أن الاتفاق لم يتم بعد على عملية الاغتيال.
رقم «صفر»: إننا واثقون من الخطة … ﻓ «الخرتيت» هدف ضخم للمنظمات المعادية، ومن المؤكد أن عصابة «سادة العالم» أو أي منظمة من المنظمات الإجرامية التي هزمها الشياطين اﻟ «١٣» لا بد أنها ستهتم بهذا الصيد الثمين.
لم يكن «أحمد» شديد الاقتناع بما قاله رقم «صفر» … ولكن كان من الواضح أن رقم «صفر» متأكد مما يقول، وأن خطته كاملة …
وهكذا انفض الاجتماع، وتم اختيار «أحمد» و«عثمان» و«زبيدة» و«إلهام» و«رشيد» للمهمة … ونظرًا لأن المسافة بين مقر الشياطين السري وجزيرة «مالطا» لا تزيد عن ساعتين بالطائرة؛ فقد قُرِّر أن يكون هناك خمسة آخرون من الشياطين جاهزين للعمل في حالة الحاجة إليهم.
وعندما كان «الخرتيت» ينزل في مطار «مالطا» في الثامنة وخمس وأربعين دقيقة … كانت سيارة ضخمة من طراز «كاديلاك فليتوود» ذات الثمانية سلندرات تغادر مقر الشياطين السري …
انفتحت الأبواب الصخرية السرية … وبرقت أضواء سريعة في الصحراء المترامية الأطراف حول المقر … ومرقت السيارة الضخمة في الطريق السري بين الجبال والرمال متجهة إلى أقرب مطار وهو مطار القاهرة الدولي.
وصل الشياطين إلى مطار القاهرة في حوالي منتصف الليل، فقضوا الليلة في فندق «سونيستا» القريب من المطار. وفي الفندق تلقوا مكالمة شديدة الغرابة، ولكن كان لا بد من تنفيذ ما جاء بها من تعليمات … كانت المكالمة من العميل رقم «صفر» في القاهرة … وقال فيها ﻟ «أحمد»: عندي تعليمات أبلغها لكم.
أحمد: أرجو ألا تكون بإلغاء الرحلة.
العميل: لا … إنها تعليمات بأن تتركوا أسلحتكم في القاهرة، فإن عمليات اختطاف الطائرات جعلت التفتيش عن الأسلحة دقيقًا جدًّا، ومن الصعب المرور من المطارات ومعكم أي نوع من الأسلحة.
أحمد: وماذا سنفعل إذن في الصراع مع العصابة … هل نكتفي بالمصارعة الرومانية؟!
العميل: لا داعي للسخرية … ستكون جميع الأسلحة المطلوبة جاهزة، حيث تقومون بمهمتكم، سأقابلكم بعد ساعة في موقف فندق «شيراتون هليوبولس» فأحضروا معكم جميع أسلحتكم، سأصل في سيارة «مرسيدس» … وسأطلق ثلاث إشارات.
ووضع العميل رقم «صفر» السماعة … ولولا أن «أحمد» كان يعرف صوته، وأن لا أحد يعرف برحلتهم إلا رقم «صفر» وجهاز العاملين في المقر السري لشك كثيرًا في هذه التعليمات التي لم يسبق لها مثيل …
بعد ساعة بالضبط كانت السيارة «الكاديلاك» بقيادة «أحمد» ومعه «عثمان» في موقف فندق «شيراتون هليوبوليس»، وعلى سبيل الاحتياط، فقد جلس «عثمان» في المقعد الخلفي للسيارة يراقب من الزجاج الخلفي عملية التسليم، فإذا كانت هناك خدعة … فعليه أن يتدخل فورًا …
وصلت سيارة «مرسيدس» سوداء، ووقفت خلف السيارة «الكاديلاك» تمامًا … وأضاءت أنوارها ثلاث مرات ونزل «أحمد» وفتح حقيبة السيارة وحمل الحقيبة التي أودعوا بها أسلحتهم … ونزل عميل رقم «صفر» محاذرًا، وتوقف لحظات ثم تقدم من «أحمد» وحمل الحقيبة، ثم سلمه مظروفًا صغيرًا وانصرف بسرعة … وتحركت السيارة المرسيدس مبتعدة …
عاد «أحمد» إلى السيارة «الكاديلاك» وطلب من «عثمان» أن يقودها في طريق العودة إلى فندق «سونيستا» بينما جلس بجواره، ثم أضاء نور التابلوه … وقرأ الرسالة الصغيرة، كانت برقية بالشفرة من رقم «صفر»:
«ستصلكم الأسلحة في فندق «أوف شور» في جزيرة «جوزو» مع عميلنا في «مالطا» واسمه «ديبوا» … وستجد على صدره وشمًا واضحًا يمثل سمكة، وهو رجل قصير القامة، شديد القوة، أصله من صقلية، ويمكنكم الاعتماد عليه، وهو الذي سينقل لكم تحركات «الخرتيت»، وموعد ومكان وصول العصابة …»
اطمأن «أحمد» إلى هذه المعلومات، ثم أشعل النار في الورقة، وتركها تحترق في طفاية السجائر، ثم عاد إلى الفندق …
قضى الشياطين الجزء الباقي من الليل في نوم عميق، وفي الصباح الباكر كانت طائرة شركة الخطوط تنقلهم عبر البحر المتوسط إلى جزيرة «مالطا»، وقد استغرقت الرحلة ساعتين وعشرين دقيقة.