العبدري
وعني العبدري في رحلته ببيان المواقع الجغرافية، وذكر المعالم الأثرية، ودراسة العادات في البلاد التي مر بها؛ فضلًا عن الكلام على أعلام الفقهاء المسلمين في عصره. ومما عرض له شدة ما يلقاه القادمون إلى ثغر الإسكندرية من قسوة مفتشي المكوس. فقد كتب في هذا الصدد: «ومن الأمر المستغرب والحال الذي أفصح عن قلة دينهم أنهم يعترضون الحجاج، ويجرعونهم من بحر الإهانة الملح الأجاج. ويأخذون على وفدهم الطرق والفجاج، يبحثون عما بأيديهم من مال، ويأمرون بتفتيش النساء والرجال. وقد رأيت من ذلك يوم ورودنا عليهم ما اشتد له عجبي، وجعل الانفصال عنهم غاية أربي. وذلك لما وصل إليها الركب جاءت شرذمة من الحرس، لا حرس الله مهجتهم الخسيسة، ولا أعدم منهم لأسد الآفات فريسة، فمدوا في الحجاج أيديهم، وفتشوا الرجال والنساء، وألزموهم أنواعًا من المظالم، وأذاقوهم ألوانًا من الهوان، ثم استخلفوهم وراء ذلك كله، وما رأيت هذه العادة الذميمة، والشيمة اللئيمة في بلد من البلاد، ولا رأيت في الناس أقسى قلوبًا، ولا أقل حياء ومروءة، ولا أكثر إعراضًا عن الله، سبحانه، وجفاء لأهل دينه من أهل هذا البلد.»