الخاتمة
عرضنا في الصفحات السابقة أخبار الرحالة المسلمين، وظهر لنا أن المجهولين منهم أكثر ممن حفظ التاريخ أسماءهم. فمعظمهم لم يعن بتدوين أخبار أسفاره. واستطاع نفر قليل منهم أن ينتفع بها في الكتابة في التاريخ وعلم تقويم البلدان. ووفق أفراد معدودون لتدوين أحاديث الرحلات التي قاموا بها، ولسرد مشاهداتهم العجيبة في البلاد التي تجولوا فيها.
•••
وأما شأن هذه الرحلات في تطور العلم والمعرفة فما من شك في أن المسلمين ساهموا في تعريف بالشرق الأقصى وأفريقية، فضلًا عن آفاق دولتهم المتراخية.
فالرومان كانوا يتخيلون وجود الصين، ولكن الرحالة المسلمين عرفوها وكتبوا عنها منذ بداءة العصور الوسطى أخبارًا أيتها رحلة ماركوبولو البندقي في القرن الثالث عشر الميلادي. وكان الرومان لا يعرفون من قارة إفريقية إلا سواحلها الشمالية، أما المسلمون فقد عبروا الصحراء وعرفوا مجاهل هذه القاهرة التي ظل الأوروبيون حتى القرن الثامن عشر يقفون عند سواحلها فلا تتطول أعناقهم إلى ورائها.
أما بلاد العرب والعراق وإيران فطبيعي أن يكون المسلمون المرجع الأساسي في دراسة وصفها الجغرافي والعمراني والاجتماعي، إلى غير ذلك مما لم يصل إليه الغربيون قبل العصور الحديثة.
•••
وحسبنا لتبيان فضل الرحالة المسلمين أن ينتهي بنا المطاف إلى أن دراستهم على نحو وافٍ دقيق أمر لا بد منه لكل بحث في تاريخ التجارة أو النظام السياسي أو التاريخ الاجتماعي في الشعوب الإسلامية والأمم التي اتصلت بها؛ فإن ما كتبه الرحالة المسلمون من وصافين وجغرافيين كنز لا ينضب معينه، يضم الوثائق العظيمة الشأن في تاريخ الإنسانية. وفي استطاعة الباحث أن يستخرج منها شتى الحقائق ومختلف ضروب المعرفة، مطمئنًّا إلى نتائج بحثه، إذا أقبل على دراسة هذه الوثائق ببصيرة نافذة وبشيء من الحذر الذي يتطلبه النقد العلمي عند معالجة النصوص في العصور الوسطى غربية كانت أو شرقية.
•••
وتمتاز قصص الرحلات الإسلامية عامة بظهور شخصيات الرحالة فيها، فإن أكثرهم لا يقفون عند وصف مراحل أسفارهم وصفًا عامًّا، بل يعنون بتقييد الظواهر الاجتماعية غير المألوفة في أقاليمهم. ثم إنهم يحرصون على لقاء أعلام البلاد التي يجتازونها من علماء وأدباء ورؤساء إلى جنب تعرفهم إلى طبقات الشعب المختلفة.
•••
•••