محمد بن قو سلطان مالي
ومن قصص الرحلات الإسلامية المجهولة حديث سلطان مسلم ركب المحيط الأطلسي لكشف غوامضه؛ وقد جاء ذكره في كتاب «صبح الأعشى» للقلقشندي المتوفى سنة (٨٢١ﻫ/١٤١٨م)، عند الكلام على مملكة مالي في السودان الغربي جنوبي بلاد الغرب.
وبيان ذلك أن الملك منسا موسى بن أبي بكر ملك مالي مر بمصر في طريقه إلى الحج في
عصر
الناصر محمد بن قلاوون سنة (٧٢٤ﻫ/١٣٢٤م)، فأوفد السلطان الناصر أحد كبار موظفي القصر
لاستقباله، واحتفى به الأمراء المصريون،١ واستفسروا منه عن أمور كثيرة في بلاده ولا سيما استخراج الذهب والنحاس. كما
سأله أحدهم عن سبب انتقال الملك إليه، فأجاب بأن ابن عمه السلطان السابق محمد بن قو كان
يظن
أن «البحر المحيط له غاية تدرك»، فجهز مئات من السفن وشحنها بالرجال والمؤن التي تكفيهم
سنين، وأمرهم أن يسيروا في المحيط وألا يرجعوا حتى يبلغوا نهايته أو تنفذ أزوادهم. فغابت
السفن مدة طويلة ثم عادت منها سفينة واحدة. ومثل قائدها بين يدي السلطان، فسأله عن أمر
زملائه؛ فقال: «إن السفن سارت زمانًا طويلًا وحتى عرض لها في وسط اللجة واد له جرية عظيمة.»
فابتلع المراكب فلم ينج إلا هذا القائد بسفينته. وقد كانت آخر السفن، ولكن السلطان لم
يصدق
هذا الحديث، أو لعله أراد أن يتبين نصيبه من الصحة، فأعد ألفي سفينة للرجال وألفًا للأزواد،
واستخلف ابن عمه منسا موسى في حكم البلاد، وأقلع بنفسه على رأس حملته الاستكشافية العظيمة.
فكان ذلك آخر العهد به وبمن معه.
١
انظر تاريخ ابن خلدون ج٦ ص٢٠٠-٢٠١.