الفصل الأول
(المنظر: غرفة جلوس الدكتور ستوكمان
(Stockmann)، والوقت: مساء. الغرفة بسيطة ولكنها مفروشة
فراشًا نظيفًا، ويوجد في الجدار الأيمن بابان: الأبعد منهما يؤدي إلى البهو والأقرب إلى
غرفة المطالعة التي للدكتور. وفي الجدار الأيسر أمام الباب الذي يؤدي إلى البهو باب يؤدي
إلى الغرف التي لبقية أفراد العيلة، وفي منتصف هذا الجدار يوجد موقد التدفئة، وبعده مقعد
(كنبة) معلق من فوقه مرآة، وأمام المقعد منضد بيضي الشكل، وعلى المنضد مصباح له مظلة.
وفي
ظهر الغرفة باب مفتوح يؤدي إلى غرفة المائدة، ويرى بيلنج
(Billing) جالسًا إلى المائدة وقد وضع عليها مصباح
مشعل، ومعه قطيلة (فوطة) محشورة في طوقه تحت ذقنه، والسيدة ستوكمان امرأة الدكتور واقفة
بجوار المائدة تقدم إليه صحنًا كبيرًا مليئًا لحمًا (روزبيف). أما بقية الكراسي التي
حول
المائدة فهي خالية. وتلوح المائدة غير منظمة، يدل ظاهرها على أن بعضهم كان جالسًا إليها
وأكل وانتهى وتركها هكذا …)
كاترين
:
ها أنت ذا ترى أنك إذا حضرت متأخرًا عن الموعد ساعة لم يكن بد من أن ترضى بلحم
بارد.
بيلنج
(وهو يأكل)
:
إنه طيب فوق العادة. شكرًا. طيب جدًّا.
كاترين
:
زوجي يحتم أن يتناول طعامه في أوقات محدودة وأنت تعرف …
بيلنج
:
لا يؤثر فيَّ هذا شيئًا، بل الواقع أني أكاد أعتقد أني أستلذ الأكل وأنبسط إذا
جلست إلى المائدة وأكلته كله وحدي لا يزعجني أحد.
كاترين
:
حسن. ما دمت تستطيبه … (تلتفت صوب باب البهو
تستمع) أظن أن السيد هوفستاد
(Hovstad) قد حضر هو أيضًا.
بيلنج
:
يغلب ذلك.
(يدخل بيترستوكمان، وهو لابس معطفًا وقبعة رسمية عليها شريط مذهب
ويحمل عصًا.)
١
بيتر
:
مساء الخير يا كاترين.
كاترين
(آتية إلى غرفة الاستقبال)
:
آه، مساء الخير، أهو أنت؟ ما أكثر لطفك لتفضلك بزيارتنا.
بيتر
:
اتفق أني كنت مارًّا ولذا … (ينظر إلى غرفة
المائدة) أرى عندك ضيفًا.
كاترين
(بشيء من الارتباك)
:
أُو! لا … إنه حضر مصادفة. (بسرعة) ألا تدخل
وتتناول شيئًا أنت أيضًا.
بيتر
:
أنا؟ كلا، شكرًا. أعوذ بالله، لحم سخن بالليل، لا، إن معدتي لا تقر هذا.
كاترين
:
أووو، ولو مرة واحدة على سبيل …
بيتر
:
لا، لا، يا سيدتي العزيزة إني ملازم فنجان الشاي وقطعة الخبز والزبدة. إنها على
مضي الوقت أحسن وأفضل، ونوعًا ما أقرب إلى الاقتصاد أيضًا.
كاترين
(تبتسم)
:
إياك أن تظن لهذا أني أنا وتوماس على شيء من الإسراف.
بيتر
:
أنت؟ لا يا عزيزتي. محال أن أظنك كذلك (يشير إلى غرفة
مطالعة الدكتور) أهو هنا؟
كاترين
:
لا، إنه خرج يتمشى قليلًا بعد العشاء، هو والأولاد.
بيتر
:
لا أرى أن هذا المشي بعد العشاء في محله (يتسمع) أظن أنه هو الآتي.
كاترين
:
لا، لا أظنه هو (تسمع دقة على الباب) تفضَّل.
(يدخل هوفستاد من باب البهو) أُو! هو أنت يا
سيد هوفستاد؟!
هوفستاد
:
نعم، رجائي أن تعذريني؛ ولكني شغلت في المطبعة. سعدت مساء يا حضرة العمدة.
بيتر
(ينحني بشيء من الجفاف)
:
سعدت مساء. إنك آت في مهمة بلا شك؟
هوفستاد
:
بعض الشيء، بشأن مقالة من أجل جريدتي.
بيتر
:
هكذا قدرت. بلغني أن أخي أصبح من أسيل الناس يدًا في مراسلة «رسول الشعب».
هوفستاد
:
أجل. إنه من أصلح من يستطيعون التحرير في «رسول الشعب» يوم يتناول مسألة من
مسائلنا في البلدية.
كاترين
(إلى هوفستاد)
:
ولكن ألا … (تشير إلى غرفة المائدة).
بيتر
:
صحيح. صحيح. لا ألومه بتاتًا — وهو كاتب — أن يوجه أقواله إلى الجهة التي يجد
منها عطفًا وإقبالًا. وفضلًا عن هذا فإني شخصيًّا لا أحمل في قلبي موجدة على جريدتك
يا سيد هوفستاد.
هوفستاد
:
أنا على ما ترى.
بيتر
:
إذا ذكر الشيء بالشيء فإني أقرر أن في البلد روح تسامح كبير وروحًا قومية بلدية
تسر الخاطر. كل هذا ناشئ من وجود مصلحة مشتركة بيننا. مصلحة عالية في نظر كل مواطن
مخلص سليم العقل.
هوفستاد
:
الحمامات. نعم.
بيتر
:
بعينها. حماماتنا الجميلة البديعة. تنبه إلى كلامي يا سيد هوفستاد ستكون الحمامات
محور حياتنا البلدية. لا أشك في ذلك بتاتًا.
كاترين
:
هذا بعينه ما يقوله توماس.
بيتر
:
انظر الآن، كيف أن بلدتنا كبرت واتسعت أعمالها في السنة الأخيرة أو السنتين إلى
حد يدعو إلى العجب. تدفقت الأموال في البلدة. ودب فيها شيء من روح الحياة والعمل
وأخذت قيمة المنازل والأراضي ترتفع يومًا عن يوم.
هوفستاد
:
وأخذت البطالة تقل.
بيتر
:
نعم، هذا شيء آخر، وقد خف عن الناس عبء ضريبة الفقراء فارتاح أصحاب الأملاك. وفي
اعتقادي أن العبء سيخف أكثر إذا جاء موسم الصيف هذا العام كما نرجو، وقصدنا كثير من
الزوار وكثير من المرضى الذين يشهرون صيت الحمامات.
هوفستاد
:
لعله ينتظر أن يكون الحال على ما نرجو.
بيتر
:
الحالة تبشر بذلك. والبريد يأتينا كل يوم بعديد من الرسائل يسأل فيها أصحابها عن
شقق خالية وغرف وغير ذلك.
هوفستاد
:
إذن فسيكون نشر مقال الدكتور الآن في وقته.
بيتر
:
هل كتب شيئًا آخر في هذه الأيام؟
هوفستاد
:
هي مقالة كتبها في الشتاء يوصي الناس فيها بالانتفاع بالحمامات ويسهب في بيان
المزايا الصحية التي تنعم بها هذه البلدة. ولكني وقفت نشرها مؤقتًا.
بيتر
:
آه، لعل ذلك لمانع بسيط في شأنها!
هوفستاد
:
لا، لا. ولكني استصوبت أن أبقيها حتى يأتي الربيع لأن الناس في ذلك الوقت يفكرون
في الجهات التي يقصدون إليها في الصيف.
بيتر
:
في محله، لقد كان رأيك صوابًا يا سيد هوفستاد.
كاترين
:
فعلًا. إن توماس لا يكل له جهد إذا هو اشتغل بأمر خاص بالحمامات.
بيتر
:
تذكري أنه مفتش صحة هذه الحمامات.
هوفستاد
:
نعم، وأكثر من ذلك. إنها لم تنشأ إلا بفضله.
بيتر
:
بفضله هو! نعم يبلغني من آن لآن أن في الناس من يرى هذا الرأي، ولكن يجب عليَّ في
الوقت نفسه أن أقول إنني أتصور أن لي في الأمر يدًا ولو قصيرة.
كاترين
:
فعلًا، هذا ما يقوله توماس دائمًا.
هوفستاد
:
من ينكر عليك هذا يا سيد ستوكمان؟ أنت نفذت المشروع وجعلت منه مصلحة قائمة. نحن
جميعًا نعرف ذلك. ما عنيت إلا أن فكرة المشروع إنما تأتت من أخيك الدكتور
أولًا.
بيتر
:
الفكرة! نعم الفكرة. إن أخي كان كثير الفكر في ذلك الوقت لسوء الحظ، ولكن عندما
يراد التنفيذ الفعلي يجب عليك أن تقصد إلى شخص من طراز آخر يا سيد هوفستاد، وقد كان
يدور في خلدي أن في هذا البيت على الأقل …
كاترين
:
رويدك يا عزيزي بيتر …
هوفستاد
:
كيف تظن أن …
كاترين
:
ألا تدخل وتتناول شيئًا من الطعام يا سيد هوفستاد؟ مؤكد أن زوجي سيحضر توًّا.
هوفستاد
:
شكرًا لا بأس بقطعة صغيرة (يذهب داخلًا إلى غرفة
الطعام).
بيتر
(يخفض صوته قليلًا)
:
إنه ليدهشني أن أولاد الفلاحين هؤلاء لا تفارقهم قلة الذوق بتاتًا.
كاترين
:
هوِّن عليك — ليس هذا مما يستحق الاهتمام له، ألا يمكنك أنت وتوماس أن تتقاسما
فضل العمل كأخوين؟
بيتر
:
كنت أرى ذلك. ولكن يظهر أن في الناس من لا يقنعون بحصة واحدة.
كاترين
:
ما هذا الكلام الفارغ أنت وتوماس على أتم وفاق (تتسمع)، ها هو ذا آت على ما أظن (تخرج،
وتفتح الباب المؤدي إلى البهو).
الدكتور
(يضحك من الخارج ويتكلم بصوت عال)
:
هو! كاترين جئتك بضيف آخر، أما في ذلك ما يسر؟ تفضل يا قبطان هورستر. علق معطفك
على هذا المشجب، آه! إنك لا تلبس معطفًا. تأملي يا كاترين، لقيته مصادفة في الطريق
ولم أستطع حمله على المجيء إلا بالجهد الجهيد (يدخل
القبطان هورستر ويحيي السيدة ستوكمان، ويتبعه الدكتور ستوكمان بجانب
الباب) ادخلوا يا أولاد. لقد هضموا ما أكلوا الآن وعادوا إليك جياعا.
تفضل يا سيد هورستر. لا بد أن تأكل قطعة من اللحم (يدفع
هورستر إلى غرفة الطعام).
كاترين
(يدخل إيليف ومورتن بعدهما)
:
وي! توماس، ألا ترى …؟
الدكتور
(ملتفتًا في مدخل الباب)
:
أُو! هذا أنت يا بيتر (ويذهب ويسلم عليه
باليد) حقًّا إن هذا شيء جميل.
بيتر
:
بكل أسف لا بد لي أن أذهب على الفور.
الدكتور
:
كلام فارغ، سيأتي الآن شراب التودي (Toddy)، لعلك
لم تنسي التودي يا كاترين.
كاترين
:
كيف أنساه. الماء يغلي الآن (تذهب داخلة غرفة
الطعام).
بيتر
:
شراب التودي أيضًا؟
الدكتور
:
أجل، اجلس وسنشربه مؤتنسين.
بيتر
:
شكرًا لك. لا، لا أغشى مجالس الشراب في المساء.
الدكتور
:
ولكن ليس هذا مجلس شراب.
بيتر
:
يخيل إلي أنه كذلك (ينظر صوب غرفة الطعام)
عجبًا كيف يلتهمون كل هذا المقدار العظيم من الطعام.
الدكتور
(يمسح كفيه إحداهما بالأخرى)
:
نعم أليس مما يسر النفس أن نرى الشبان وهم يأكلون؟ إنهم جياع دائمًا. وهذا ما يجب
لهم. لا بد أن يأكلوا. إنهم يحتاجون إلى القوة. هم الذين عليهم أن يحركوا ما يؤتمر
الآن من قوى المستقبل يا بيتر.
بيتر
:
أتسمح لي أن أسألك ماذا هم واجدون هنا ليحركوه كما تقول؟
الدكتور
:
آه، وجه سؤالك هذا إلى الشبان أنفسهم يوم يأتي وقتهم. نحن لا نستطيع أن نرى هذه
الأوقات بالطبع. بغلان عتيقان مثلنا …
بيتر
:
مهلًا. مهلًا. حقًّا إن هذا التعبير مستغرب.
الدكتور
:
أوه، لا يصح أن تفهم كلمتي بمعناها الحرفي يا بيتر. إني في غاية الارتياح والرضا.
وفي اعتقادي أنه من الحظ العظيم النادر أن يكون الإنسان منا في وسط هذه الحياة
النابتة النامية العفية. أجل إنه وقت باهر، تستحب فيه الحياة، ويخيل إليَّ كأن
عالمًا جديدًا برمته يخلق من حولك.
بيتر
:
أترى ذلك فعلًا؟
الدكتور
:
آه، بالطبع، إنك لا تتبينه بالوضوح الذي أتبينه به. لقد قضيت عمرك في هذه الحياة
فاعتدتها، وأصبح إحساسك بها فاترًا. أما أنا وقد دفنت كل هذه السنين في زاويتي
الصغيرة بأعلى الشمال حيث لا أكاد أرى غريبًا قد يأتي إلي بأفكار جديدة، فالتأثير
الحادث الآن لي من رؤيتي ما آلت إليه هذه البلدة هو عين التأثير الذي كان يحدث لي
لو أني القيت فجأة في صميم مدينة مزدحمة.
بيتر
:
أوه! مدينة!
الدكتور
:
أعرف، أعرف أن أحوال بلدتنا تجري في نطاق ضيق بالقياس إلى غيرها، ولكن فيها حياة
وفيها رجاء وفيها من الأمور الجمة ما يستحق أن تعمل له وتجاهد في سبيله. وهذا هو
الشيء المهم. (ينادي) كاترين! ألم يحضر ساعي
البريد؟
كاترين
(من غرفة الطعام)
:
كلا.
الدكتور
:
ثم كون الإنسان عائشًا هنا يا بيتر عيشة راحة، هذا شيء يعرف قيمته من كان على
حافة الموت جوعًا كما كنا.
بيتر
:
نعم. مؤكد …
الدكتور
:
في الواقع إننا كنا في الشمال في غالب الأحيان نقاسي شظف العيش. أما اليوم
فالواحد يعيش كأنه لورد. اليوم مثلًا في الغداء كان عندنا روزبيف وفي العشاء أيضًا،
ألا تأتي فتتناول قطعة صغيرة؟ أو تعال أريكه. على كل حال تعال هنا.
بيتر
:
لا، لا. ولا بملك الدنيا.
الدكتور
:
طيب. طيب ولكن تعال هنا. أترى أننا اشترينا غطاء للمائدة.
بيتر
:
لحظت ذلك. نعم.
الدكتور
:
كذلك اقتنينا مظلة للمصباح، أتراها؟ كل هذا مما تقتصده كاترين. إن هذه الأشياء
تجعل الغرفة ممتعة، ألا ترى ذلك؟ قف هنا، قليلًا فقط. لا، لا، ليس هناك. هنا
بالضبط، نعم. انظر الآن. عندما تقع الأنوار عليها كلها. أعتقد تمام الاعتقاد أنها
جميلة جدًّا، أليس كذلك؟
بيتر
:
أوه إذا كنت تستطيع اقتناء مثل هذه الطرف.
الدكتور
:
نعم أستطيعه الآن، تقول لي كاترين إن مكسبي يكاد يكون قدر ما ننفق تمامًا.
بيتر
:
يكاد، نعم!
الدكتور
:
ولكن الرجل المشتغل بالمسائل العلمية يجب أن تكون معيشته على نمط ممتاز نوعًا ما.
إني متأكد أن الموظف المدني العادي ينفق في العام أكثر مما أنفق أنا.
بيتر
:
الواقع أن الموظف المدني، الرجل الذي يكون في مركز عال يسمح حسن مرتبه فيه
…
الدكتور
:
دع ذلك. لنقل أي تاجر عادي، مثله ينفق مرتين أو ثلاثًا أكثر مني.
بيتر
:
هذا أمر طبيعي يتبع تفاوت الناس في المراكز.
الدكتور
:
على كل حال أؤكد لك أنني لا أنفق نقودًا في غير فائدة صحيحة. بيد أنه لا يطاوعني
قلبي فأحرم نفسي لذتها بإضافة إخواني. أجدني كما تدري شديد الحاجة إلى مثل هذا. لقد
عشت مدة طويلة محبوسًا عن كل شيء. حتى لقد أصبح
من ضرورات الحياة عندي أن أختلط بالشباب الناهض، بالرجال المتحمسين ذوي المطامع،
ذوي العقول الحرة النشيطة. وهذا ينطبق تمام الانطباق على هؤلاء الأشخاص الذين
يستمتعون الآن بطعامهم، ليتك تعرف هوفستاد أكثر مما …
بيتر
:
على فكرة. خبرني الآن هوفستاد أنه شارع في نشر مقالة لك أخرى.
الدكتور
:
مقالة لي؟
بيتر
:
نعم. عن الحمامات. مقالة كتبتها في الشتاء.
الدكتور
:
أوه. تلك؟ لا، لا أريد أن تنشر هذه المقالة في هذا الوقت بالذات.
بيتر
:
لماذا؟ يخيل إليَّ أن هذا الوقت أليق الأوقات لنشرها.
الدكتور
:
نعم قد يكون ذلك، في الظروف العادية (يخطو قاطعًا
الغرفة).
بيتر
(يتبعه بنظراته)
:
أهناك شيء غير عادي في الظروف الحاضرة؟
الدكتور
(يقف ساكنًا)
:
أقول لك الحق يا أخي، لست أستطيع أن أخبرك الآن، وعلى كل حال، في هذه الليلة. قد
يكون هناك شيء كثير غير عادي يحيط بالظروف الحاضرة وقد لا يكون هناك شيء من ذلك
بتاتًا. وقد يحتمل جد الاحتمال أن يكون الأمر وهمًا من أوهامي.
بيتر
:
كلامك كله مبهم. أهناك تدبيرات جارية تعملون على إخفائها عني؟ كنت أظن أني بصفة
كوني رئيسًا للجنة الحمامات …
الدكتور
:
وأنا كنت أظن أني … أوه دع عنك ذلك، لا يحملنا الأمر على أن يهبَّ بعضنا في وجه
بعض.
بيتر
:
معاذ الله، ليس من عادتي أن أهب في وجه الناس كما تقول. ولكن لي الحق أن أطالب
وأشدد عليكم باتباع الطرق الرسمية، وأن تجري الأمور في مجاريها الصحيحة حتى
يتناولها الرؤساء المنوطون بالعمل رسميًّا ويفصلوا فيها، إني لا أسمح لأحد أن يمر
من وراء ظهورنا بحركة من حركات المداورة.
الدكتور
:
هل علمت أني حاولت في يوم من الأيام أن أمشي وراء ظهوركم؟
بيتر
:
مهما يكن من الأمر فإنك ميال بطبيعتك إلى السير على هواك.
ولا يسمح بهذا في مجتمع صحيح النظام. يجب على الفرد بلا شك أن يذعن للمجتمع
ويخضع. وبعبارة أدق، يجب عليه أن يذعن لولاة الأمر الذين في يدهم مصلحة
المجتمع.
الدكتور
:
على الراجح. ولكن ما دخل كل هذا في شأني؟
بيتر
:
هذا بعينه ما يخيل إلي أنك لا تريد أن تفهمه بتاتًا يا عزيزي توماس، ولكن تنبه
لقولي. ستأسف يومًا من الأيام على سلوكك هذا؛ يومًا قريبًا أو بعيدًا. لقد أنذرتك.
سلام عليك.
الدكتور
:
هل زايلك الصواب؟ ماذا أصابك؟! لقد شطت بك الظنون.
بيتر
:
ليست هذه عادتي؛ فاعذرني إذن، أنا … (ينادي موجهًا صوته
إلى غرفة الطعام) ليلة سعيدة يا كاترين، ليلة سعيدة يا سادة (يخرج).
كاترين
(تأتي من غرفة الطعام)
:
هل ذهب؟
الدكتور
:
نعم، ذهب مغضبًا.
كاترين
:
ولكن يا عزيزي توماس، ماذا صنعت به ثانية؟
الدكتور
:
لا شيء البتة. وعلى كل حال، إنه لا يستطيع أن يجبرني على تقديم تقريري إليه قبل
الموعد اللائق.
كاترين
:
أي شيء لديك تقدم عنه تقريرًا؟
الدكتور
(يهمهم)
:
هه! دعي لي هذا يا كاترين. غريب أن ساعي البريد لم يحضر.
(ينهض هوفستاد وبيلنج وهورستر عن المائدة ويحضرون إلى غرفة الجلوس.)
(إيليف ومورتن يحضران بعدهما.)
بيلنج
(يتمطى)
:
آه. إن الإنسان ليشعر أن قواه قد تجددت بعد مثل هذه الأكلة.
هوفستاد
:
إذن لم يكن العمدة لطيف المزاج هذه الليلة!
الدكتور
:
العيب على معدته، إنه سيئ الهضم جدًّا.
هوفستاد
:
يخيل إليَّ أنه لم يستطع هضمنا نحن الاثنين من محرري رسول الشعب.
كاترين
:
لقد استطعت أن تخلص نفسك منه بلطف.
هوفستاد
:
نعم، نعم. ولكنها لا تخرج عن هدنة بسيطة.
بيلنج
:
هذا هو الواقع، في هذه الكلمة كل شيء.
الدكتور
:
تذكروا دائمًا أن بيتر رجل وحيد، مسكين. ليس لديه من مسرات الحياة العيلية شيء،
لا شيء عنده إلا الشغل على الدوام، كما أن ذلك الغول الجهنمي، الشاي الذي يملأ به
بطنه … ها. هاتوا يا أولاد كراسي هنا. أما يأتينا شراب التودي يا كاترين؟
كاترين
(ذاهبة إلى غرفة الطعام)
:
سأحضره على الفور.
الدكتور
:
اجلس هنا على المقعد بجانبي يا قبطان هورستر. نحن لا نراك إلا نادرًا. تفضلوا
بالجلوس يا إخواني.
(يجلسون إلى المنضدة وتحضر كاترين ستوكمان صينية عليها مشعل كحول
وأكواب وزجاجات … إلخ.)
كاترين
:
إليكم، هذا عرق وهذا روم. وهذا هو الكونياك. وليخدم كل نفسه.
الدكتور
(يتناول كوبه)
:
سنفعل (كلهم يأخذون في المزج لصنع شراب
التودي) وعلينا بالسيجار. إيليف! أنت تعرف مكان الصندوق. وأنت يا
مورتن هات غليوني (ينصرف الولدان ذاهبين إلى الغرفة
اليمنى) إني أظن أن إيليف يضع في جيبه شيئًا من السيجار من آن لآن!
ولكني أتغاضى عن ذلك (ينادي) وقبعة التدخين
أيضًا يا مورتن. كاترين! خبريه أين تركتها. آه، إنه أحضرها (يحضر الأولاد الأشياء المطلوبة) الآن أيها الإخوان
إني ملازم غليوني كما تعلمون. وقد شهد هذا الغليون معي أيامًا من أسوأ أيام الجو
فوق؛ في الشمال (يقرع كأسه بكئوس إخوانه) صحتكم
جميعًا.
جميل أن يجلس الإنسان هنا مرتاحًا دفيئًا.
كاترين
(وهي جالسة تشتغل بالإبرة)
:
أأنت مبحر قريبًا أيها السيد القبطان؟
هورستر
:
أرجح أننا سنقلع في الأسبوع القادم.
كاترين
:
أظن أنكم قاصدون أمريكا.
هورستر
:
أجل هذي هي الخطة.
كاترين
:
إذن فلن تشترك في الانتخاب المقبل.
هورستر
:
أمنتظر أن يحدث انتخاب؟
بيلنج
:
ألا تعرف ذلك؟
هورستر
:
لا، إني لا أشغل نفسي بهذه المسائل.
بيلنج
:
ولكن ألا تهتم بالمصالح العامة؟
هورستر
:
كلا، إني لا أعرف شيئًا من شئون السياسة.
بيلنج
:
ومع ذلك، يجب على كل إنسان أن يعطي صوته.
هورستر
:
حتى وإن لم يكن الإنسان يعرف ما يجري في البلد.
بيلنج
:
لا يعرف شيئًا! ماذا تعني بذلك؟ إن المجتمع أشبه شيء بالسفينة واجب على كل من
فيها أن يكون على استعداد لتولي قيادتها.
هورستر
:
قد يكون هذا صحيحًا على البر، أما على ظهر السفينة فهذا لا ينفع.
هوفستاد
:
يدهشني أن غالب الملاحين لا يهتمون بشيء مما يجري على اليابسة.
بيلنج
:
غريب جدًّا.
الدكتور
:
إن الملاحين كالطيور الرحالة؛ جميع البقاع موطن لها على السواء. وفي هذا سبب آخر
في أننا أشد منهم حرصًا على مصلحة بلادنا. هل لديكم في عدد الغد من رسول الشعب شيء
ذو أهمية خاصة.
هوفستاد
:
لا شيء من مسائل البلدية، ولكن كان في نيتي أن أنشر مقالتك بعد غد.
الدكتور
:
مقالتي! إلى حيث … اسمع، أهملها وقتًا ما.
هوفستاد
:
حقًّا؟ كان عندنا فراغ لها. ولقد زعمت أن هذا هو الوقت الملائم لنشرها.
الدكتور
:
نعم، نعم. قد يكون رأيك في محله، ولكن يجب تأجيلها الآن على كل حال، وسأوضح لك
السبب فيما بعد.
(تأتي الآنسة بترا (Petra) من البهو
وهي لابسة قبعة ومعطفًا ومعها ربطة كراسات مدرسية تحت إبطها.)
بترا
:
سعد مساؤكم.
الدكتور
:
ومساؤك يا بترا. هلمي (تحيات وتسليمات وبترا تخلع
أشياءها وتضعها على أحد الكراسي بجوار الباب).
بترا
:
أنتم جالسون هنا جميعًا تستمتعون بعضكم ببعض وأنا هناك أقاسي الأمرين.
الدكتور
:
إذن فتعالي وخذي نصيبك أنت أيضًا.
بيلنج
:
أأجهز لك كأسًا؟
بترا
(آتية إلى المائدة)
:
شكرًا! ولكني أفضل أن أصنع شرابي بيدي. إنك تجعل المزيج شديدًا جدًّا. ولكني نسيت
يا أبي، معي خطاب لك (تذهب إلى الكراسي التي وضعت عليها
أشياءها).
الدكتور
:
خطاب؟ ممن؟
بترا
(باحثة في جيب معطفها)
:
ناولني إياه ساعي البريد عندما كنت خارجة من المنزل.
الدكتور
(ناهضًا وذاهبًا إليها)
:
وأنت تعطيني إياه الآن فقط.
بترا
:
لم يكن عندي في الحقيقة وقت للرجوع، ها هو ذا.
الدكتور
(يتناول الخطاب)
:
دعيني أرى! دعيني أرى يا بنية. (ينظر إلى
العنوان) نعم. هذا هو.
كاترين
:
أهو الخطاب الذي كنت تنتظره بفروغ صبر يا توماس؟
الدكتور
:
نعم هو. سأذهب إلى غرفتي و… أين أجد المصباح يا كاترين؟ أليس في غرفتي نور …
مرة أخرى.
كاترين
:
بلى، إن مصباحك مشعل من قبل على المكتب.
الدكتور
:
حسن. حسن. معذرة، لحظة واحدة (يدخل غرفة
المطالعة).
بترا
:
ما تخمينك أن يكون هذا الخطاب يا أمي؟
كاترين
:
لا أدري. لم يزل أبوك منذ يوم أو يومين يسألني هل أتى ساعي البريد أم لا!
بيلنج
:
لعله بشأن مريض من أهل الريف.
بترا
:
مسكين أبي، إنه سينهك نفسه بالعمل على عجل (تمزج كأسًا
لنفسها) ها هو ذا! سيكون طعمه لذيذًا.
هوفستاد
:
هل عدت إلى التدريس اليوم في المدرسة الليلية؟
بترا
(تحتسي الكأس)
:
ساعتين.
بيلنج
:
وأربع ساعات في المدرسة بالنهار.
بترا
:
بل خمس ساعات.
كاترين
:
ولا يزال معك كراسات للتصحيح، على ما أرى.
بترا
:
نعم، كومة كبيرة.
هورستر
:
يخيل إلي أنك أنت أيضًا مثقلة بالأعمال!
بترا
:
أجل، ولكنه مفيد؛ إن الإنسان يصبح من بعد ذلك متعبًا تعبًا لذيذًا.
بيلنج
:
وهل تحبين هذا؟
بترا
:
أجل، إنه يجعل نوم الإنسان هنيئًا.
مورتن
:
لا بد أنك اقترفت خطايا كثيرة يا بترا؟
بترا
:
أنا؟
مورتن
:
نعم، لأنك تشتغلين كل هذا المقدار. يقول أستاذنا السيد رولاند إن الشغل عقاب لنا
على خطايانا.
إيليف
:
ويحك! أتصدق مثل هذا الكلام؟
كاترين
:
إيليف، أقصر! أقصر.
بيلنج
(ضاحكًا)
:
هذا شيء عظيم!
هوفستاد
:
ألا تريد أن تشتغل مثل هذا الشغل الشاق يا مورتن؟
مورتن
:
كلا، لا أريد.
هوفستاد
:
إذن فماذا تشتهي أن تكون؟
مورتن
:
أشتهي أن أكون من الفيكونج أمراء البحار.
إيليف
:
إذن فلا بد لك أن تكون بلا دين.
مورتن
:
من السهل أن أصبح بلا دين. ألا يمكنني ذلك؟
بيلنج
:
إني على اتفاق معك في الرأي يا مورتن. هذا إحساسي بعينه.
كاترين
(تكلمه بالإشارة)
:
إني واثقة أن هذا غير صحيح، يا مستر بيلنج.
بيلنج
:
بلى، وأقسم أنه صحيح، وإني فخور بذلك. صدقيني يا سيدة ستوكمان إن العالم سيصبح
بلا دين في وقت قريب.
مورتن
:
وعندئذ يتاح له أن يفعل ما يريد.
بيلنج
:
أنت ترى طبعًا، يا مورتن أن …
كاترين
:
لا بد من ذهابكما الآن إلى غرفكما يا ولديَّ. لا بد أن لديكما دروسًا في الغد
واجبة الحفظ الليلة.
إيليف
:
أشتهي أن أبقى هنا قليلًا …
كاترين
:
كلا، كلا. اذهب أنت وهو، كلاكما.
(الولدان يحييان: «سعيدة» ويذهبان داخلين إلى الغرفة
اليسرى.)
هوفستاد
:
أتعتقدين فعلًا أن هذا الكلام يضر الأولاد في شيء؟
كاترين
:
لا أدري ولكني لا أستحب ذلك.
بترا
:
ولكن يا أمي، إني أعتقد أنك لست على صواب فيما ترين.
كاترين
:
قد يكون الأمر كذلك ولكني لا أقره ولا سيما في بيتنا.
بترا
:
إن هناك أكاذيب كثيرة في البيت أو المدرسة على السواء، ففي البيت يحتم علينا أن
لا نتكلم، وفي المدرسة يطلب إلينا أن نقف ونقول للتلاميذ أكاذيب صريحة.
هورستر
:
تقولين أكاذيب؟
بترا
:
نعم. ألا تدري أن علينا أن نعلمهم مسائل كثيرة لا نؤمن نحن بها.
بيلنج
:
هذا هو الواقع فعلًا.
بترا
:
لو كانت عندي الوسيلة لفتحت مدرسة وسرت بها على منهج يختلف عما هو جار تمام
الاختلاف.
بيلنج
:
أوه، الوسيلة! قبحًا للوسيلة.
هورستر
:
إذا كنت تفكرين في هذا فعلًا يا آنسة ستوكمان فإنه يسرني أن أهيئ لك مكان المدرسة
التي تريدين. إن البيت الكبير الواسع القديم، الذي تركه لي والدي يكاد يكون خاليًا،
وفي الطبقة الأرضية منه غرفة فسيحة جدًّا للطعام، يمكنك أن …
بترا
(ضاحكة)
:
شكرًا لك جزيلًا. بيد أني أشفق أن لا جدوى من هذا العمل.
هوفستاد
:
لا. الآنسة بترا، أميل بفطرتها إلى الصحافة. على فكرة. هل كان لديك متسع من الوقت
لتناول تلك الرواية الإنجليزية التي وعدت أن تترجميها لنا؟
بترا
:
لا لم يحن الوقت بعد. ولكنها ستصلك في وقت ملائم.
(يأتي الدكتور ستوكمان من غرفته وفي يده خطاب مفتوح.)
الدكتور
(يهز الخطاب في الهواء)
:
آه! آه! سيكون في البلد شيء جديد تلغط به، أؤكد لكم.
بيلنح
:
شيء جديد؟
كاترين
:
ما هو هذا؟
الدكتور
:
استكشاف عظيم، يا كاترين.
هوفستاد
:
صحيح!
كاترين
:
استكشاف منك؟
الدكتور
:
استكشاف مني (يمشي هنا وهناك) والآن دعوهم
يأتوا ويقولوا على عادتهم إن المسألة كلها خيال وأوهام من رجل مأفون. بيد أنهم لن
يقولوا هذا الكلام بعد ذلك، أؤكد لكم.
بترا
:
حسن يا والدي. ما المسألة؟
الدكتور
:
نعم، نعم، أعطوني وقتًا وأنتم تعرفون كل شيء. آه لو كان بيتر معنا الآن! هذا
يرينا كيف أننا نحن الرجال نستمر في تكوين أحكامنا على الأشياء، ونحن في الواقع عمي
كالجرذان المناجذ.
هوفستاد
:
ما قصدك يا دكتور؟
الدكتور
(واقفًا ساكنًا بجوار المائدة)
:
أليس الرأي السائد أن بلدتنا بقعة صحية؟
هوفستاد
:
بكل تأكيد.
الدكتور
:
بقعة صحية فوق العادة فعلًا، وجهة تستحق أن يدعى إليها الناس بكل وسيلة ممكنة
سواء أكانوا مرضى أم أصحاء.
كاترين
:
نعم. ولكن يا عزيزي توماس …
الدكتور
:
ولقد أخذنا نوصي بها الناس ونمتدحها وكتبت في صدد ذلك مقالات في رسول الشعب وعدة
من رسائل وعجالات.
هوفستاد
:
نعم، ثم ماذا؟
الدكتور
:
والحمامات. لقد سميناها شريان البلدة المتدفق بدم الحياة ومركز القوة العصبية
فيها، والشيطان أدرى ماذا قلنا غير ذلك.
بيلنج
:
قلنا إنها قلب البلدة الخفاق، ولقد استعملت هذه الكلمة ذات يوم في موقف
خطير.
الدكتور
:
نعم، نعم. أتدرون ما حقيقة هذه الحمامات؟ هذه الحمامات العظيمة البديعة التي لم
تفتر الألسن عن مدحها، والتي أنفق في سبيل إنشائها مبالغ عظيمة من المال، أتعرفون
ما حقيقة هذه الحمامات؟
هوفستاد
:
كلا، ما هي؟
كاترين
:
أجل، ما هي؟
الدكتور
:
المحل كله من أوله إلى آخره خن أوبئة.
بترا
:
الحمامات يا أبي؟
كاترين
(في نفس الوقت)
:
حماماتنا؟
هوفستاد
:
ولكن يا دكتور …
بيلنج
:
لا يمكن تصديق ذلك بتاتًا؟
الدكتور
:
منشأة الحمامات كلها ليست إلا بؤرة تجتمع فيها كل أنواع الأوبئة، أؤكد لكم. وهي
أكبر مورد للأذى والأضرار بالصحة العامة. فإن كل قاذورات «موليدال» وكل تلك
الحثالات المتعفنة، تتسرب إلى أقنية المياه المؤدية إلى الخزان وتفسدها! كما أن نفس
هذه السموم المتعفنة الملعونة ترشح وتنضح على الشاطئ …
هورستر
:
حيث توجد الحمامات؟
الدكتور
:
هناك بالضبط.
هوفستاد
:
وكيف تثبت كل هذا الأمر يا دكتور؟
الدكتور
:
بحثت الموضوع بكل دقة واهتمام. منذ مدة طويلة كنت أوجس شيئًا من هذا القبيل. كان
عندنا في العام الماضي عدة حوادث غريبة جدًّا من المرض بين الوافدين علينا. حوادث
تيفويد وحمى معوية.
كاترين
:
نعم، هذا صحيح جدًّا.
الدكتور
:
في ذلك الوقت قدرنا أن الزوار كانوا مصابين بها قبل أن يأتوا إلينا، ولكن بعد
ذلك، في الشتاء، أخذت أرى رأيًا آخر، ولذلك أخذت أفحص الماء بقدر استطاعتي.
كاترين
:
إذن فهذا الذي كان يشغلك طول المدة؟
الدكتور
:
في الواقع يا كاترين إني كنت مشغولًا، ولكن لم تكن عندي الأجهزة والأدوات العلمية
اللازمة. ولذلك أرسلت إلى الجامعة عينات من ماء الشرب، وأخرى من ماء البحر لتحليلها
تحليلًا دقيقًا على يد كيماوي خصيص.
هوفستاد
:
وهل وصلتك نتيجة التحليل؟
الدكتور
:
ها هي ذي. وهي تثبت وجود مواد عضوية متحللة في الماء. وإنه ملآن من جراثيم
النقاعيات ومن الخطر المحقق استعمال الماء، سواء أكان ذلك للشرب أو
للاستحمام.
كاترين
:
الحمد لله على أنك استكشفت هذا في وقته!
الدكتور
:
لك الحق أن تقولي ذلك فعلًا.
هوفستاد
:
وماذا تريد أن تفعل الآن يا دكتور؟
الدكتور
:
أعمل على إصلاح الحالة بالطبع.
هوفستاد
:
وهل في الاستطاعة ذلك؟
الدكتور
:
إنه أمر واجب وإلا أصبحت الحمامات عادمة الفائدة وضاعت مزيتها. ولكن لا يصح لنا
أن نقدر ذلك. إني متبين ما يجب عمله.
كاترين
:
ولكن لماذا أبقيت هذه المسألة في طي الكتمان يا عزيزي؟
الدكتور
:
أكنت تنتظرين أن أجري في البلد أخبر الناس بالواقع قبل أن يكون في يدي البرهان
القاطع. لا، لا.
شكرًا لك، لست من الجنون عند هذا الحد.
بترا
:
مهما يكن من الأمر فقد كنت تستطيع أن تخبرنا نحن.
الدكتور
:
ولا أي إنسان حي، ولكن يمكنكم في الغد أن تجروا به إلى السيد أليغر.
كاترين
:
توماس! توماس!
الدكتور
(لبترا)
:
إذن إلى جدك. سيكون لذلك الغلام العجوز من نبئك ما يدهشه، إني أعلم أنه يعتقد أني
مجنون، ولاحظت أن في الناس كثيرًا غيره على شاكلته في هذا الرأي، ولكن سيرى هؤلاء
الصالحون، سيرون فعلًا، (يتمشى في المكان ويفرك يديه
إحداهما بالأخرى) سيكون في البلدة ضجة عظيمة يا كاترين، لا يمكن أن
تتصوري كيف تكون، يتحتم أن تنزع أقنية المياه من موضعها ويعاد بناؤها.
هوفستاد
(ناهضًا)
:
كل الأقنية؟
الدكتور
:
نعم. بالطبع. إن مأخذها منخفض جدًّا، فلا بد من رفعها إلى مستوى أعلى.
بترا
:
إذن فقد كنت على صواب يومئذ؟
الدكتور
:
آه، أنت تتذكرين يا بترا. لقد كتبت أنتقد خطة العمل قبل شروعهم فيه. ولكن في ذلك
الوقت لم يستمع لي أحد. الآن سأسمعهم. ولقد أعددت تقريرًا فعلًا لعرضه على لجنة
الحمامات — وهو جاهز عندي منذ أسبوع — ولكني كنت أنتظر ورود هذا إليَّ (يرى الخطاب) والآن فسأرسله إليهم على الفور.
(يذهب إلى غرفته ويعود ومعه أوراق) انظروا!
أربعة أفرخ مكتوبة كلها على أسطر ضيقة، وسأرسل خطابي مع التقرير. أعطيني قطعة من
الورق يا كاترين. شيئًا ألف فيه هذه الأوراق.٢ هذا يكفي! والآن أعطيه إلى … إلى (يضرب برجله
على الأرض) إيه، ما اسمها؟ أعطيه إلى الخادمة، وقولي لها تأخذه على
الفور إلى العمدة (تأخذ السيدة ستوكمان ربطة الورق وتخرج
بها مارة في غرفة الطعام).
بترا
:
ما ظنك يا أبي بما سيقوله عمي؟
الدكتور
:
وماذا له من القول في هذا؟ أعتقد أنه سيسر لظهور حقيقة مهمة كهذه.
هوفستاد
:
أتسمح لي أن أنشر خبرًا قصيرًا عن هذا الاستكشاف في رسول الشعب؟
الدكتور
:
لك الشكر إن فعلت.
هوفستاد
:
إنه يحسن جدًّا أن يعرف الجمهور ذلك على عجل.
الدكتور
:
فعلًا.
كاترين
(عائدة)
:
لقد خرجت به الآن توًّا.
بيلنج
:
أقسم لك يا دكتور أنك ستصبح أشهر رجل في البلد.
الدكتور
(يتمشى مسرورًا)
:
كلام فارغ، إني لم أفعل على كل حال إلا ما هو من واجبي. لم أفعل شيئًا سوى أني
وفقت إلى العثور على لقية — هذا كل ما في المسألة — ومع ذلك فعلى حد سواء.
بيلنج
:
هوفستاد، ألا ترى أن البلدة جديرة أن تقدم إلى الدكتور علامة عرفان بفضله؟
هوفستاد
:
سأقترح ذلك على كل حال.
بيلج
:
وأنا سأكلم أسلاكسن في الموضوع.
الدكتور
:
لا يا أصحابي. لا أريد أن تحدث مثل هذه البهارج السوقية. لا أطيق أن أسمع بشيء من
هذا القبيل. وإذا فكرت لجنة الحمامات في تقرير زيادة مرتبي، فإني لن أقبلها. أتسمعين
يا كاترين؟ لن أقبل.
كاترين
:
أنت على حق يا توماس.
بترا
(رافعة كأسها)
:
في صحتك يا أبي.
هوفستاد وبيلنج
:
في صحتك يا دكتور. في صحتك.
هورستر
(يقرع كأسه بكأس الدكتور)
:
أرجو أن لا يعود عليك من هذا الاستكشاف إلا الخير والمسرة.
الدكتور
:
شكرًا لكم. شكرًا لكم يا إخواني الأعزاء. إني أشعر بتمام السعادة. من محاسن
الأمور أن يرى الإنسان نفسه قادرًا على أن يعمل لبلده عملًا صالحًا ويؤدي لبني وطنه
خدمة طيبة. مرحى يا كاترين.
(يضع يده حول خصرها ويلفها لفًّا وهي تحتج بأصوات صراخ وضحك. الجميع
يضحكون ويصفقون بأيديهم ويهللون للدكتور. وعند ذلك يطل الأولاد برءوسهم من الباب ليروا
ما هو حادث.)