الفصل الثاني
(المنظر: عين المنظر السابق إلا أن الباب المؤدي إلى
غرفة الطعام مقفل، والوقت صباح. تأتي كاترين ستوكمان ومعها خطاب مختوم من باب غرفة الطعام،
وتذهب إلى باب غرفة مطالعة الدكتور وتطل برأسها فيها.)
كاترين
:
أنت هنا يا توماس؟
الدكتور
(من داخل غرفته)
:
نعم. دخلت توًّا. (يأتي في غرفة الاستقبال)
ماذا لديك؟
كاترين
:
خطاب من أخيك.
الدكتور
:
آها، هات لنرى! (يفض الخطاب ويقرأ) «أعيد إليك
المسودة التي أرسلتها إلي» (ثم يقرأ بصوت خفيض)
هِممم …
كاترين
:
ماذا يقول؟
الدكتور
(واضعًا الأوراق في جيبه)
:
أُو، لا يقول شيئًا سوى أنه سيأتي هو نفسه هنا حوالي الظهر.
كاترين
:
إذن، فحاول أن تحسن لقاءه.
الدكتور
:
لا تخشي بأسًا. لقد انتهيت من جميع عيادات الصباح.
كاترين
:
أنا في غاية التلهف على معرفة أثر الخبر في نفسه.
الدكتور
:
سترين أنه يكره أن أكون أنا الذي استكشفت المسألة لا هو.
كاترين
:
ألا يقلق هذا الأمر بالك؟
الدكتور
:
أوه، سيسره الأمر في دخيلة قلبه، ولكن بيتر من جهة أخرى شديد الخشية من أن يؤدي
غيره من الناس خدمة للبلدة.
كاترين
:
اسمع مني يا توماس، يجدر بك أن تكون سمحًا وتقتسم فضل المسألة معه؛ ألا تستطيع أن
تقول إنه هو الذي نبهك إلى هذا الاستكشاف؟
الدكتور
:
إني على تمام الاستعداد لهذا، إذا أمكن
بذلك أن يتم الإصلاح المطلوب. إني …
(مورتن كيل (Morten Kiil) يطل برأسه
من باب البهو وينظر هنا وهناك في الغرفة مستطلعًا ويضحك.)
كيل
(وعليه سيما التهكم)
:
أهو، أهو صحيح؟
كاترين
:
أبي! أهذا أنت؟
الدكتور
:
آه مستر كيل، نهارك سعيد، نهارك سعيد يا حماي العزيز.
كاترين
:
تفضل، ادخل.
كيل
:
إذا كان صحيحًا دخلت. وإذا لم يكن صحيحًا انصرفت.
الدكتور
:
إذا كان ماذا صحيحًا؟
كيل
:
هذا الخبر الخاص بمسألة مياه الشرب، أهو صحيح؟
الدكتور
:
بالتأكيد صحيح. ولكن خبرني كيف بلغك الخبر.
كيل
(داخلًا)
:
مرت عليَّ بترا وهي ذاهبة في طريقها إلى المدرسة …
الدكتور
:
صحيح؟
كيل
:
نعم. وقد قالت. ظننت أنها تضحك مني. ولكني قدرت أن بترا بعيدة عن مثل هذا.
الدكتور
:
محال طبعًا، كيف تتصور مثل هذا؟
كيل
:
أوه، خير للإنسان أن لا يثق بإنسان، قد تجد أنه كان يضحك منك قبل أن تعرف أين
أنت. ولكن الخبر صحيح على كل حال.
الدكتور
:
ثق أنه صحيح، ألا تجلس؟ (يجلسه على المقعد)
أليس من حسن حظ البلدة أن …؟
كيل
(يخفي ضحكة)
:
من حسن حظ البلدة؟
الدكتور
:
نعم. كوني استكشفت الأمر في وقت …
كيل
(مخفيًا ضحكه)
:
نعم، نعم، نعم. غير أني ما كنت أظن أنك تزل قدم أخيك كما فعلت.
الدكتور
:
أزل قدمه؟
كاترين
:
الواقع يا أبي العزيز …
كيل
(واضعًا يديه وذقنه على مقبض عصاه وغامزًا بعينه غمز المكر
بالدكتور)
:
هات لنرى. قل لي، ما تفصيل الحكاية؟ نوع من الحيوانات دخل في أقنية المياه، أهو
كذلك؟
الدكتور
:
النقاعية؟ نعم.
كيل
:
وأن مقدارًا من هذه الحيوانات قد دخل في الأقنية — كما تقول بترا — مقدارًا
كبيرًا.
الدكتور
:
بالتأكيد، مئات الألوف منها، غالبًا.
كيل
:
ولكن لا يستطيع أحد أن يرى هذه الحيوانات، أليس كذلك؟
الدكتور
:
مؤكد، لا يستطيع أحد أن يراها.
كيل
(بضحك خفيف)
:
مصيبة! هذه ألطف حكاية سمعتها في حياتي!
الدكتور
:
ماذا تعني؟
كيل
:
ولكنك لن تستطيع أن تحمل العمدة على تصديق شيء من هذا.
الدكتور
:
سنرى.
كيل
:
أتظن أنه سيكون من الجنون بدرجة أنه …؟
الدكتور
:
أهل البلدة جميعهم سيصبحون من الجنون بحيث …
كيل
:
جميع البلدة! هذا جائز وربي! لعمري ليكونن هذا جزاء في محله، ودرسًا مفيدًا، إنهم
يظنون أنفسهم أمكر منا نحن كبار السن. لقد طاردوني وأخرجوني من المجلس. نعم، فعلوا
ذلك، لقد طاردوني. الآن سيدفعون ثمن ما فعلوا، وأراك تستدرجهم إلى مزلة
القدم.
الدكتور
:
الواقع أني …
كيل
:
أنت تستدرجهم فعلًا. (ينهض) إذا استطعت أن
تطبخ المسألة حتى يلتهمها العمدة وإخوانه، فإني أتبرع بعشرة جنيهات في سبيل الخير،
على الفور.
الدكتور
:
هذا فضل منك.
كيل
:
نعم، ليس عندي من المال ما يسمح بالرمي — أؤكد لك — ولكن إذا استطعت أن تقوم بهذا
العمل فإني أعطي خمسة جنيهات تنفق في سبيل الخير يوم عيد الميلاد.
(يدخل هوفستاد من باب البهو.)
هوفستاد
:
نهاركم سعيد! (يقف) وي، معذرة.
الدكتور
:
لا داعي لذلك، ادخل.
كيل
(بضحكة أخرى)
:
أهو معكم في هذا؟
هوفستاد
:
ماذا تعني؟
الدكتور
:
بالطبع معنا.
كيل
:
كان جديرًا بي أن أعرف ذلك، لا بد أن المسألة تنشرها الجرائد، أنت أعرف بطريق ذلك
يا توماس. هلم أرهف قلمك وادخل في المضمار، والآن فلأنصرف.
الدكتور
:
ألا تجالسنا أكثر من هذا؟
كيل
:
لا، لا بد من الانصراف الآن، إنك ستستمر في المناضلة على كل حال، لن تندم على
ذلك، لعنة الله عليَّ إن أنت فعلت.
(يخرج وتتبعه كاترين ستوكمان إلى البهو.)
الدكتور
(ضاحكًا)
:
تصور، إن هذا الرجل لا يصدق شيئًا من حكاية أقنية المياه.
هوفستاد
:
أكان هذا إذن موضوع اﻟ …
الدكتور
:
نعم هو الموضوع الذي كنا نتكلم فيه، ولعله هو بعينه ما أتى بك هنا.
هوفستاد
:
نعم هو، أتسمح لي ببضع دقائق يا دكتور؟
الدكتور
:
بما تريد يا صاحبي العزيز.
هوفستاد
:
هل عرفت رأي العمدة؟
الدكتور
:
لا شيء بعد، إنه آت هنا بعد قليل.
هوفستاد
:
لقد فكرت في الموضوع طويلًا منذ ليلة أمس.
الدكتور
:
ثم؟
هوفستاد
:
مسألة أقنية المياه هي من وجهة نظرك بصفة كونك طبيبًا ورجلًا من رجال العلم،
مسألة مستقلة. أعني أنك لا تدرك أنها تتضمن عديدًا من المسائل الأخرى.
الدكتور
:
ماذا تعني؟ دعنا نجلس يا صاحبي العزيز. لا بل اجلس هنا على المقعد. (يجلس هوفستاد على المقعد والدكتور ستوكمان على كرسي إلى
الجانب الآخر من المنضد) الآن، أنت تعني أن …
هوفستاد
:
قلت أمس إن فساد الماء مسبب عن مواد غير طاهرة موجودة في تربة الأرض؟
الدكتور
:
نعم، إنه مسبب عن العفونة السامة الموجودة في موليدال.
هوفستاد
:
معذرة يا دكتور، إني أظن أنه مسبب عن عفونة أخرى.
الدكتور
:
أي عفونة هذه؟
هوفستاد
:
العفونة التي بنيت عليها حياة جميع بلدتنا والتي أخذت تعفنها معها.
الدكتور
:
عجبي! إلى أي شيء ترمي بهذا الكلام يا هوفستاد؟
هوفستاد
:
إن جميع مصالح البلدة قد انتقلت شيئًا فشيئًا إلى أيدي عصابة من الموظفين.
الدكتور
:
مهلًا، ليسوا جميعًا موظفين.
هوفستاد
:
أعرف ذلك. ولكن الذين ليسوا منهم موظفين هم أصدقاء الموظفين وأتباعهم. إن فريق
الأغنياء والأسر القديمة في البلد هو الذي يقبض علينا جميعًا بأيديه.
الدكتور
:
نعم، ولكنهم على كل حال أهل كفاءة ودراية.
هوفستاد
:
وهل أبدوا شيئًا من الكفاية أو الدراية يوم وضعوا أقنية المياه حيث
وضعوها.
الدكتور
:
لا، لقد كان هذا بالطبع عملًا في منتهى الحماقة ولكن هذا سيصلح.
هوفستاد
:
وهل تظن أن المسألة ستمر على الهين.
الدكتور
:
على الهين أو غير الهين لا يهم، لا بد من الإصلاح على كل حال.
هوفستاد
:
نعم، بشرط أن تتناول الجرائد الموضوع.
الدكتور
:
لا أظن هذا ضروريًّا يا عزيزي، إني واثق أن أخي …
هوفستاد
:
أستسمحك يا دكتور، أراني ملزمًا أن أخبرك أني أميل إلى التصدي للمسألة.
الدكتور
:
في الجريدة؟
هوفستاد
:
نعم، لما توليت جريدة رسول الشعب كان قصدي أن أكسر حلقة أولئك البقايا القديمة
المتحجرة المتشبثة برأيها التي احتازت كل سلطة في البلد.
الدكتور
:
فعلًا، ولكنك تذكر أنك نفسك قلت لي كيف كانت عاقبة هذه السياسة. لقد خربت جريدتك
يومئذ تقريبًا.
هوفستاد
:
فعلًا. في ذلك الوقت كنا مضطرين أن نتراجع خطوة أو خطوتين، لأنا كنا نخشى أن
يهملوا مشروع الحمامات بتاتًا إذا هم تخلوا عنا، أما الآن فقد نفذ المشروع ويمكننا
أن نستغني عن هؤلاء السادة العظماء.
الدكتور
:
تستغني عنهم، نعم، ولكن في رقبتنا لهم جميلًا عظيمًا.
هوفستاد
:
سنقر لهم بذلك بلا استياء. ولكن صحفيًّا مثلي من ذوي المبادئ الديمقراطية لا يمكن
أن يفوت على نفسه فرصة كهذه. يجب أن نغمز فقاعة العصمة الحكومية ونمزقها. هذه
الخرافة يجب أن تبدد ويقضى عليها ككل خرافة سواها.
الدكتور
:
إني معك في هذا من كل قلبي يا سيد هوفستاد، إذا كانت خرافة فليقض عليها.
هوفستاد
:
إني أتردد في تناول العمدة لأنه أخوك، ولكني واثق أنك توافقني على أن الحق أوجب
بالرعاية.
الدكتور
:
لا مراء في ذلك (بتأكيد مفاجئ) نعم، ولكن
…
هوفستاد
:
إياك أن تسيء بي الظن. لست ذا مصلحة ذاتية أكثر من غالب الناس، ولا أنا أشد منهم
طماعية.
الدكتور
:
يا سيدي العزيز، من أشار إلى شيء من هذا القبيل.
هوفستاد
:
إني من أصل غير نابه كما تعرف، وقد أتاح لي هذا فرصة العلم بما يستشعره أمثالي
أهل الطبقات المتضعة من الحاجة الشديدة، ألا وهي أن يسمح لهم بالاشتراك في إدارة
المصالح العامة يا دكتور، إن في هذا عونًا لهم على تنمية مواهبهم وعقولهم واحترامهم
أنفسهم.
الدكتور
:
إني أقدر هذا حق التقدير.
هوفستاد
:
نعم، وفي اعتقادي أن الصحفي يتحمل أكبر الأوزار إذا هو لم ينتهز فرصة سنحت،
لتحرير الجمهور المسكين المضطهد، إني لأعلم علم اليقين أنهم في الدوائر العليا
سيسمونني مهيجًا ويرمونني بكل ما في تلك الجعبة، ولكن فليسموني كما يشتهون، إذا لم
يؤنبني ضميري فإني …
الدكتور
:
صدقت، صدقت يا سيد هوفستاد. ولكن على حد سواء، في داهية. (يسمع قرع على الباب) تفضل.
(يظهر أسلاكسن عند الباب وهو لابس لباسًا حقيرًا ولكنه ملائم. لونه أسود. أما رباط رقبته فأبيض متكمش وفي يديه قفازان وقبعة لباد (فلت).)
أسلاكسن
(ينحني)
:
أرجو يا دكتور أن تصفح …
الدكتور
(ناهضًا)
:
آه، أهو أنت يا أسلاكسن؟
أسلاكسن
:
نعم، يا دكتور.
هوفستاد
(ناهضًا)
:
أتريدني يا أسلاكسن؟
أسلاكسن
:
لا، لم يخطر ببالي أن أجدك هنا. إني أريد الدكتور.
الدكتور
:
إني على أتم استعداد لخدمتك. هلم …
أسلاكسن
:
أصحيح يا سيدي ما بلغني من مستر بيلنج؟ أعني أنك تريد أن تصلح مورد مائنا؟
الدكتور
:
نعم، من أجل الحمامات.
أسلاكسن
:
هذا ما فهمت. حسن. إني أتيت أنهي إليك أني سأعزز هذه الفكرة بكل وسيلة في
يدي.
هوفستاد
(إلى الدكتور)
:
أرأيت؟
الدكتور
:
أشكرك ولكن …
أسلاكسن
:
لأنه لا بأس أن يكون لك ظهير منا نحن أهل الحرف والصناعات. نحن في الواقع نعد في
البلدة غالبية متراصة إذا أردنا. ويحسن دائمًا أن تكون الغالبية معك يا
دكتور.
الدكتور
:
هذا صحيح بلا أدنى شك. ولكني أقر لكم أني لا أدري لماذا ترون هذه الاحتياطات
الخارقة للعادة ضرورية في هذه المسألة. يخيل إلي أن مسألة بسيطة صريحة كهذه
…
أسلاكسن
:
قد يحتاج الأمر إلى ذلك على كل حال. إني أعرف ولاة أمرنا المحليين معرفة جيدة.
ليس من عادة الموظفين أن يعملوا بناء على اقتراحات يقدمها غيرهم من الطبقات الأُخر.
وهذا ما يدعوني إلى الاعتقاد بأنه يجدر بنا أن نقوم بمظاهرة صغيرة.
هوفستاد
:
في محله.
الدكتور
:
مظاهرة! علام قيامك بمظاهرة؟!
أسلاكسن
:
نحن سنسير بغاية الهوادة والاعتدال. الاعتدال يا دكتور نصب عيني دائمًا. إنه أكبر
فضيلة يتحلى بها الوطني. أنا على الأقل أعتقد ذلك.
الدكتور
:
معروف جدًّا أن الاعتدال صفة من لوازمك يا سيد أسلاكسن.
أسلاكسن
:
نعم، أظن ذلك، وإني لفخور بهذه الصفة ومسألة مورد الماء هذه على جانب عظيم من
الأهمية عندنا نحن أهل الحِرَف الصغار. إنه ينتظر أن تكون الحمامات بمثابة منجم ذهب
دائم تملكه المدينة. وسنرتزق منها نحن جميعًا، ولا سِيَّمَا من كان منَّا من أرباب
المساكن، وهذا هو السبب الذي من أجله سنعزز المشروع بقدر ما يستطاع من القوة. وبما
أني الآن رئيس جمعية أرباب المساكن …
الدكتور
:
نعم؟
أسلاكسن
:
وفوق ذلك السكرتير المحلي لجمعية الاعتدال في الشراب، ولعلك تعلم يا سيدي أنني
أحد العاملين بقوة في هذا السبيل.
الدكتور
:
بالطبع، بالطبع.
أسلاكسن
:
حسن، يمكنك أن تفهم أنني متصل بعدد كبير جدًّا من الناس وإذ إني مشهور بأني وطني،
عفيف عن الخمر مطواع للقانون مثلك يا دكتور، فإن لي في البلد نوعًا من النفوذ
وشيئًا من القوة إذا جاز أن أقول ذلك.
الدكتور
:
أعرف ذلك حق المعرفة، يا سيد أسلاكسن.
أسلاكسن
:
وعليه، فأنت ترى أنه من السهل علي أن أدعو إلى القيام بواجب الاعتراف لك إذا
اقتضت الضرورة!
الدكتور
:
واجب الاعتراف!
أسلاكسن
:
نعم، شيء مثل شكر من أهل البلد على ما لك من يد في مسألة كهذه ذات أثر عظيم في
مصلحة المجتمع. لا حاجة بي إلى القول إنه يجب تحضير الكلمة. مع التزام جانب
الاعتدال التزامًا تامًّا، حتى لا نسيء إلى أولي الأمر الذين في يدهم عنان الشئون
على كل حال. إذا راعينا هذا تمام المراعاة، فلن يسيء أحد تأويلها على ما
أظن.
هوفستاد
:
بل لنفرض أنها لم تكن على هواهم …
أسلاكسن
:
لا، لا. يجب أن لا يكون فيها مس لكرامة الحكومة يا سيد هوفستاد. لا يليق أن نغاضب
أولئك الذين تتوقف عليهم رفاهيتنا توقفًا تامًّا. لقد جربت هذه الخطة فيما مضى فلم
أجد من ورائها خيرًا أبدًا. أما إذا أبدى الرجل الوطني آراءه بطريقة معقولة خالصة
فإنه لا يغضب أحدًا.
الدكتور
(هازًّا يد أسلاكسن)
:
اسمح لي يا عزيزي أسلاكسن أن أعبر لك عن مزيد اغتباطي إذ أجد مثل هذا التشجيع
العلني من إخواني المواطنين. إني مسرور، مسرور. والآن كأسًا صغيرة من نبيذ
الشرى.
أسلاكسن
:
شكرًا لك، لا، لا. إني لا أشرب كحولًا من هذا النوع.
الدكتور
:
إذن فما قولك في قدح من البيرة.
أسلاكسن
:
ولا هذا أيضًا. شكرًا لك يا دكتور. لا أشرب شيئًا في وقت مبكر كهذا. إني ذاهب إلى
البلدة الآن لأتحادث في المسألة مع واحد أو اثنين من أصحاب المنازل وأمهد
السبيل.
الدكتور
:
هذا فضل عظيم منك يا سيد أسلاكسن. ولكني في الحقيقة لا أتبين ضرورة هذه
الاحتياطات. يخيل إلي أن المسألة يجب أن تسير من تلقاء نفسها.
أسلاكسن
:
أولو الأمر بطيئو الحركة نوعًا ما يا دكتور، على أني أبعد الناس عن العيب في
حقهم!
هوفستاد
:
إنا عازمون على تحريكهم غدًا في الجريدة يا أسلاكسن.
أسلاكسن
:
ولكن من غير عنف يا سيد هوفستاد! خذهم بالرفق، وإلا فما نستطيع أن نجني منهم
ثمرة. اتبع مشورتي. إني تلقيت الخبرة في مدرسة الحياة. هه. لا بد لي من الانصراف يا
دكتور، أنت تعرف الآن أننا نحن صغار أهل الحرف وراءك على كل حال مثل الجدار المتين،
معك الغالبية المتراصة يا دكتور.
الدكتور
:
إني في غاية الامتنان يا عزيزي السيد أسلاكسن (يهز يده
تحية) مع السلامة، مع السلامة.
أسلاكسن
:
أنت ذاهب في طريقي صوب المطبعة يا سيد هوفستاد.
هوفستاد
:
سآتي بعد حين، عندي شيء لا بد من إنهائه أولًا.
أسلاكسن
:
حسن (ينحني ويخرج ويتبعه الدكتور إلى
البهو).
هوفستاد
(عندما يعود الدكتور)
:
هه، ما قولك في هذا يا دكتور؟ ألا ترى أنه قد حان الوقت لنبعث شيئًا من الحياة في
كل ذلك الخور والتردد والجبن.
الدكتور
:
أنت تعني أسلاكسن؟
هوفستاد
:
نعم، أعنيه، إنه أحد هؤلاء المتخبطين في الأحوال وإن كان الرجل في ذاته رجلًا
طيبًا، وغالب الناس في هذا البلد على مثل حاله يترجحون؛ يميلون أولًا إلى جانب،
وبعدئذ إلى الجانب الآخر، تراهم من الحذر والريب بحيث لا يجرءون على أن يخطوا خطوة
ثابتة لا تردد فيها.
الدكتور
:
نعم ولكني أتبين حسن القصد على أتمه من أسلاكسن.
هوفستاد
:
هناك صفة أهم في نظري من ذلك. تلك هي أن يكون الرجل ثابت الاعتماد على نفسه
مطمئنًّا إلى رجولته.
الدكتور
:
إنك على تمام الحق في ذلك.
هوفستاد
:
من أجل هذا أريد أن أنتهز هذه الفرصة وأرى هل أستطيع أن أبعث شيئًا من الرجولة في
أولئك الناس الحسني القصد، يجب أن يحطم صنم السلطة المنصوب في هذا البلد. يجب أن
نفهم كل ذي صوت في انتخابات أعضاء البلدية حقيقة هذا الحمق والعبث البالغ الذي
تناولوا به مسألة الماء.
الدكتور
:
لا بأس. إذا كنت ترى أن هذا في مصلحة المجتمع فافعل. ولكن لا تفعل شيئًا قبل أن
يتاح لي الحديث مع أخي.
هوفستاد
:
سأعد، على كل حال، مقالة افتتاحية. وإذا رفض العمدة أن يهتم بالموضوع …؟
الدكتور
:
كيف تقدِّر أن هذا ممكن؟
هوفستاد
:
إنه جائز، وفي هذه الحالة …
الدكتور
:
في هذه الحالة أعدك. أسمح لك في هذه الحالة أن تنشر تقريري بنصه وفصه.
هوفستاد
:
صحيح. أتعدني بذلك؟
الدكتور
(يعطيه مسودة التقرير)
:
ها هي ذي مسودته. إليكها، خذها معك. لا ضرر من اطلاعك عليها وإعادتها إليَّ
بعدئذ.
هوفستاد
:
حسن. حسن. هذا ما سأفعله. والآن إلى اللقاء. إلى اللقاء يا دكتور.
الدكتور
:
مع السلامة، مع السلامة، سنرى أن الأمور تجري بلا عثار يا سيد هوفستاد، بلا أدنى
عثار.
هوفستاد
:
هم (يهمهم)، سنرى (ينحني ويخرج).
الدكتور
(يفتح باب غرفة الطعام ويطل فيها)
:
كاترين! أوه بترا! أنت عدت؟
بترا
(تدخل)
:
نعم عدت من المدرسة توًّا.
كاترين
(تدخل)
:
ألم يأت بعد؟
الدكتور
:
بيتر؟ نعم. ولكن كان لي حديث طويل مع هوفستاد، إن نفسه مشغولة باستكشافي، وأجد
لهذا الاستكشاف مرامي أبعد مما كنت أظن، وقد وضع هوفستاد جريدته تحت أمري إذا قضت
الضرورة.
كاترين
:
هل ترى أن ستكون هناك ضرورة؟
الدكتور
:
لا أظن ذلك لحظة. ولكني أشعر على كل حال بشيء من الاغتباط إذ أعرف أن الصحافة
الحرة الفكر المستقلة في جانبي، نعم. و… انظري لقد زارني اليوم رئيس جمعية أرباب
المساكن.
كاترين
:
أوه. ماذا كان يريد؟
الدكتور
:
إنه يعرض عليَّ مساعدته أيضًا، وستؤيدني هيأتهم الكلية إذا اقتضى الأمر ذلك.
كاترين، أتعرفين ماذا ورائي؟
كاترين
:
وراءك! لا، ماذا وراءك؟
الدكتور
:
الغالبية المتراصة.
كاترين
:
صحيح؟ أهذا شيء ينفعك يا توماس؟
الدكتور
:
أظن أنه شيء عظيم. (يتمشى ذهابًا وجيئة إلى أعلى ثم إلى
أدنى وهو يفرك كفيه) أما والله إنه لمن أسعد الأمور أن يشعر الإنسان
برباط الأخوة بينه وبين مواطنيه.
بترا
:
وأن تكون قادرًا على أن تفعل ما فيه خير ونفع يا أبي.
الدكتور
:
ولا سيما إذا كان هذا موجهًا إلى بلد الإنسان الذي ولد فيه يا بنيتي.
كاترين
:
دق الجرس …
الدكتور
:
لا بد أن يكون هو إذن. (يسمع دق على الباب)
تفضل.
(يدخل بيتر ستوكمان من الغرفة الخلفية.)
بيتر
:
نهاركم سعيد.
الدكتور
:
سعيد برؤيتك يا بيتر.
كاترين
:
نهارك سعيد يا بيتر، كيف حالك؟
بيتر
:
لا بأس. شكرًا لك. (إلى الدكتور) وصلني منذ
أمس، بعد وقت العمل، تقرير بشأن حالة المياه الواردة إلى الحمامات.
الدكتور
:
نعم، هل قرأته؟
بيتر
:
نعم قرأته.
الدكتور
:
وما رأيك فيه؟
بيتر
(بنظرة إلى جانب ويهمهم)
:
هممم!
كاترين
:
هلم يا بترا (تخرج هي وبترا إلى الغرفة التي إلى
اليسار).
بيتر
(بعد سكوت)
:
أكان من الضروري أن تعمل كل هذه التحريات من وراء ظهري؟
الدكتور
:
نعم، لأنه يجدر بي أن أتأكد تمام التأكد من المسألة …
بيتر
:
إذن فأنت تعني أنك الآن متأكد تمام التأكد؟
الدكتور
:
أنت بلا أدنى شك مقتنع بذلك.
بيتر
:
وهل في عزمك أن تقدم هذه الوثيقة رسميًّا إلى لجنة الحمامات.
الدكتور
:
أجل، لا بد من عمل شيء في هذا الصدد، وأن يكون ذلك على وجه السرعة.
بيتر
:
أنت على عادتك تستعمل عبارات شديدة في تقريرك، تقول فيما تقول إن ما نقدمه
لزوارنا في الحمامات ليس إلا فيض سم مستديم.
الدكتور
:
ها! وهل يمكنك أن تصفه وصفًا آخر يا بيتر؟ بالله، ماء ملوث؛ يشربه أو يستحم فيه،
هذا ما نقدمه إلى الناس المرضى المساكين الذين يأتون إلينا واثقين بنا ويدفعون
إلينا مبالغ عظيمة ثمنًا لاستشفائهم ورجوع العافية إليهم.
بيتر
:
ومقدماتك تؤدي بك إلى هذه النتيجة؟ وهي أنه يجب علينا أن نبني خزان تصفية يسحب كل
القاذورات الناشئة كما تقول من مدابغ موليدال، ويجب علينا أيضًا أن نهدم أقنية
المياه ثم نبنيها من جديد في اتجاه آخر.
الدكتور
:
نعم. هل ترى وسيلة أخرى لإصلاح الحال؟ إني لا أرى.
بيتر
:
لقد انتحلت اليوم عذرًا للخروج من المكتب وقابلت مهندس البلدية وفتحت له بشكل شبه
جدي، موضوع هذه الاقتراحات على تقدير أنه قد ينظر في أمرها يومًا من الأيام.
الدكتور
:
يومًا من الأيام!
بيتر
:
فابتسم لأنه يعتقد أن هذا يكون إسرافًا مني بالطبع. هل كلفت نفسك تقدير مبلغ
النفقة التي تتطلبها التغييرات التي تقترحها من المعلومات التي حصلت عليها؟ أفهم أن
التكاليف قد تبلغ خمسة عشر ألفًا أو عشرين ألف جنيه.
الدكتور
:
تتطلب هذا المقدار؟
بيتر
:
نعم، وأسوأ ما في الأمر أن العمل لا يتم في أقل من سنتين.
الدكتور
:
سنتين! سنتين كاملتين!
بيتر
:
على الأقل. فماذا تفعل بالحمامات في غضون هذه المدة، أنقفلها؟ هذا ما لا بد منه.
وهل تظن أحدًا يأتي إلى المكان بعدما يكون قد شاع في الآفاق أن الماء خطر.
الدكتور
:
فعلًا، ولكن يا بيتر هذا هو الواقع.
بيتر
:
وكل هذا في هذا الوقت؛ في الوقت الذي أخذت فيه الحمامات تعرف ويقبل عليها الناس،
وبجوارنا بلاد أخرى تستهوي الناس إليها للاستحمام فيها، ألا ترى أن أهلها لا
يترددون في انتهاز هذه الفرصة وتوجيه عزمهم إلى تحويل تيار الغرباء إلى ربوعهم؟ لا
شك أنهم يفعلون ذلك فإذا حدث هذا، فماذا يكون حالنا؟ لعلنا نضطر إذ ذاك أن نتخلى عن
منشآتنا جميعها بعد ما كلفتنا مبالغ فادحة، وعندئذ تكون قد جررت الخراب على
بلدك.
الدكتور
:
الخراب على بلدي! أنا!
بيتر
:
ليس للبلد حظ ولا مستقبل إلا في الحمامات وحدها، وأنت تعرف هذا كما أعرفه
تمامًا.
الدكتور
:
إذن فماذا ترى أن نفعل؟
بيتر
:
تقريرك لم يقنعني أن حالة الماء في الحمامات بالدرجة التي وصفتها.
الدكتور
:
بل أؤكد لك أنها أسوأ من ذلك، أو أنها على كل حال ستكون كذلك في الصيف يوم يدخل
الحر.
بيتر
:
كما قلت لك، أعتقد أنك تبالغ وتهول، إن الطبيب المقتدر جدير أن يعرف ماذا نتخذ من
الوسائل. يجب عليه أن يكون قادرًا على منع عوامل الأذى أو معالجتها إذا استقرت على
صورة واضحة.
الدكتور
:
ها، وبعد؟
بيتر
:
أجهزة الماء اللازمة للحمامات قائمة لا تقبل التغيير، فالمسألة من هذه الناحية
مفروغ منها، ويجب أن تؤخذ دائمًا على هذا الاعتبار، ولكن إذا تراءى للجنة أن تعمل
فإنها قد لا تكون غير ميالة إلى النظر في الأمر لمعرفة مدى ما يمكن أن تدخله من
التحسينات مع مراعاة وجاهة النفقة.
الدكتور
:
وهل تظن أني أشترك في مثل هذا الاحتيال؟
بيتر
:
احتيال؟!
الدكتور
:
نعم، ألا يكون هذا العمل خديعة، وتزويرًا وكذبًا وجريمة صريحة تقع على الجمهور بل
على المجتمع بأسره.
بيتر
:
لم أستطع كما قلت لك، أن أقتنع أن هناك ضررًا واقعًا فعلًا.
الدكتور
:
بل أنت مقتنع، يستحيل أن لا تكون مقتنعًا. إني واثق أنني شرحت الوقائع بتمام
الصدق والإنصاف. وأنت تعرف ذلك يا بيتر حق المعرفة. ولكنك لا تريد أن تسلم به، لقد
كان من عملك أنت أن الحمامات وأقنية المياه بنيت حيث هي الآن. هذا التعسف والخلط هو
ما لا تريد أن تعترف به، أتظن أني لا أرى دخيلة نفسك؟
بيتر
:
وعلى فرض أن هذا صحيح وأنني أدافع عن سمعتي بشيء من الاهتمام، فإنه في مصلحة
البلد. بغير سلطة أدبية لا تكون لي سلطة مطلقًا في إدارة مصالح الجمهور بما يؤدي في
نظري إلى الخير العام. وعلى هذا الاعتبار، ولأسباب أخرى كثيرة، يظهر لي أنه من
المهم أن لا يقدم تقريرك إلى اللجنة. يجب عليك في سبيل المصلحة العامة، أن تسحب
تقريرك، ثم بعد مدة، أرفع أنا المسألة إلى اللجنة وسنبذل قصارى جهدنا في العمل فيما
بيننا. ولكن لا يصل شيء عن هذه المسألة المشئومة، ولا كلمة عنها، إلى أذن
الجمهور.
الدكتور
:
أخشى أنك غير قادر الآن على منع هذا يا عزيزي بيتر.
بيتر
:
بل لا بد من ذلك. وسيمنع فعلًا.
الدكتور
:
لا فائدة من ذلك. أؤكد لك. كثير من الناس عالمون به.
بيتر
:
عالمون به! من؟ عسى أن لا يكون من بينهم أولئك الأشخاص الذين يحررون رسول
الشعب.
الدكتور
:
نعم، هم أيضًا يعلمون أن الصحافة الحرة المستقلة أخذت على نفسها أن تلزمك القيام
بالواجب.
بيتر
(بعد سكوت قصير)
:
إنك رجل من قلة التبصر بدرجة خارقة للعادة يا توماس، ألم تفكر فيما يترتب على ذلك
من سوء العاقبة لك؟
الدكتور
:
العاقبة لي؟
بيتر
:
لك ولذويك. نعم.
الدكتور
:
ماذا تعني؟
بيتر
:
أعتقد أني كنت معك دائمًا على حد الأخوة، وكنت دائمًا سريعًا إلى مرضاتك، أو
مساعدتك.
الدكتور
:
نعم، كنت كذلك، وأنا شاكر لك هذا الفضل.
بيتر
:
لا حاجة إلى هذا، الواقع أنني كنت إلى حد ما مضطرًّا إلى ذلك، من أجل مصلحة نفسي،
لقد كنت أؤمل دائمًا أني إذا ساعدت على تحسين حالتك المالية، استطعت أن يكون لي بعض
السلطان عليك.
الدكتور
:
ماذا؟ إذن فقد كان لمصلحتك أن …
بيتر
:
إلى حد ما. نعم. إنه ليؤلم الرجل المتولي وظيفة عامة أن يرى أقرب الناس إليه يوقع
نفسه في الشبه مرة بعد مرة.
الدكتور
(ضاحكًا)
:
وأنت ترى أنني أفعل ذلك.
بيتر
:
نعم، بكل أسف، من حيث لا تدري أن من طباعك القلق والمشاكسة والثورة. ثم هناك ذلك
الاندفاع القاتل وراء الكتابة في كل أمر ممكن وغير ممكن. ما تأتي فكرة إلى دماغك
حتى تذهب وتكتب مقالة لجريدة أو تضع في شأنها رسالة برمتها.
الدكتور
:
ها، ولكن أليس من واجب الوطني أن يشرك الجمهور في كل فكر جديد يعن له.
بيتر
:
أوه! إن الجمهور لا يريد شيئًا من الأفكار الجديدة، خير ما يخدم الجمهور مبادئه
الطيبة المقررة لديه من قديم.
الدكتور
:
أهذا رأيك الخالص؟
بيتر
:
فعلًا، والآن لا بد لي أن أكلمك صراحة بصفة نهائية. إلى الآن حاولت أن أتجنب هذه
الصراحة، لأني أعلم أنك سريع التهيج. أما الآن فلا بد لي أن أقول لك الحق الصراح يا
توماس. أنت لا تدري أي ضرر توقعه على رأسك بنزقك. أنت تشكو من أولي الأمر بل إنك
لتشكو حتى من الحكومة، أنت دائم الطعن عليهم، ولا تفتر عن القول بأنك مهمل مضطهد،
ولكن ماذا ينتظر غير ذلك من رجل مثلك شكس؟
الدكتور
:
ثم ماذا! شكس، أنا؟
بيتر
:
نعم، يا توماس، أنت شكس جدًّا لا يطاق الشغل معك. أعرف هذا وغرمه علي. أنت لا
تبالي بالشيء الذي يجب عليك أن تبالي به، وكأنك تنسى نسيانًا تامًّا أنه يجب عليك
أن تشكرني لتعيينك مفتشًا صحيًّا للحمامات.
الدكتور
:
لقد كنت أستحق الوظيفة — بطبيعة الحال — أنا لا سواي. كنت أول من رأى أن البلدة
ممكن أن تصبح بلدة حمامات زاهية يستشفى بمائها. وكنت أول من رآها في ذلك الوقت.
ولقد جاهدت أنا وحدي مدى أعوام عديدة في سبيل تحقيق هذه الفكرة، وكتبت
وكتبت.
بيتر
:
لا إنكار في ذلك، ولكن الأمور لم تكن مهيأة لتنفيذ المشروع يومئذ، وإن لم تكن
تستطيع وأنت في أقصى البلاد أن تعرف ذلك. ولكن لما حان الوقت الملائم أخذت المسألة
أنا والآخرون في يدي.
الدكتور
:
نعم، وأتيتم كل ذلك الخبط والخلط الذي شوه جمال مشروعي. لقد ظهرت الآن مهارتكم
أيها السادة.
بيتر
:
يخيل إلي أنك إنما عدت تلتمس منفسًا لما يجيش في صدرك من الخصومة واللدد، أنت
تريد أن تتقاتل مع رؤسائك وهي عادة فيك قديمة، أنت لا تطيق أن يكون عليك لأحد سلطة،
تنظر شذرًا دائمًا إلى كل من هو في مرتبة رسمية أعلى من مرتبتك. تنظر إليه كأنه ألد
أعدائك. وعليه فكل عصا تلقاها تكون صالحة لضربه بها. ولكني الآن قد لفتك إلى أن
مصالح البلدة رهن الخطر. وبالمصادفة مصالحي أيضًا وعليه فلا بد لي أن أخبرك أنك
ستجدني ثابتًا صلبًا فيما أنا على وشك أن أطلب إليك فعله.
الدكتور
:
وما هو هذا؟
بيتر
:
بما أنك كنت غير حصيف حين تحدثت إلى الغرباء في هذه المسألة الدقيقة، في حين أنه
كان يجب عليك أن تعدها مسألة رسمية جدًّا وسرية، فقد أصبح من المستحيل الآن إسكات
الألسنة، وستنشر على الفور أنواع مختلفة من الإشاعات وسيعمل كل من عنده علينا حفيظة
على تزويق هذه الإشاعات وترويجها، وعليه فلا بد لك من إنكارها وتكذيبها
علنًا.
الدكتور
:
أنا! كيف؟ إني لا أفهم.
بيتر
:
إن ما ينتظر منك فعله هو أن تعلن أنك بعد أن قمت بأبحاث أخرى وجدت أن المسألة
ليست من الخطورة ولا من الحرج بالدرجة التي زعمتها أول الأمر.
الدكتور
:
أهذا ما تنتظره مني؟
بيتر
:
أجل وفوق ذلك ننتظر منك أن تقر علنًا بثقتك باللجنة وبأنها على استعداد تام للنظر
بعين الاهتمام والعناية فيما يلزم لملاقاة ما يحتمل وجوده من العيوب.
الدكتور
:
ولكنكم لن تستطيعوا أن تفعلوا ذلك بالترقيع والرفو، محال! صدقني يا بيتر، إني
أعني ما أقول صراحة وتأكيدًا.
بيتر
:
ليس لك الحق وأنت موظف تحت أمر اللجنة أن يكون لك رأي خاص.
الدكتور
(دهشًا)
:
ليس لي الحق؟
بيتر
:
بصفة رسمية، لا. إذا كنت شخصًا حرًّا فالمسألة غير ذلك. أما وأنت موظف مرءوس من
موظفي الحمامات فليس لك الحق في أن تبدي رأيًا يخالف رأي رؤسائك.
الدكتور
:
هذا كثير جدًّا. أنا دكتور ورجل من رجال العلم، ألا يكون لي الحق أن …
بيتر
:
ليست المسألة التي نحن في صددها مسألة علمية مجردة، إنها مسألة مركبة، لها وجه
اقتصادي كما أن لها وجهًا فنيًّا.
الدكتور
:
لا يهمني ماهيتها، إني عازم على التمسك بحريتي في إبداء رأيي في أي موضوع تحت
الشمس.
بيتر
:
كما تريد. ولكن ليس الحال كذلك إذا كان الموضوع خاصًّا بالحمامات. هذا ما أنهاك
عنه.
الدكتور
(يزعق)
:
أنتم تنهوني عنه! أنتم! ثلة من …
بيتر
:
أنا أنهاك، أنا، رئيسك! وإذا نهيتك فلا بد لك أن تطيع.
الدكتور
(يكبح جماح نفسه)
:
بيتر، لو أنك لم تكن أخي …
بترا
(تفتح الباب بشدة)
:
أبي، ما عليك أن تحتمل هذا.
مدام ستوكمان
(تدخل وراءها)
:
بترا! بترا.
بيتر
:
ها، إذن فقد كنتما تسترقان السمع!
كاترين
:
لقد كنت تتكلم بصوت عال فلم يكن في استطاعتنا …
بترا
:
نعم كنت أتسمع.
بيتر
:
حسن، إني مرتاح إلى ذلك على كل حال.
الدكتور
(ذاهبًا إليه)
:
لقد كنت الآن تقول شيئًا عن النهي والطاعة.
بيتر
:
لقد أجبرتني أن أستعمل معك هذه اللهجة.
الدكتور
:
وعليه فلا بد لي أن أكذب نفسي على رءوس الأشهاد.
بيتر
:
نحن نرى ضرورة وحتمًا أن تعلن بلاغًا من قبيل ما ذكرت.
الدكتور
:
وإذا أنا لم … أطاوع؟
بيتر
:
إذن فنحن أنفسنا ننشر بلاغًا نطمئن به الجمهور.
الدكتور
:
حسن. ولكني في هذه الحالة سأستعمل قلمي ضدكم. إني ثابت على ما قلت. سأبين أني على
حق وأنكم على باطل؛ فماذا أنتم فاعلون بعد ذلك؟
بيتر
:
إذن فلن أكون قادرًا على منع عزلك.
الدكتور
:
ماذا؟
بيترا
:
أبي! يعزل!
كاثرين
:
يعزل!
بيتر
:
يعزل من بين موظفي الحمامات. سأكون مضطرًّا إلى اقتراح أن تعطى إعلانًا بعزلك على
الفور، وأن لا يسمح لك بالاشتراك بعد ذلك في شئون الحمامات.
الدكتور
:
مثلك من يجرؤ على مثل هذا.
بيتر
:
إنما أنت الجريء لا أنا.
بترا
:
عمي! من العار أن تعامل رجلًا مثل أبي هذه المعاملة.
كاترين
:
بترا! اخرسي.
بيتر
(ناظرًا إلى بترا)
:
أووو، إذن فقد دخلنا في دور التطوع بالآراء! بالطبع. (إلى كاترين) كاترين، إني أرى أنك أعقل إنسان في هذا المنزل. استعملي
كل ما لك من التأثير في زوجك وأبيني له ماذا يترتب على فعله من الأضرار به
وبعيلته.
الدكتور
:
عيلتي شأني لا شأن غيري.
بيتر
:
بعيلته كما كنت أقول وكذا بالبلدة التي يعيش فيها.
الدكتور
:
إذا كان في البلدة من يهتم بها فهو أنا. أريد أن أكشف عن العيوب التي لا بد أن
ينكشف أمرها يومًا ما قريبًا أو بعيدًا، وسأري الناس أني أحب بلدي.
بيتر
:
أنت! الذي تريد بعنادك الأعمى أن تقطع عن البلدة أهم موارد خيرها؟
الدكتور
:
هذا المورد مسموم يا رجل. أأنت مجنون؟! إن معيشتنا قائمة على توزيع الأقذار
والأوضار. كل حياتنا البلدية الزاهرة تستمد وجودها من أكذوبة …
بيتر
:
كل هذا وهم، أو شيء أقبح من الوهم. والرجل الذي يرمي بلده بمثل هذه التهم الشنيعة
لا بد أن يكون عدوًّا للشعب.
الدكتور
(ذاهبًا إليه)
:
أتجرؤ أن …
كاترين
(تلقي نفسها بينهما)
:
توماس.
بترا
(قابضة على ذراع أبيها)
:
لا، هدئ جأشك يا أبي.
بيتر
:
لن أعرض نفسي للصدام. ها أنت ذا قد أتاك الإنذار، ففكر فيما يجب عليك لنفسك
ولذويك. الوداع (يخرج).
الدكتور
(متمشيًا هنا وهناك)
:
أيجدر بي أن أحتمل معاملة كهذه؟ وفي بيتي يا كاترين! ما رأيك في هذا؟
كاترين
:
حقًّا إنه لعيب ونكر معًا يا توماس.
بترا
:
آه، لو أنني أستطيع أن أبدي لعمي بعض رأيي فيه.
الدكتور
:
الذنب ذنبي. كان يجب أن أهب فيه من زمن بعيد وأكشر له عن أنيابي، وأزجره. يسميني
عدو الشعب! أنا! لن أتجاوز عن هذه الفرية. محال وشرفي.
كاترين
:
ولكن يا عزيزي توماس، أخوك في جانبه القوة.
الدكتور
:
وأنا في جانبي الحق، أؤكد لك.
كاترين
:
الحق! الحق! ما فائدة أن يكون في جانبك الحق إذا لم تكن معك القوة؟
بترا
:
وي أمي! كيف تقولين هذا الكلام؟!
الدكتور
:
أأنت ترين أنه لا فائدة من أن يكون الحق في جانب الإنسان في بلد حر؟ أمرك عجيب يا
كاترين. ومع ذلك، أليست الصحافة الحرة المستقلة في طليعة الطريق، والغالبية العظمى
من ورائي؟ أرى في ذلك قوة كافية!
كاترين
:
ولكن — يا لله — توماس إنك لا تعني أنك …
الدكتور
:
لا أعني ماذا؟
كاترين
:
أن تنصب نفسك لمناهضة أخيك.
الدكتور
:
بالله خبريني، ماذا تظنين أني فاعل إلا أن أقف موقف الحق والصدق؟
بترا
:
أجل هذا ما كنت على وشك أن أقوله.
كاترين
:
ولكن هذا لا يفيدك فائدة دنيوية، إذا كانوا لا يريدون العمل بفكرتك، فإنهم لن
يعملوا عليها.
الدكتور
:
أوهو، كاترين، أعطيني الوقت وأنا أريك كيف أحاربهم في عقر دراهم.
كاترين
:
أجل، تحاربهم في عقر دراهم ولا تأخذ إلا خطاب عزلك. هذا ما أنت فاعل.
الدكتور
:
سأكون قد قمت على كل حال بواجبي — للجمهور وللمجتمع — أنا الذي أسمى عدوًّا
له.
كاترين
:
وأين واجبك نحو عيلتك يا توماس، نحو بنيك أنت نفسك؟ أترى أنك بهذا تؤدي واجبًا
لمن تعول؟
بترا
:
لا تفكري على الدوام فينا أولًا يا أمي.
كاترين
:
يسهل عليك أن تتكلمي، أنت قادرة على تحصيل عيشك بنفسك إذا اقتضى الحال، ولكن تذكر
أولادك يا توماس، وفكر قليلًا في نفسك أنت أيضًا، وكذلك فيَّ.
الدكتور
:
أظن أنك فقدت رشدك يا كاترين. إذا أنا بلغت من الخسة والجبن حد الذهاب والجثو
أمام بيتر وعصبته السافلة؟! أتظنين أني أعرف طعمًا لراحة الضمير طول عمري
بعدها؟!
كاترين
:
لا أعرف شيئًا عن هذا، ولكني أدعو الله أن يحمينا من راحة الضمير التي ستكون لنا
على كل حال إذا استمررت على مناهضته! ستجد نفسك معدمًا مرة أخرى لا تملك وسيلة
القوت، ولا إيراد لك تعتمد عليه. أظن أننا نلنا الكفاية من هذا في الزمن السابق.
تذكر هذا يا توماس، وفكر في معناه.
الدكتور
(يسكن نفسه بالجهد، ويشد على قبضة يده)
:
وهذا ما تجلبه هذه العبودية على رجل حر شريف! أليس هذا منكرًا يا كاترين؟
كاترين
:
حقًّا إنه لحرام أن يعاملوك هكذا. لا، حرام حقًّا، ولكن وا أسفاه! على المرء أن
يصبر لكثير من المظالم في هذه الدنيا. هاك الأولاد يا توماس. انظر إليهم، ماذا يحل
بهم؟ لا، لا، لا يطاوعك قلبك (إيليف ومورتون يكونان قد
دخلا أثناء كلامهما وكتبهما المدرسية في أيديهما).
الدكتور
:
الأولاد! (يتنبه على حين فجأة) كلا، ولو تهشمت
الدنيا جميعها، لن أحني رأسي لهذا النير.
(يذهب صوب غرفته.)
كاترين
(تتبعه)
:
توماس، علام عولت؟
الدكتور
(عند الباب)
:
عولت على أن أستبقي لنفسي الحق في النظر إلى وجوه أولادي، يوم يكبرون ويصيرون
رجالًا (يدخل غرفته).
كاترين
(تندفع باكية)
:
الله يسترنا جميعًا.
بترا
:
أبي رجل عظيم. إنه لن يسلم (الأولاد ينظرون دهشين وبترا
تشير إليهم إشارة الإسكات).