تجاوز الخطوط الحمراء
شبورة رمادية تغلف سماء القاهرة، وفي الأفق البعيد السحابة السوداء، التي يتحدثون عنها في الصحف، ويقولون إن لا أحد إلا الله يعرف أسبابها.
– العلم عند الله!
الجميع يقولون العلم عند الله، أصبح الله هو الشماعة التي يعلقون عليها الأزمات والكوارث والمذابح في فلسطين والعراق و…
خاصة في شهر رمضان حيث يزيد الإيمان المزيف، وتعج برامج الإعلام بالقرآن ونصائح شيخ الأزهر ومفتي الديار عن العفة وتحجُّب النساء، والصلاة والصوم وزيارة قبر الرسول في المملكة السعودية.
ولا يزيد عن هذه البرامج الدينية إلا رقصات البطن والأثداء والأرداف وتعرية أجساد النساء من أجل الترفيه عن الصالحين الصائمين في رمضان الكريم.
أكتب هذه الكلمات واليوم هو الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٠٢م، الموافق ٢٢ رمضان ١٤٢٣ﻫ، الموافق ١٨ هاتور ١٧١٩ … وبعد شهر واحد، أي في ٢٧ أكتوبر القادم سأبلغ من العمر سبعين عامًا «ويُضاف إليها عامان» الرقم «سبعين» يرن في أذن مهولًا مرعبًا مفزعًا من أن يسمعه أحد في الوطن الكريم حتى يقول عني عجوز شمطاء، منذ قليل نشرت الصحف المصرية الحكومية «والمعارضة الشرعية» عن هذه العجوز الشمطاء التي يجب قطع رأسها؛ لأنَّها تجاوزت الخطوط الحمراء، وخرجت عن الدائرة المرسومة للمؤمنين والمؤمنات بالكتب السماوية الثلاثة، ولأنَّها لا تؤمن بتقبيل الحجر الأسود المقدس، ولأنَّها سخرت من تقبيل رأس سانت كاترينا المقدس، ولأنها سخرت من إله التوراة الذي هو إله الإنجيل وإله القرآن، وقالت إنه منح بني إسرائيل أرض فلسطين (أو كنعان) مقابل قطع غزلة القضيب أو ختان الذكور.
– يجب قطع رأسها أيها السادة.
– لماذا أيها السيد؟
– لأنها تصور الإله في التوراة كأنما هو إله بلا عقل.
– إزاي يا أخي؟
– تصور يا أخي … إنَّها تكتب وتقول: إنَّ الله سبحانه وتعالى أمر بني إسرائيل في التوراة أن يقتلوا أهل كنعان، ويغتصبوا الأرض مقابل ختان الذكور؟! تصور يا أخي هذه البجاحة!
– يا أخي هذه آية مكتوبة ومطبوعة في كتاب التوراة، وهي لم تخترعها من خيالها، ألم تقرأ التوراة؟!
– لا يا سيدي أنا لا أقرأ إلا القرآن، وقال الله سبحانه وتعالى في القرآن أن …
– أنصحك يا أخ أن تقرأ التوراة والإنجيل أيضًا حتى تفهم القرآن؛ لأنك لا يمكن أن تفهم القرآن دون أن تفهم الكتب السماوية السابقة عليه.
– ما هذا الكلام يا أستاذ؟ لم أسمع بهذا من قبل! وأنا يا أستاذ تخرجت في الأزهر الشريف، وأصبحت أستاذًا للفقه والشريعة الإسلامية ولم يطالبني أحد من قبلك بقراءة التوراة والإنجيل.
– ولكنك يا أستاذ لا يمكن أن تكون مسلمًا دون أن تؤمن بالكتب السماوية الثلاثة.
– نعم.
– كيف إذن تؤمن بكتب لم تقرأها؟!
– لقد خرجنا عن موضوعنا الأصلي يا أستاذ!
– ما هو؟
– قطع رأس هذه العجوز الشمطاء الكافرة.
– تاني!
•••
الصحف الحكومية و«المعارضة الشرعية» تنشر كل يوم عن المذابح المتكررة للشعب الفلسطيني.
واليوم الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٠٢، تأتي عناوين الصحف الرئيسية كالآتي:
واصلت القوات الإسرائيلية اعتداءاتها بالأسلحة الثقيلة والدبابات وطائرات الهيلكوبتر الأباتشي المقاتلة في غالبية مدن ومناطق الضفة الغربية، وفي منطقة دير البلح بقطاع غزة … و…
وطالب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بالإسراع بالتدخل لمنع الكارثة الإنسانية التي يواجهها الشعب الفلسطيني.
وفي واشنطن ماذا حدث؟ وكم مرة طالب الرئيس المصري وغيره من رؤساء الحكومات العربية وملوكها وأمراء نفطها، كم مرة طالبوا أمريكا بالتدخل لإنقاذ فلسطين؟!
وتتدخل أمريكا بالطبع، فهي تزيد المعونات العسكرية والاقتصادية لإسرائيل، وتكافئها على المذابح التي تقترفها في فلسطين (والعراق … سنأتي للعراق بعد قليل).
ومع ذلك لا يكف الرؤساء في بلادنا العربية عن استجداء أمريكا بالتدخل لمنع الكارثة!
كيف هذا أيها السادة؟ ولماذا؟
من أجل استمرار المعونة الأمريكية التي ثبت أنها لا تفيدنا بشيء بل أضرارها أكثر؟!
هل لأن الرئيس المصري الراحل أنور السادات أفتى بأن أمريكا تملك ٩٩٪ من أوراق اللعبة؟! هل لأنه هو الذي بدأ الانفتاح على أمريكا وتلقي المعونة بدلًا من الإنتاج والتنمية الحقيقية؟! هل لأنه بدأ عملية السلام المزيفة التي عرفت باسم كامب ديفيد الأولى، والتي قادت إلى هذه المذابح التي تعيشها اليوم؟
ومتى يكشف التاريخ عن زيف عملية السلام هذه؟ وزيف حكاية المفتشين الدوليين الذين بدءوا اليوم في بغداد التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق!
ألا يفتشون عن أسلحة الدمار الشامل في إسرائيل أيضًا؟ ولماذا وافقت الحكومة المصرية على توقيع اتفاقية نزع السلاح النووي على حين رفضت إسرائيل؟!
إنَّها الحكومة الأمريكية التي ضغطت وضغطت على الحكومة المصرية حتى وقعت حكومة مصر على الاتفاقية، وهذه كارثة الكوارث.
أن تُصبح إسرائيل هي القوة المسلحة الوحيدة في المنطقة التي نعيش فيها، وبعد أن تضرب فلسطين والعراق «بالتعاون مع أمريكا» سوف تضرب مصر وسوريا وأي بلد آخر.
ومع ذلك يستمر الخداع الصحفي والإعلامي، واليوم يكتب الصحفيون في الحكومة المصرية أن معاهدة السادات للسلام أو زيارته للقدس عام ١٩٧٧ (١٩ نوفمبر) تساوي في أهميتها لخطة هبوط الإنسان على سطح القمر.
أجل، أيها السادة، إنَّها لحظة تاريخية هامة، بدأ فيها انهيار العرب، أو ما يطلق عليها الأمة العربية، أصبحت كلمة الأمة العربية أو الوحدة العربية كأنما هي وصمة عار، وأصبحت جامعة الدول العربية أضحوكة، أو نكتة، هل سمعتم آخر نكتة عن قرارات الجامعة العربية؟!
كثير من المفكرين العرب والمصريين يتساءلون اليوم: هل تنقرض الأمة العربية ويحذف من القاموس السياسي كلمة «العالم العربي»، ويحل محلها «الشرق الأوسط» تحت سيطرة إسرائيل؟!
(١) النِّفاق سيد الأخلاق والتجسس أيضًا
أحد كبار الصحفيين في مصر (ومعه عدد كبير من رجال ونساء الإعلام) يكتب الشيء ونقيضه حسب التوجيهات القادمة من أعلى.
يتغير رأيه في جمال عبد النَّاصر حسب التَّوجيهات المحلية والدَّوليَّة.
ويتغير رأيه في أنور السادات أيضًا.
إنه يشعر بحقه في النقد لأن الديمقراطية تسود في العهد الحالي، وهو قادر على نقد الرؤساء الموتى فحسب، أما الأحياء فهم …
وهو يكتب اليوم الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٠٢ بعد المذابح الأمريكية الإسرائيلية في فلسطين والعراق وغيرهما … «واشنطن تؤكد استمرار المعونة الاقتصادية والعسكرية لمصر.»
أكد ريتشارد باوتشر المتحدث باسم وزارة الخارجيَّة الأمريكية أنَّ الولايات المتحدة لا تعتزم إجراء أي تخفيض في حجم المعونة لمصر خلال السنة المالية ٢٠٠٢، والتي سوف تصبح ٦١٥ مليون دولار في السنة المالية التالية، وتقدر المعونة العسكرية بمليار و٣٠٠ مليون دولار سنويًّا.
وأكد الرئيس جورج بوش أن على حكومة مصر وغيرها من الحكومات المتلقية للدعم أن تستمر في فتح أسواقها للبضائع الأمريكية والخضوع للسياسة التي تفرضها واشنطن.
•••
يظهر هذا الخبر بالبنط الصغير جدًّا وفي صفحة داخلية، أما الصفحة الأولى فهي تعلن أننا نعيش عهد الحرية والرخاء والسلام في ظل السيد الرئيس بطل الحرب وبطل السلام.
لكن في الصفحات الداخلية وبالبنط الصغير جدًّا نقرأ الآتي: زيادة معدلات الفقر في مصر وفشل مشروعات التنمية.
انخفاض الاستثمارات المحلية والأجنبية في مصر: يكشف التقرير (من مكتب رئيس مجلس الوزراء) أن حجم الاستثمارات المحلية هبطت إلى ٢٣٫٩ مليار جنيه عام ٢٠٠٠ ثم هبطت إلى ١٤٫٦ مليار جنيه حتى أغسطس ٢٠٠٢، وانخفضت الاستثمارات الأجنبية إلى ٥٢٩ مليون دولار حتى أغسطس ٢٠٠٢ (وكانت ٤١٦٧ مليون دولار عام ١٩٩٩).
•••
وضعت الحكومة المصرية في مشروع قانون الاتصالات الجديد نصًّا يسمح لجهات الأمن بالدخول على الشبكات للتصنت على المكالمات التليفونية، حسب المادة ٦٥ من مشروع القانون التي تبيح التجسس على المواطنين.
•••