التاريخ العائلي لزعيمة نسائية محجبة
(١) تحسين الصورة
من حقي أيها السادة أن أكتب
تاريخ عائلتي؛
لأنه تاريخ الوطن والعروبة والإسلام،
ولأن أبي وخالي وعمي وجدي الكبير
من أكبر الرجالات الوطنيين العروبيين الإسلاميين،
وكلها وجوه لعملة واحدة،
وكان زوج خالتي يتكلم عشر لغات؛
أما أبي فلم يكن حاصلًا على الابتدائية،
واشتغل موظفًا بسيطًا في محكمة،
فوق عينيه نظارة سميكة،
يفك بها الخط والتوقيع على العرضحال، والأختام الملكية،
ويقف تعظيم سلام لحاجب المحكمة أو مندوب السراي.
وكانت أمي لا تعرف القراءة ولا الكتابة؛
لكنها كانت تحتفظ بكل ورقة يكتبها أبي،
ومنها كمبيالة المهر وقائمة العفش؛
تأمينًا لها إن طلَّقها أبي بغتة،
أو تزوَّج امرأة أخرى دون علمها،
وقد تعرضت أختها وابنة خالتها وجارتها
لمثل هذه المشاكل في المحاكم الشرعية،
وخرجت كل منهما على باب الله؛
لأن القانون لا يحمي الجاهلات به،
اللائي لا يحتفظن بإيصالات العفش
والكمبيالات
بخط الزوج الجميل أو القبيح،
وكان أبي دائم التحسين لخطه العربي،
فهو عروبي إسلامي،
وهو يعرف حقوقه الكاملة الشرعية،
ومنها حق المطلق في الطلاق والزواج بأخرى
دون علم الزوجة الأولى.
ورثتُ عن أمي إيصالًا وأوراقًا كثيرة، أما أبي فلم يكن لديه أوراق ولا كتب ولا
مكتبة.
أبي كان مولعًا بأنواع الأختام الرسمية والخطوط،
لم يكن يضيع وقته في القراءة؛
ولكن في تحسين خطه وصورته،
وكان الشعار الملكي يشبه الشعار الجمهوري اليوم،
«تحسين الصورة.»
وأصبح أبي جميل الصورة جميل الخط والصوت،
يكاد يشبه الملك في طفولته.
(٢) تشويه الصورة
ورثت عن أبي شعار تحسين الصورة،
لا أعرف كيف تغلغل هذا المبدأ داخلي
وأصبح مقدسًا،
والأهم تأثيرًا أمي، وكانت متفرغة في البيت
للأمومة المقدسة،
والحفاظ على الأسرة من التفكك وعبث الأبوة غير المقدسة،
وكانت أمي تؤمن بالشهادة؛
الدكتوراه أو الماجيستير،
وحين تزوجتُ رجلًا غير متعلم سألتني:
«شهادته إليه؟»
وغضبت أمي من زوجي لأنه لا يعرف
إلا اللغة الشعبية العامية.
وقعت أمي في التناقض والتطرف،
وكانت امرأة شعبية؛
لا تعرف اللغة الفصحى ولا تعرف الكتابة،
وتركت أمي بصماتها على عقلي وجسمي وروحي.
ورثت عنها التناقض والتطرف،
وورثت عن أبي شعار تحسين الصورة
والصوت أيضًا،
وأصبح حلم حياتي أن أكون
الصورة المثالية للمرأة المصرية.
ولأنني عروبية إسلامية مثل أبي؛
فقد أصبحتُ الصورة المثالية لنساء مصر
في ظل العهود الملكية والجمهورية،
وعصور الاشتراكية والرأسمالية،
والليبرالية الجديدة.
ونُشرت صورتي بالبنطلون الأمريكي الجينز،
أيام الانفتاح والحرية.
وفي العصر الحالي تُنشر صورتي بالحجاب
في الصحف الإسلامية،
والصحف الوطنية المعارضة،
وأحزاب العولمة الجديدة والكوكبة،
وأحمل لقب زعيمة نسائية إسلامية عروبية وطنية مناضلة ضد الباطل بكل صلابة وعنف.
ومع ذلك أيها السادة،
فأنا طفلة رقيقة جدًّا، وعاشقة لكلِّ الصور الجميلة والخطوط العربية والفارسية،
وتحسين صور الإسلام في عيون الأجانب؛
ولهذا أغضب بعنف وأضرب بقبضة يدي رأس الشيطان،
والذين يشوهون صورة الإسلام،
وعلى رأسهن ذوات الرءوس غير المحجبة؛
النساء السافرات لعنة الله عليهن!
القاهرة ٩ يوليو ٢٠٠٢