من وحي سنوات الغربة

الغربة خارج الوطن قاسية،
وأقسى منها
الغربة داخل الوطن.
الرسائل تأتيني رغم المسافات
من الأهل والأصدقاء،
والصديقات.
مع حركة الطائرة تزداد المسافات،
والحزام مربوط حول جسدي،
وعقلي مشدود إلى هنا؛
حيث تكون فلذة الكبد،
وحيث يكون الحب
من وراء البحر والمحيط.
تلوِّح لي الأيدي والعيون،
تلمع في الظلمة كالنجوم،
تشدني إليهما من قاع الموت،
بلا قطرة دم ولا دموع.
أعانقهما وأضمهما إلى صدري،
أعود بهما إلى رحم الأم
رغم المسافات،
أنا أمهما نوت أو نون،
أو أي اسم
ذكر أو أنثى.
لا يهم.
المهم أنهما متساويان؛
ابنتي وابني يتساويان عندي،
وإن غضب إله السماء والبراكين،
وإن زمجر بصوت الرعد،
أو أعلن الحرب
على النساء والشباب والأطفال،
تحت اسم الأرض الموعودة،
أو محاربة الإرهاب،
والدعوة إلى الفضيلة،
جسدي رغم الحزام المربوط بالمقعد
يحلق فوق السحب،
فوق الحدود المصنوعة بين البلاد،
والتقسيمات بين البشر
على أساس الدين أو الجنس أو الجنسية.
يكسر الحواجز والخرائط المرسومة
في كتب التاريخ والجغرافيا،
والكتب السماوية.
أحملق من فوق السحب في عيني الإله،
دون حياء أو خجل،
حتى تطرف عيناه ويغض البصر،
ويسألني الحارس عن جواز السفر،
واسم أبي وجدي.
وأقول لا أعرف من الأسماء
إلا اسم أمي،
وأتجه نحو باب الخروج،
رافعة رأسي في شموخ،
وينطلق الرصاص خلف ظهري،
وأنا أسير لا أتوقف
لا يخترق الرصاص جسدي.
يفرقع في الفضاء
مثل فقاعات الهواء،
وأسير نحو الباب وأدخل،
وتسألني ابنتي كيف دخلت؟
وأقول لأن إله الزلازل والبراكين
أصبح مشغولًا بغيري.
أحملق في عينيه فوق السحب،
أحملق دون حياء أو خجل،
حتى تطرف عيناه،
ويغض البصر.
ديرهام، نورث كارولينا ١٩٩٥

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤