كانت الكتابة محرَّمة.
على العبيد والنساء.
لأنَّ الموت مكتوب عليهم.
ولأنَّ الخلود.
فقط للآلهة.
الذكور.
وفي طفولتي كنت أخاف.
ومن شدة الخوف أصبحت أطيع.
أوامر الله والملك والوطن وأبي وأمي.
كانت أمي تأتي دائمًا في النهاية.
مع أنني لا أرى سواها.
وكانت هي أول وجه رأيته وأول صوت سمعته.
كانت هي البداية ومع ذلك دفعوها إلى الخلف.
كانت تكتب في السر وتخفي كلماتها تحت الأرض.
كانت مثلي تخاف حتى ماتت.
لكنها قالت لي قبل أن تلفظ نفسها الأخير.
لا تكوني يا ابنتي مثلي.
واكتبي … اكتبي حتى لا تموتي.
في خريف عام ١٩٨١ حين كان التشاؤم يسود المسجونات معي في الزنزانة، ويحوم شبح الموت
حول
رءوسنا، إذ بالقصيدة تهب منتصبة داخلي كالمارد، تقاوم اليأس تتحدى الموت، وأسمع صوتي
الغاضب
يقول: لن نموت، وإن متنا فلن نموت ساكتات، لن نمضي في الظلمة دون ضجة، لا بد أن نغضب
ونغضب،
نضرب الأرض ونرج السماء، لن نموت دون أن نكسر قضبان الحديد، وإن متنا لن نموت صامتات.
وفي مفكرتي السِّريَّة عام ١٩٤٧، وأنا تلميذة في المدرسة الداخليَّة في حلوان الثانوية،
ظلت هذه القصيدة مكتوبة بالحبر الأسود، محفورة في ذاكرتي وفوق الورق:
قبل أن أغيب في النوم كل ليلة، أقول لنفسي:
سيأتي الصبح حتمًا ولن أموت، وإن مت.
فلن يؤلمني شيء بعد الموت.
لا السقوط في الامتحان، ولا الضرب.
على أطراف الأصابع بالمسطرة.
ولا زمهرير البرد ولا لهيب الشمس ونار الجحيم.
لم أجد إلا صديقتي في العنبر لأسألها: هل نموت؟
إن متنا هل يؤلمنا أن نموت؟ أين نحن؟
الآن في عنبر الموتى، في اللامكان واللازمان.
ولا وجود للحب إلا بعد أن نحترق في الحريق.
ونصير كالرماد، كرمال الصحراء في حلوان.
كأننا يا صديقتي متنا قبل الأوان.
رأيت المشهد في الحلم، وعرفت أننا نمضي.
إلى حيث لا ندري، فهل أكون في الغد ما أريد أن أكون؟
شاعرة أو ناثرة أو حتى آثمة؟
هل أرى اسمي فوق كتاب ممنوع؟ وأشق السماء.
بقلمي، وأجعل المطر رهن مشيئتي؟
والنهار والشعر والنثر.
ينثال من خطيئتي، فليحرقني الله في نار جهنم.
ولتشرب الأرض دمائي لكني أبدًا لن أموت.