حجاب العقل

طلعت علينا الصحف الحكومية صباح يوم الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٠٢ بعناوين ضخمة تزيد من كثافة حجاب العقل، وأنقل بعض عناوين الصفحة الأولى:

البنك الدولي يساعد مصر في تنفيذ برامج التنمية وتحديث اقتصادها.

الوضع الاقتصادي المصري يتحسن باستمرار.

المعونات الأمريكية لمصر تحقق فائدة مشتركة وليست ورقة ضغط.

الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في تحسين صورتها في العالمَيْن العربي والإسلامي من خلال منح المعونات.

القروض الأجنبية لا تزيد عن ١٫٢ مليار دولار سنويًّا.

مصر تطلب فترات سماح وآجالًا طويلة وفائدة بسيطة حتى تستطيع أن تسدد الديون المتزايدة.

•••

طائرات حربية أمريكية تحركت إلى العراق.

أربع حاملات طائرات أمريكية تحركت إلى الشرق الأوسط، واحتلت مواقعها لتضرب العراق في منتصف ديسمبر المقبل.

وفي نيويورك أعرب كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة عن ارتياحه لاستئناف مهمة المفتشين في العراق، وقال: إن عمليات تفتيش المواقع العراقية شهدت بداية طيبة.

(١) السادات مظلومًا

في ديسمبر ١٩٧٩ توجه إبراهيم نافع إلى بيت السادات في الجيزة لأول مرة بعد تعيينه رئيسًا لتحرير الأهرام المصرية، وسوف ينشر سلسلة من المقالات تحت عنوان «السادات مظلومًا».

وفي مقاله الأول الصادر بجريدة الأهرام في ٢٨ نوفمبر ٢٠٠٢ الصفحة الأولى يقول عن مذبحة سبتمبر ١٩٨١، حين أصدر السادات قرارًا باعتقال ١٥٣٦ شخصًا في يوم واحد، (كنت واحدة منهم) بتهمة التآمر مع جهات أجنبية والخيانة الوطنية، يكتب إبراهيم نافع ما يلي:

السادات كان إنسانًا محبًّا للخير … لا يشعر بالمرارة تجاه أحد، وحين يغضب يعبر عن غضبه بعنف وحدة، ويخرج كل ما في صدره من أبخرة مكتومة، وكانت ذروة غضبه بسبب توحش الجماعات المتطرفة في أواخر عهده، وانفلاتها وتهديدها الأمن والسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية … وتأثيرها السلبي في عملية السلام (كامب ديفيد) … ولهذا فلا مفر من أن يتصدى لهذه الجماعات بقوة … ويحتجز قياداتها (في السجون) … غير أن أيديًا أخرى تدخَّلت، وأضافت إلى «قوائم المسجونين» أشخاصًا آخرين لم يكونوا في حسبان السادات (حين أعد القوائم) … وقال لي السادات بالحرف الواحد: هؤلاء الأشخاص الذين أضيفوا للقوائم سيفرج عنهم فور استكمال الانسحاب الإسرائيلي من سيناء في فبراير التالي …

والسؤال الآن: ما هذه الأيدي الأخرى الخفية التي أضافت اسمي وأسماء آخرين لم يكونوا في حسبان السادات، ولم ترد أسماؤهم في القوائم الأصلية؟!

أذكر أن ضابط المباحث قال لي وأنا سجينة بزنزانة الشحاذات بسجن النساء بالقناطر الخيرية خلال سبتمبر ١٩٨١: «والله العظيم يا دكتورة نوال، أقسم لك إن اسمك لم يكن موجودًا في القوائم الأصلية التي عُرضت على السادات، ولكنه هو الذي أضاف اسمك في آخر القائمة؛ ولهذا فإن رقمك في الحبس هو ١٥٣٦، وهو الرقم الأخير في القائمة التي دخلت السجون في ٣ سبتمبر ١٩٨١.»

•••

أصبح من الواضح بعد عشرين عامًا من معاهدة السلام (كامب ديفيد الأولى) أنها لم تكن معاهدة سلام ولم تحقق أي سلام، بل قادت إلى المذابح التي نشهدها اليوم لشعوب المنطقة؛ الشعب الفلسطيني، والشعب العراقي، وسوف تستمر الآلة الحربية الأمريكية الإسرائيلية في هذه المذابح لتشمل بقية الشعوب ومنها الشعب المصري، الذي يتعرض للموت الاقتصادي قبل أن يتعرض للموت العسكري.

وفي معاهدة كامب ديفيد الأولى دخل الاستعمار الأمريكي الإسرائيلي بلادنا تحت اسم المعونة، المنصوص عليها في اتفاقيات كامب ديفيد، ومع المعونة بدأ فتح الأسواق المصرية للبضائع الأمريكية تحت اسم الانفتاح، وبدأت القوى الإسرائيلية «الأمريكية» تحاصر الشعب الفلسطيني في جنوب لبنان، واشتعلت الحرب والمذابح حتى اليوم.

•••

مَن يرد على مقالات إبراهيم نافع في جريدة الأهرام؟! ومنذ بدأت الرد عليه (بعد نشره مقاله في ١١ أغسطس ٢٠٠٠) تم وضع اسمي في القائمة السوداء، أو القائمة الرمادية، وأصبحت عاجزة عن نشر مقالاتي في الصحف الحكومية أو المعارضة الشرعية … لماذا؟

لأن رئيس تحرير الأهرام قوة كبيرة على اتصال وثيق بالقوى الحاكمة، وتتردد صحف المعارضة (يسار ويمين ووسط) في نقد إبراهيم نافع.

ربما يكون نقد رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أسهل من نقد رئيس تحرير الأهرام، والجميع (رجالًا ونساءً) من النخبة المصرية يتنافسون على الكتابة بجريدة الأهرام، أو على الأقل نشر أخبارهم مع الصورة داخل البرواز في الصفحة الأخيرة التي تسيطر عليها إحدى الصحفيات، ابنة أحد كبار الصحفيين بالأهرام.

•••

من أخبار الصباح — جريدة الأهرام — مع صورة داخل برواز للأستاذة الكاتبة الكبيرة عضو حزب اليسار وعضو الحزب الحكومي، وعضو المجلس القومي للمرأة، برعاية السيدة الأولى حرم السيد الرئيس، ورئيسة مجلس إدارة الفنانات المصريات لدى الهيئة الدولية في واشنطن، تلقي الأستاذة الكبيرة كلمة في مؤتمر المرأة العربية المزمع عقده في بيروت خلال ديسمبر ٢٠٠٢ والدعوة عامة للشعب.

•••

الفراغ السياسي والثقافي في مصر أصبح خطيرًا، ولم يعد الشباب متحمسًا لأي عمل سياسي أو ثقافي، وهم يرون الجهلاء يصبحون هم النخبة، أو أنصاف الجهلاء، أو أنصاف المتعلمين.

كان أبي يقول: «المنافقون يلجئون إلى النفاق؛ لأنهم بلا موهبة حقيقة في أي شيء وبلا ثقة بالنفس؛ لأن نظام التعليم الفاسد يسلبهم الثقة والذكاء الفطري الذي يتمتع به الرجال والنساء الذين لا يقرءون ولا يكتبون.»

منوف عام ١٩٤٧

•••

وقد أصبح جورج بوش «الابن» يتحدث عن تحرير النساء في أفغانستان وفلسطين والعراق ومصر وغيرها من البلاد؛ لأن العقبة أمام التنمية هي تخلف المرأة بسبب التقاليد البالية ومنها ختان الإناث.

ويشترك بعض النخبة من بلادنا مع بعض النخبة الأمريكيين في إصدار تقرير عن التنمية البشرية في بلادنا، ويؤكد التقرير أن من العقبات أمام التنمية هو تخلف المرأة.

أصبح «تخلف المرأة» هو الشماعة الجديدة التي يعلق عليها فشل مشاريع التنمية في بلادنا، وليس سياسات البنك الدولي والحكومة الأمريكية التي تغزو بلادنا اقتصاديًّا «وعسكريًّا» في ظل حماية الحكومات المحلية التابعة لها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤